فارس خارج الميدان

 


 

 


mahmoudelsheikh@yahoo.com

    لعل أشهر ما تداولته الوسائط خلال اليومين الماضيين هو ما تم إقتطاعه من لقاء تلفزيونى أجراه الأستاذ/ عادل سيد أحمد فى قناة أم درمان الفضائية مع المذيع ومقدم البرامج فى سنوات سابقات الأستاذ/ حمدى بد الدين صاحب البرنامج الأشهر والأول من نوعه فى الوطن العربى وأفريقيا(فرسان فى الميدان). ويومها كان الناس يستمتعون بالمطارحات الشعرية والمعلومات الثَّرة وأناقة الحُلل التى يرتديها حمدى بجانب الأداء التمثيلى المصحوب برخامة كست صوته.
    فى هذا المقطع ذرف حمدى دمعاً ثخيناً جراء تنكُّر وطنه وحكومته له، ولذلك العطاء الباذخ الذى ظل يرفد به الإذاعة والتلفزيون، وهو الذى بذل صوتاً  وفكراً  وجهداً فى سبيل تطوير العمل الإعلامى بعد أن إبتعثه التلفزيون فى بواكير ستينيات القرن الماضى للخارج ، يوم أن كان تلفزيون السودان ثانى إثنين فى المنطقة.
    حمدى الذى له فى خدمة الشعب إهتمت أمريكا به وبعثت له رُسُلها مبشِّرةً إيِّاه بمعاشٍ شهرىِّ بعد أن انتاشه شللٌ عطَّل قدميه منذ ثلاث سنوات وجعله رهن محبسه المنزلى ، إذ لا جليس ولا أنيس ، بعد أن  إنفض من حوله سُمَّارُ الأمس الذين فرقهم الموت وتصاريف القدر، دهشة حمدى التى إمتذجت بدموعه ونحيبه سببها أن حكومة السودان سدت آذانها بطينٍ وعجينٍ، غير مكترثة بالنداءات التى أطلقتها عشرات الأقلام الصحفيِّة  أن هلموا للرجل  معالجين وراعين له .
     أليس فى هذا الوطن وزراء للثقافة والإعلام ؟ أو ليس فيه مدراء للإذاعة والتلفزيون يتأنقون ويتعطرون صباحاً ويلبون دعوات الولائم والندوات والسمنارات ويغشون الأفراح والأتراح مهللين مكبرين مبشرين؟!! إن لم يلتفت أمثال هؤلاء لحمدى ليقدِّروا عطائه ويحترموا شيخوخته وعجزه فعن أى شيئٍّ يتقاضون مرتباتهم وحوافزهم؟ ولمن يستمعون وهم يحركون مقاعدهم الدوَّارة ذات اليمين وذات الشمال وعلى طاولاتهم تقبع أطباق عليها تمرٌ وفول وحلوى؟!
     إن ثروة الأوطان الحقيقية تكمن فى مبدعيها ، ومن أجلهم تُنحت التماثيل، وبأسمائهم تُكَّنى الشوارع والقاعات. ثروة الأوطان ليست ذهباً أو بترولاً أو قطناً من عائداتها تمتلئ الخزائن بعملات ورقية، تلك يا سادة مواردٌ للعيش ورفعة الإقتصاد !
     فيا من بيدكم الأمر والنهى ، ضعوا فى أعينكم حصوةَ ملحٍ وأعينوا الرجل فى شيخوخته كما أعانكم فى شبابه، ولا تكونوا قوماً جاحدين ، فإن النعم لا تدوم ، والمناصب زائلة ، والعمر فانٍ. أعينوا فارساً صار بلا جواد ، وتنكَّرت له كلُّ الميادين.

محــمود ،،،،،،،،،

 

آراء