عودة لحزب الأمة .. أحزاب الأُمة وضرورات الإصلاح

 


 

 


بسم الله الرحمن الرحيم
دعاني إلي الكتابة في هذا الموضوع أخونا د. سيد قنات حول إصلاح حزب الأُمة و أضفتُ إليها أحزاب الأُمة كافة و ليس فتات حزب الأُمة المعروف، ليقيني بأن أمر الأحزاب يجب ألا يُترك للأحزاب وحدها- خاصة طرق إدارتها و إصلاحها ، و كما سبق أن ذكرت فإن وضعنا الحالي ما هو إلا نتاج لضعف الأحزاب و إنعدام القيادات المؤثرة فيها و يكفي أن عُمر بعضها جاوز الستين عاماً و لما ترشُد بعد !! و أعجب لتفتتها و إختلافها و أعتقد لا وجه للخلاف بينها ! عدا الحزب الشيوعي و المؤتمر الشعبي أو الإخوان المسلمين و هي أحزاب أجنبية النشأة و يعتقد كثير من الناس بأنها قد تتبع أجندة أجنبية ! ويصعب جداً إيجاد الدليل علي ذلك !
مقارنة أحزابنا بالأحزاب في الديموقراطيات العريقة قد تكون ظالمة فهي قد سبقت في العمل و التجربة بقرون ولكن لا بد من المقارنة إن أردنا إصلاحاً.وهنا نذكر أمر العضوية و تسجيلها و إلتزامها بإشتراك أو مساهمات ثابتة أو متقطعة و ربما التفرغ للعمل الحزبي – أمرٌ لا وجود له إلا في الحزب الشيوعي و الإخوان المسلمين. إضافة للتنظيم المتصاعد من القواعد إلي القمة و الذي لا يخلو من التآمر لوصول بعض القيادات – أمرٌ معروف و الأسوأ من ذلك تدمير أو أغتيال معنوي لقيادات كان يُرجي منها ! نزعةٌ لا يمكن الفكاك منها طالما نفتقد الحرية في التجمع و طالما تتحرك الأحزاب بصعوبة و في ظل أجواء تحد من الحركة.
حزب الأمة و الوطني الإتحادي حدث الإنشقاق في كليهما نتيجة لرغبة الشباب و المتعلمين في تحديثهما بفصل الدين عن الدولة أو كما أسموها القداسة و السياسة و لعجز هؤلاء المتعلمين من تكوين أحزاب برؤي جديدة أو بفكر جديد! و ظلت هيمنة السيدين/عبدالرحمن المهدي و علي الميرغني علي أتباعهم بإسم الدين و نتاجاً لوضعهم المتميز مالياً – في حزب الأمة يجئ كيان الأنصار بعنفوانه و قوته و في الحزب الإتحادي طائفة الختمية بخلفائها و طاعتهم. لم يفلح الصادق في حزب الأمة ، بل تراجع كثيراً عن مبادئه و نصب نفسه إماماً لطائفة الأنصار ! مع أحتفاظه برئاسة الحزب !كما فشل الأزهري في إصلاح حزب الإتحاديين و ظل في إنقسامه المستمر إلي يومنا هذا ، و يتعثر تلاميذه و أتباعه في مواجهة طائفة يغلب عليها الكتمان و أعجبُ لبعضهم مثل علي السيد أو بروفسير الجعلي في تمسكهم بمثل هذا الحزب ! لا أجد سبباً واحداً لتحملهم الإهانة و الإزدراء ! 
ما هي أهداف حزبي الأمة و الإتحادي؟ ما هي البنية المؤسسية لهما؟ ماهي العلاقة التنظيمية بين الطائفة و الحزب؟ هل يمكن لهذين الحزبين أن يعملا بمعزل عن طائفة الأنصار و طائفة الختمية؟ ظلت طائفة الأنصار كفزاعة في مواجهة الخصوم  و الأتباع و لا نحتاج لأمثلة أو شواهد – فهي معروفة و قد نظرت في بعضها المحاكم !
وحتي جماعة الإخوان المسلمين برئاسة الترابي جاءت لإحداث التغيير و لكنها تغيرت كثيراً و في مراحل كثيرة-جبهة الميثاق، الجبهة الوطنية ،المؤتمر الوطني و الشعبي أخيراً – كانت في كل تجلياتها علي عداء شديد مع الصوفية أو الدين التقليدي و لكنها لدواعي الضرورة تعايشت معها و أستعانت بها لتحقيق أهدافها و ها هو المؤتمر الوطني يستخدم ذات التكنيك في إنتخاباته الحالية لحشد الجماهير مستغلاً الصوفية! و يبدو بأن المجتمع السوداني سيظل  لآجال طويلة أسيراً للنزعة الدينية و سيظل السوداني و حتي المتعلم منه يلجأ للدين و رجال الدين من الصوفية و قد ينخدع بهم و قد يجد لهم المبررات في خداعهم له "ننخدع لمن خدعنا" و قبل يومين قرأت في إحدي الصحف خبراً عن إمام مسجد وجد متنكراً في زي إمرأة وسط حشد من النساء ! كان في وسعه الحضور و قراءة القرآن ، و لكنها مسكنة القلب و قلة العقل ! و سيبقي الصراع لكسب العقول و القلوب علي أشده بين أصحاب الحداثة و التغيير و بين أصحاب القداسة من الوارثين ! و سيبقي المجتمع السوداني مسلوب الإرادة  طالما ظلت نسبة الأمية علي مستواها الحالي ! و لن نجد أية مساعٍ جادة للقضاء عليها أو الحد منها ! تضاربٌ في المصالح لا سبيل للفكاك منه ! لن تعيش هذه الأحزاب تحت أنوار العلم و المعرفة ، لذلك تحافظ علي ظلام العقول و العيون لتسهل القيادة !
و يجئ ميلاد داعش في هذا الوقت بارقة أمل في إنهاء الهيمنة الحالية بإسم الدين و تخليص الجماهير للإنطلاق علي دروب الحرية و الإنسانية.
قد لا يكون من الجيد توجيه النقد للأحزاب في هذا الوقت و هي تنافح سلطة الإنقاذ و لكن لا بد من ذلك ! إبتلآءات قد تقوي الأحزاب و تصهرها و تدفعها لمواجهة التحديات الكبيرة و كما يحلو للحبيب الصادق القول المأثور" كل ما لا يقتلني فهو يقويني" و في تقديري ستكون الخطوة الأولي في تغيير الأحزاب أن تنسلخ من الطوائف الدينية التي تلتصق بها و تتعايش معها في علاقة أسيمباتوية Asympaiotic – كعلاقة طائر الماء مع التمساح و هي أفضل من علاقة القراد بالحيوان ، إذ أن الأخيرة تطفلية.
طبيعة العلاقات داخل الطائفة لا تسمح بميلاد قيادات خلال فترات قصيرة – سيظل الشيخ أو الخليفة و الإمام مدي الحياة ! لذلك لا أمل في الإصلاح و سيكون الورثة الماديون هم ذات الورثة للمكانة الدينية و من هنا نجد الصراعات و هي تنسحب علي الأحزاب .رئيس مدي الحياة ! و لا بديل للرئيس إلا الرئيس !! و يا لها من ورطة !!! و نجد مثل هذا الأمر حتي في الخدمة المدنية ليظل أحدهم بكرسي الإدارة حتي الخرف و ربما يلجأ للفقراء والبخرات و المحاية لإبقائه علي العرش !! لا بد من سياسات جيدة للأحزاب و كذلك للمؤسسات تحدد فترات معلومات 4 أعوام  في الرئاسة أو الإدارة ! و هي تكفي لنثر حكمته و بذوره إن كانت له حكمة أو بذور ! و يا للمأزق !
ظللتُ لوقت طويل أُشبه السودان – بلدنا بولايات أميركا المتحدات من حيث الثروة و تنوعها و المساحة و إتساعها (قبل الإنفصال و من خبث النظام الفاشل أن خدرنا بالإحتفاظ بنفس الإسم لذلك لم ندرك الخسارة و فداحتها) و تنوع العنصر البشري و ذكائه الفطري و قيمه النبيلة- في أميركا جاءت قيادة من العلماء و الفلاسفة و هنا جاءت قيادة و أي قيادة ! غير مدركة لعظم المسؤلية و يتلخص هذا في حديث الأزهري أو المنسوب إليه " نحن جيل التحرير و ليس التعمير" لم يُكمل التحرير و فاته شرف التعمير !مسيرة التعمير طويلة ، تحتاج لإستشراف المستقبل و رؤية ثاقبة ،معرفة و علم و إرادة لا تلين ! قيادة لا تطالب بسكب العرق و الدموع و لكنها تكون أول من يعرق و أول من تدمع عيناه! رائدة لا تكذب !كما تشارك في العمل و هي آخر من يرتاح و آخر الغانمين. – يتجلي ذلك في هجرة الرسول الأعظم إلي مكة و في مسيرة ماو تسي تونج الطويلة ! و كانت خطوة صغيرة في طريق التغيير الطويل !
و تبقي القدوة الملهمة أمراً أساسياً و هو ما نفتقده حالياً – قادة نصبوا أنفسهم بالبندقية أو جاءوا زحفاً ليجلسوا علي موائد طعام مُتخمة و نوادي خاصة و مسابح تستهلك من المياه ما يكفي لزراعة 1000فدان أو لشرب قرية ! قصور هنا و قصور في أقاصي أركان الدنيا ! علاج في أفضل مشافي العالم هم و حاشيتهم بينما بقية الناس موائدهم خاوية و أسقامهم دائمة و يعانون فوق ذلك من وعود كاذبة و عقول صغيرة فيزدادوا سقماً علي سقم و لا عجب أن جاء ترتيبنا في  سجل السعادة في الأسفل ! و كذلك في بقية مؤشرات التنمية و عناصرها المستهدفة :الفقر، الأمية و البطالة.....إلخ. ثمة حاجة ملحة لتنظيم الحياة هنا و إحداث ثورة في التنمية تأخذ بسياسات عامة جيدة ، تجد الإلتزام و يضعها مختصون يدركون أبعادها و مراميها و أهدافها في التعليم و محو الأمية و الفقر و البطالة و البحث العلمي و الطاقة ، في المال و الإقتصاد و العلاج سياسات تحرك الجماهير و قيادات تتحرك مع الناس و تسعي بينهم لإستغلال الموارد بغير إسراف و توزيعها بعدل علي الجميع.قادة يدركون بأن من يأتي للحكم لا تحركه دوافع المصلحة الخاصة و لديه من الأفكار ما يدعم السياسة و الحكم و لا يضع مصلحته فوق مصلحة الناس !
و يبقي الدين أمرٌ شخصي يهذب و يبذر القيم الفاضلة في الأنفس الشحيحة- صدقاً في الحديث يظهر في العمل الطيب ، كرماً و تواضعاً يرفع صاحبه في أعين الناس و لا يخفضه - نوراً في العقول و القلوب.تواضعاً يجعله في نظره هو مُتعلماً و ليس معلماً أمام كل من يلتقي به في دروب الحياة ! عطاءً ، ليناً و رحمةً ،لا غضب يشين و لا عنف يُستهجن ! و للأسف نادراً ما نري نماذجاً بهذه الصفات حتي في ظلال خلافتنا الإسلامية الحالية و الخالية من الدغمسة – لم يضيعوا فرصةً لخلق نموذج مقنع و لكنهم أساؤا للإسلام .ويزداد حزننا في جهلنا بمن يُزين الدين و التصوف وهم قلة و ذلك لإنعدام التوثيق فأكتبوا عمن تعرفون من المتصوفة و الشيوخ – ممن يتدثر بالقيم الرفيعة: أثرةً و إنفاقاً و كرماً و معرفةً و صبراً......و ليت الأحزاب المتمسحة بالدين تأخذ شيئاً من هذه القيم ! تواصلاً مع الناس و إتصالاً بهم ، خدمة لهم و رعاية بهم .هل نحلم ؟ 
و أُلخص الأجندة المطلوبة للإصلاح:
1- سياسات لإدارة الأحزاب و تنظيمها ،تُحدد فترة 4 أعوام كأقصي حد لرئاسة الحزب.و عبر إنتخابات حرة.
2- برامج لمحو الأمية تتبناها الأحزاب و طوائفها  في كل أنحاء البلاد.
3- برامج و مشاريع إنتاجية تستوعب شباب الأحزاب و شيوخها.و لنبدأ بمشاريع زراعية للمساهمة في التمويل.
4- برامج ثقافية و إعلامية :ندوات و إنتاج صحف يمكن قراءتها ،صحيفة لكل حزب! الأحزاب المنشقة يمكنها الإتفاق لإصدار صحيفة واحدة (تحدي كبير).!!!
5- وضع سياسات واضحة و أهداف يمكن تحقيقها.
6- حكومة ظل لكل حزب
7- علي الدولة أن تقدم دعماً للأحزاب وفقاً لأنشطتها المختلفة.و بمؤشرات معروفة: مثلاً يُعطي أي حزب يُصدر جريدة مبلغ محدد من المال و وفقاً للأعداد الموزعة أو المباعة-وهنا تأتي أهمية إنشاء إدارة نزيهة لإستطلاع الجماهير و تحديد جودة الصحف وحجم توزيعها.بمجلس الصحافة أو بوزارة الإعلام..
8- تطوير مجلس الأحزاب ليساعد في دعمها و إسنادها و تعزيز دورها في الدموقراطية و في الحكم الرشيد
لذلك يبدو بأن إصلاح الأحزاب يتطلب إصلاح الدولة و كافة مؤسساتها.. 



a.zain51@googlemail.com

 

آراء