تأسست كلية الطب جامعة الجزيرة في العام 1975 م. وكان ذلك علي يد أستاذنا الفاضل بشير حمد، أستاذ طب المجتمع والتعليم الطبي. أطال الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية. وإتخذت الكلية من أسلوب التعليم المبني علي حل المشكلات (PBL) منهجا لها. وهو منهج أمريكي جديد علي السودان يعزز مهارات الإبتكار وحل المشكلات بعكس ما كانت تسير عليه كلية الطب جامعة الخرطوم (أم كليات الطب في السودان) إذ كانت تعتمد المنهج البريطاني والذي يقوم أساسا علي تزويد الطلاب بالمعارف والمهارات اللازمة لممارسة الطب بإعتماد أساليب التدريس الكلاسيكية.
عقدت كلية الطب والعلوم الصحية بجامعة أفريقيا العالمية ورشة عمل عن المنهج الدراسي الميني علي حل المشكلات في العام 2006 م تقريبا. قام بتنفيذها الأستاذ الجليل بشير حمد، وحضرها عدد مقدر من أساتذة الكلية، وكانت مفيدة وثرة ورائعة كما منفذها.
في قسم طب المجتمع بكلية طب جامعة الجزيرة يتم تقسيم الطلاب وفق هذا المنهج إلي مجموعات صغيرة من (11 – 15) طالب وطالبة. تتم زيارة القري وفق برنامج محدد وبأهداف محددة. ويشمل برنامج عدد من الأنشطة منها زيارة المستشفي الريفي والمرور علي الأقسام المختلفة، ومنها أنشطة توعوية صحية في المدارس وأندية الشباب ودور المرأة عن النظافة الشخصية والأمراض المعدية والوقاية منها، والكشف الذاتي لسرطان الثدي عند النساء المستهدفات وغيرها من الأنشطة. وتقوم كل مجموعة بدراسة حالة (Case study) لقرية محددة أو عدة قري متقاربة وبمشاركة المواطنين، ويكون ذلك بملء استبيانات بالمرور علي المنازل وإستخدام أسلوب نقاش المجموعات البؤرية (FGD) تضم قيادات القرية وممثلين للمرأة والشباب والمزارعين وبعض الكوادر الصحية، وغيرها من الطرق البحثية والعلمية. وبعد إكتمال مسح القرية (أو القري) والدراسة ويتم تحليل البيانات والمعلومات التي تم جمعها، وتحدد المشاكل الصحية والإجتماعية وغيرها، وتوضع الأولويات وفقا لذلك، وتقترح الحلول الممكنة حسب الإمكانيات والموارد المتاحة، ومن ثم وضع خطة لتنفيذها بمشاركة السكان.
حكي أستاذنا الجليل أنه في إحدي السنوات قام فريق من طلاب الطب بجامعة الجزيرة بدراسة لقرية معينة. تم تحديد المشكلات فيها، وكان من ضمن المشاكل الرئيسة حسب الدراسة ظاهرة قضاء الحاجة في العراء، وذلك لإفتقار الأهالي ل (أدبخانات) بالمنازل، وتحدد إجتماع مشترك بالقرية المعنية، يجمع فريق الدراسة والأساتذة مع المواطنين لحل مجموعة المشاكل. تحدد موعد الإجتماع، وإحتشد المواطنين في مدرسة القرية. بدأ الحديث الأستاذ بشير حمد بشكر المواطنين لإستضافتهم للطلاب من الجنسين وإكرامهم وتوفير السكن المناسب لهم مما ساعدهم كثيرا في إنجاز المهمة التي قاموا بها. ثم إستعرض الدراسة التي قام بها الطلاب وما توصلت إليه. وأشار إلي إن المشكلة الرئيسية تتمثل في عدم وجود (أدبخانات)، مما جعل الناس يقضون الحاجة في العراء، وأشار إلي المخاطر الصحية التي تنتج عن هذه الظاهرة من تدهور لصحة البيئة، وإنتشار للأمراض المختلفة كالدسنتاريا والبلهارسيا. لذلك يري الفريق أن يقوم بالتعاون مع المواطنين بحفر أدبخانة في كل منزل من المنازل المحتاجة. في هذه الأثناء وعندما كان أستاذ بشير يواصل حديثه، أمسك به شيخ القرية من يده وسحبه بلطف جانبا .. وناجاه قائلا: يا أستاذ بشير، نحن شاكرين ومقدرين لكم ولطلابكم لما قمتم به من دراسة لأحوال قريتنا .. ونحترم ونقدر قراركم بحفر أدبخانات في البيوت المحتاجة لذلك .. لكن يا أستاذ .. والله .. نحنا (اللي بنكبو) في (الأدبخانات) دي ذاتو ما عندنا!! وقطعت جهيزة قول كل خطيب! إنتهي الإجتماع وعاد الأستاذ بشير حمد وطلابه إلي مدينة مدني عاصمة الإقليم وتم شحن لوري بكميات مقدرة من جوالات الذرة .. وتم إنقاذ سكان القرية من مجاعة جاثمة! وتم تأجيل برنامج (حفر الأدبخانات) ليتم تنفيذه في مرحلة لاحقة!
عجمان 2025
Email:sayedhalaly23@gmail.com
د سيد حلالي موسي
سودانايل أول صحيفة سودانية رقمية تصدر من الخرطوم