الوقت أصيل، والشمس تدنو للغروب وتودع الكون في هدوء، لونها مصفَرٌ كإصفرار وجه المحزون،و تأفل في خمول إلى خِدر أمها مرسلة أشعتها الذهبية على روض الحقل وزهراته اليانعات كآخر آهة من جوف موجوع، ونسيمات الغروب تداعب الزهر في براءة.
وهذه النخلات الشامخات لم تكل من الوقوف يوماً ، ولم تبخل على أهلها الطيبين، تظلهم نهاراً وتُنْسمهم ليلاً ، إعتدال الجو ولطفه لاينسيك روعة المنظر، وعبيق الزهر المتفتح إبتساماً لكرم هذه الجداول التي أرضعته حناناً يجبرك على معاودة الشهيق كرتين. الخضرة تكسو الأرض، خرير المياه وزغزغة الطيور وهي تجوب الفضاء فرحاً وتطرب الأسماع معانِقةً الآذان، مشهدٌ أخر يريح النفس. عجباً لهذه الطيور! ألا تأنف من السمو!، أتراها لأنها عاشت طفولتها وأوكارها على جريد النخل السامق واقتاتت من رُطبه وعجوه في مرحٍ وخيلاء!؟.
أقف وسط هذا المشهد الخلّاب، تطربني صوادحه مع تغريدات القماري وزغزقة العصافير، ويروق في ناظري هذا المنظر البديع وأتنفس عبيراً فوّاحاً. ما أروعك بلدتي وحُسنك يسبي العقل ويأخذ بالفكر كل مأخذ! إنه سِحر الطبيعة، يجدد في النفس الأمل ويريح البال. كم أذكر وأنا طفل تلك النخلة التي تتوسط تلك اللوحة الجمالية البديعة وحولها أترابها، فأجني من ثمار أترابها ما يسد رمقي، لا أفكر في أخذ شيء منه معي لأني سأعود له صباحاً وأجنيه رطباً يانعاً، لكن هذه الأتراب كبرت اليوم وكبرت أنا معها ولم تنقطع صلتي بها، لكن لا أستطيع الوصول لثمارها، حرمني منها طولها وقوام عودها، لا أنسى لعبي بالطين وانا أتفيأُ ظلها الوارف، وعند رجوعي آخذ بعض الزهر في يدي وأرمي به على الطريق وأنا راجعٌ للبيت البيسط بساطة أهلي الذين أحبوا تلك الأرض وأحبتهم، إرتبطوا بها أحياءً بفلاحتها وأمواتاً بأضرحتها، عاشوا كراما ً لا يتكلفون، وماتوا شُرفاء متعففون.
ما أجمل الأصيل وما أروعه، وما أعجب مرأى النيل يثور ثورة وتتلاطم أمواجه في عنف، هذا هو الغروب في حلته البديعة وجماله الأخّاذ وهدوءه الآسر. Musaab Mhgoub Almajidy <musaabmajid79@gmail.com>; ////////////////