قراءة للأوضاع السياسية فى القارة الأفريقية خلال العام 2011 م

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم


إن المتغيرات فى المجال السياسى كثيرة وعديدة وقد أصبح الواقع السياسى الراهن فى القارة الأفريقية يرفدنا بالعديد من المتغيرات بين كل لحظة وضحاها,والمتابع للمشهد السياسى الراهن فى القارة الأفريقية يجد العديد من المشكلات التى بدأت تشغل عقول الشعوب الأفريقية,وهذه المشاكل أصبحت تتشكل فى القارة الأفريقية نتيجة لعوامل خارجية وأخرى داخلية بيد أن العامل الخارجى أصبح يلعب دوراً رئيسياً فى تشكيل القارة الأفريقية بينما أصبحت العوامل الداخلية عوامل تابعة وليست أصيلة تخدم فى كلياتها العامل الخارجى أو بمعنى آخر هى عوامل ليست مستقلة بل تابعة لأخرى تعدل وتغير فيها لكى تحدث آثاراً تخدم مصالحها فى تشكيل القارة الأفريقية,كما أن من الملاحظ فى القارة الأفريقية أن البناء الإجتماعى فى داخلها كلما تحرك نحو تغيير الأوضاع الداخلية بصور تحقق تطلعاته النابعة من إحتياجاته الفعلية لتحقيق هذا التغيير خدمة لمصالحه ومصالح أجياله القادمة نجد أن القوى الخارجية تعمل على وقف هذه التغييرات عبر إستخدام كل الوسائل لأنها تتعارض مع مصالحها التى تسعى على الدوام لجعل القارة الأفريقية بمواردها البشرية والطبيعية خاضعة لخدمة مصالحها ورفاهية شعوبها,والقارة الأفريقية التى تمتلك ذلك المخزون الهائل من الموارد البشرية والطبيعية أصبحت الآن أهم قارات العالم التى تشهد تنافساً دولياً حميماً على مواردها ودخل العديد من الفاعلين الدوليين فى حلبة التنافس من أجل السيطرة على موارد القارة الأفريفية مما أدى إلى تحولات جوهرية فى ملامح النظم السياسية الأفريقية وتعديل نمط العلاقات بين الدول الأفريقية نفسها,ونتيجة للتغيرات التى تشهدها الساحة الدولية منذ ظهور الولايات المتحدة الأمريكية كقطب أوحد يسيطر على مجريات الأمور العالمية بعد سقوط الإتحاد السوفيتى السابق فى بدايات تسعينات القرن الماضى وظهور قوى عالمية صاعدة أخرى مثل الصين والهند والبرازيل والإتحاد الأوربى أصبحت القارة الأفريقية تشكل بعداً إستراتيجياً لهذه القوى العالمية نتيجة لما تمتلكه من موارد بشرية وطبيعية هائلة تمكن إقتصاديات هذه الدول المتنافسة على مواردها من الماحفظة على كياناتها الإقتصادية قوية بشكل يحفظ لها بإسمترار رفاهية شعوبها وبالتالى تحقيق الإستقرار الداخلى لكياناتها,ويبدو أن كل المؤشرات الناتجة من تداعيات الأحداث فى القارة الأفريقية فى العام 2011 م وما قبله من أعوام تؤشر بصورة واضحة أن القارة الأفريقية مرشحة لأن تكون أحد البؤر المشتعلة على الصعيد العالمى نتيجة لتكالب القوى الطامحة فى مواردها مما يجعل الساحةالأفريقية خاضعة لإستراتيجيات وتكتيكات هذه القوى وما تفرزه من إحداث متغيرات تسهم فى تغيير خارطة القارة الأفريقية بشكل لا يتوافق مع متطلبات شعوبها وبنائاتها الإجتماعية,بينما تؤكد كل المؤشرات فى القارة الأفريقية خلال العام 2011 م أنه بالرغم من إلتزام بعض القادة الأفارقة من تحقيق الإستقرار داخل مجتمعاتهم وداخل القارة الأفريقية عبر الإلتزام ببرنامج الإتحاد الأفريقى الرامى لتوحيد القرار الأفريقى فى مواجهة التحديات القادمة من الخارج,إلا أن العديد من القادة الأفارقة أصبحوا غير قادرين على مجابهة الأخطار الخارجية وتحقيق مصالح شعوب بلدانهم وقارتهم بل أصبحوا أدوات تخدم مصالح القادمين من وراء البحار من أجل حماية نظم حكمهم,هذا أدى إلى التشتت الأفريقى وإضعاف قدرة الإتحاد الأفريقى فى تحقيق الإندماج القارى مما أثر على قدرته فى مجابهة التحديات القادمة للقارة الأفريقية,لقد أصبح واضحاً أن القارة الأفريقية فى خلال العام 2011 م قد بدأت تشهد تغيرات أخذت مظاهرها تتشكل فى أفق القارة الأفريقية,وعلى سبيل المثال نجد أن القارة الأفريقية قد شهدت فى هذا العام تغييراً مهماً تمثل فى إضمحلال المسألة القومية وتراجعها أمام تصاعد النزعات القبلية والإثنية والجهوية,وقد شكل إنفصال جنوب السودان عن وطنه الأم السودان فى التاسع من يوليو 2011 م أحد أهم الدلالات لبداية تلاشى القومية فى القارة الأفريقية,وربما تشهد السنوات القادمة ظهور خارطة سياسية فى أفريقيا مبنية على الفكرة الإثنية والقبلية تؤدى إلى زوال الخارطة السياسية الحالية المبنية على فكرة النموذج القومى,وقد مثل تطبيق أثيوبيا لمبدأ الفيدرالية الإثنية أحد أبرز الملامح الدالة على تقسيم المجتمعات الأفريقية على أسس إثنية,كما مثل العام 2011 م أحد الأعوام التى إنبثقت فيها دولة جديدة فى القارة الأفريقية بعد إنبثاق الدولة الأرترية فى عام 1993 م وبونت لاند الصومالية الغير معترف بها دوليا,وقد شكل إنبثاق الدولة الجديدة فى جنوب السودان فى إحداث تغيرات هامة على الصعيد الإقليمى والدولى وأصبحت الحروب القبلية فى دولة جنوب السودان تتصاعد بينما الخلافات بين دولة السودان وجنوب السودان أخذت تتصاعد بصورة غير مبررة نتيجة لتدخل البعد الإقليمى والدولى الذى بلا شكك يريد أن يشعل الصراعات من أجل تشكيل المنطقة بصورة تخدم مصالحه,كما أن أحد أهم الأحداث التى يمكن أن نلحظ تصاعدها فى القارة الأفريقية خلال العام 2011 م هو تصاعد شدة التنافس على موارد القارة الأفريقية وخاصة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين وبالتحديد حول مصادر الطاقة,وبينما نجد الصين تعمل بمبدأ عدم التدخل فى الشؤون الداخلية للدول الأفريقية وتحقيق التنمية فى جميع دول القارة عبر وفائها بجميع إلتزاماتها نحو تحقيق التنمية فى القارة الأفريقية من أجل تحقيق مصالحها المتمثلة فى الحصول على ما تحتاجه من موارد خام وبترول وإيجاد أسواق لمنتجاتها وخدماتها فى القارة الأفريقية,نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية تستخدم إسلوب التدخل فى السياسات الداخلية للدول الأفريقية وعسكرة سياساتها إتجاه أفريقيا من أجل إحكام سيطرتها على موارد القارة الأفريقية وخاصة النفط الأفريقى الذى يمثل أهمية قصوى فى سياسات أمنها القومى,وتعمل الولايات المتحدة بإستمرار لتحقيق سياستها فى أفريقيا عن طريق خلق بؤر للتوتر فى المناطق التى تستهدفها فى القارة الأفريقية عبر ضخ كميات من الأسلحة والعتاد الحربى لحلفائها فى القارة الأفريقية بدعوى محاربة ما يسمى بالإرهاب وتصوير أن الجماعات الإسلامية فى المغرب العربى (AQIM) وجماعة بوكو حرام فى نيجيريا وتنظيم شباب المجاهدين على أنهم يمثلون خطراً على أمنها القومى عبر محاولاتها المستمرة لربطهم بتنظيم القاعدة,وتسعى الولايات المتحدة الأمريكية جادة لنقل معركة ما يسمى بالإرهاب لأفريقيا من أجل إحكام السيطرة على النفط الأفريقى وخلق مناخ غير آمن للإستثمارات الصينية وغيرها من إستثمارات القوى الصاعدة الأخرى لإبعادهم من المنافسة ومن ثم السيطرة على الموارد وتحكمها فيها,وقد شكل العام 2011 م أيضاً توجهاً أوربياً قوياً نحو إفريقيا,ومن المعروف أن أوربا الحالية التى تعانى من أزمات إقتصادية حادة ربما تعصف بوحدتها تحاول الإتجاه شرقاً إتجاه دول الإتحاد السوفيتى السابق كما تحاول الإتجاه جنوباً إتجاه القارة الأفريقية من أجل الخروج من أزماتها الإقتصادية التى أخذت تهدد جميع دولها,وسياسة الإتحاد الأوربى خلال العام 2011 م إتجاه أفريقيا عملت على ضخ أموال من أجل عمل دراسات وبحوث عن الإشكاليات التى تواجه القارة الأفريقية ومنظومة الدول المكونة لها من أجل تقرير سياسة أوربية تستند على توصيات نابعة من دراسات ميدانية إتجاه أفريقيا وربما كان للعامل الإقتصادى دوراً مهماً فى صياغة سياسات أوربية فعالة نحو أفريقيا بالرغم من أنها قد تختلف أحياناً أكثر مما تتفق مع سياسات الولايات المتحدة الأمريكية فى القارة الأفريقية والتى تجمعها مع أوربا وحدة حضارية واحدة تعمل على فرض نموذج الحضارة الغربى على القارة الأفريقية,وبنفس القدر شهد عام 2011 م والأعوام التى سبقته طفرة على صعيد العلاقات بين البرازيل والهند وتركيا من جهة والعديد من دول القارة الأفريقية من جهة أخرى وشكلت القارة أهمية إستراتيجية لكل من الهند والبرازيل وتركيا من ناحية أن القارة الأفريقية مصدراً هاماً للموارد الأولية وكونها سوقاً كبيراً لمنتجاتهما,بينما حاولت روسيا أيضاً التمدد جنوباً نحو الدول الأفريقية من أجل إنشاء قاعدة ضخمة من الإستثمارات الروسية فى أفريقيا تتيح لها تحقيق فائض كبير من الأموال ينشط إقتصادها ويساهم فى إعادة تنشيط نفوذها فى القارة الأفريقية,وقد شهدت القارة الأفريقية فى العام 2011 م العديد من الأحداث الهامة كان أبرزها صراع السلطة فى ساحل العاج فى غرب أفريقيا الذى أتى بالحسن أوتارا لسدة الحكم عبر تدخل خارجى والقبض على الرئيس المنتهية ولايته غوبابغو وتصاعد وتيرة العنف بين مؤيدى الحسن أوتارا وأنصار غبابغو الشىء الذى جعل الوضع فى ساحل العاج غير مستقر حتى الآن,كما تصاعدت أعمال القرصنة فى خليج غينيا مما أدى لزيارة الجنرال كارتر حام (Carter F Ham) قائد القوات الأمريكية بأفريقيا (AfRICOM) لزيارة نيجيريا فى أواخر أغسطس من العام الحالى لمناقشة التعاون العسكرى بين البلدين وتنسيق الجهود لمكافحة ما يسمى بالإرهاب المتمثل فى النشاط المتزايد لجماعة بكو حرام فى نيجيريا ومكافحة القرصنة البحرية فى سواحل خليج غينيا,ونتيجة لهذه الزيارة أهدت الولايات المتحدة الأمريكية لنيجيريا السفينة الحربية (NNS Thunder F 90) لنيجيريا والتى تحركت من سواحل ولاية كارلفونيا الأمريكية الإسبوع الأول من نوفمبر لتصل للساحل النيجيرى فى أوائل يناير من العام 2012 م الحالى,بينما تعهدت إسرائيل بدعم نيجيريا بمساعدات عسكرية وطبية فى إطار مجابهة القوات الأمنية النيجيرية لجماعة بوكو حرام,كما أعلن الرئيس النيجيرى جونثان قودلك عن عجز قواته الأمنية فى إحتواء العنف المتزايد فى نيجيريا,وقد شكل تفجير مقر الأمم المتحدة فى العاصمة النيجيرية أبوجا فى السادس والعشرون من أغسطس من العام 2011 م تحدياً للحكومة النيجيرية ولدور المنظمة العالمية الغير مرضى فى المنطقة,كما شكل إجتماع قادة جيش كل من مالى والجزائر ومورتانيا والنيجر فى أغسطس من العام 2011 م تنسيقاً دفاعياً عسكرياً لمكافحة ما يسمى بالإرهاب فى منطقة الصحراء والساحل بمباركة أمريكية وتدخل كندى لتدريب عناصر من الجيش المالى لكافحة ما يسمى بالإرهاب, والجدير بالذكر قائد القوات الكندية (CEFCOM)  الجنرال (Steurt Beare) قام بزيارة القيادة الأمريكية لأفريقيا (AFRICOM) وقام بمناقشة العلاقات التعاونية بين (CEFCOM) و (AFRICOM) من أجل تنسيق سياستهما فى أفريقيا للعام 2012 م,بينما شكلت المحاولة الإنقلابية الفاشلة فى غينيا بيساو والتى قادها أحد جنرلات البحرية يدعى (Nacho Bubo) فى السادس عشر من ديسمبر 2011 م أحد المحاولات لإرجاع منطقة الغرب الأفريقى وأفريقيا بأثرها لمربع الإستيلاء على السلطة بواسطة الإنقلابات العسكرية والتى يرفضها الإتحاد الأفريقى,وشكلت الثورة التونسية فى الشمال الأفريقى العربى والتى قضت على نظام الرئيس التونسى الأسبق زين العابدين بن على فى الرابع عشر من يناير من العام 2011 م محطة فاصلة فى تغيير الأنظمة الشمولية فى المنطقة بأثرها,فسقط نظام الرئيس المصرى حسنى مبارك بعد سقوط نظام زين العابدين بن على بفترة قصيرة عبر تظاهرات مليونية أطلق عليها إسم ثورة الخامس والعشرون من يناير من العام 2011 م أدت إلى إستلام المجلس العسكرى للسلطة فى مصر فى الحادى عشر من فبراير 2011 م,ولكن شهدت مصر العديد من الإضطرابات فى فترة ما بعد سقوط نظام الرئيس حسنى مبارك بالرغم من إجراء المرحلة الأولى من الإنتخابات والمرحلة الثانية التى جرت فى الرابع عشر من ديسمبر 2011 م والتى فازت بها الأحزاب الإسلامية بنسبة 65% من الأصوات,وربما أدى تكرر محاولات تفجير خط الغاز لإسرائيل والأردن والتلويح بعدم قدسية معاهدة كامب ديفيد وتنامى دور الأحزاب الإسلامية فى مصر سبباً فى لعب بعض الأطراف الإقليمية والدولية الغير مرتاحة من تصاعد دور القوى الإسلامية فى مصر دوراً يسهم فى خلق بئية غير مستقرة فى الداخل المصرى وفى تحجيم دور مصر الخارجى الذى يتصور أنه لا يخدم مصالح حلفاء مصر السابقين (الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل),وتصاعد أزمة مياه النيل فى العام 2010 م والعام 2011 م وإنفصال جنوب السودان يبرهن على وجود ضغوط تعمل على تهديد الأمن المائى لمصر وتهديد أمنها الإستراتيجى المتمثل فى زعزعة إستقرار أمن جمهورية السودان عبر دعم المعارضة المسلحة فى النيل الأزرق وجنوب كردفان والحركات الدارفورية الغير موقعة على إتفاق الدوحة,ومن أبرز تداعيات الأحداث فى الشمال الأفريقى العربى هو قيام الثورة الليبية وسقوط نظام العقيد معمر القذافى الداعم الرئيسى للإتحاد الأفريقى والذى أسهمت عوامل داخلية وخارجية وإقليمية فى نجاح الثورة المسلحة فى القضاء على نظامه وقتله فيما بعد,وقد شكل نظام القذافى تهديداً قوياً للغرب وأمريكا قبل أن يقوم بالتطبيع معهم كما شكل تهديداً للسودان عبر فترات زمنية مختلفة منذ حكم الرئيس السودانى الراحل نميرى حتى الآونة الأخيرة من سقوطه والتى كان يغذى فيها الحركات الدارفورية المسلحة بالسلاح ومن قبلها الحركة الشعبية لتحرير السودان,وقدبرز الدور القطرى والسودانى بالإضافة لفاعلية دور الناتو فى دعم الثوار فى مسرح العمليات العسكرية التى شهدتها الساحة اليبية,ولكن لا زال السلاح الذى تسرب من النظام السابق إتجاه الغرب الأفريقى يشكل هاجساً أمنياً لكل دول المنطقة,وقد أحدثت ثورات الشمال الأفريقى العربى والقضاء على الأنظمة الشمولية فى تونس ومصر وليبيا تأثيرات كبيرة على القارة الأفريقية وغيرها من القارات,وعلى سبيل المثال تبنت قمة الإتحاد الأفريقى رقم 17 المنعقدة فى غينيا الإستوائية فى يوليو من العام 2011 م شعار دمج الشباب فى مشاريع التنمية المستدامة واضعة فى الإعتبار دور الشباب فى إسقاط الأنظمة الشمولية فى الشمال الأفريقى,وشكل خطاب رئيس غينيا الإستوائية فخامة الرئيس أوبيان مباسوقو (Obiang Mbasogo) رئيس اللإتحاد الأفريقى  نقطة تحول كبيرة نحو الإهتمام بشباب القارة الأفريقية وإهتمام القارة بحل مشاكلها وليس حل مشاكل أوربا أو أسيا أو أمريكا,بينما شكلت تداعيات الثورات العربية فى الشمال الأفريقى أثراً فى إحداث تغيرات فى النظام المغربى أدى إلى قيام إصلاحات جوهرية أدت لقيام إنتخابات برلمانية فاز فيها حزب التنمية والعدالة الإسلامى بالإنتخابات البرلمانية الشىء الذى مكنه من تشكيل الحكومة فى المغرب,وقد شكل عودة العلاقات بين السودان وجمهورية تشاد وإبرام معاهدة لحماية الحدود بينهما وسقوط نظام القذافى فى ليبيا بالإضافة لإتفاقية الدوحة بشأن دارفور نوعاً من الإستقرار النسبى فى إقليم دارفور السودانى الذى شهد العديد من الأزمات الشىء الذى قاد فى النهاية لإنسحاب قوات حركة العدل والمساواة الدارفورية السودانية من الإقليم إتجاه دولة جنوب السودان مما أدى لمقتل قائدها الدكتور خليل أبراهيم خلال معارك فى منطقة شمال كردفان فى 25 ديسمبر من العام 2011 م,ومن أهم الأحداث فى الشرق الأفريقى فى العام 2011 م هو المجاعة التى ضربت الجنوب الصومالى والتى راح ضحيتها الآلآف من الصوماليين دون توقف للقتال بين تنظيم شباب المجاهدين والحكومة الإنتقالية وقوات الإتحاد الأفريقى التى تدعمها,والتى تتكون من بورندى ويوغندا,بينما أدى الدعم الأمريكى العسكرى للقوات الأفريقية(AMISOM)اليوغندية والبورندية بالعتاد الحربى المكون من طائرات بدون طيار ومدرعات وأسلحة نوعية من زيادة حدة المعارك ضد تنظيم شباب المجاهدين بينما شكل تدخل جيش الدفاع الكينى (KDF) فى الصومال بعداً آخر فى الأزمة الصومالية حيث أدى هذا التدخل فى إحداث عدم إستقرار فى الداخل الكينى نتيجة لحدوث تفجيرات فى الداخل الكينى وعمليات زرع ألغام فى المناطق الحدودية تبناها تنظيم شباب المجاهدين رداً على التدخل الكينى المدعوم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية على حسب قول مصادر من تنظيم شباب المجاهدين,وقد قال المتحدث بإسم جيش الدفاع الكينى (KDF) إيمانويل جيرجير أن الحملة العسكرية الكينية فى الصومال لن تنتهى مالم يتحقق الإستقرار فى الصومال مما يدلل على بقاء القوات الكينية فى الصومال لأجل غير مسمى,وقد تدخلت كينيا فى الصومال فى منتصف نوفمبر من العام 2011 م عبر عملية  عسكرية أطلق عليها عملية (Operation Linda Nchi)مدعومة من قبل جنوب أفريقيا ونيجيريا وأثيوبيا وتنزانيا وأوغندا وبورندى من داخل القارة,بينما تم دعم الحملة من قبل بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية وبولندا وسلطنة عمان بزعم الحفاظ على الكيان الإقليمى (Territorial Integrity) لكينيا, بينما شكل أيضاً إرسال جيبوتى لحوالى 800 جندى لمقديشو لمساعدة قوات الإتحاد الأفريقى ودخول قوات الحكومة الإنتقالية مدعومة بقوات أثيوبية لبلدة بلدوين والسيطرة عليها فى آواخر العام 2011 م توجهاً قارياً مدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا لحسم أمر الإنفلات الأمنى فى الصومال,ويعكس تعقد الأزمة الصومالية ودخول العديد من الأطراف فيها وإختلاف وجهات نظرهما حول الصومال وتشكل مواقف عدائية ضد كينيا وأثيوبيا ويوغندا وبورندى من جانب العديد من الأطراف الصومالية نتيجة لتدخلهما فى الصومال دعماً لأحد أطراف الصراع,وإستمرار حالة العداء بين أثيوبيا وأرتريا بعد حربى العام 1998 م والعام 2000 م وإستمرار حشودهما العسكرية على المناطق الحدودية بينهما ودعم كليهما لعناصر المعارضة المناوئة للنظامين بالإضافة لتدخلهما فى الأزمة الصومالية,وإنتشار عمليات القرصنة قبالة السواحل الصومالية بالرغم من إنشاء دول أقليم شرق وجنوب أفريقيا والمحيط الهادى لمبادرة أطلق عليها إسم مشروع أمن الملاحة البحرية (MASE - Maritime Security) لمكافحة القرصنة بدعم أوربى وصل لحوالى 2 مليون دولار أمريكى وقعته كل من (IGAD) و (COMESA) و (ICO) و (EAC) عمق الأزمة التى يعانى منها إقليم القرن الأفريقى,أما فى الوسط الأفريقى فقد شكل فوز جوزيف كابيلا بالإنتخابات الرئاسية فى جمهورية الكنغو الديمقراطية فى آواخر العام 2011 م ردود أفعال داخلية ودولية,فقد أقام زعيم المعارضة فى الكنغو الديمقراطية إحتفالاً نصب فيه نفسه رئيساً للجمهورية بعد ثلاثة أيام من حلف الرئيس جوزيف كابيلا اليمين كرئيس للدولة كما شككت الولايات المتحدة الأمريكية فى نتيجة الإنتخابات الرئاسية,وقد تشكل هذه المواقف أزمة قد تقود لحدوث صراع داخلى يطول أمده,أما زيارة قائد القوات الأمريكية فى أفريقيا (Carter F Ham) فى السادس والعشرين من أغسطس من العام 2011 م شكل بعداً آخر فى مدى إهتمام القيادة الأمريكية بدولة جنوب السودان الوليدة وكيف يمكن إستثمارها فى تنفيذ المشروع الأمريكى فى أفريقيا, بينما مثلت زيارة الرئيس الأوغندى يورى موسيفينى ورئيس الوزراء الكينى رايلا أودينغا ومن بعدهما رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير مليارديت إلى إسرائيل فى آواخر العام تصورات تشير على أن هنالك تحالف بدأ يتشكل بين إسرائيل ودول هذه المنطقة يهدف لتشكيل ضغط على السودان ومصر فى العديد من الملفات الهامة منها ملف مياه النيل وزعزة إستقرار السودان للتأثير على أمن مصر الإستراتيجى والمتمثل فى بقاء السودان متماسكاً,ويدعم هذا التصور أن إسرائيل قد صرحت فى الثامن عشر من نوفمبر 2011 م لسى بى سى نيوز (CBC NEWS) أن إسرائيل تعتبر منطقة شرق أفريقيا أحد المناطق الإستراتيجية لتحقيق مصالحها الحيوية وهى بالتالى تقوم بحملة فى المنطقة لتقوية نفوذها وسف تكون أحد اللاعبين لدعم نفوذ القادة فى المنطقة,كما شكل إرسال قوات أمريكية تقدر بحوالى 100 عنصر من القوات الخاصة الأمريكية للقضاء على جيش الرب وتمركز القوات فى المنطقة الحدودية بين الكنغو وجمهورية أفريقيا الوسطى ودولة جنوب السودان تساؤلاً كبير فى الأواسط اليوغندية نفسها,وهى لماذا التدخل الأمريكى الآن للقضاء على جيش الرب؟وهل التدخل الأمريكى هدفه جيش الرب أم البترول؟,الجدير بالذكر أن الرئيس أوباما صدق على قرار إستراتيجية القضاء على مقاومة جيش الرب ونزع السلاح من الشمال اليوغندى (LRA Disarmament and Northern Uganda Recovery Act) فى 24 نوفمبر من العام 2010 م وقد تم إرسال الجنود الأمريكان فى آواخر نوفمبر من العام 2011 م,وقد تزامن إرسال الجنود الأمريكيين للقضاء على جيش الرب مع تصريح من الإتحاد الأفريقى يقضى بأن جيش الرب منظمة إرهابية فى الثالث والعشرين من نوفمبر من العام 2011 م,بينما شكل قرار المحكمة الكينية إتجاه الرئيس السودانى عمر البشير وتجديد إتهامات محمكة الجنايات الدولية ضد نائب الرئيس كالينزو موسيكا ووليم روتو وأهورو كينياتا نجل الزعيم الأفريقى جومو كينياتا حول مسؤليتهم الكبيرة فى الإنتهاكات التى حصلت خلال إنتخابات 2007 م أحد أهم المحطات التى حاولت فيها محكمة الجنايات الدولية لكسر قرار الإتحاد الأفريقى المتمثل فى رفض كل قرارات وإتهامات المحكمة الجنائية الدولية وإعتبارها أنها أحد أدوات الهيمنة الغربية لأفريقيا,وقد يمثل تعيين الأفريقى التنزانى محمد شاندى عثمان أو الأفريقية فاتو مساعدة المدعى العام الحالى لويس مورينو أوكامبو محاولة لكسر موقف القارة الأفريقية نحو محكمة الجنايات الدولية عبر تعيين أفارقة لترأسها,أما فى الجنوب الأفريقى فقد تعمقت أزمة الحكم والديمقراطية فى كل من زيمباوبوى ومدغشغر بسبب تدخل العامل الخارجى وقد قامت السادك (SADC) فى عقد إجتماع فى أنغولا فى أغسطس من العام 2011 م لمناقشة عدم الإستقرار فى الإقليم والتظاهرات ضد أنظمة الحكم فى المنطقة إلا أن الإجتماع لم يخرج بتوصيات ذات قيمة نتيجة لمواقف كل من زمبابوى ومدغشغر,بينما شكل موقف الرئيس الجنوب أفريقى جاكوب زوما من مفوض الإتحاد الأفريقى ودعوته لنيجيريا للوقوف معه فى تقوية الإتحاد الأفريقى فى مواجهة التحديات القادمة من خارج القارة الأفريقية أحد المواقف المهمة فى أفريقيا من أجل توحيد الصف الأفريقى فى مواجهة التحديات التى تلوح فى أفق القارة الأفريقية وربما شكل موقف الزعيم الجنوب أفريقى فخامة الرئيس جاكوب زوما دعماً لما نادى به قرينه رئيس غينيا الإستوائية فخامة الرئيس اوبيان مباسوقو فى القمة ال 17 للإتحاد الأفريقى (AU) الذى نادى بدعم قدرات الإتحاد الأفريقى لمواجهة التحديات الخارجية.
ختاماً العام 2011 م كما قال مفوض الإتحاد الأفريقى د.جين يبنغ كان عام التحديات الأفريقية وقد شكل عاماً غير مستقر لأفريقيا,وهو عام شهد الشمال الأفريقى فيه سقوط ثلاثة أنظمة ديكتاتورية فى تونس ومصر وليبيا على التوالى عبر ثورات شعبية فاقت توقعات كل المراقبين للأوضاع فى القارة الأفريقية,بينما شهد فيه الغرب الأفريقى تحولات بصعود الحسن أوتارا وتربعه على عرش البلاد وقيام النظام المغربى بإصلاحات أتت بحزب التنمية والعدالة للحكم عبر إنتخابات برلمانية,وتوترات فى المنطقة نتيجة للتصعيد الإعلامى الأمريكى لخطر تنظيم القاعدة فى المغرب العربى وجماعة بوكو حرام فى نيجيريا وخطر ما يسمى بالجماعات الإرهابية فى الصحراء والساحل الأفريقى,وتصاعد عمليات القرصنة فى منطقة خليج غينيا وحدوث إنقلاب عسكرى فى غينيا بيساو مما يؤشر على أن منطقة الغرب تشهد تغيرات تستهدف إعادة هيكلتها عبر خلق توترات تساعد فى عملية إعادة صياغة البنائات الإجتماعية لخدمة مصالح أطراف دولية فاعلة فى المنطقة,بينما عكس تطور الأحداث فى الشرق الأفريقى ومنطقة القرن الأفريقى واقع المنطقة الملىء بالصراعات الداخلية والبينية والصراع على النفوذ والهيمنة فى المنطقة وتقاطع مصالح الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية,ويبقى مشروع القرن الأفريقى الكبير وتجمع دول شرق أفريقيا أحد المشاريع التى تهدف لصياغة خارطة المنطقة بأكملها وربما كان إنفصال جنوب السودان الحدث الأبرز فى المنطقة,بينما يمثل الوسط الأفريقى أحد المناطق التى تلتهب فيها الصراعات فى ظل عدم الإستقرار داخل الدول والتدخلات الخارجية فى المنطقة,والجنوب الأفريقى بالرغم من الدور الفعال لجنوب أفريقيا فى المنطقة من أجل تدعيم الأمن والإستقرار السياسى والإقتصادى نجد أن التدخلات الخارجية فى زمبابوى ومدغشغر قد شكلت نوعا من خلق توترات بين دول المنطقة تهدف لإفساد وحدتها بالرغم من محاولة السادك (SADC) لتحقيق الإستقرار فى المنطقة,وتبقى أبرز أحداث العام 2011 م أن أفريقيا شهدت فيه خمسة عشر إنتخابات رئاسية,وعاماً شهد نوعاً من عدم الإستقرار الداخلى حشدت فيه المجتمعات فى الشمال الأفريقى  قواها فأحدثت تغييراً جوهرياً فى أنظمة الحكم ولكنها واجهت حملات مضادة من الخارج حاولت توجيها لخدمة مصالحها,بينما تشكلت معظم الأحداث الأخرى فى القارة الأفريقية نتيجة للعامل الخارجى وضعف قدرة الإتحاد الأفريقى فى مواجهة هذه التحديات القادمة من الخارج. 
عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج
باحث وخبير إستراتيجى فى شؤون القارة الإفريقية و متخصص فى شؤون القرن الأفريقى
E-mail: asimfathi@inbox.com

 

آراء