أبيى.. أبعد من مقتل السلطان كوال دينق مجوك! (1 – 2)

 


 

 


alaa bashir [alaabashir7@gmail.com]

في الفترة من يناير وحتى مارس من العام 2011 كرس حزب المؤتمر الوطني الحاكم في الخرطوم جهده في دعم وتسليح مليشيات المسيرية التابعة له فى منطقة ابيى المتنازع عليها بين شمال وجنوب السودان، ما قاد الى انفجار الوضع عسكريا بعد مهاجمة هذه المليشيات لمواقع الشرطة المكلفة بحفظ الامن فى المنطقة، ما قاد الى مقتل اكثر من 150 شخصا وذلك طبقا لدراسة اعدّها مشروع مسح الاسلحة الصغيرة ومقره فى جنيف.
قادت هذه الاحداث الى تصعيد الخطاب السياسى بين الشمال و الجنوب الذي كان يستعد للاستقلال عن الشمال بعد تصويت الجنوبيين فى الاستفتاء على تقرير المصير فى يناير من نفس العام. ناقش مجلس وزارء الجنوب خريطة محتملة للدولة الوليدة تضمنت منطقة ابيي ضمن حدودها وصرح بعض قيادات الجنوب انهم سيجرون الاستفتاء على تبعية ابيى للشمال او الجنوب والذي كان مقررا ان يجري في يناير بالتزامن مع الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب، بصورة منفردة عن الشمال.
لكن في ابريل 2011 ومن عاصمة قبيلة المسيرية "المجلد" هدد الرئيس البشير جوبا وقتها بأن الخرطوم ستتراجع عن منح الجنوب الاستقلال عن السودان في يوليو من نفس العام ان هي اقدمت على ضم ابيي اليها بوضع اليد وشدّد على ان المنطقة شمالية.
لكن مساعد وزير الخارجية الامريكية، جونى كارسون صرح وقتها ردا على حديث البشير "انه يزيد حدة التوتر فى بلاده". وبالفعل اوصل التوتر المنطقة الى ان تجتاحها القوات الحكومية لشمال السودان بالكامل في مايو من نفس العام وترافق هجومها البري مع قصف جوي بالطائرات ما ادى الى حركة نزوح واسعة لقبائل دينكا نقوك الى داخل حدود جنوب السودان.
الاحداث اثرت في المسيرية ايضا حيث لم يستطيعوا ولأول مرة فى تأريخهم من الوصول بماشيتهم في ذلك الموسم الى بحر العرب او "كير" حسب منطق الدينكا.
الهبت هذه التطورات المواقف بين الطرفين وجعلت اي محاولة للوصول الى حل حول ازمة المنطقة ابعد من اي وقت مضى وانفصل الجنوب وبقيت قنبلة ابيى الموقوتة قابلة للانفجار في اي وقت.
ظلت المنطقة محورا للعديد من مساعي الحل منذ ضمها من قبل الادارة الاستعمارية البريطانية الى كردفان في العام 1905 حيث وعدت اتفاقية اديس ابابا عام 1972 التي انهت الحرب الاهلية الاولى بأجراء استفتاء لتحديد تبعية المنطقة الى الشمال او الجنوب و لكنه لم يجرِ.
وشكلت ابيى عقدة فى مفاوضات السلام بين الحكومة والحركة الشعبية التي جرت بكينيا فى الفترة ما بين 2002 و 2005 واضطر الوسطاء و طرفا التفاوض الى ارجاء حلها الى ما بعد التوصل لاتفاق سلام شامل، عندما قبل الطرفان المقترح الذى تقدم به المبعوث الرئاسي الامريكي الخاص، جون دانفورث كأساس لبروتكول فض النزاع في المنطقة، وقضى الحل الامريكي باحالة معضلة ترسيم الحدود ما بين مناطق عموديات دينكا نقوك التسعة و مناطق قبيلة المسيرية الى لجنة من الخبراء الاجانب برئاسة الخبير البريطانى دوغلاس جونسون، واجتهدت اللجنة في عملها ورفعت تقريرها بعد التوقيع على اتفاق سلام في يناير 2005 لكن الحكومة المركزية في شمال السودان رفضت تقرير الخبراء بحجة انهم خالفوا التفويض الممنوح لهم بموجب بروتكول ابيى و الذى يقضي بترسيم آخر حدود للطرفين بعد نيل السودان لاستقلاله عن بريطانيا فى الاول من يناير 1956، وقالت ان اللجنة اقرت بفشلها فى ذلك واجتهدت رأيها فى ترسيم الحدود ما جعل حلها منحازا الى قبائل دينكا نقوك حيث اعطى معظم الاراضى الخصبة الى جانب التى تزخر باحتياطات نفطية مقدرة الى الدينكا الذين يدينون بالولاء الى الجنوب.
ادى رفض الحكومة في الشمال - التي يهيمن عليها حزب المؤتمر الوطنى - لتقرير الخبراء الى وضع سائل في المنطقة حيث لم يكتمل الهيكل الاداري للمنطقة الذي قررته اتفاقية السلام ما ادى الى فراغ قاد الى اسوأ احداث عنف في مايو 2008 متزامنا مع عقد الحركة الشعبية لمؤتمرها العام في جوبا وادت الاجواء المشحونة الى اشتباكات مسلحة واسعة النطاق بين عناصر الوحدات المشتركة المدمجة من القوات المسلحة التابعة لشمال السودان والجيش الشعبي التابع للجنوب والمشكلة بموجب اتفاقية السلام والمتمركزة بالمنطقة ادت الى مقتل وجرح العشرات وفرار نحو 60 الف من المنطقة معظمهم من دينكا نقوك بعد احراق اجزاء واسعة من المنطقة.
ادت احداث العنف تلك الى اتفاق الشمال والجنوب على خارطة طريق لحل النزاع فى المنطقة اشتمل على تدابير امنية و ادارية كانت ابرز بنودها حل القوة المشتركة المدمجة المتمركزة في المنطقة واستبدال عناصر الطرفين بعناصر جديدة لم تشارك فى الصراع مع نشر قوة شرطة من الطرفين لاغراض حفظ الامن. وفي الجانب الاداري اوصت خارطة الطريق رئاسة الجمهورية بتكوين ادارة مدنية للمنطقة بينما نص بروتكول ابيي في اتفاقية السلام على انشاء مجلس تنفيذي مؤقت ثم اجراء انتخابات لاختيار المجلس الجديد.
واتفق الطرفان في خارطة الطريق باللجوء الى محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي لحسم الخلاف على ترسيم الحدود كما ورد في تقرير الخبراء والتزم كل من الحركة الشعبية وحكومة الجنوب و الحكومة المركزية وحزب المؤتمر الوطني الذي يهيمن عليها بقبول نتائج التحكيم ايا كانت.
ورأت المحكمة في قرارها الصادر فى ابريل 2009 نفس رؤية المؤتمر الوطنى ان الخبراء تجاوزوا التفويض الممنوح لهم واجتهدوا في ترسيم حدود غير حدود العام 1956. واعتبر القرار على نطاق واسع بأنه قرار سياسى يهدف الى ارضاء حزب المؤتمر الوطنى حيث اخرج المناطق الغنية المنتجة للنفط فى الشمال الشرقي من حدود المنطقة واتبعها الى ولاية جنوب كردفان ورفض المسيرية الحكم بدعوى انهم لم يشاوروا او يمثلوا فى الدفوعات التى قدمتها الحكومة فى شمال السودان.
وكشفت وثيقة امريكية سرّبها موقع ويكليكس عن برقية للخارجية الامريكية فى يونيو 2008 اشتملت على تلخيص لاجتماع عقد فى لندن دعا له المبعوث البريطانى الخاص الى السودان وقتها، مايكل اونيل وضم ممثلين للاتحاد الاوربى وهولندا والنرويج اضافة الى الولايات المتحدة وكندا، ناقش الاجتماع التطورات فى منطقة ابيي على خلفية احداث مايو 2008 وما اتفق عليه شمال وجنوب السودان في خارطة الطريق لحل النزاع في منطقة ابيي بالتركيز على التحكيم، وإدارة أبيي، والأمن، وقضايا النفط، والحالة الإنسانية، واعترف المجتمعون بأن خارطة الطريق تعتبر وثيقة سياسية قانونية، لكنهم اعربوا عن القلق الكبير ازاء فكرة التحكيم كما وردت في خارطة الطريق لغموضها وقدرتها على تأخير أي قرار صحيح في مأزق أبيي.
وبحسب دارسة مشروع مسح الاسلحة الصغيرة المشار اليه انفا فأن حزب المؤتمر الوطنى قبل نظريا بقرار محكمة التحكيم و لكنه عمد فى الواقع الى عرقلة تنفيذه حيث ربط ترسيم الحدود التى حددتها المحكمة بمجمل قضايا المستقبل السياسي للجنوب في مخالفة واضحة لاتفاقية السلام التي قررت بأن ترسيم الحدود امر ضروري قبل اجراء الاستفتاء على تبعية المنطقة وقبل استفتاء تقرير المصير للجنوب.
وادى الاختلاف على تحديد من يحق لهم التصويت في استفتاء تحديد تبعية المنطقة الى الشمال او الجنوب و الذي كان يفترض ان يجري متزامنا مع استفتاء تقرير المصير بالنسبة للجنوب الى عدم قيامه، فقد اصر حزب المؤتمر الوطنى على مشاركة المسيرية فى الاستفتاء بينما قضى قرار محكمة التحكيم بمشاركة السودانيين الموجودين في المنطقة منذ 1\1 1956 سواء كانوا دينكا او مسيرية او غيرهم من المنتمين لمختلف قبائل السودان، ورأت الحركة الشعبية حينها فى موقف حزب المؤتمر الوطنى افشالا للاستفتاء حيث ان مشاركة جميع المسيرية الذين استوطنوا المنطقة بعد الفترة المحددة والذين ياتون في رحلات الرعي الموسمية من شأنه خلق واقع ديمغرافي مغاير ومن ثم تغيير نتيجة الاستفتاء لتبقى ابيي ضمن حدود الشمال.
يتبع
Alaabashir7@gmail.com




 

آراء