في ذكري استشهاده السادسة: الشهيد صلاح سنهوري ومثال الوعي المفارق

 


 

 

 

الحركة الطلابية ، مدرسة يتعلم فيه القادمون الجدد من الطلاب مهارات و معارف فوق المناهج الدراسية. كما أنها كيان يصادف فيه الطالب قيم (الوعي المفارق) لبنية ومخرجات التعليم العام بقوامه المستند للحفظ والتلقين. فالحركة الطلابية بدينامياتها وتفاعلاتها ومدارسها ومشاربها السياسية والفكرية (تصدم) الطالب المنتمي إليها حديثا بذلك الوعي المنساب عبر أجيال ممن مروا عليها حتي وإن لم يلتقيهم جسدا ولكنه ينتمي إليهم فكرا ووجدانا فتتصل هنالك الأواصر ، وتمد حبال الوصل بذات الإهتمام وذات اللغة وأكثر من ذلك بذات الحماس. فالانتماء الي الحركة الطلابية أكبر وأول مؤشر علي تشكل الشخصية بعد الفكاك من أسر الوعي المقولب الذي تصوغه مناهج التعليم العام. 

كما أنها أول خطوة نحو تبني الوعي المفارق بعد جهد ووقت يُصرف في التدقيق والمفاضلة والمدارسة لكل تلك المشارب الفكرية التي تعج بها الحركة الطلابية يميناً ويساراً ووسطاً ، فتنطلق من الداخل أسئلة الوعي بالأنا والوعي بالوجود. ثم العمل علي تجسيد ذلك الوعي للأنا الجديدة بكل ما يحفذها من صدق التصور ، وما يدفعها من عنفوان الشباب، إذ ينعدم هنالك الخاص في مقابل العام، وتسترخص الروح في سبيل القيم ، وإقامة عالم المثال المتشرب بروح الحركة الطلابية المندفع بذلك الوقود اللاهب الذي لاتحده عواقب الأمور ، ولا تخيفه أسلحة السلطان. ولا تغريه مباهج حياة حكم عليها ذلك الوعي المفارق بالزيف.
إن الرغبة في إقامة المثال بحسب الوعي المفارق تقلص المسافة بين الموت والحياة حد العدم ، بل تكاد تري العدم ماثلاً أن لم تتوافق الحياة مع المثال ، فصدق الوعي يحدد مستوي العطاء ، إذ كلما كان الوعي صادقا، كلما اندفع المرء نحو العطاء. وكلما كان العطاء جزيلا ، كلما تربصت بصاحب الوعي دوائر الشر التي يستهدفها فتستهدفه. ذلك ما كان من أمر شيهدنا صلاح الدين سنهوري ، إذ صادفته بنية الوعي المفارق في الحركة الطلابية فتشربها وإذ هي تدفع به لإقامة المثال في وسطه الطلابي وعند تخرجه في مجتمعه الكبير شاهرا ألوية الرفض لتمكين المثال مهما عز المآل ، فقد تحكي تلك الصورة التي كان يرفع فيها شعار يجسد ذلك الوعي ويحدد ثمنه في ذات الوقت حيث كتب عليها (عشان الحاجات تبقي كويسة ) لذلك تربصت به دوائر الغدر فإختارت أن تسكت ذلك الوعي بطلقة أو طلقتين ، غير أنها أطلقت من مسام روحه ذرات الوعي المفارق التي تلبست جموع الثوار بشهدائهم وجرحاهم بعد حين من الإعتمال والتبلور حتي دكوا حصون الطغيان ، فذهب الطاغية غير مأسوف عليه وبما كسبت يداه من الإثم لمزبلة التاريخ ، بينما حلقت روح شهيدنا في أعلي عليين تذكرة للعالمين ألا معني للوجود إلا بتبني الوعي المفارق لعيشةٍ كريمةٍ أو لاستشهاد نبيل.
د. محمد عبد الحميد سينير الشهيد في ساحة الحركة الطلابية باكستان الذي التقاه ولم يلتقيه.

 

آراء