أنثى خير من الذكر، و(علماء) يولون للأفهام الدبر!

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم


ralsadig@hotmail.com
رباح الصادق
نحيي قارئ (الرأي العام) وقد دخلنا بيته وكنا نريد أن نسلم عليه ونستأنس ونترك جانبا حِرابَ الرأيِ، وديدنُ الضيفِ (يا غريبْ كُنْ أديبْ)، بيد أننا ضرنا بيانٌ هو في الحقيقة ضربٌ من الطعانِ أصدرته أواخر مايو الآفل هذا جهة تطلق على نفسها اسم (الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة بالسودان) فأفاضت علينا بجهل ممض بالواقع والواجب معا. البيان عنوانه (وقفات مع أخطر مخالفات دستور السودان 1426ﻫ - 2005م للإسلام) وهو ينكر الدستور أصلا باعتباره من عمل الكفار، والنص على العرف كمصدر تشريع، وحرية العقيدة، والمساواة في المواطنة، ومساواة اللغة العربية بغيرها من (الرطانات) وهي أمور سوف نناقش أصلها وفصلها بإذن الله في مساحات قادمة، ونبدأ اليوم بتفصيلة صغيرة في البيان الجهول!
مؤسسو تلك الرابطة كما جاء بموقعهم هم (الشيخ) الأمين الحاج محمد، و(الشيخ) الدكتور محمد عبد الكريم، و(الشيخ) مدثر أحمد إسماعيل. وهم جماعة كانوا وراء كثير من الدماء والدموع والبغضاء  في  السودان بدءا بتكفير المرحوم محمد  طه محمد أحمد ثم تكفير الشيوعيين، والديمقراطية والقائل بها، والآن الدستور! هبط علينا أولئك من مكان لسنا نعرفه، وقال معلق (اعطوهم قرشهم وأنزلوهم) لانفصالهم عن لغة العصر الذي نحن فيه وقضاياه التي يناقشها الناس، مع أن الأئمة وضعوا معرفة أحوال الناس من أهم شروط الفتيا، قال بذلك الإمام أحمد بن حنبل، وخاض فيه تفصيلا ابن القيم الجوزية وجعل معرفة الواقع شرطا أساسيا للفتيا في الدين وقال إن هذه المعرفة أصل عظيم يحتاج إليه المفتي والحاكم "وإلا كان مايُفْسِد أكثر مما يصلح".  وأبلغ دليل إضافة لفتاواهم المذكورة على الإفساد فتوى (الشيخ) أبو اسحق الدحيني في مصر بإعادة عهد الرق والسبي لحل قضايا الأمة الاقتصادية!!
إنهم لا يعرفون لغة زماننا ولا قضايا مكاننا الذي تفجر وتشظى بالبغضاء والاستعلاء وقد زادوه حطبا. بل غاب عنهم حتى الشرط الأساسي في الفتيا وهو العلم بالشريعة، هذا بدون أن نخوض في الشروط الأخرى!
صيغ البيان بلغة تخثرت وأفكار تغضنت ومُليء بالجهالات، ولكننا نركز على جهالة وحيدة ساقوها لإثبات خطأ المساواة بين النساء والرجال، قالوا: (قال الله عز وجل على لسان أم مريم: "وليس الذكر كالأنثى").
قال تعالى يقص علينا قصة حَنَّة بنت فاقوذا أم مريم: (إِذْ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ  * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ *فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
وقد قص ربنا في هذا القرآن أحسن القصص لنتدبرها لا لنخر عليها صما وعميانا. لقد اختلف المفسرون في شرح الآية (وليس الذكر كالأنثى) وأكثرهم رآها ضمن تحسر حنة أنها كانت تريدها ذكرا لتخدم الرب (ثم سمتها مريم أي خادمة الرب) وهو مما لم تكن النساء يقمن به للحيض، ولكن حتى هؤلاء لم يبنوا على ذلك حكما على النساء بالنقص ولا قالوا إن الله أيد امرأة عمران في حكمها، بل على العكس يجمعون على أنه أثبت خطأها. فالذين فسروا قول حنة على أنه إنقاص من قدر النساء أثبتوا أن الله وهبها أنثى أفضل من الذكر الذي طلبته ورووا (كالطبري مثلا) ما جاء في الصحاح أن رسول الله (ص) قال: "كل ولد آدم ينال منه الشيطان يطعنه حين يقع بالأرض بأصبعه لما يستهل، إلا ما كان من مريم وابنها لم يصل إبليس إليهما"، أي أنها كانت أفضل من الذكور!
وهنالك مفسرون وعلماء على رأسهم حبر الأمة (ابن عباس) فسر "والله أعلم بما وَضَعْتِ" على أنه خطاب الله تعالى لها أي أنك لا تعلمين قدر هذا الموهوب وما علم الله من عظم شأنه وعلوّ قدره. أورد الزمخشري في (الكشاف) أن معناها: (ولعلّ هذه الأنثى خير من الذكر تسلية لنفسها. فإن قلت: فما معنى قوله: (وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلاْنثَىٰ)؟ قلت: هو بيان لما في قوله:  (وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ)، من التعظيم للموضوع والرفع منه، ومعناه: وليس الذكر الذي طلبت كالأنثى التي وُهبت لها). كذلك  الألوسي في (روح المعاني) أورد الرأي القائل بأن حنة سلـّت نفسها بالقول إن الأنثى التي أعطاها الله خير من الذكر الذي ارتجته فمرادها (ليس تفضيل الذكر على الأنثى بل العكس تعظيماً لعطية الله تعالى على مطلوبها أي وليس الذكر الذي هو مطلوبـي كالأنثى التي وهبها الله تعالى لي علماً منها بأن ما يفعله الرب خير مما يريده العبد) وأورد الرأي المضاد له الذي عليه أكثر المفسرين، فهو موضوع فيه نظر.
وكرر المعنى ابن عاشور في (التحرير والتنوير) أن (اللَّه أعلم منها بنفاسة ما وضعت، وأنها خير من مطلق الذكر الذي سألْته، فالكلام إعلام لأهل القرآن بتغليطها، وتعليم بأنّ من فوّض أمره إلى الله لا ينبغي أن يتعقّب تدبيره) وأورد تفسيرا لـ (وليس الذكر): وليس الذكر الذي رغبتْ فيه بمساوٍ للأنثى التي أعطيتْها لو كانت تعلم علوّ شأن هاته الأنثى.
هذه التفاسير المذكورة تقول إن معنى (ليس الذكر كالأنثى) أن الأنثى المعنية خير من الذكر المرجو.
ولكن، مهما كان تفسير الآية المذكورة، وهل هي:
•        من كلام حنة تحسرا بأنها أنثى أقل من الذكر.
•        أو تسلية لنفسها أنها أنثى أفضل من الذكر.
•        أو هي من كلام الله لها أنه أعلم بأنها أنفس من الذكر الذي ارتجته.
أقول مهما كان الاختلاف حول التفسير، فلا اختلاف أن الآية واردة في سياق حديث عن أنثى أفضل من الذكور أعطاها الله من بين جميع الناس ميزة أنها وابنها لم يطعن في جنبهما الشيطان، وساق لها رزقا لم يسقه لنبيه زكريا، فلا يمكن لعاقل أن يسوق الآية للتدليل على نقصان الأنثى في الحقوق أو الواجبات أو القيمة!
ولو صح التفسير أن امرأة عمران قالته تحسرا لكان ذلك مردودا عليه من رب العباد مثلما رد على  زوج إبراهيم (سارة) التي قالت إنها عجوز عقيم مستنكرة بشرى الولادة فأولدها الله إسحق! ومثلما رد على زكريا الذي قال أنى يكون لي غلام فأعطاه ربه يحي، فهنالك جمل كثيرة ساقها القرآن على لسان آخرين ودحضها بالفعل ولو كانت هذه الجملة بمعنى نقص الأنثى فقد دحضها المولى بأنثى خير من الذكور. وقد تكون كما أوردنا أصلا بمعنى أن هذه الأنثى خير من الذكر!
فكيف بالله يسوقونها دليلا على نقصان الأنثى؟ أولم يقرأوا بقية الآيات أم عقولهم بالية فمثلهم وأفهامهم كمثل عزير وحماره حينما بعثه المولى صحيحا وطعامه وشرابه لم يتسنه بينما أبقى على حماره عظاما! قال تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا).
حقا، (علماء) يولون الفهم الأدبار ويفرون من المنطق والعقل وهم يجمحون!
والأدهى وأمر أن الحبل متروك لهم على الغارب، بل تهش بهم  السلطة في وجهنا كل حين ليذبحوا هذه  الأمة من بعد الجهل بالسكين ذاتها التي تُسيل الدماء، وتحول أمتنا إلى مقتتلين لا مجرد فرقاء. ولنا لرؤاهم تلك عودة بإذن الله.
وليبق ما بيننا

 

آراء