أما من حد لطموحات هذا الوالي؟! … بقلم: د.محمد وقيع الله

 


 

 

mohamed ahmed [waqialla1234@yahoo.com]

 

 

 

عرفت أحمد مجذوب أحمد أواسط سبعينيات القرن المنصرم، حيث التقينا في فصل دراسي واحد، لتلقي علوم الشريعة الإسلامية، بجامعة أم درمان الإسلامية الزاهرة، ثم تركنا دراسة الشريعة، لنلاحق دراسة العلوم السياسية. التي  كنا – وما  زلنا – نراها فرعا من فروع الشريعة، هو فرع السياسة الشرعية، وأكمل أحمد مجذوب دراسة العلوم السياسية، ثم  انخرط  في دراسة الاقتصاد، وهو الآخر فرع من فروع الشريعة، كانوا يسمونه فيما مضى بالمعاملات.

المرح اللاغط:

هذا عن الجانب الأكاديمي، أما عن الجانب الدعوي، فقد كنت واحدا من عصبة متعصبة، متشبعة بأفكار الإخوان المسلمين، لا تخلو من تطرف وشطط ونظر شزر إلى من يخالفها في الرأي، ومنهم أحمد مجذوب، الذي منذ أن التقيت به في صف كلية الشريعة لم أرتح إلى  سمته المرح، وضحكه الكثير، واستهزائه بالكيزان، ولكني لحسن الحظ لم اصطدم به ولم انخرط معه في جدال أو صراع.

ولم يكن حاله يعجبني ولا يعجب قومي، ولذا كنا نصعر له خدودنا ونتجنبه. ولكن أحد حكماء الدعوة وشيوخها، وهو الطالب يومئذ بالسنة الرابعة، عباس ماهل عجبنا المزروبي، لمح فيه بعين البصيرة ما لم نره، ورأى بذرة الخير والجد مكنونة في غطاء كثيف من التهريج والضجيج والحيوية الزائدة والمرح اللاغط والضحك المتفجر والقفشات اللاذعة والتعليقات الحارقة والسخريات المبيدة.

وهذه هي جملة الملامح التي كانت تبرزها قشرة أحمد مجذوب الخارجية، ولم تكن نفوسنا المتوفِّزة  تتسع لأن ترى أو تعرف منه غير ذلك، أو أكثر من ذلك، أو ما هو أعمق من ذلك.

فات الكبار والقدرو:

وقد تودد إليه عباس ماهل حينا من الدهر، وناقشه بهدي أمين، ولسان مبين، حتى استطاع أن يستله من وسطه التهريجي كما تستل الشعرة من العجين، وكسب قلبه لهذا الدين.

ولذا فربما يكتب الله تعالى لعباس ماهل المزروبي كل أو جل ما صنع ويصنع أحمد مجذوب من الأعمال الصالحات، لا ينقص ذلك من أجر صانعها الأصلي ولو بضع هنات.

وقد انطبق على أحمد مجذوب بعد ذلك ما يردده دعاة الصوفية الثقات من أن الطريق لمن صدق لا لمن سبق، فأبدى من الجد والفاعلية في العمل الحركي الإسلامي ما فات به (الكبار والقدرو).

 وواصل ترقياته (بلغة حسن مكي، الذي نهديه أيضا تهانينا، بمناسبة ترقياته الأخيرة). وانخرط  في أعمال بعضها منشور وبعضها مسرور، والتزم بالعمل في خدمة المشروع الإنقاذي المبرور.

 ونجح في كل مهمة أوكلت إليه من إدارة الحج، إلى إدارة الأوقاف، إلى وزارة المالية، إلى أصبح من حظ  ولايتنا، ولاية نهر النيل، أن أصبح واليا لها، وهو في الأصل أحد أبنائها، وأحد أبناء أوليائها الصالحين، في طريقة القوم القادريين الجعليين.

معافسة السخف البيروقراطي:

 لقد أتانا هذا الوالي، بعد أن تشبع بكثير من علوم الاقتصاد الكلي، وبعد أن أضاف إلى رصيده  خبرات ثرة في العمل القومي، خاصة في الوزارة التي تسيطر على المال العام، وترقب حركته، وطرق إنفاقه، ووسائل تنميته، واستثماره، وأصبح بإمكانه أن يطبق عبرة ذلك العلم وتلك الخبرات العملية كلها ونتائجها على نطاق ولايتنا.

وبالطبع فإنا لا نريد من هذا الوالي ذي النفوذ الضارب في الحركة الإسلامية السودانية (وأظنه لا يزال مقررا لمجلس شوراها العام)، أن يستغل نفوذه الإسلامي القومي لصالح ولايتنا، التي هي بحساب الإحصاء إحدى أفقر ولايات السودان، ومع ذلك لا يتمرد أبناؤها.

 وليس في جغرافيتها غابات، ولا أوكار جبلية، ولا دول جوار معادية، توفر لهم المأوى إن شقوا عصا التمرد على السلطان.

 وإنما نريد لهذا الوالي أن يمضي صُعدا في المرتقى الصعب، فيسافر بنفسه مع وزير ماليته، وكوادر التنمية فيها، لاستقطاب المستثمرين، من أبناء الولاية، وغيرهم، في المشروعات الصغيرة، والكبيرة، الكثيرة، التي خطط لها بعناية تفصيلية، أعفت المستثمرين من عناء البحث، ومُعَافَسَة السخف البيروقراطي، ومكابدة فساد بعض صغار الموظفين، المتنفذين، الذين بمُكْنتهم أن يعطلوا تنفيذ أي قرار كبير، حتى يُعْطَوْا من الرشوة الحرام نصيبا مفروضا فرضوه لأنفسهم على المستثمرين.

لماذا تُخفوا الإسعار؟!

وفي إحدى عواصم الدنيا استمعت إلى أحمد مجذوب، وهو يتكلم في استعراض خطته التنموية، للقفز بولاية نهر النيل. وتحدث بعده وزير ماليته حديثا مكثفا غنيا في أربعين دقيقة لا يستطيع أن يؤديه غيره من الوزراء المتلكئين في ساعات طوال.

وأحس الجميع بالجدية في الأقوال، فبادروا بالأفعال، وتدافعوا للإسهام كل بقدر ما يستطيع في إنجاح هذا المشروع التنموي الكبير.

 فمن استطاع أن يسهم بإنشاء صناعة فعل، ومن استطاع أن يسهم بشراء أرض زراعية صغيرة أو كبيرة فعل، ومن استطاع أن يشتري أرضا  لمتجر أو نُزل فعل.

 وعندما سأل سائل متوجس عن الأسعار، وإن كانت مخفية عمدا، حتى تصبح مصيدة لابتزاز المستثمرين الجادين، قام زير المالية بقراءة قائمة الأسعار، فأدهش الحضور بهوادتها ورخصها ووقوعها في طاقة الجميع.

الملحوظة الكبرى على العرض الذي قدمه السيد الوالي ووزيره أنه كان عرضا مجودا وأنه اعتمد أسلوبا عمليا متقدما، هو الأسلوب الإلكتروني، ولكن هذا لا يكفي ولا يشفي إلا مؤقتا، أي في إطار زيارة وحديث قصير.

البيع الإلكتروني:

ولذا يرجى أن تطلق ولاية نهر النيل لهذا البرنامج التنموي الضخم، موقعا الكترونيا خاصا به، ييسر عملية الوصول إلى المعلومات التفصيلية التي يحتويها، ويسهل عملية التخاطب مع المسؤولين عنه، فلا يتكبد المستثمر عبء السفر، وترتيب المواعيد، للقاءات المباشرة، مع كبار المسؤولين، وصغار الموظفين، فتضيع أوقاته، وأوقاتهم، في هذا السبيل.

 وبالطبع فيمكن أن تتم عملية البيع والشراء، ولو على نحو تمهيدي، عن طريق البريد الإلكتروني، فكثير من التجارة في عالم اليوم، أصبح يتم عبر هذا الفضاء الإسفيري.

نجا من ثقافة التخلف:

في ختام ذلك اللقاء، طلبت من أحمد مجذوب، أن يزودني بعنوان بريده الإلكتروني الخاص، ففعل، وقلت لأختبرنه، فإن تسعة أعشار من أراسلهم الكترونيا في السودان لا يردون على الرسائل، ولا يعبأون بقراءتها، وربما لا يفتحون بريدهم الالكتروني. وبعضهم قد لا يجد داعيا للرد طالما أنه قرأ الرسالة، وعرف محتواها، فالأمر لديه ينتهي هناك. وهذه أطراف من ثقافة التخلف الراسخة في السودان، لا ينجو منها إلا من هداه الله إلى رشد الكتروني.

 وقد سررت كثيرا عندما رد أحمد مجذوب في اليوم التالي، أو الذي يليه، لست أذكر، وليس هذا بتأخير كثير من وزير أو من هو أعلى من وزير.

 لذا فبمثل همة أحمد مجذوب يجب أن يقتدي أفراد إدارته وموظفيه، فلا يهملوا الرد على تساؤلات المستثمرين، بل يجب عليهم أن يتفانوا في ذلك، وأن يتنافسوا في إحسان التعامل معهم، فليس معقولا أن يسافر الوالي، ووزيره، وكبار طاقم إدارته، لجلب المستثمرين، ثم يطفشهم بالسلوك الإداري اللا مسؤول واللا مبالي صغار الموظفين التنفيذيين.

وأخيرا فإنا لنتمنى لأحمد مجذوب، ابن ولايتنا، النجاح الكامل في خدمتها، ونتمنى من أهلنا، أولياء ولايتنا، أن يلتفوا حول ابنهم البار المتواضع، أحمد مجذوب، حتى يتحقق هذا الهدف التنموي المنصوب.

 

 

آراء