عن الجدل الفقهي حول حكم بناء الأضرحة وزيارتها
د.صبري محمد خليل/ أستاذ بجامعه الخرطوم/ تخصص فلسفه القيم الاسلاميه
اختلف العلماء في مسالة حكم بناء وزيارة الأضرحة ،الى مذهبين :
المذهب الأول :مذهب المنع:ويقول بتحريم بناء الاضرحه والمقامات او زيارتها، استنادا إلى العديد من الادله، ومن أهم القائلين به الإمام ابن القيم الذي ينقل أدله المنع في قوله( ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد ، وإيقاد السرج عليها ، واشتد نهيه في ذلك حتى لعن فاعليه ، ونهى عن الصلاة إلى القبور ، ونهى أمته أن يتخذوا قبره عيداً ، ولعن زوارات القبور . وكان هديه أن لا تهان القبور وتوطأ ، وأن لا يجلس عليها ، ويتكأ عليها، ولا تعظم بحيث تتخذ مساجد فيصلى عندها وإليها ، وتتخذ أعيادا وأوثانا ) ( زاد المعاد 1/524)، وبناءا على هذا يقرر ان بناء الاضرحه بدعه وان سنته صلى الله عليه سلم تسويتها( ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تعلية القبور ولا بناؤها بآجر ، ولا بحجر ولبن ، ولا تشييدها ، ولا تطيينها ، ولا بناء القباب عليها ، فكل هذا بدعة مكروهة ، مخالفة لهديه صلى الله عليه وسلم. وقد بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى اليمن ، ألا يدع تمثالاً إلا طمسه ، ولا قبراً مشرفاً إلا سواه" رواه مسلم. فسنته صلى الله عليه وسلم تسوية هذه القبور المشرفة كلها)، ثم يقرر وجوب هدم المسجد الذى يبنى على قبر ( وعلى هذا فيهدم المسجد إذا بني على قبر ، كما ينبش الميت إذا دفن في المسجد. نص على ذلك الإمام أحمد وغيره ، فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر) (زاد المعاد 3/572) ، ثم ينكر الإمام أبن القيم الذين يزورون القبور ويسألون الأموات الحوائج ، أو يتوسلون بهم في قضائها ، أو يدعون الله عند قبورهم ( وكان هديه صلى الله عليه وسلم أن يقول ويفعل عند زيارتها ، من جنس ما يقوله عند الصلاة على الميت ، من الدعاء والترحم ، والاستغفار. فأبى المشركون إلا دعاء الميت والإشراك به ، والأقسام على الله به ، وسؤاله الحوائج والاستعانة به ، والتوجه إليه ، بعكس هديه صلى الله عليه وسلم ، فإنه هدي توحيد وإحسان إلى الميت ، وهدي هؤلاء شرك وإساءة إلى نفوسهم ، وإلى الميت ، وهم ثلاثة أقسام : إما أن يدعو الميت ، أو يدعو به ، أو عنده ، ويرون الدعاء عنده أوجب وأولى من الدعاء في المساجد ، ومن تأمل هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، تبين له الفرق بين الأمرين وبالله التوفيق.) [زاد المعاد: 1/526]
المذهب الثاني : الجواز: ويقول بجواز بناء الاضرحه واتخاذ المساجد قبور، وزيارتها استنادا إلى العديد من الادله منها: قوله تعالى { قال الذين غلبوا على أمرهم لنتَّخذن عليهم مسجداً }[الكهف:21]، وتقرير الرسول (صلى الله عليه وسلم) صاحبه أبا جندل (رضي الله تعالى عنه)على بناء مسجد على قبر أبي بصير (رضي الله تعالى عنه) فيما يرويه عبد الرزَّاق وغيره عن الحديبية، وما روى من أن جماعة من المرسلين والأنبياء عليهم السلام مدفونون في المسجد الحرام، ما بين زمزم والمقام، منهم نوح وهود وصالح وشعيب وإسماعيل عليهم السلام، حيث ينقل الإمام القرطبي في الجامع لأحكام القرآن قول ابن عباس( في المسجد الحرام قبران ليس فيه غيرهما: قبر إسماعيل، وقبر شعيب عليهما السلام) ، و اتخاذ المسجد على قبر الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك بعلمه وندبه إليه؛ فقد ثبت في الصحاح قوله: { ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنَّة }،ودفن أبو بكر الصديق وعمر بين الخطاب (رضي الله عنهما) مع الرسول (صلى الله عليه وسلم). كما يرى هذا المذهب ان المقصود من الحديث " لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد "[متفق عليه]. انهم اتخذوا قبور أنبيائهم قِبلة يسجدون إليها وهو محظور باتفاق.و ان النهي عن رفع القبور، نحو خبر" لا تدع قبراً مشرفاً إلا سويته "[مسلم وغيره] مقصود به لا تدع قبراً مشرفاً من قبور المشركين ومن في معناهم إلا سويته (حكم بناء الأضرحة واتخاذ المساجد على القبور،الشيخ طارق السعدي).
المذهب الثالث :مذهب التفصيل: أما مذهب التفصيل فيميز بين كيفيتين لبناء المساجد على القبور وزيارتها، الكيفية الأولى: البناء بقصد عباده صاحب القبر او تقديسه، و الزيارة التي تتضمن ما هو محرم من دعاء وتوسل يتضمن الشرك بالله، وحكمها المنع، والكيفية الثانية البناء بدون قصد عباده صاحب القبر او تقديسه، والزيارة بقصد الدعاء والترحم والاستغفار وما وافق السنه وحكمها الاباحه ،وهنا نستأنس بموقف ابن القيم الايجابي من ضريح ابن تيميه (والذى يتمثل في استخدامه تعبير قدس اله روحه ونور ضريحه) رغم ان موقفه العام من بناء وزياره الاضرحه هو التحريم والمنع كما سبق بيانه- حيث يقول فى كتابه إعلام الموقعين :3 /5 (وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه ونور ضريحه - يقول : مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر فأنكر عليهم من كان معي فأنكرت عليه وقلت له : إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله والصلاة وهؤلاء تصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال فدعهم.( .كما يجب تقرير إن الإنكار على الكيفية الأولى يجب ان يتم طبقا للضوابط الشرعية في الأمر بالمعروف والنهى عن منكر، من هذه الضوابط قاعدة " سد الذرائع "،اى جعل حكم الفعل الذي يلزم منه الضرر المنع ، ومن أدلتها عدم هدم الرسول (صلى الله عليه وسلم) الكعبة لأعاده بناءها على قواعدها الصحيحة لان الناس كانوا حديثي العهد بالإسلام . ومنها قاعدة العذر بالجهل ودليلها في السنة قوله(صلى الله عليه وسلم)(اللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون). يقول ابن القيم ( أما أهل البدع الموافقون لأهل الإسلام، ولكنهم مخالفون في بعض الأصول كالرافضة والقدرية ونحوهم فهؤلاء أقسام: أحدهما الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له فهذا لا يكفر ولا يفسق ولا ترد شهادته إذا لم يكن قادراً على تعلم الهدى وحكمه حكم المستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً فأولئك عسى الله أن يغفر عنهم)( ابن القيم، الطرق الحكمية، ص174.
sabri.m.khalil@hotmail.com
//////