أعدها المستشار البشرى عبدالحميد: دراسة ترصد واقع الحال في الشمالية وتضع السيناريوهات وتقترح الحلول

 


 

 

أعدّ المستشار البشرى عبدالحميد محمد رئيس مجلس إدارة شركة أماروس للإعلام والعلاقات العامة التي تصدر صحيفة "التحرير" الإلكترونية دراسة بعنوان "الولاية الشمالية: واقع الحال وسيناريوهات المآل"، بالاعتماد على مصادر أصيلة تمثلت في التقارير الرسمية، وإفادات المسؤولين، والمشاهد الحية من قلب الحدث.

وأشار البشرى في مقدمته إلى أنَّ "الولاية الشمالية هي الأكبر مساحة بين ولايات السودان، والأقل سكاناً؛ إذ تبلغ مساحتها 348,76 كيلومترًا مربعًا، وعدد سكانها مليون وخمسون ألف نسمة؛ وفق آخر الإحصاءات، ويجرى فيها نهر النيل بطول 650 كيلومترًا، وتبلغ المسافة من قرية إمرى في الحدود الجنوبية للولاية إلى مدينة وادى حلفا شمالها 584 كيلومترًا. تتاخم الولاية الشمالية من الجنوب ولايات الخرطوم وشمال كردفان، ومن الشرق ولاية نهر النيل، ومن الجنوب الغربي ولاية شمال دارفور، ومن الشمال جمهورية مصر العربية وليبيا".

وتناول في دراسته التحدِّيات التي تواجه الولاية في ظروف الحرب، وانعكاساتها وتداعياتها الماثلة، وكيفية مواجهتها، والكيفية التي يمكن من خلالها مواجهة تحدِّيات ما بعد حرب (15 أبريل 2023م) لتحقيق الاستقرار والتنمية. ثم حدد ما يجب عمله لتجاوز مشكلات الولاية، مشيرًا إلى أنه يستوجب استصحاب القضايا والمشكلات والتحديات التي ظلَّت ماثلة من قبل اندلاع الحرب، وشكلت العقبة الكؤود أمام الاستقرار والتنمية وتأمين العيش الكريم لسكان الولاية.

وحصرت الدراسة أهم المشكلات الماثلة في النقاط الآتية:

تداعيات الحرب، وتتحدد في مأساة النزوح وما مثلته من مشكلات للولاية، وما عاناه النازحون حتى بلوغ الولاية، ومعاناة من واصلوا السفر إلى الى مصر في معبر أرقين تحديدًأ، بعد تحول الموقف المصري بسبب تزايد أعداد اللاجئين، والمعاناة نفسها في معبر إشكيت، وقد بلغ عدد النازحين الموجودين بمدينة حلفا بنهاية سبتمبر 2023م بانتظار استكمال إجراءات العبور نحو 17 ألف نازح، منهم 8 آلاف بين مستضافين ومستأجرين، و9 آلاف يقيمون في مراكز إيواء، وعدد آخر في حدود 3 آلاف تقريباً يسكنون في الميادين، وبعض المناطق المفتوحة.

وتطرقت الدراسة إلى قضية التهريب، إذ إن هناك ثلاثة طرق في البلاد ظلت تنطلق منها قوافل تهريب الإبل من السودان إلى مصر، الأول تبدأ من بورتسودان إلى أبورماد وحلايب وشلاتين، والثاني من العبيدية الي شلاتين عبر وادي الحمار، والثالث من كريمة وأبو حمد الي شلاتين، ومع الحرب، ازدهر تهريب البشر، الذي كان يحدث عبر الحدود الشمالية من منطقة أرقين في الغرب وبحيرة النوبة في الشرق، إلا أنَّ السلطات المصرية تمكَّنت من تشديد المراقبة في هذه المناطق وضبطها أمنياً، فانتقلت على إثرها وجهة المهربين إلى مناطق في الاقليم الشرقي ونهر النيل، بخاصة منطقتي العبيدية وأبو حمد في ولاية نهر النيل.

ووفقًا لآخر إحصاءات المنظمة الدولية للهجرة التابع للأمم المتحدة، يبلغ عدد النازحين خارج مناطقهم نتيجة للحرب حتى بداية شهر ديسمبر 2023م 5.25 مليون، وتتركز النسبة الأعلى منهم في الاقليم الشمالي، حيث يمثل النازحون لولاية نهر النيل 15%، والولاية الشمالية 11%، تليهم ولايات شمال دارفور والنيل الأبيض بنسب متساوية تبلغ 9% لكل منهما.

وتدفق هذه الأعداد الكبيرة من النازحين الذين تجاوز عدد سكان الولاية بنسبة بلغت 110% تسبب في مشكلة أساسية في الوضع المعيشي، فقد استهلكت معظم الأسر - إن لم يكن جميعها خلال الخمسة شهور الماضية - مخزونهم الأسري من المحاصيل، وبدؤوا في البحث عن شراء المزيد من السوق، كما استهلك بعضهم مخزون التقاوي لزراعة الموسم.

المواد الغذائية التي يجري توزيعها عبر منافذ التوزيع تشمل أنواعاً رديئة من الذرة الحمراء ( الفتريتة) الممتلئة بالشوائب، والمعبأة في أكياس كبيرة عليها علم أمريكا، كما يجري توزيع زيت شحوم أمريكي ذي رائحة نفاذة شبيهة برائحة السمك تتجمد بشكل سريع، حتى تحت درجات الحرارة العادية، كما تشمل مواد التوزيع البازلاء المطحون والعدس وملح اليود.

هناك شكاوى من المواطنين بأنَّ هناك كميات كبيرة من المواد الإغاثية المكوّنة من الذرة والعدس التي ظلّت تحت الشمس، ومعرضة للأمطار، من دون أن يتم توزيعها، وربما يكون ذلك لعدم قيام الجهة المشرفة على التوزيع بتوفير وسائل النقل؛ لذا تضطر بعض لجان الخدمات التواصل مع الهلال الأحمر والجهات الأخرى ذات الصلة لتحمل المصاريف الإدارية، وتكاليف النقل لمراكز الإيواء.

مع المستجدات الناتجة عن الحرب، فإنَّ الولاية مواجهة بنذر فشل الموسم الزراعي الشتوي، لعدم توافر كميات الوقود الكافية وارتفاع أسعارها، وكذلك عدم استقرار التيار الكهربائي، وارتفاع أسعاره، بجانب ارتفاع أسعار المدخلات الزراعية من البذور والأسمدة وغيرها، التي ارتفعت إلى نحو عشرة أضعاف من أسعارها قبل الحرب.

أصابت ظروف الحرب المجال الزراعي بشلل تام، ولم يتمكّن معظم المزارعين من توفير الوقود والمدخلات الزراعية للعروة الصيفية، ومن تمكّن تجاوز التحدِّيات المذكورة في بداية الموسم، وجد نفسه مواجهًا في نهاية الأمر بمشكلة أكبر، لعدم توافر الوقود وارتفاع أسعاره؛ ليموت ما زرعه عطشًا، ولتكون النتيجة أنَّ تكلفة الزراعة كانت بالنسبة لهؤلاء أعلى من تكاليف الإنتاج.

ولا تخطىء العين مظاهر الكساد للسلع التجارية الأساسية، في مقدمتها سوق التمور والقمح، وهذا ناتج عن توقف الطرق وحركة النقل للأسواق خارج الولاية، حيث جرت العادة نقل التمور والقمح لسوق التمور وسوق المحاصيل في أم درمان حيث تباع بأسعار مجزية للمزارعين، وتنقل من هناك للتوزيع على جميع الولايات.

مع اندلاع الحرب توقف الإنتاج بشكل كامل في مجال التعدين الأهلي، كما توقفت الشركات الاستثمارية العاملة في المجال نتيجة للظروف الأمنية في البلاد وتناقص العمالة ورحيلهم بشكل كامل إلى مناطقهم، كما حدث كساد في السوق مع توقف الحركة التجارية. ومن الظواهر السالبة في مناطق التعدين السرقات التي استهدفت الآبار والأسواق والطواحين، إضافة لمظاهر السلب والتهب بواسطة أفراد ومجموعات مسلحة بدأت تظهر بكثافة في ظل محدودية وجود قوات الشرطة,

ورصدت الدراسة بعض الظاهر السالبة التي بدأت في البروز، منها:

-    ازدحام الشوارع والطرقات والأسواق بوجود أعداد كبيرة من الناس، بخاصة الشباب من الجنسين طوال اليوم وحتى ساعات متأخرة من الليل.

-    انتشار ستات الشاي وصانعي وصانعات الأطعمة من طعمية وأقاشى وغير ذلك، وكثرة الباعة المتجولين في معظم الشوارع؟

-    بروز ظاهرة التسول والاحتيال التي يمارسها عدد من الجنسين من مختلف الأعمار، وبشكل ملفت للأنظار ومزعج للمارة.

-    ارتفاع نسبة الجرائم بخاصة جرائم النصب والاحتيال، ووفق إفادات عاملين في المجال الشرطي والأمني.

-    هناك حالة من السيولة الأمنية مع توافد أعداد من الشباب دون هويات.

-    مع طول مدة إقامة المستضافين مع مضيفهم مع اختلاف ثقافات القادمين وأساليب حياتهم عن الأسر المقيمة وضيق المعايش والأوضاع النفسية للبعض ظهرت خلافات بين المضيفين والمستضافين، وصلت حد المواجهات العنيفة، وتسبيب الأذى لبعضهم.

كما أشارت الدراسة إلى بعض المظاهر المجتمعية الإيجابية التي تؤكد أصالة وحميمية الشعب السوداني، منها:

-    كرم وأصالة السودانيين، وهم يقطعون الطريق على السيارات في كل المدن والقرى على امتداد شارع شريان الشمال مرحبين للقادمين للولاية، ومواسين ومستضيفين لهم بمختلف أنواع الأطعمة والمشروبات.

-    فتح سكان الولاية أبواب منازلهم لاستضافة القادمين إليها من أبناء السودان من مختلف الولايات، ولا أدل على ذلك من أن تكون نسبة المستضافين أكبر من عدد سكان الولاية.

-    الدور المهم الذي قام به المهجريون بتقديم المساعدات المالية واللوجستية لمواجهة تحدِّيات الحرب، والعمل على استقدام أعداد لا يستهان بها من أسرهم وأقاربهم للإقامة معهم بالدول المضيفة.

-    ظهور عدد من المبادرات المجتمعية والشبابية لخدمة القادمين للولاية في مختلف المجالات، من توفير أماكن للايواء، وتقديم خدمات إغاثية وصحية وإنسانية.

وضعت الدراسة مجموعة من التوصيات التي تراها مهمَّة، منها:

-    ضرورة تأهيل معبري أرقين وأشكيت وفق المعايير الدولية للمعابر.

-    مراجعة أسباب عدم الالتزام بتنفيذ اتفاقية الحريات الأربع، وغير ذلك من المشكلات مع الحكومة المصرية، وضرورة الوصول إلى اتفاقيات واضحة وملزمة للطرفين.

-    ضرورة اهتمام حكومة الولاية والحكومة المركزية بالمسألة الأمنية من جوانبها المختلفة.

-    على حكومة الولاية التواصل مع الحكومة المركزية للضغط عليها حتى توفي بمتطلبات تمويل زراعة الموسم الشتوي؛ تفادياً لمخاطر المجاعة المتوقعة.

-    ضرورة قيام وزارة الشؤون الاجتماعية وإدارات المحليات بالتعاون مع لجان المدن والقرى بمحاربة جميع المظاهر التجارية غير المقننة.

-    تشجيع رجال الأعمال من أبناء الولاية والمستثمرين، وتقديم تسهيلات متميِّزة لهم للاستثمار في مختلف المجالات.

-    مراجعة السياسات الخاصَّة بالتعدين الأهلي، وما يتصل بها من ممارسات خاطئة.

-    على حكومة الولاية، بجانب مواجهتها التحدِّيات الماثلة نتيجة للحرب، أن تعمل على إعداد خطة إستراتيجية وبرامج لحل المشكلات والقضايا الأساسية العالقة التي تتصل بالتنمية والاستثمار، وقضايا السدود، وأيلولة الأراضي الحكومية، والتعدين، والزحف الصحراوي، وحرائق النخيل؛ لحل جميع هذه المشكلات بشكل مستدام.

جاءت هذه الدراسة حسب إفادة الباحث المستشار البشرى عبدالحميد – وهو أحد قيادات حزب الأمة القومي- في إطار اهتمام الحزب بدراسة تأثيرات الحرب في كل ولايات السودان، والإسهام في وضع حلول لها سواء في المرحلة الحالية أم مرحلة ما بعد الحرب بإذن الله.

 

husseinwardi@gmail.com

 

آراء