مكي شبيكة: بس كلامي أنا الما عرفتوهو … بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم
IbrahimA@missouri.edu
انعقدت في أواخر سبعينات القرن الماضي ندوة عن منزلة المرأة في المجتمع نظمتها رائدت بابكر بدري بكلية الأحفاد بمباني البرلمان القديم بالخرطوم . تحدث في الندوة أستاذنا المرحوم البروفسور مكي شبيكة. وقال إنه لا يريد أن يطيل أو يفصل النظريات عن تطور المرأة في بلدنا كمؤرخ. خلافاً لذلك فهو سيتناول الأمر من واقع خبرته كرجل وزوج . وقدر أن ذلك ربما كان أسدى وأنفع. وقد كان .
قال المرحوم شبيكة أنه يذكر تلك الأوقات في الثلاثينيات في أمدرمان التي كانت ترسله فيها زوجته قبل العيد إلى السوق. وقد وصفت له نوع فستان عيدها أو ثوبها ونقش قماتتهما أو زودته بعينة منهما. وكان يذهب للسوق وحده ويقف بنفسه على الأمر ويفاوض تاجر الأقمشة من واقع توجيهات زوجته رهينة البيت. وقد يعود بالقماشة للتاجر لاستبدالها إن لم توافق مزاج الزوجة لزيمة الدار. ثم قال شبيكة إنه جاءتنا أيام " تقدمية " كان يصطحب فيها زوجته إلى السوق ليتركها في هامش منه ثم يذهب بمفرده إلى دكانة الأقمشة ليصف للتاجر القماشة المرغوبة أو ليريه العينة. فإذا استقر التاجر على القطعة المرغوبة حملها شبيكة إلى زوجته في " ضرا" السوق ليتحصل منها على الأوكي "OK" .
ثم قال شبيكة إنه اطردت الأيام التقدمية والقيم الجديدة بحيث أصبح مقبولاً أن يصطحب زوجته إلى السوق. ويأتي بها إلى دكانة الأقمشة. غير أنها كانت تبقي في طرف من مدخل الدكان في حين يفاوض هو التاجر في نوع ولون القماشة. وكانت الزوجة ترصد ذلك عن كثب وتتدخل بمقدار ثم تعطي الأوكي .
ثم قال شبيكة إنه جاء اليوم التقدمي الذي اصطحب فيه زوجته إلى السوق ودخل بها إلى الدكانة. وتركها تفاوض هي كل دقائق فستان أو ثوب العيد بينما يبقى هو في هامش المساومة ليدفع ثمن القماشة بعد حصول الاتفاق .
ثم قال شبيكة إنه جاء اليوم الذي لم يعد يعرف عن أمر فستان العيد شيئاً. ولم يعد يكترث للون قماشته أوقيمتة. فقد أراحته المدينة المدينة من هذه الرقابة المتبقية على زوجته في أمر يخصها ويتصل بذوقها ومزاجها. ولم يبق له سوى دفع ميزانية العيد إجمالاً لزوجته لتذهب للسوق على كيفها. ثم يمضي هو للنادي. لقد استولت زوجته على الأمر من كل وجوهه .
تذكرت كلمة شبيكة هذه وأنا أطالع المداولات الجارية لتعديل قانون النظام العام. ياترى كم أنفقنا من مال وعلم وإدعاء ديانة لضبط النساء؟ اعتبروا يا أولى الألباب بحديث المدينة الأولي الذي أدلى به أستاذنا شبيكة رحمه الله في مساء ذلك اليوم من أواخر السبعينيات. ويا أهل المدينة الثانية Let Go (بلاش لمّه) كما يقول الأمريكان. وأحسنوا إلى النساء والرجال والإسلام والوطن.
(من أرشيف مع ذلك في آخر الثمانينات)