كانَ زاجِلاً

 


 

 

 

كان هو الأخير الذي تبقّي من السرب الذي كان يرعاه، بمثابرة و حُب، و الدي العزيز: له الرحمة الواسعة و الرضوان، و اجتهدت في جعله يتكاثر و ينمُو، و لكني فشلت، و اعتبرتُ ذلك واحدة من تجليات فقدي للوالد و خبراته: بغيابه عن دُنيانا الفانية، و لكني، على الأقل، راعيت أن يكون الجوز على مايرام، على الدوام...

كان الجُوز يعيش في العريشة الخلفيّة للمنزل، و كنتُ أستمتع بلهوه ورقصه و أنا أُدخِّن الشيشة (النارجيلة) في العصريات، و أهيم مبحراً في ذكرى أبي، أحصى مآثره، و أتملَّى مواقفِي المُشتركة معه، بطول حياتي و عرضها، و كان ذلك ممتعاً و يجلب لي السكينة و الرضا...
و في عصريّة، بعد إنتهاء مراسم العزاء بخمسة أسابيع، لم أجد الجوز...
و لم يخطر ببالي ما قد حدث!
كانت عمتي التي أقامت معنا، منذ المأتم و حتى الآن، قد قدَّرت أنني حزين لجلوسي منفرداً في العصريّات و أنا أبخبخ دخان الشيشة بلا رفيق، و رأت أن تُسرَّى عني بوجبةٍ دسمةٍ اختارت أن يكُون قوامُها: شوربةَ جوز الحمام!...
و لكنها في غفلة من الجميع، و دُون أن تُستشير أحداً، وضعت حدَّاً بخطتها هذه، لحياة جوز الحمام الذِّكرَى، و طبخته، رغم أنه لا يصلُح، لكِبر سنِّهِ، للطبخ، طبختهُ على الزيت، بعد أن استخرجت منه الشوربة، المُفاجأة، حسب تقديرها القاصِر: طبخت عمتي حماماً زاجلاً، أترى؟؟؟
و من يومها بِتُّ لا أطيق كُل أنواع الشوربة، و لو عدس، و التي طالما أحببتُ و اشتهيت!
و كرهت عمتي، بلا سبب: كما ظنَّت و تظِن، هي، إلى يومِنا هذا...
و لم تعد جلسات العصريّة مُمكنة، و لم أعُد أحتمل العريشة، و هواءَها المنعش: في غياب جُوز الحمام، القيِّم، المغدُور!...
amsidahmed@outlook.com
///////////////////

 

آراء