ألكسـندر بوشـــكين أمير شـعراء روســيا ( 1799 – 1837 م )
(1/2)
ولد بوشكين في موسكو و نشأ في أسرة من النبلاء و كان والده شاعرًا بارزًا مما ساهم في إنماء موهبته الشعرية . ترجع جذوره إلى أصول حبشية فوالدته كانت حفيدة أفريقي من الضباط المقربين لدى القيصر بطرس الأول فورث بعض الملامح الإفريقية من جده حيث امتلك شعرا أجعدوشفتين غليظتين.
تمثل بوشكين الجذور القومية الروسية، لكنه استوعب التراث الشعري منذ هوميروس حتى بايرون، وبذلك فقد كان أصيلاً وجديداً في آن. يكتب الروائي والقاص العظيم غوغول ''إن بوشكين ظاهرة خارقة، وربما كان هو الظاهرة الفريدة لهذه الروح الروسية.. هو الإنسان الروسي في تطوره الذي يمكن أن يكون عليه ربما بعد قرنين من الزمان''. وكتب ديستويفسكي عنه ''ما من كاتب روسي لا قبله ولا بعده بقي في يوم من الأيام متحداً بشعبه اتحاداً بلغ هذا المبلغ من العمق''.
وكما خرج الكثير من الروائيين من ''معطف'' غوغول فقد ولد الكثير من الشعر الروسي وتطور من خلال قصائد بوشكين ومن معطفه خرج ليرمنتوف ومايكوفسكي وغيرهما من شعراء روسيا الكبار. وهؤلاء هم من صنع مجد الشعر الروسي في ذروته، هؤلاء هم شعراء الرومانسية والرمزية والواقعية الشرسة، شعراء الجبال والقرى والطبيعة، شعراء التقاليد والفروسية التي عرفتها روسيا القيصرية، والتي دفع بوشكين ثمنها حين اضطر إلى خوض تجربة المبارزة التي ذهب ضحيتها بطعنة من غريمه. ثم تلته موجة من الشعراء المنتحرين، سواء من انتحر شنقاً لأسباب عاطفية أو سياسية، أو من لم يجد حبراً فقطع وريده وكتب بدمه وصيته الأخيرة. ويعد ألكسندر بوشكين من أعظم الشعراء الروس على الرغم من أنه لم يعش طويلا، إذ توفي عن 38 عاما، وسميت فترة إنتاجه في القرن التاسع عشر بالعصر الذهبي للشعر الروسي وكان يمثل القلم الحر الذي يدافع عن المظلومين. ولقب بوشكين بأمير شعراء روسيا بسبب قدرته الفذة على تطويع القوافي لخدمة أفكاره ومشاعره .
يعتبر عصر إبداع بوشكين هو عصر ازدهار الأدب الروسى, وكان الشعب الروسى يكن له احتراما عميقا فى موسكو وسانت بطرسبيرج وغيرهما من المدن وكانوا يتجمعون دائما حيث يسكن الشاعر وذلك يكون مرتين فى العام: يوم مولده فى السادس من يونيـــــو ويوم وفاته فى العاشر من فبرائـــــر للحديث عن حياته وأعماله وقراءة قصائده . وعلى الرغم من انتماء بوشكين إلى طبقة الأرستقراطيين فقد جسد بأعماله الشعرية والنثرية الشخصية الروسية النموذجية .
تقول المتخصصة في الأدب الروسي ، ناتاليا سيرغفنا : " أن بوشكين ظاهرة لا تتكرر فقد جسد روح الحياة الروسية وهو كان أول من دعا إلى المذهب الواقعي وله الفضل في إعادة الكرامة إلى اللغة الروسية في زمن كانت اللغة الفرنسية هي لغة القصور والأدب. " وتضيف : " إن من بين أهم مؤلفات بوشكين قصائده التي كتبها متأثرا بالتراث الإسلامي بعدما قرأ تفسيرا للقرآن الكريم باللغة الفرنسية. "
هناك آراء ووجهات نظر كثيرة من الباحثين والنقاد الروس باهتمام بوشكين بالقرآن الكريم وما أثارته قبسات من القرآن ومحاكاة القرآن من ضجة واسعة في الأوساط الأدبية آنذاك..
مثلاً يصور بوشكين خروج الرسول مهاجراً الى المدينة ويؤسس على معاني الآية (40) من سورة التوبة المقطع الثاني من القصيدة الأولى..{ إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني إثنين إذ هما في الغـار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا . فأنزل الله سكينته عليه و أيده بجنود لم تروها }
يقول بوشكين :
يا من في ظل السكينة
دسست رأسه حباً
وأخفيته من المطاردة الحادة
ألم أهب لسانك
سلطة جبارة على العقول..؟
أحمد إذن وازدري الخداع..
مصــادر :
• انطولوجيـا الشـعراء الروس
• ويكيبيديا الموسوعة الحــرة
• تجدر الإشارة إلى أنه بناءاً على مبادرة ( اليونسكو ) للاحتفال باللغات الرسمية للأمم المتحدة تقرر تكريم اللغة الروسية في يوم ميلاد شاعر روسيا بوشكين في 6 يـونيـــو من كل عام .
ألكسـندر بوشـــكين أمير شـعراء روســيا ( 1799 – 1837 م )
(2/2)
وتعكس القصيدة التالية تأثر بوشكين بالآيات القرآنية التي تدعو الى آداب الحجاب ونبذ التبرج، والتي تعلي من عفة زوجات الرسول ونزولهن عن الرغبة في التزين والحياة الدنيا مقابل البقاء مع الرسول.. وبخاصة الآيات (32-33) من سورة الأحزاب:
(يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً، وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى).
وكذلك الآية (53) من سورة الاحزاب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ.).
إن بوشكين يؤسس على هذا المضمون صورته الشعرية في القصيدة على النحو التالي:
أية، يا زوجات الرسول الطاهرات
إنكن تختلفن عن كل الزوجات
أما أنتم يا ضيوف محمد
وأنتم تتقاطرون على داره
شرفوا مأدبته في خشوع
يا زوجات النبى العفيفات
مميزات أنتن عن سائر النساء
وقد تناول موضوع الإسلام فى العديد من أعماله و عبر عن احترامه وحبه الشديد للقرآن الكريم : كن شجاعا واحتقر الخداع
اتبع سبيل البر وقل الحقيقة
حب اليتيم و كن حنونا مع المتألمين
كانت مخطوطة «بحيرة البجع» مجرد كلمات
أما القرآن فهو ملىء بالأفكار السليمة.
إن قصائد بوشكين الدينية تؤكد أنه ليس فقط كان على دراية بالإسلام وإنما كان يناصره بشدة وهذا يستدعى الإشارة إلى أن معظم أعمال بوشكين التى تتناول موضوع الإسلام دمرت فى روسيا القيصرية الأرثوذكسية أما فى العهد السوفيتى فلم يستطع أحد أن يدرك كيف تم الحفاظ على مثل هذه القصائد .
لقد كان شعر بوشكين البوابة التي أطلَّ منها الشعراء الروس في ما بعد على الثقافة العربية والإسلامية ليشيع استخدام رموز تلك الثقافة عند الكثير من الشعراء الروس مما رسم صورة عن الإسلام ونبيه الكريم مغايرة عن تلك الصورة النمطية التي روَّج لها الفكر الاستشراقي في الغرب.
يشار إلى أن عدداً من النقاد أكدوا على أن مؤلفات ألكسندر بوشكين- الذي يعتبره الروس أعظم شعرائهم ومؤسس المذهب الواقعي في الآداب الروسية ومبتدع اللغة الأدبية الروسية الحديثة - قد تأثرت بسماحة روح ورقي خطاب القرآن وآياته الحكيمة التي تعرف عليها من الترجمات الفرنسية والروسية. وقد اتضح تأثره بفلسفته الخاصة، ونظمه المُتجسد في إيقاع سجع القرآن، وكان هذا واضحاً في ملحمته الشعرية «محاكاة القرآن» أو «من وحي القرآن» وقصيدة «النبي» و» مغارة سرية» التي نظمها بوحي من سورة الكهف التي قرأها، على الأرجح، في الشتاء في منفاه في قرية ميخائيلوفسكي، جنوب روسيا، وتَذَكّر فيها الشاعر بوشكين بقوة مغارة القرم الباردة والمظلمة والمكفهرة، وأيام (الحبس) فنطالع في قصيدته «مغارة سرية»:
- في يوم العصف
قرأت القرآن العذب
فجأة هبط ملاك السلوان
حاملاً لي طلسمان
قوته الغَيبية
كلمات مقدسة
كما نظم بوشكين شعراً رومانسياً لمس شغاف قلب كل من أحب فقد عاش هو نفسه الحب و العشق الذي تسبب في إنهاء حياته مبكرا.. فقد أحب فتاة من أجمل فتيات بطرسبيرج اسمها ( ناتاليا ) أحبها بوشكين واقترن بها وهو في الثالثة والثلاثين وكانت شهرته قد طبقت الآفاق بعد أن أجج شعلة الحرية في ظلام العهد القيصري . ووجد القيصر - الذي لم يفلح في كسر قلم الشاعر - وسيلة ماكرة للتخلص منه فأوحى إلى ضابط فرنسي بملاحقة زوجته ومغازلتها في حفلات المجتمع الأرستقراطي ليثير غيرة بوشكين ويستفزه. ونجحت المؤامرة في إثارة دماء الشاعـر الحارة فدعا الضابط الفرنسي إلى مبارزة انتهت كما توقع القيصر بإصابة الشاعر إصابة قاتلة توفى على إثرها واسم ناتاليا على شفتيه وفي قلبه.
• مقاطع من أشعاره الرومانسية :
قصيدة الليل : صوتي الذي يضفي عليه الحب رقة وشوقاً
يزعج سكينة الليل الحالم..في حين تحترق شمعة ناحلة شاحبة قرب سريري فتذيب نفسها..
من قلبي تنطلق أشعارٌ متسارعة على هيئة جداول من الحب
تترنم .. تنشد .. ثم تتمازج و تنطلق، مليئة بكِ زاخرة بشوق متعاظم.
قصيدة الأحـلام : يا أيتها الأحلام؟ أين بهجة الليل؟
لقد تلاشت أحلامي .. والآن ها أنا ذا مستيقظ لوحدي وسط العتمة العميقة
والليل الساكن يطوّق سريري.
وعلى حين غرة .. تتسلل الرعشة إلى أحلام حبي فتفرّ مني وتختفي بين الحشود.
مع ذلك .. تبقى نفسي تعج برغبات الأحلام .. ويتملكها شوق عارم للإمساك بالذكريات.
أصغِ لصراخي أيها الحب .. وارسل رؤاك ثانية إليّ ..
وعندما ينبلج الصبح .. لا توقظني .. بل دعني أرقد رقدتي الأبدية.
*****
abasalah45@gmail.com