أبيي ؟ الصاعق النائم الذي ربما فجر الحرب بين دولتي السودان ؟
Facebook.com/tharwat.gasim
Tharwat20042004@yahoo.com
1- السفير الكضاب ؟
لعله السير هنري واتون ، المفكر الأنجليزي ( 1604 ) الذي أطلق المقولة الشهيرة بأن السفير رجل جنتلمان يتم إبتعاثه خارج بلده ليكذب لمصلحة بلده ؟
في يوم الأحد 2 مارس 2014 عقد سعادة السفير مايان دوت واال ، سفير دولة جنوب السودان لدى السودان مؤتمراً صحفياً محضوراً في الخرطوم أكد فيه إن أحداث أبيي ( السبت 1 مارس 2014 ) كانت مناوشات قبلية عادية بين قبيلتي المسيرية والدينكا نقوك ، وإن جيش الحركة الشعبية لم يشارك في هذه المناوشات .
وصدق الناس الكلام .
ثم ظهرت الحقيقة المدعومة بالصور ، ويمكن تلخيص أحداثها كما يلي :
2 - أحداث يوم السبت اول مارس 2014؟
في صباح يوم السبت اول مارس 2014 ، إجتاحت قوة مدججة بالسلاح من جيش الحركة الشعبية ( الأم ) ديار المسيرية الواقعة شمال مدينة أبيي . حسب الإتفاقية المبرمة بين حكومة السودان والحركة الشعبية ( الأثنين 20 يونيو 2011 ) تبقى قوات الحركة الشعبية جنوب مدينة أبيي ، وتبقى قبيلة المسيرية وقوات الجيش السوداني شمال مدينة أبيي ، وتكون مدينة أبيي تحت السيطرة الحصرية لقوات حفظ السلام الدولية ( يونسفا ) ، المكونة من 21 دولة وحوالى 4 ألف جندي أثيوبي ( قرار مجلس الأمن 1990 ) .
قتلت قوات جيش الحركة الشعبية المغيرة 13 من افراد قبيلة المسيرية بدم بارد ، وجرحت 30 آخرين ، وسبت الحرث والنسل الحيواني .
تضاربت الأقوال حول السبب وراء الهجوم العشوائي غير المبرر لقوات جيش الحركة الشعبية ضد افراد قبيلة المسيرية المسالمين المتواجدين في منطقتهم شمال مدينة ابيي حسب الإتفاقية المذكورة أعلاه .
قال قائل منهم بإحتمالية سيناريو من بين ثلاثة :
أولاً :
قد يكون الجوع قد إستبد بقوات الحركة الشعبية ، فغاروا على ديار المسيرية طلباً للطعام المفقود في أراضيهم جنوب مدينة ابيي . ثم إستباحت البشر والحيوان .
ثانياً :
ربما تكون قوات الحركة الشعبية قد فرت شمالاً هرباً من تقدم قوات الدكتور رياك مشار ، ودخلت أراضي المسيرية بحثاً عن الأمان . ثم إستباحت البشر والحيوان .
ثالثاً :
ربما أغرى مناخ الفوضى السائد في جنوب السودان قوات جيش الحركة الشعبية بإستباحة أراضي المسيرية الآمنة في غزوة لطرد قبائل المسيرية من منطقة ابيي وسبي نسائهم والناس نيام ؟
في كل سيناريو من السيناريوهات الثلاثة أعلاه ، قتلت قوات جيش الحركة الشعبية 13 من افراد المسيرية عشوائياً ، وجرحت 30 آخرين لتخويف البقية وقهرهم في ديارهم . كما سلبت القوات الغازية قطيع من الأبقار والأغنام ،ولم تترك حتى دجاج القوم يكاكي في أمان .
3- عصر ما بعد عبدالرسول النور ؟
ولكن خابت مخططات الحركة الشعبية . مضى وإلى غير رجعة عصر الزعيم عبدالرسول النور عندما كان فرسان المسيرية يمتطون ظهور الخيل ويحملون كلاشاتهم في اياديهم ، وهم يولولون ويزبدون ويرغون . صاروا الآن في عصر الثورة المعلوماتية يمتطون عربات اللاندكروزر ذات الدفع الرباعي وعليها مدافع الدوشكا وقاذفات ال آر بي جي ومدافع المورتر والمدافع الأخرى سريعة الطلقات ، وينضمون في الثريا والواتساب .
حسب آخر تقرير لمجلس الأمن ( الاثنين 24 فبراير 2014 ) جهزت قبيلة المسيرية جيشاً ( صغيراً ) من حوالي 15 الف مقاتل ، مجهزين بأسلحة ثقيلة وراجمات صواريخ ومدافع من أحجام مختلفة ، وقالت باي باي لفرسان عبدالرسول النور وحنجورياتهم .
هل سمعت بالزعيم عبدالرسول النور مؤخراً ؟
إطرشني !
بمجرد أن سمع جيش المسيرية بالفظائع التي يرتكبها جيش الحركة الشعبية في ديار المسيرية في مخالفة لإتفاقية السلام بينهما ( يونيو 2011 ) ،هب لنجدة اخوانه مستعملاً العصا الغليظة ، فقتل 350 من القوات المغيرة في منطقة مكيير في ديار المسيرية ، وغنم اسلحة ثقيلة من عيارات مختلفة وبكميات مهولة .
4 - صور البطاقات الشخصية ؟
تجد صور البطاقات الشخصية لأثنين من ضباط جيش الحركة الشعبية الغائرين المقتولين وأربعة من جنوده المقتولين مرفقة لتوكيد غارة جيش الحركة الشعبية على ديار المسيرية في مكيير ، وليطمئن قلب سعادة سفير دولة جنوب السودان في الخرطوم على صحة المعلومات .
صور البطاقات الشخصية ومعظم المعلومات أعلاه بواسطة مركز دراسات الصحراء في اتوا في كندا .
6 من العناصر المقتولة عليها رحمة الرب هي :
+ ملازم اول اشير مانيول ،
+ ملازم اول اشين مالوني ،
+عريف دينق ماجوك دينق ،
+ عريف دينق ماجوك بول ،
+ عريف دينق ماجوك ،
+وعريف دينق مانيوجوك .
سوف تلاحظ في البطاقة الشخصية خانة للديانة ؛ والمقصود بها حرمان المسلمين الجنوبيين من أي مواقع في جيش الحركة الشعبية .
تفرقة دينية من أثار ما قبل يوم الأحد 9 يناير 2005 ؟
5 - نبذة تاريخية ؟
+ في السودان الخديوي ( 1820- 1885 ) ، كانت أبيي بعمودياتها التسعة ( دينكا نقوك ) تتبع لمديرية بحر الغزال .
+ استمرت أبيي تتبع لمديرية بحر الغزال خلال فترة الدولة المهدية ( 1885 – 1899 ) .
+ في عام 1905 وخلال فترة الحكم الثنائي طلب مواطنو أبيي من الدينكا نقوك ضم عمودياتهم التسع إلى مديرية كردفان ، وتم ذلك بقرار إداري بين مديري كردفان وبحر الغزال .
+ صارت أبيي جزءاً من مديرية كردفان من عام 1905 وحتى تاريخه ... 109 سنة .
+ في عام 2005 ، أحتوى بروتوكول أبيي في إتفاقية السلام الشامل بين دولتي السودان على فقرة تطلب عقد إستفتاء لمواطني أبيي في يناير 2011 ليقرروا إنضمام منطقتهم للسودان أو جنوب السودان . لم يتم عقد الإستفتاء لعدم التوافق على من يحق له المشاركة في الإستفتاء .
+ ولا يزال الوضع معلقاً في الهواء دون حل ... من يحق له المشاركة في عملية الإستفتاء ؟
6 - بداية المشاكل ؟
لمدة 78 عاماً ، من عام 1905 وحتى عام 1983 ، عاش دينكا نقوك والمسيرية في منطقة أبيي في علاقة ودية ... بل تداخل بشري وقبلي ومعيشي وأسري .
ثم بدأت المشاكل بين القبيلتين ( ولكن خارج منطقة أبيي الجغرافية ) في عام 1983 عندما تم تكوين الحركة الشعبية ، وبدأت عملياتها العسكرية ، وإستمرت حتى عام 2005 عند توقيع إتفاقية السلام الشامل
انضم جزء من دينكا نقوك من قاطني أبيي للحركة الشعبية ، وإنضم جزء من المسيرية قاطني أبيي لحكومة الخرطوم ، وشاركوا في الحرب بين الحركة الشعبية وحكومة الخرطوم لمدة 22 عاماً ( 1983- 2005 ) .
ولكن الغلوطية أن منطقة أبيي الجغرافية لم تطالها الحرب الأهلية طيلة هذه ال 22 عاماً ( 1983 – 2005 ) ، رغم مشاركة بعض سكانها من دينكا نقوك والمسيرية في الحرب الأهلية خارج منطقة أبيي .
كانت منطقة أبيي الجغرافية واحة سلام في بحر مضطرب أثناء الحرب الأهلية .
بعد اتفاقية السلام الشامل بين دولتي السودان ( 2005 ) إنتقلت الحرب بين دولتي السودان وبين الدينكا نقوك والمسيرية إلى داخل منطقة أبيي الجغرافية .
أستولدت إتفاقية السلام الحرب بمنطقة أبيي في غلوطية كافكاوية مثيرة للتعجب ، تماماً كما تنبأ السيد الإمام في عام 2005 بعد إتفاقية السلام ؟
خلال فترة ال 9 سنوات من 2005 وحتى 2014 ، بدأت المناوشات داخل منطقة أبيي بين دينكا نقوك وجيش الحركة الشعبية من جانب والمسيرية والجيش السوداني من الجانب المقابل . مات في هذه المناوشات المئات ، وجُرح وتشرد الآلاف .
ويحدث ذلك لأول مرة في التاريخ المكتوب ، وللمفارقة بعد توقيع إتفاقية السلام الشامل .
في مايو 2011 وحسب إتفاقية السلام الشامل ، غادرت قوات الجيش السوداني مدينة أبيي . نصبت قوات جيش الحركة الشعبية كميناً للقوات المغادرة ، وإغتالت العشرات من الضباط والجنود عشوائياً . بعد الكمين مباشرة ، أحتلت القوات السودانية منطقة أبيي ؛ ولكنها غادرت في يوم الاُثنين 27 يونيو 2011 تحت ضغوط دولية وإقليمية .
في يوم الأثنين 27 يونيو 2011 وحتى تاريخه ( حوالي سنتين و9 شهور ) ، تحفظ السلام في مدينة أبيي قوات حفظ سلام أممية ( يونسفا ) مكونة من 21 دولة وحوالى 4 ألف جندي أثيوبي ( قرار مجلس الأمن 1990 ) ... وذلك لأول مرة في التاريخ المكتوب !
في ذلك اليوم (يوم الأثنين 27 يونيو 2011) تم إكتمال تدويل قضية أبيي .
7- بترول أبيي ؟
يجب أن لا ننسى أن بترول منطقة أبيي ، على قلته ، قد ألهب الأطماع المحلية، والسياسية، والدولية. ودلق الزيت على الحرب في أبيي ، فزادت إشتعالاً .
8- تدويل قضية أبيي ؟
تعامل نظام الإنقاذ مع قضية أبيي تعاملاً احادياً بدلاً من التعامل القومي ، ولم يُشرك الأحزاب السياسية الشمالية والجنوبية ولا قبيلتي الدينكا والمسيرية في حلها ، شأنه في ذلك كما في بقية القضايا الوطنية . ومن أهم سلبيات هذا النهج تحويل نزاع أبيي إلى حرب دينية مقدسة تحكمها عوامل غيبية ووراثية مما عمّق شرخ النزاع ووسع قاعدته إقليمياً ودولياً ، ودفع السودان ثمناً باهظاً لهذا النهج الأحادي الديني المدمر .
9- القس دانفورث ؟
في سبتمبر 2001 ، عين الرئيس بوش القس دانفورث كممثل ومبعوث خاص له للسودان .
كتب القس دانفورث بروتوكول أبيي ، الذي تم تضمينه ، فيما بعد ، كملحق لإتفاقية السلام الشامل .
بموجب بروتوكول أبيي ، تم تكوين لجنة خبراء ، عقّدت بتقريرها المشكلة بدلاً من حلها ( 14 يوليو 2005 ) .
بعدها لجأت حكومة الخرطوم والحركة الشعبية إلى هيئة التحكيم الدولية التابعة لمحكمة العدل الدولية في لاهاى ( 2008 ) . فاكتملت حلقات التدويل لقضية أبيي .
10 - حكم محكمة العدل الدولية ؟
درست هيئة التحكيم الدولية التابعة لمحكمة العدل الدولية ملف أبيي وتوصيات لجنة الخبراء ، ووصت ( 22 يوليو 2009 ) بإعطاء جل مناطق انتاج النفط للشمال . وإعطاء المراعي والمشارع في بحر العرب والرقبة الزرقاء للجنوب.
وهى توصية غير ملزمة وجدت ترحيباً حاراً لدى الدينكا نقوك ، ولكن خيبة أمل لدي الحركة الشعبية.
الحركة الشعبية معتمدة اعتماداً كبيراً على إيرادات النفط ، ولم تقبل الحرمان من نفط منطقة أبيي ؟
كما وجدت التوصية ترحيباً لدي حكومة الخرطوم ، ولكن خيبة أمل لدي المسيرية.
المسيرية لم يقبلوا الحرمان من منطقة بحر العرب والمراعي ، وهي حقوق وجودية بالنسبة لهم ، لا يمكن التفريط فيها .
رغم أن قرار اللجنة يحمل ثقلاً دولياً ، فإن الأطراف الأربعة لم يلتزموا بتطبيقه وتفعيل بنوده ، خصوصاً في جو عدم الثقة والإستقطاب والإحتقان بين الأطراف الأربعة .
يصر الدينكا نقوك على ضم كامل أقليم أبيي إلى دولة جنوب السودان ، وطرد المسيرية من أبيي .
وتصر المسيرية على إستمرار بقاء أقليم أبيي في دولة السودان ليضمنوا حقوق الرعي .
إتفاقية السلام الشامل تُلزم دولتي السودان بإعتماد الحدود بينهما كما كانت في أول يناير 1956 .
في ذلك اليوم كانت أبيي تقع في دولة السودان .
11 – إستفتاء أكتوبر 2013 ؟
في يوم الخميس 31 أكتوبر 2013 ، صوت دينكا نقوك في إستفتاء شعبي لضم إقليم أبيي لدولة جنوب السودان بنسبة أكثر من 99% !
لم تعترف قبيلة المسيرية ، ولا حكومتي الخرطوم وجوبا ، ولا الإتحاد الأفريقي ولا مجلس الأمن بنتيجة الإستفتاء .
لا تزال المشكلة قائمة !
وإنفجرت قنبلتها الموقوتة في يوم السبت اول مارس 2014 !
هل من تداعيات سلبية على السلام والسلم بين دولتي السودان وبين القبيلتين في مقبل الأيام ؟
إنتظروا الفرج ، إنا معكم منتظرون !