ملتقى أيوا للسلام والديمقراطية: خطاب الى المتفاوضين حول قضايا السلام في جوبا

 


 

 

 

أنجز الشعب السوداني في عام ٢٠١٩ ثورة سلمية قادت إلى سقوط أحد أشرس الأنظمة الإستبدادية التي عرفها تاريخ البشرية الذي ظل جاثما على صدر الشعب السوداني لثلاثة عقود من الزمان. لم تكن معركة إسقاط النظام سهلة، بل كانت معركة شرسة سطر فيها الشعب السوداني أروع البطولات قدمها الشهداء وأمتلأت السجون وبيوت الأشباح بالمعتقلين والمعتقلات ونزح الآلاف لمناطق آمنة داخل البلاد وخارجها. إنتظم الشعب السوداني ونجح في تكوين التحالفات السياسية وجبهات الكفاح المسلح وتنظيمات المجتمع مدني التي شملت الشباب والنساء والنقابات فأسقطت نظاما شموليا إستبدادياً ومهدت الطريق لتحول ديمقراطي وتحقيق سلام مستدام.

بالسقوط الداوي لنظام الإستبداد والفساد تم تكوين المجلس السيادي وحكومة الإنتقال وتكوين مفوضية السلام. ومن ثم إجتمعت القوى السياسية السودانية متمثلة في قوى الحرية والتغيير والجبهات والحركات المسلحة وحكومة الإنتقال لتبدأ مفاوضات السلام بمساعدة الإخوة في حكومة جنوب السودان بمدينة جوبا وحدد النصف الأخير من يونيو ٢٠٢٠موعدا لنهاية المفاوضات والتوقيع على نتائجها.
رأينا في ملتقى أيوا للسلام والديمقراطية أن نوجه رسالة للشعب السوداني وحكومته الإنتقالية والقوى السياسية السودانية بشأن مفاوضات السلام المنعقدة في جوبا، عاصمة دولة جنوب السودان و نناشد كل القوى التي صارعت النظام ان تشترك في مفاوضاتها.
إن رسالتنا في الملتقى منذ إنشائه في عام ٢٠٠٩ تدعو لنشر السلام وتحقيق تحول ديمقراطي حقيقي في السودان.
نجح الملتقى في تقديم مبادرة جمعت لأول مرة أطراف من قادة قوى الإجماع الوطني الداعية للنضال السلمي والجبهات التي تحمل السلاح تحت مظلة المؤتمر الخامس لملتقى أيوا الذي عقد بمدينة دينفر- كلورادو في الولايات المتحدة الأمريكية في شهر أكتوبر ٢٠١٢. نجاح اللقاء بين مكونات المعارضة السودانية فتح الطريق لتبدأ سلسلة من اللقاءات قادت الى بناء الثقة بين أطرافها وكذلك التنسيق بين مكوناتها.
كان أيضا من ثمرات لقاء دينفر كلورادو تمتين العلاقات بين الملتقى وأطراف المعارضة السودانية مما مكن الملتقى إعداد وثيقة تلائم بين وثائق أطراف القوى السياسية. تداول الناشطون في الملتقى ونجحوا في اصدار وثيقة ‘ المواءمة’ التي أبانت أوجه الاتفاق بين الوثائق وما تختلف عليه.
عقد الملتقى مؤتمره السادس في ولاية فيرجينيا في الولايات المتحدة الامريكية في أكتوبر٢٠١٦ وناقش أوجه الخلاف بين الوثائق ومن ثم إتفق المؤتمرون على عرضها للقوى السياسية للرجوع إليها متى ما كان ذلك متاحا.

ندرك في الملتقى أن الأطراف المتفاوضة في جوبا قد طرحت كل رؤاها أملا في الوصول الى اتفاق يرضى به الجميع. وبمتابعتنا توصلنا بأن المفاوضات قد نجحت للوصول الى حد أدني من الإتفاق وتبقت بعض القضايا الخلافية التي سوف تناقش في المؤتمر الدستوري المتفق عليه في ترتيبات الإنتقال.
ونحن نستلهم الروح الوفاقية التي سادت كل علاقاتنا بالأطراف المتفاوضة رأينا أن نسلط الأضواء على المسائل أدناه:
أولا: إستدعى ترتيب فترة الإنتقال بناء مصفوفة زمنية لكل المراحل، وقد إكتملت بعض المراحل وتبقى البعض الذي بالعمل على إكمالها نضمن سريان فترة الانتقال بسهولة ويسر. نرى في الملتقى ضرورة الالتزام بالتوقيت الموضوع لإستكمال كل مرحلة وإذا تعذر ذلك لاسباب موضوعية تحول المسائل التي لم يتم الإتفاق عليها الى مرحلة المؤتمر الدستوري حتى لا يتسبب عدم إستكمال اي مرحلة في ارباك كل المصفوفة الزمنية التي وضعت لتكتمل كل مراحلها بعد ثلاثة سنوات ونصف السنة.
ثانيا: إن التفاوض الذي يتم حاليا في جوبا لا يماثل أي من المفاوضات التي قادها السودانيون لنيل الاستقلال او لإنتزاع السلطات من أنظمة ديكتاتورية سكرية. هذا التفاوض يتم بين شركاء في حكومة الإنتقال وليس مثل المفاوضات الأخرى التي كان فيها المتفاوضون يواجهون عنت السلطات الدكتاتوريه او الحكومات الاستعمارية. وعليه نتوقع في حالة الإختلاف ان يعاد ترتيب الاوليات دونما اتهام لجهة ما بأنها تحاول إجهاض الإتفاق، كما ندرك أن المتفاوضين يضعون مسالة الإلتزام الصارم بالتوقيت حتى يتم النجاح والوصول إلى نهاية فترة الإنتقال حسب ما هو متفق عليه في المصفوفة الزمنية.
ثالثا: تتعرض ثورة الشعب السوداني لضغوط داخلية وخارجية قد تعرقل الإنسياب السلس لفترة الإنتقال ونأمل ان يستطيع المتفاوضون تقييم هذه الضغوط بما يمكنهم من الإسراع في الوصول الى اتفاق يسهم في إستكمال اجهزة الحكم المدنية من تعيين للحكام وتكوين المجلس التشريعي وبقية المفوضيات واضعين في الإعتبار المدى الزمني القصير لفترة الإنتقال.
رابعا: إن المعاناة التي تجتاح العالم من جراء جائحة الكرونا ألقت بظلالها القاتمة على الشعب السوداني وحدت من حركة السكان وأثرت على صحتهم وعطلت أعمالهم وكما أثرت على إقتصاد البلاد مما يضعف أداء حكومة الإنتقال ويجعلها عرضة لكثير من المشاكل المستعصية التي تضعف ثقة الجماهير بها. وعليه فإن هذا الوضع الإستثنائي الذي خلقته جائحة الكرونا يدعو المتفاوضين الإسراع بالوصول إلي إتفاق ونقل ما تبقى من خلافات لمرحلة المؤتمر الدستوري وبذلك يمكن إستكمال أجهزة الحكم المدنية التي تساعد الإستقرار والإستعداد لإنجاز المراحل الأخرى من الإنتقال.
واخيرا، واذ نخاطبكم نتمنى أن تتواصل جهودكم للوصول إلى إتفاق يفتح المجال للعبور إلى مرحلة نشر السلام في ربوع السودان وهذه مرحلة تحتاج لتضافر جهود محلية ودولية واعداد خطة إعادة إستيطان للنازحين في مناطقهم التي أخلوها مكرهين وتوفير مقومات الحياة الضرورية للإستقرار من خدمات وتعليم وصحة وكذلك توفير المواد الأولية للبناء. هذه المتطلبات تحتاج لإدارة قادرة لتنفيذ برنامج بهذا الحجم والتعقيد.
نتمنى لمفاوضاتكم النجاح ولنعمل جميعنا لتحقيق الشعار العزيز الى قلوبنا نشر السلام في ربوع السودان وتحقيق تحول ديمقراطي حقيقي وتحقيق شعار الثورة في الحرية والسلام والعدالة.

سكرتارية ملتقى أيوا للسلام والديمقراطية
١٩ يونيو ٢٠٢٠

 

آراء