نحو علاقة انتماء عربيه للشخصية السودانية متجاوزة الأصول العرقية ومستوعبه للهجات واللغات الخاصة

 


 

 

 

 

د. صبرى محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه فى جامعه الخرطوم

Sabri.m.khalil@gmail,com
تمهيد: تهدف هذه الدراسة الموجزة الى تقرير علاقة الانتماء العربيه للشخصيه الحضارية العامة السودانيه، باعتبارها علاقة انتماء قومية ،ذات مضمون لساني" لغوي" - حضاري غيرعرقي، ومضمونها أن اللغة العربية هي اللغة القومية المشتركة لكل الجماعات القبلية والشعوبية السودانية، بصرف النظر عن أصولها العرقية ، أو لهجاتها القبلية او لغاتها الشعوبية الخاصه، والموروثه من المراحل التاريخية السابقة على دخول العرب والإسلام السودان. فالحديث هنا ليس عن اللغه العربيه فى ذاتها- اى فى شكلها القياسي الموجود فى قواميس ومعاجم اللغة العربيه، بل كلغة مشتركة متمثلة فى اللهجه السودانيه كنمط خاص لاستخدام ذات اللغه العربيه، ومصدر الخصوصية إنها محصلة تفاعل اللغه العربيه مع هذه اللهجات واللغات.
مفهومان فى تفسير مضمون علاقه الانتماء العربيه للشخصيه السودانيه: رغم اشتراك الكثير من المذاهب الفكريه والسياسيه السودانيه،فى اثبات علاقة الانتماء العربيه للشخصيه السودانيه، الا ان هذه المذاهب تفترق عند محاولة تحديد مضمون هذه العلاقه،الى موقفين اساسيين،طبقا للمفهوم الذي يحاول كل موقف تفسير علاقة الانتماء العربيه للشخصيه السودانيه طبقا له:
اولا:المفهوم العرقى: فهناك اولا المذاهب التى تحاول تفسير علاقة الانتماء العربيه للشخصيه السودانيه طبقا للمفهوم العرقى.
مذهب العصبية القبلية العربية"الخلط بين العرب والاعراب": ومثال لهذه المذاهب مذهب العصبية القبلية العربية ، الذي يتحدث عن العرب الحاليين" اى العرب فى الطور القومى او طور الامه" ، فى السودان او غيره من دول عربيه، كما لو كانوا سلالة عرقية لعرب الجاهلية. ويترتب على هذا انه يقصر العروبة على الجماعات القبلية السودانية ذات الأصول العرقية العربية. ووجه الخطأ في هذا المذهب انه يفهم العروبة طبقا لمعيار عرقي - وليس معيار لغوي حضاري- وهو بهذا يتجاهل ارتقاء الاسلام بالعرب من الاطوار القبليه التى معيار الانتماء اليها الدم والنسب " العرق"، الى الطور القومى طور الامه الذى معيار الانتماء اليه لغوى - حضارى ، فهو يخلط بين احدي دلالات لفظ عربي بمعنى البدوي- ما يقابل الأعراب في القرآن- وهي دلالة لا تزال تستخدم حتى الآن للدلالة على من لا يزال في طور البداوة، ولم ينتقل إلي التمدن ، والعروبة كطور تكوين اجتماعي متقدم عن الأطوار القبلية. اى الزور القومى او طور الامه.
مفهوم النقاء العرقى : و هذا المذهب يستند إلى مفهوم " النقاء العرقي"- وهو مفهوم غيرقابل للتحقق فى طور الامه او الطور القومى ، إذ لا توجد امه لم تتشكل من اختلاط العديد من الجماعات القبلية والشعوبية ذات الأصول العرقية المختلفة جنس لم يختلط بغيره - فهو ينكر حقيقة تمازج و اختلاط اغلب الجماعات القبلية السودانية ذات الأصول العربية(السامية) بالجماعات القبلية والشعوبية السودانية ذات الأصول السامية –الحامية( كالبجه والنوبة) ، أو ذات الأصول الحامية الخالصة ، يقول الشيخ على عبد الرحمن الأمين(…أثناء ذلك تم امتزاج الدم العربي بدماء البجه والنوبة والفور والحاميين النيلين والزنوج الإفريقيين وبعض العناصر الشركسية والتركية في أقصى الشمال وذلك بالمصاهرة والاختلاط حتى لا يستطيع الإنسان الآن أن يجزم بان هناك عربي يخلو دمه من قطرات من تلك الدماء غير العربية)(الشيخ على عبد الرحمن،الديمقراطية والاشتراكية في السودان،منشورات المكتبة العصرية، صيدا بيروت،1970 ص22)،ويقول د.محجوب الباشا (تشير اغلب الدراسات إلى أن القبائل المسماة بالعربية في شمال السودان(كذا) هم في الحقيقة مجموعه من العرب الذين اختلطوا بالقبائل النوبية المحلية فتولد عن ذلك العنصر الموجود الآن في اغلب شمال السودان(د.محجوب الباشا ،التنوع العرقي في السودان، سلسلة أوراق استراتيجية الخرطوم، طبعة أولى،1998،ص17) .
الاستناد الى ذات الاساس الخاطىْ الذى تستند اليه المذاهب النقيضه : كما إن هذا المذهب يستند إلى ذات الأساس الخاطىء الذي يستند إليه المذهب المناقض له ، نعنى بهذا الاساس الخاطى فهم العروبة على أساس العرقي وليس لغوي حضاري، بالتالي إنكار عروبة السودانيين استنادا الى أنهم ليسوا سلالة عرقيه لعرب الجاهلية،فضلا عن إنكار الأصول العربية لهذه الجماعات القبلية نسبة لاختلاطهم بمجموعات ذات أصول اخرى، ومن ممثليه مذهب الافريقانية الذي يضم العديد من المذاهب التي تنطلق من إيديولوجيات مختلفة - لدرجة التناقض- لكنها تخلص إلى ذات النتيجة "الخاطئة"، وهى أن الأصل في علاقة الانتماء الافريقية للشخصيات العامة الحضارية المتعددة للأمم والشعوب والقبائل .. القاطنة في إفريقيا- ومنها الشعب السودانى- انها علاقة انتماء اجتماعية حضارية ، ووجه الخطأ في هذه النتيجة أن لعلاقة الانتماء الافريقية مضمونين: مضمون رئيسي جغرافي قاري ، وهذا يعنى أن الأصل فيها هو كونها علاقة انتماء جغرافيه قارية ، ومضمون ثانوي اجتماعي حضاري ، اى وجود قيم اجتماعية وحضارية مشتركة بين الأمم والشعوب والقبائل القاطنة في أفريقيا، لكن لا توجد وحدة اجتماعية وحضارية بينها.
الوحده المطلقه: هذا المفهوم فى تفسير مضمون علاقة الانتماء العربيه للشخصيه السودانيه احد اشكال مذهب الوحدة المطلقة الذى يرى ان العلاقة بين علاقات الانتماء المتعددة للشخصيه السودانيه(الوطنيه السودانيه،والتاريخيه الحضاره النوبيه ،والجغرافيه القاريه الافريقيه ،والعرقيه (الحامية /السامية) هي علاقة تناقض، وبالتالي فان استنادها إلى علاقة انتماء معينه ( هي علاقة الانتماء العربيه) يقتضى إلغاء علاقات الانتماء الأخرى.. هذه الوحدة المطلقة في مجال الهوية ترتبط بوحدة مطلقة في المجال السياسي الاقتصادي القانوني… مضمونها وجوب انفراد جماعات قبلية سودانية معينه(هى الجماعات القبلية السودانية ذات الأصول العرقية العربيه ( باعتبارها ممثلا لعلاقة الانتماء الاساسيه او الوحيده للشخصيه السودانيه “اى علاقة الانتماء العربيه”) بالسلطة و الثروة … دون باقي الجماعات القبلية أو الشعوبية السودانية.
ثانيا:المفهوم اللغوى- الحضارى: وهناك ثانيا المذاهب التى تحاول تفسير علاقه الانتماء العربيه للشخصيه السودانيه طبقا للمفهوم اللغوي – الحضارى، القائم على اساس ان مضمون علاقة الانتماء العربيه للشخصيه السودانيه، هو انها علاقة انتماء قومي إلى أمه ،ذات مضمون لساني حضاري لا عرقي لقول الرسول صلى الله علي وسلم (ليست العربية فيكم من أب وأم؛ إنما العربية اللسان، فمن تكلم العربية فهو عربي)، فهي تعنى أن اللغة العربية هي اللغة المشتركة بين الجماعات القبلية والشعوبية السودانية، بصرف النظر عن أصولها العرقية أو لهجاتها القبلية ولغاتها الشعوبية الخاصه، والحديث هنا عن ليس عن اللغه العربيه فى ذاتها، بل كلغه مشتركة متمثلة فى اللهجه السودانيه كنمط خاص لاستخدام ذات اللغه العربيه، ومصدر الخصوصية إنها محصلة تفاعل اللغه العربيه مع اللهجات القبلية واللغات الشعوبية السابقة على دخول العرب والإسلام السودان. يترتب على ما سبق ان هذا المذهب يرى انه لا توجد جماعات قبليه معينة تنفرد بتمثيل علاقات الانتماء العربية للشخصية السودانية،يقول الشيخ على عبد الرحمن(…فالسودان يدخل كله في نطاق القومية العربية سواء في ذلك النوبة والبجة والفوز والعرب والحاميين والزنوج سواء في ذلك المسلمون والمسيحيون والوثنيون)(على عبد الرحمن، الديمقراطية والاشتراكية في السودان، المكتبة العصرية،بيروت،ص23).
اقرار التعدد اللغوى النسبى : هذا المفهوم يقر التعدد اللغوي النسبى - وليس المطلق) للواقع اللغوي السوداني والمتمثل فى إقرار اللغة العربية كلغة قومية مشتركة لكل الجماعات القبلية والشعوبية السودانية ، على وجه لا يلغى اللهجات القبلية او اللغات الشعوبية القديمة الخاصه، الموروثه من المراحل التاريخية السابقة على دخول العروبة والاسلام السودان.لكثير من هذه الجماعات ، يقول بروفسور محمد بشير عمر( أن اللغة العربية التي تمثل اللغة القومية وتتحدث اللغة العربية الغالبية العظمى من السكان في شمال البلاد هي أيضا لغة التخاطب في جنوبه حيث تطور نوع من اللهجة العربية المبسطة(عربي جوبا) كما أن البجه والفور وجبال النوبة كما زالوا يحتفظون ويتحدثون لغتهم الخاصة و أن الدين الاسلامى كان عاملا موحدا والذي لم يمنع رغم ذلك من جود المسيحية والمعتقدات التي كان لها أن تترك بدورها اثر في الطقوس الاسلاميه) (محمد بشر عمر، التنوع والاقليميه والوحدة القومية ترجمة سلوى مكاوي المركز الطباعي بدون تاريخ ص 5 وما يليها).
جدلية الوحدة والتعدد: هذا المفهوم هو أحد أشكال مذهب العلاقة الجدلية بين الوحدة والتعدد ،والقائم على اعتبار أن الشخصية السودانية ذات علاقات انتماء متعددة،وان العلاقة بينها علاقة تكامل لا تناقض (كما الأمر في علاقات انتماء الشخصية الفردية حيث لا تزال علاقة الانتماء إلى الاسره،أو إلى القرية،أو إلى الحزب قائمه بجوار علاقة الانتماء إلى الدولة أو إلى الوطن أو إلى الشعب بدون خلط أو اختلاط.)(عن العروبة والإسلام ،د.عصمت سيف الدولة). كما ان هذا المفهوم قائم ان العلاقة الجدلية بين الوحدة والتعدد في مجال الهوية، ترتبط بالعلاقة الجدلية بين الوحدة والتعدد في المجال السياسي الاقتصادي القانوني…متمثله في إقرار الوحدة (المتضمنة إقرار المساواة بين الجماعات القبلية والشعوبية السوانيه بصرف النظر عن أصولها العربية ولهجاتها القبليه او لغاتها الشعوبية الخاصه) وفى ذات الوقت اقرار التعددية (المتضمنة إقرار الحرية لكل هذه الجماعات القبلية والشعوبية).
--------------------------
للإطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن زيارة المواقع التالية:
1/ الموقع الرسمي للدكتور/ صبري محمد خليل خيري | دراسات ومقالات https://drsabrikhalil.wordpress.com
2/ د. صبري محمد خليل Google Sites
https://sites.google.com/site/sabriymkh

 

آراء