ويا خوفي وخرابي لو أنسحبت الإنقاذ من أبيي

 


 

سارة عيسى
25 May, 2011

 


عندما أستلمت الإنقاذ الحكم في 1989 كان السودان موحداً ، كانت كل مدن الجنوب تقع تحت سيطرة الحكومة المركزية ، مدن كبيرة وهامة مثل جوبا وملكال ويرول وواو  ، ومن المفارقات ان مدينة أبيي لم تكن مشهورة في ذلك الزمن ، لذلك عندما أتابع الضجة التي أحدثها الإعلام الحكومي حول أبيي الآن  أضحك واستغرب ، فإن كانت ابيي شمالية في هذه اللحظة فكل مدن الجنوب كانت شمالية فلماذا لم تزحف دبابات البشير نحو جوبا أو ملكال ؟؟ حتى ليقوموا برفع العلم الشمالي وتأكيد العمل بشعار الرئيس العراقي السابق صدام حسين : أن الجزء قد عاد للكل ، ويبدو أن حكومة الإنقاذ قد نست الظرف الذي أحاط بتوقيع إتفاقية نيفاشا ،هذه الإتفاقية أتت تحت الضغط الدولي وقد اذعنت لها الإنقاذ ، وهناك شهود وضامنين لهذه الإتفاقية ، ويأتي من بين هؤلاء الشهود الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وكندا ، لذلك لن تكون مدينة ابيي لقمة سائغة  ينتهي تاريخها برفع العلم الشمالي وتحية الجنود لبعضهم البعض ، وربما لم تتوقع حكومة الإنقاذ العواقب الكارثية لهذه المغامرة ، لكن رد الفعل الدولي كان سريعاً وقوياً وتحذيرياً ، وزاد الحديث عن عظمة المخاوف أن نموذج الجنجويد في دارفور قد تم إستنساخه في أبيي ، ولا ننسى أن بطل هذا النموذج  الأستاذ/أحمد هارون قد حل بخيله وإبله على جنوب كردفان  ، هذا النموذج يحمل في سماته الهجوم البري والجوي أولاً  من قبل  الجيش الحكومي يعقبه قيام مليشيات الجنجويد بممارسة النهب والحرق والقتل ، هذه المرة نزح الفارون نحو الجنوب وليس نحو الشمال  ، وقد أختارت حكومة الإنقاذ توقيتاً سيئاً لإدارة هذه الأزمة ، جاء هذا التوقيت متزامناً مع زيارة أعضاء مجلس الأمن للسودان ، فحكومة الإنقاذ تعتقد أن السودان قد عاد لحقبة التسعينات ، وبأن يدها العسكرية ما زالت مطلوقة السراح ، ولم يكن ما قامت به غير متوقعاً ، فصور  الاقمار الفضائية لاحظت أن حكومة الخرطوم تحشد قواتها في منطقة أبيي وكان ذلك قبل عدة شهور  ، بل حتى أن عدد دباباتها كان معلوماً للجميع . فقد أنتهى عهد الحروب المجهولة والتحركات الخفية .
إذاً نحن عدنا للحرب من جديد ، واشباح برنامج ساحات الفداء بدأ صوتهم جهورياً  وهم يرفعون عقيرتهم وهم ينادون للحرب والقتال ، فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة ، نحن لن ننسحب ، لم تترك الإنقاذ مجالاً لشعرة معاوية أو فرصةً للتراجع  ، الرئيس البشير بقول بأننا لن ننسحب لأنها  أبيي مدينة شمالية  ، وفي توصيف آخر لأنها مدينة عربية تدين بالإسلام ، هكذا أنطبقت عليها شروط دستور المشير البشير ، وهناك من طلب من المشير البشير  التوغل بدباباته نحو منطقة بحر العرب ، وزير الدفاع أكّد بأننا لن ننسحب حتى ولوتوفرت  ترتيبات أمنية جديدة ، لكن هناك شخص غامض وصفته وسائل الإعلام العالمية بالدبلوماسي الكبير أكد بأنه يُمكن أن ينسحب الجيش السوداني من أبيي والعودة للوضع القديم ، هذا الدبلوماسي الغامض ربما يكون الدكتور/غازي صلاح الدين أو الأستاذ/علي عثمان محمد طه ، وإفتراضي هذا مبني على  دور هذين الرجلين  في صناعة إتفاقية نيفاشا ولعلمهما التام بخطورة خيار الحسم العسكري ، لكن على ما يبدو أن صوت هذين الرجلين تم إسكاته من قبل الداعين للحرب . لكن صوتهما سوف يعود للصدارة إذا ضاق السبيل أو إذا اضمر شهود نيفاشا الشر للمشير البشير وأنقلبوا عليه  كما فعلوا تماماً مع العقيد القذافي .
وبذلك سوف تتحول أبيي إلى الكويت التي هدمت حقبة صدام حسين ، رمى المؤرخين العرب اللوم على السفيرة الأمريكية في بغداد بحكم أنها لم تردع صدام حسين قبل الغزو ، بل هي أوحت له أن الصراع بينه وبين الكويت شأن داخلي مما أوحى لصدام أن الولايات المتحدة لن تتدخل ، ابيي مثل  مدينة " مصراتة " الليبية " التي رفض العقيد القذافي التخلي عنها ، وها هو نظامه يترنح اليوم من ضربات قوات الناتو ، ليس علينا إستبعاد التدخل العسكري الأجنبي في السودان ، هذا التدخل وافقت عليه الحكومة السودانية في أحداث ليبيا ، ولا يوجد سبب يمنع وجوده في السودان ، وسوف يأتي مصحوباً بعبارات حماية المدنيين وحفظ السلام والأمن الدوليين ، وقبله سوف تأتي عاصفة طرد البعثات الدبلوماسية العاملة  في الخارج مع الدعوات بضرورة منع بعض الشخصيات الحكومية من دخول أوروبا وأمريكا ، العقوبات التجارية وتجميد الأرصدة ووضع قيود على التحويلات المالية ، وسوف يتم عرض ملف المحكمة الجنائية الدولية  من جديد والدعوة لمحاكمة وتسليم قادة المليشيات الذين قاموا بحرق البيوت ونهبها في أبيي ، هذا هو السيناريو المتوقع ، ونظام البشير لن يراهن على النظام العربي الذي سانده في السابق  ، بل أن الولايات المتحدة قبلت فوز البشير " المخجوج " في الإنتخابات من أجل بنيان دولة الجنوب ، والآن نصف الزعماء العرب ربما يحالون للمحكمة الجنائية الدولية وبرغبة وإرادة شعوبهم . ولو ساء الحال أكثر فأكثر  ،  لو كانت مدينة ابيي مثل جبل أحد ذهباً لتمنت الإنقاذ التخلص منه مقابل السلامة والنجاة  ، لكن ربما تفاجئنا الإنقاذ كما عودتنا سابقاً : بأن تعلن إنسحاباً غير مشروطاً من مدينة أبيي مع التعهد بالعودة للحوار ، هذا هو عين العقل لكن هذا يعني بأن يبلع كل من أطلق صيحة الحرب لسانه وليسكت للابد ، قال سيدنا معاوية بني سفيان رضي الله عنه : ايها الناس لا تردوا على مقالتي ..قولوا خيراً أو اصمتوا .
سارة عيسي
sara issa [sara_issa_1@yahoo.com]

 

آراء