ماركسية الترابي!!
تيسير حسن إدريس
24 July, 2014
24 July, 2014
نزف التهاني لكافة أفراد الشعب السوداني بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك
حلم التغيير مشروع ولكن وضعه قيد التنفيذ يستوجب الهبوط من فضاء المتخيل الرحب لضيق كدح الواقع ؛ فالحلم وحده لا يشعل فتيل ثورة.
(1)
في سفره العظيم "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة" أثبت الفيلسوف الألماني فريدريك إنجلز: أن "البناء الفوقي" للمجتمع نتاج "البناء التحتي" بعلاقاته الاقتصادية، والنظرية الماركسية عموما تعطي الأولوية للبنية التحتية ممثلة في علاقات الإنتاج على البنية الفوقية والتي يمثلها الفكر والايدولوجيا. ورغم صحة المقولة إلا أنها نسبية كما أوضح ذلك الكاتب الفرنسي ريجيس دوبريه في كتابه القيم "نقد العقل السياسي" حين ذكر (أن التأثير المعاكس قد يكون فاعلا أحيانا)، وأعطى المثال بعودة الأصوليات الدينية لتلعب دورًا في الحياة السياسية (الثورة الإسلامية الإيرانية والأصولية الصهيونية).
(2)
ويبدو أن الشيخ حسن الترابي -عراب النظام الذي ما زال يحكم البلاد منذ ربع قرن- قد التقطت هذه الفكرة خلال ندوة عقدت مؤخرا بدار اتحاد المرأة، وهو يبرر لفساد نظام الحركة الإسلامية، الذي يعتبر عصارة تجربته، وقد تولى تدبير انقلابه على السلطة الشرعية في 30 يونيو 1989م، ورعى سلطته التي ولدت على يديه قيصريا لعشر سنوات عجاف.
(3)
مكن الشيخ الترابي فيها للسلطة الإسلاموية بمنظومة فكرية وفقهية، استغل فيها الدين أبشع استغلال، في أجواء من البطش والإرهاب، وها هو يعود اليوم بعد سنوات ناهزت الربع قرن، أزكمت روائح فسادها الأنوف، ليبرر لفساد جماعته بمقولة مجتزأة تم اختزالها وإخراجها عمدا عن سياقها حين يؤكد: (بأن الفساد إذا ضرب المجتمع يفسد السلطة)!!.
(4)
ولا يدري المرء أيضحك أم يبكي لمبرر شيخنا، صاحب فكرة السلطة الرسالية والمسيرة القاصدة ؟؟!! والتي من أجل الوصول إليها ارتكب جرم الانقلاب على النظام الديمقراطي؛ ليكون بذلك أول سياسي في العالم ينقلب على نظام منحه "قبلة الحياة"، وارتضى مشاركته في الحكم، على الرغم من أنه قد ظل شريكا للنظام، الذي أطاحت به الجماهير في انتفاضة شعبية، كان أهم أهدافها وأعز شعاراتها إزالة أثار الدكتاتورية المايوية التي كان الشيخ مستشارها.
(5)
نحن لا نسأل الشيخ الترابي الرفق بعقل المواطن الذي وعى الدرس، وعلِمَ كنه مسيرته القاصدة، ولكن نسأله الرفق بعقول حواريه الذين أرهقوا من الأمر عسرا، وهو يطوح بهم تارة في الأحراش جنوبا بدعوة الجهاد، ويعود بهم تارة أخرى شمالا دون شرف الشهادة، ولا يدري الفرد منهم أيداري سوءته، أم سوءة أخيه، فكلاهما بعد أن قضى الشيخ وطره قاتل ومقتول.
(6)
قد ذهب سوء القصد بعقول نضرة، كان يمكن أن تسهم في تنمية الوطن، ابتلعها الغياب، أو زج بها زجا غير رحيم في دهاليز التفاسير، وجُبِّ المغالطات، تحت ظلال أحاديث وسير كانت معالم الطريق فيها وخلاصة الدرس منها أن شهوة السلطان أقوى وأمضى من شهوة الفرج والبطن، هكذا أوقد الشيخ نار الفتنة الكبرى دون أن يكون لحديث الإيثار متسع في صدره؛ لتطال بسعيرها أول ما تطال لحيته ذات "مفاصلة".
(7)
ليعود الشيخ بعد كل الذي جرى، فجأة لمنطق العقل والجدل؛ مبررا سوء فعلته بفساد "البنية التحتية" الذي أفضى لفساد "البنية الفوقية"، متجاهلا عن قصد العلاقة الجدلية التي تربط بينهما، ومهملا بخبث التأثير الإيجابي المعاكس، الذي كان يمكن أن تلعبه "البنية الفوقية"، ويكون فاعلا بالإيجاب إذا ما خلصت النوايا، وحسنت المقاصد، وكانت المسيرةُ قاصدةً بحقٍّ وجهه الكريم.
** الديمقراطية قادمة وراشدة لا محال ولو كره المنافقون.
تيسير حسن إدريس 23/07/2014م
tai2008idris@gmail.com