في أصل ومعاني كلمة هِضْلِيم في اللهجة السودانية 

 


 

 

ترد كلمة (هِضْليم) في شعر (الدوبيت) السوداني وفي شعر أغنية (الحقيبة) بدلالات مختلفة ولكنها في الأصل من جذر واحد لفظاً ومعنىً. وتنطق إضليم وهضليم. فهي تأتي في شعر الدوبيت بمعنى ذَكَر النعام كناية عن الجمل السريع. وتأتي في شعر (الحقيبة) بمعنى السواد كناية عن الشَّعر (شَعر المرأة).

وأصل لفظ هضليم في الفصحى (ظليم) وهو ذكر النعام. والظليم من الفعل أظلم سمى ظليماً لسواد ريشه. جاء في معجم لسان العرب:

"وأظلم الليل: اسوّد. وشَعر مُظلِم: شديد السواد. ونبت مظلم: ناضر يضرب إلى السواد من خضرته. والظليم: الذكر من النعام والجمع أظْلِمة وظُلمان. والمُظلِم من الطير: الرخم والغربان". انتهى.

وأصل الهمزة في كلمة (إضليم) السودانية والتي تنطق في الغالب (هضليم) أصلها الهمزة في الفعل أظلم والمصدر إظلام. أُبدلت أولاً الظاء في ظليم الفصحى ضادا فصارت (ضليم) كقولنا ضلام في ظلام. ثم أضيفت إليها الهمزة فصارت (إضليم) ثم أبدلت الهمزة هاءً فصارت (هضليم).

ويمكن القول إجمالاً حيثما وردت كلمة إضليم أو هضليم في شعر الدوبيت فهي تشير إلى ذكر النعام (الظليم) والذي يُكنى به عن الجمل السريع. وحيثما وردت كلمة (إضليم/هضليم) في شعر أغنية (الحقيبة) فهي تشير إلى شدة سواد الشَّعر. ومن أمثلة ورودها في الدوبيت، قول إبراهيم الفراش أحد أقطاب فن الدوبيت السوداني:


شَدّيت كِيكاً/ تِلب هِضليم نعام طايع وشيكاً


يتحدث الشاعر عن بعيره ويصفه بهضليم النعام. والكِيك التِلب: العالي العاتي. وشديت أي اسرجت بعيري، من الشّد، وهو في لغتنا تهيئة الدابة للركوب بوضع السرج والبطان عليها. ويقول إبراهيم الفراش في مربع آخر واصفاً جمله أيضاً:


مِن اللَّايمِيب قام بيَّ هايش

متل ديك الهضاليم المرايش


واللايمِيب اسم مكان. والهضاليم جمع هضليم وهو الظليم في الفصحى. يشبه الشاعر بعيره بديك أو ذكر النعام. ويصف هذا الديك بالمرايش أي له ريش كثيف شديد السواد.

وقال شاعر آخر من أساطين فن الدوبيت:


الدرب انشحط واللوس جباله اتناطن

والبنـــدر فوانســـيه البـوقدن مــاتــن

ود بنوت هضاليم الخلا البنجاطن

اسرع قودع أمسيت والمواعيد فاتن


الدرب انشحط لم يتبق منه سوى القليل. واللوس جبل من جبال التاكا على مشارف كسلا. والبندر المدينة ويقصد بها كسلا. قوله: "ود بنوت هضاليم الخلا" إشارة إلى البعير. ويبدو أن الشاعر كان في رحلة بجمله إلى كسلا والتي بدت له معالمها مثل جبل اللوس ومصابيح البيوت من بعيد، غير أنه تأخر في دخولها في الوقت المناسب وأدركه الليل فيخاطب جمله على عادة شعراء الدوبيت قائلاً: اسرع يا "ود بنوت هضاليم الخلا" لقد تأخرنا.

وكان الطيب صالح قد أثبت هذا المربع في أول صفحة من رواية (بندرشاه - ضوء البيت) غير أن كلمة "ود" في قول الشاعر: "ود بنوت هضاليم الخلا"، قد سقطت من كتاب الطيب صالح.

وهكذا إذا كان شعراء الدوبيت يشبهون الجمل السريع المخصص للسفر بذكر النعام لجامع السرعة والعلو كما ذكرنا، فإن شعراء الحقيبة يشبهون سواد شعر المحبوبة بسواد ريش النعام. والكلمة المستعملة في الحالين: هضليم أو إضليم. وفي تشبيه سواد شَعر المرأة بسواد ريش النعام يقول الحاردلو:


شَعراً ريش نعام والوجه سَمح مصقولْ

وعنقاً صَبْ قزاز صانعنو في اسطنبولْ


أخذ شعراء الحقيبة تشبيه سواد الشَّعر بريش النعام واستخدموا كلمة (هضليم) في الدلالة على ذلك. يقول عمر البنا في قصيدة (نعيم الدنيا):


يا نعيم الدنيا كيف الحياة غير لِيمك

من بعدك أصبح حظي زي لون هِضليمك


قوله: "زي لون هضليمك" أي مثل لون سواد شَعرك. شبّه سواد حظه بسواد شَعر الحبيب. وتشبيه الشعر بظلام الليل لجامع السواد، من التشبيهات المتواترة في تراث الشعر العربي الفصيح والشعبي. وفي قصيدة أخرى يستخدم عمر البنا كلمة (ظلمة) كناية عن الشعر بدلا عن كلمة هضليم. وهي قصيدة (زيدني في هجراني) حيث يقول:


مال فريعك باني/ فيه بدر وظلمة وفيه ردفاً باني


كلمة ظلمة هنا كناية عن سواد شَعر المحبوبة، والمعنى أن قامة المحبوبة رشيقة مثل فرع البان وهذه القامة يزينها وجه كالقمر، وشعر كظلمة الليل، وردف في أول نموه.

وقد وردت كلمة (هضليم) ومشتقاتها بقصائد صالح عبد السيد، أكثر من مرة وكلها جاءت كناية الشَّعر وسواده. يقول أبو صلاح في إحدى هذه القصائد:


طال ليلي زي دِيسك الهضلم نزل في ضميرك


والدِّيس الشًّعر، وأصله النبت أو العشب الريان المخضر الذي يميل من شدة خضرته إلى السواد. يقولون: دِيس مهضلم وسحاب مهضلم وزرع مهضلم. شبه الشاعر طول ليله كطول شعر المحبوبة الحالك السواد، وهو من طوله ينزل إلى خاصرتها.


abusara21@gmail.com

 

آراء