عوامل فشل وساطة الإيقاد في مفاوضات أطراف النزاع في دولة جنوب السودان .. ترجمة: غانم سليمان غانم

 


 

 

عوامل فشل وساطة الإيقاد في مفاوضات أطراف النزاع في دولة جنوب السودان

بقلم: الدكتور/لوكا بيونج دينق

ترجمة: غانم سليمان غانم

G_ghanim@hotmail.com

نقلاً عن: صحيفة سودان تربيون

حيث أن الجولة النهائية والأخيرة فى مفاوضات أطراف النزاع في دولة جنوب السودان في أديس أبابا قد انتهت بالفشل، وكما هو معلوم فإن شعب دولة جنوب السودان لم يكن يعلق أهمية كبيرة ولم يكن يتوقع شيء إيجابي من هذه الجولة لأنهم أحبطوا مراراً وتكراراً بنتائج الجولات السابقة. وبرغم  روح التشاؤم فقد كان من المتوقع أن تؤدي هذه الجولة من المفاوضات إما إلى عدم اتفاق أو إلي إتفاق لكنه إتفاق سيء. ومهما كانت نتيجة الجولة الأخيرة من المفاوضات فقد اعتمدت  مخرجات ونتيجة هذه الجولة بشكل كبير على نوعية الوساطة وعلى الخصائص القيادية للأطراف المتحاربة.

توجد هناك بينات ودلائل متراكمة فيما يتصل بمساعي السلام توضح الدور المهم لمختلف أساليب وبدائل وخيارات حل النزاعات في بناء وتعزيز السلام. لقد استشهدت فى محاضرة لى بعنوان "الحوار والتفاوض والوساطة" أجريتها فى الدورة التدريبية الحادية عشر لكبار القادة الإقليميين والتى تم إنعقادها فى نيروبي عاصمة كينيا بحالتى مفاوضات سلام السودان ومفاوضات أطراف النزاع فى دولة جنوب السودان التى رعتهما وقامت بالوساطة فيهما نفس المنظمة: الإيقاد، وذلك لأجل توضيح معاني ومفاهيم هذه المصطلحات الثلاثة "الحوار والتفاوض والوساطة". ومن الواضح أن الحالتين قدمتا تجربتين مختلفتين لنفس الوسيط – وقد أدت مفاوضات سلام السودان إلى تحقيق إتفاقية السلام الشامل التى إتسمت بعقد عدة جولات مفاوضات وقامت فيها الإيقاد بتقديم التسهيلات المختلفة، كما إن الإيقاد قامت بشكل أساسي بدور الوساطة في  مفاوضات السلام التي جرت بين أطراف النزاع فى دولة جنوب السودان.

خلال جولات مفاوضات اتفاقية السلام الشامل كان الدكتور الراحل جون قرنق والأستاذ على عثمان – المفاوضين الرئيسيين – في معظم الحالات يتفاوضان بشكل مباشر بينما فى جولات مفاوضات أطراف النزاع في دولة جنوب السودان كانت الإيقاد تقوم بالوساطة فى معظم الحالات مع إتاحة قدر محدود من المفاوضات المباشرة بين الطرفين المتحاربين.  وبالرغم من أن أساليب ووسائل وخيارات حل النزاعات ليست بنفسها كافية لتحديد مخرجات ونتائج مفاوضات السلام إلا أن المفاوضات المباشرة تتيح فرصاً أفضل لتحقيق سلام إيجابي مصحوب باتفاقية سلام موثقة لأطراف النزاع، وبعكس الوساطة تتيح المفاوضات المباشرة للاطراف المتنازعة إمكانية حل النزاع بنفسيهما من دون مساعدة من طرف ثالث محايد أو طرف غير منحاز.

إلى جانب إختيار أساليب ووسائل وخيارات حل النزاعات فإن خصائص شخصية الوسيط لها أهمية كبيرة فى تحديد مخرجات ونتائج الوساطة. وباستخدام المهام العشرة للوسيط بحسب طريقة مفاوضات السلام السويسرية لمقارنة نوعية الوساطة فى حالتى مفاوضات سلام السودان ومفاوضات طرفي النزاع فى دولة جنوب السودان، من الواضح أن الوسطاء فى مفاوضات طرفي النزاع فى دولة جنوب السودان قد فشلوا في التقيد والإلتزام بتلك المهام العشرة. وفيما يتعلق بالمهمة الأولي "استمع، استمع، استمع" فقد كان  الوسطاء في مفاوضات اتفاقية السلام الشامل مستمعين جيدين بدون افتراض شمولية معرفتهم بالسودان وبدأوا وساطتهم على أساس عدم المعرفة بينما الوسطاء فى جولات مفاوضات طرفي النزاع فى جنوب السودان بدأوا وساطتهم بافتراض أنهم يعرفون جنوب السودان بشكل أفضل من الطرفين المتحاربين. إن افتراض شمولية المعرفة بواسطة الوسطاء أدت إلى أن يكونوا مستمعين سلبيين وهذا قيد فعالية إتصالاتهم مع الطرفين المتحاربين.

إن وسطاء مفاوضات طرفي النزاع في دولة جنوب السودان قد تجاهلوا المهمة الثانية للوسيط وهي بناء الثقة لدى الأطراف المتنازعة. وقد اتضح هذا جلياً فى السلوك الفاتر الذى أبداه وسطاء الإيقاد تجاه إتفاقية أروشا. إلى جانب تحديد المسببات الرئيسية للصراع الحالي الذي بدأ من داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان وتطور ليصبح أزمة وطنية فقد وضعت إتفاقية أروشا أساساً متيناً لبناء الثقة بين الأجنحة المختلفة على نطاق الحركة الشعبية لتحرير السودان كما وضعت رؤية سياسية لمعالجة الأزمة الوطنية. كان ينبغي على الإيقاد أن تكون أول المستفيدين من إتفاقية بناء الثقة لحل المسائل العالقة مثل مسألة اقتسام السلطة. ونظراً لأن الأجنحة المختلفة فى نطاق الحركة الشعبية لتحرير السودان قد اتفقت على التوحد وبالنظر إلى حقيقة أن هذه الأجنحة هي الأطراف الرئيسية فى وساطة الإيقاد لحل النزاع، كان يمكن للإيقاد أن تطلب من الأجنحة الثلاثة للحركة الشعبية لتحرير السودان حل مسألة اقتسام السلطة في ضوء مخرجات ونتائج إتفاقية اروشا. على سبيل المثال، فإن الاختيار لمنصب رئيس الوزراء أو نائبي الرئيس  واقتسام السلطة بين الأجنحة المتحدة في الحركة الشعبية والقوى السياسية الأخرى فى دولة الجنوب كان يمكن أن يترك للحركة الشعبية بدلاً من تبنى الصيغة المقترحة من الإيقاد لاقتسام السلطة. ونظراً لأن الإيقاد استمرت فى اقتراح تخصيص المناصب فى الحكومة الوطنية بالنظر إلى الأجنحة الثلاثة للحركة الشعبية وحتى على ضوء التقسيمات الجهوية والعرقية، فإن الإيقاد كوسيط سلام أخفقت في بناء الثقة بين الأطراف المتحاربة.

من المهام الأخرى للوسيط هي بناء الثقة فى عملية الوساطة ذاتها. لم تنجح الإيقاد بصفتها وسيط سلام في بناء الثقة في عملية الوساطة التى رعتها وقامت بها. لقد اتضح جلياً أن الأعضاء الرئيسين فى الإيقاد (أثيوبيا والسودان وكينيا) الذين كانوا يقومون بالوساطة فى مفاوضات سلام دولة جنوب السودان لم يكونوا محايدين أو غير منحازين. ومن الواضح أن كل من السودان وكينيا وأثيوبيا لديهم مصالح استراتيجية واقتصادية فيما يتعلق بخط الأنابيب البديل لتصدير نفط جنوب السودان.

إن دولة السودان منهمكة بشدة فى دعم الحركة الشعبية – جناح ريك مشار عسكرياً ودبلوماسياً     ونتيجة لذلك لا يمكن وصفها بالوسيط المحايد. كما أن أثيوبيا ومصالحها الأمنية والإستراتيجية يشكلها بشكل كبير سد النهضة مقروناً بطموحها الكبير فى أن تصبح قوة إقليمية عظمى فإن إثيوبيا لم تعد تتحمل وبشكل كبير أي مبادرة قد تهدد ريادتها ومركزها المتقدم على مستوى الإقليم.  وقد إعتبرت إثيوبيا إتفاقية أروشا مهدداً لريادتها ومركزها المتقدم فى الإقليم. أما كينيا التى تحركها مصالحها الإقتصادية وخاصة خط أنابيب البترول البديل لتصدير نفط جنوب السودان وبذلك فهي ترسل رسائل مزدوجة للأطراف المتحاربة مع إهتمام كبير بإقامة علاقات جيدة مع الحركة الشعبية – جناح ريك مشار.

يعتقد بعض أعضاء اللجنة الثلاثية إن إنشقاق الحركة الشعبية لتحرير السودان إنما هو نعمة لأن هذا الإنشقاق سيضعف الهيمنة السياسية وإحتكار السلطة بواسطة الحركة الشعبية. كما أن بعض أعضاء اللجنة الثلاثية يرون بأن إتفاقية أروشا ربما تعيد احتكار السلطة والهيمنة السياسية بواسطة الحركة الشعبية وأن هذا لن يخلق أى تحول إيجابي ومناخ صحي وديموقراطي فى دولة جنوب السودان. إن بعض أعضاء اللجنة الثلاثية – باعتبارهم ممولين رئيسيين لمفاوضات السلام التى ترعاها الإيقاد – قد أثروا بشكل مباشر في السلوك الفاتر الذي أبدته الإيقاد تجاه إتفاقية أروشا.

وبالنظر إلى المهام الأخرى لوسيط السلام، مثل عدم "القيام بالوعظ والتدريس" وعدم "القيام بالتهديد والضغط على أطراف النزاع" فإن الإيقاد قامت بالعكس تماماً إذ أنها قامت بالوعظ والتهديد والضغط على أطراف النزاع. وعلى أساس إفتراض شمولية معرفتها بدولة جنوب السودان بشكل أفضل من الأطراف المتحاربة، قامت الإيقاد باقتراح الحلول للأطراف المتحاربة "بتكرار التهديد بالمقاطعة والتدخل من جانبها". ومن المعلوم سياسياً أن الإيقاد إنما هي "نمر من ورق" ومنظمة ضعيفة ليس لها صلاحية فرض الحظر والمقاطعة إلا من خلال مجلس الأمن والسلم التابع للإتحاد الأفريقي والذي يعتمد تماماً على مجلس الأمن والسلم التابع للأمم المتحدة لتطبيق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لفرض الحظر والمقاطعة.

إلى جانب هذه الخصائص المطلوب توفرها فى شخصية وسيط السلام، يتوقع من وسيط السلام أن يكون "منصفاً وداعماً" وأن يكون "صبوراً ومثابراً" وأن يهتم بـ"إتفاق الأطراف" وأن لا يكون"ميالاً للإنسحاب"، وقد فشلت الإيقاد في إظهار هذه الخصائص خلال مفاوضات سلام دولة جنوب السودان. وعلى وجه الخصوص، كانت الإيقاد قليلة التحمل ومتضجرة من إكمال جولات المفاوضات حتى على حساب نوعية السلام الذى يتم الإتفاق عليه بين أطراف النزاع. على سبيل المثال، قامت الايقاد بتسمية الجولة الأخيرة من المفاوضات بالفرصة الأخيرة والنهائية لإبرام اتفاقية السلام.

ليس هناك طريقة لإنهاء محادثات سلام بدون الوصول إلى إتفاقية سلام لأن الخيار بين الحرب والسلام واضح كوضوح الشمس فى كبد السماء، كما أن السلام على وجه الخصوص مطلب مهم وضروري ولا غني عنه. إن فشل وسيط السلام في إبرام اتفاقية سلام ليس مبرراً لإنهاء محادثات السلام. ونظراً لأن الأطراف المتحاربة صارت تتشكك بشكل كبير فى مصداقية وساطة الإيقاد يجب على الإيقاد الإستفادة من تجربة رعايتها لإتفاقية السلام الشامل وعليها أن تقوم بتشجيع الأطراف المتحاربة للقيام بمفاوضات مباشرة. إن المفاوضات المباشرة بين الأطراف المتحاربة لن تضمن فقط استمرارية محادثات السلام بل ستضمن أن نتائج المفاوضات سيتم احترامها وتنفيذها بحسن نية من جانب الطرفين المتحاربين. إن فشل الجولة الأخيرة من المفاوضات في تحقيق إتفاقية سلام  يستلزم أن تقوم الإيقاد بالتفكير بشكل جدى فى دراسة خيار الإنسحاب من وساطة محادثات سلام دولة جنوب السودان.

إن قرار رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان بالقيام بإجراءات ملموسة فيما يتصل بتنفيذ اتفاقية أروشا والإجتماع الإيجابي الذي تم في نيروبي بين الرئيس سالفا كير ومعتقلي الحركة الشعبية السابقين والسيدة ربيكا حرم الدكتور الراحل قرنق كلها تشير بأن الحركة الشعبية تقوم بترتيب أوضاعها الداخلية. إن القرار المشترك الذى تم تبنيه بواسطة وفد الحكومة ومعتقلي الحركة الشعبية السابقين والمرتبط باستخدام اتفاقية أروشا كأساس للمفاوضات الجارية هو قرار سليم وصحيح ليس لأنه يعزز الثقة بين فرقاء الحركة الشعبية ولكنه سيساعد الوسطاء للقيام بانجاز إتفاقية سلام. يتوقع المرء أن تقوم الأجنحة الثلاثة فى الحركة الشعبية لتحرير السودان بالمطالبة بالمفاوضات المباشرة بناء على نتائج إتفاقية أروشا واجتماع نيروبي المشار إليه أعلاه. وبفشل جولة المفاوضات الأخيرة فى تحقيق اتفاقية سلام يجب على رئيس الحركة الشعبية بناء على مخرجات ونتائج إتفاقية أروشا القيام بتبني مبادرة للحوار الوطني يقوم بتنظيمها وترتيبها رؤساء الكنائس بهدف الوصول الى اتفاقية سلام وطنية مثل إتفاقية السلام التى تم إبرامها سابقاً في البيبور الكبرى.

///////////

 

آراء