إجتهادات .. (الإمام) (1/2) !!
(قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ)
صدق الله العظيم
نشر موقع حزب الأمة القومي في 14/12/2017م ، خطبة السيد الصادق المهدي، في عقد قرآن ( بشرى وحنين)، والتي تعرض فيها لقضية المرأة، ورؤيته حولها .. ولقد كان السيد الصادق كعادته، مفتوناً بآرائه، مشغولاً عن حقيقتها، بتصنيفها، وترتيبها في تقريرات مرقمة، ومتسلسلة، ولكنها خاوية من النظر العميق، ومتهجمة دون علم على حقائق الدين، ومعانيه .. ومن شدة إعجابه بخطبته، قال عنها (ستكون هذه الخطبة آية في التفكر وتثير ما يثيره كل تجديد) !!
القوامة:
يقول السيد الصادق (القوامة لا تعني التسيد المطلق بل قال الماوردي معناها قيام الرجال بحقوق النساء عند الزواج ولا تعني وصاية عامة. "وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ" الدرجة واجب على الرجال للتوسعة على النساء في المال وحسن المعاشرة لأن للرجل بسطة في الجسم والمرأة تمر حتماً بظروف تضعفها: الحيض، والحمل، والنفاس، والرضاعة.ولهذه التضحيات ميزت مكانة المرأة إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الجنة تحت أقدام الامهات”. وقال لمن سأل: “من أولى الناس ببري”: أمك كررها ثلاث مرات ثم أبوك. ويروون مقولة “لولا حواء لما خانت امرأة زوجها”. هذه مفاهيم توارث الخطئية الغريبة على الإسلام. ومن الإسرائيليات أن المرأة معاقبة بالحيض على إخراج آدم من الجنة). فالصادق يتهم اليهود، بأنهم يرون أن حواء هي التي أخرجت آدم من الجنة، فعاقبها الله بالمحيض.. فإن كان اليهود قد قالوا ذلك، فإن السيد الصادق يوافقهم عليه، وإن ظن أنه يخالفهم !! ألم يقل (المرأة تمر حتماً بظروف تضعفها : الحيض والحمل والنفاس والرضاعة ) ؟! وإذا كان الحيض إضعاف، وهو قطعاً خارج عن إرادة المرأة، لم يبق إلا أنه عقوبة من الله، وهو ما قاله اليهود!!
والحقيقة أن هذه خصائص طبيعية في الأنثى، وهي لا تضعف المرأة الحديثة، التي يخاطبها السيد الصادق. فالمرأة قد تعلمت مثل الرجل، بل تفوقت عليه في كثير من مؤسسات التعليم، وشغلت كل الوظائف التي شغلها، رغم الخصائص البيولوجية التي يراها السيد الصادق ضعفاً، بل قادت الشعوب، وترأست الدول ولم تمنعها خصائصها البيولوجية من كل ذلك !! ثم لم تمنعها هذه الخصائص، من أن تتفوق على كثير من الرجال في الدين، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجال ( خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء) !! وحين لم يعرف السيد الصادق، من دينه، أي نصوص تكرم المرأة، ذكرنا بالحديث (الجنة تحت أقدام الأمهات) وكأن أي إمرأة لا تستحق الكرامة إلا إذا أصبحت أم !!
ولقد تجنب السيد الصادق، رأي الشريعة في القوامة، عن عمد، لأنه لو ذكره، لن يستطيع الدفاع عنه، ما دام تفكيره منحصر في فهم السلف. أما في الشريعة، فإن القوامة تعني السيادة المطلقة للرجل على المرأة .. قال تعالى (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) جاء في تفسير الآية ( "الرجال قوامون على النساء" أي الرجل قيم على المرأة أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا إعوجت. "بما فضل الله بعضهم على بعض" أي لأن الرجال أفضل من النساء والرجل خير من المرأة ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال وكذلك الملك الأعظم لقوله صلى الله عليه وسلم " لن يفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة " رواه البخاري. وكذلك منصب القضاء) الى أن يقول ( قوله " وأهجروهن في المضاجع" قال علي بن طلحة عن ابن عباس الهجر هو ألا يجامعها ويضاجعها على فراشها ويولها ظهره. وزاد آخرون منهم السدي والضحاك وعكرمة: ولا يكلمها ولا يحادثها. " واضربوهن" إذا لم يرتدعن بالموعظة ولا بالهجران فلكم أن تضربوهن ضرباً غير مبرح) (تفسير ابن كثير –الجزء الأول ص 491-492).
لقد رفض السيد الصادق القوامة، دون دليل، وحين تحدث عن ما تحويه القوامة، من حق الرجل في ضرب المرأة، لم يعترض على الضرب بنفس القوة، بل قبله، وقال (والضرب صار يمارس بتعسف شديد إذ أكثر من 70% من النساء يضربن بحجة "وَاضْرِبُوهُنَّ". النبي صلى الله عليه وسلم لم يضرب أمرأة حتى إن اختلفن معه. ووسيلة التعامل مع الاختلاف المعتمدة قرآنياً هي التحكيم). فهل هناك ضرب لا يعتبر تعسفاً ؟! وهل النسبة مهمة هنا، في تقرير رفض الضرب كمعاملة غير إنسانية، وتنطوي على الاحتقار. ماذا لو كان النساء اللاتي يضربن 5 % فقط هل كان السيد الصادق سيقبل ذلك ؟! نعم النبي صلى الله عليه وسلم كان على خلق عظيم، ولم يضرب إمرأة، وهناك رجال ذوي دين وخلق، لا يضربون النساء .. ولكن الأمر هنا ليس المانع الأخلاقي، وإنما الوضع القانوني، الذي يعطي الرجل الحق في ضرب المرأة. وسبب الضرب في آية القوامة هو نشوز المرأة قال تعالى (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) فإذا نشزت المرأة، توعظ، وتهجر، وتضرب .. أما إذا نشز الرجل، فالأمر الشرعي للمرأة، هو أن تصالحه وتراضيه، قال تعالى (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) !!
وبدلاً من أن يفكر السيد الصادق المهدي بعمق، في حقوق المرأة المنقوصة في الشريعة، والحكمة فيها، وحقوقها المساوية للرجل، في أصل الدين، أخذ يرفض الأحاديث النبوية، بهتافات خالية من الورع، تشبه تصريحات الوهابية .. فيقول (لا ليست المرأة ناقصة عقل ودين. ما هكذا ورد في القرآن وما هكذا ورد في القدوة المحمدية. لا ليس صحيحاً “ما أفلح قوم ولوا أمرهم أمرأة” والنص مشكوك في راويه ومتناقض مع الواقع. نصف الشهادة مرتبط بمسائل مالية لم تمارسها المرأة عادة فإن ذهبت العلة تساوت الشهادة).
ولقد ذكر السيد الصادق، في بداية خطبته، شروطاً لقبول السنة النبوية، منها أن ترد الأحاديث المتواترة .. وهذان الحديثان، وردا بالتواتر، واتفق علي صحتهم جميع الرواة !! أما الحديث الأول فنصه هكذا : عن أبي سعيد الخدري؛قال: "خرج رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم في أضحَى أو فطر إلى المصلى، فمرَّ على النساء، فقال: يا معشر النساء، ما رأيتُ مِن ناقصاتِ عقلٍ ودِينٍ أَذْهَبَ للُبِّ الرجُل الحازم مِن إحداكن، قُلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادةُ المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصم؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان دينها) ولقد وردت هذه الرواية، فى صحيح البخارى كتاب الحيض رقم ،293 و كتاب الزكاة رقم 1369، وفى صحيح مسلم كتاب الايمان رقم 114، و فى الترمذى كتاب الايمان رقم 2538، وفى أبو داود كتاب السنة رقم ،4059 و فى ابن ماجة كتاب الفتن رقم 3993 و فى مسند احمد فى مسند المكثرين رقم 5091. أما الحديث الثاني فنصه : (عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ : لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً )(رواه البخاري 4425 ، ورواه النسائي في " السنن " 8/227). وبسبب نقصان عقل المرأة، جاءت شهادتها على النصف من الرجل، قال تعالى (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) ولكن السيد الصادق يرى أن نصف الشهادة هذا في الأمور المالية، لأن المرأة لا تعرفها، فإن عرفتها أصبحت الشهادة متساوية .. ويقول (نصف الشهادة مرتبط بمسائل مالية لم تمارسها المرأة عادة فإن ذهبت العلة تساوت الشهادة) والذي يسمع كلام السيد الصادق هذا، يظن أن المرأة مساوية للرجل في شهادتها في الأمور الأخرى، مع أن الحقيقة هي أنها لا شهادة لها، إلا في هذه الأمور المالية، حيث تكون شهادتها نصف شهادة الرجل.. فقد جاء ( يرى جمهور الفقهاء عدم قبول شهادة المرأة في الحدود والحرابة والقذف والبغي والزنا وشرب الخمر والسرقة والقصاص سواء كن منفردات وإن كثرن أو مع الرجال. واستندوا في ذلك على حجج من المنقول والمعقول. المنقول: وهو ما يستخلص من آيات القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة . 1-الكتاب الحكيم: " واستشهدوا ذوي عدل منكم" "الطلاق 2" وقوله عز وجل " لولا جاءوا بأربعة شهداء فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون" "النور 13" ويستدل من هذه الآيات على اشتراط الذكور في الشهود دون النساء. 2- السنة الشريفة: مارواه مالك عن الزهري أنه قال مضت السنة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين من بعده إنه لا شهادة للنساء في الحدود والقصاص" البخاري جزء 13 ص 222". المعقول : استند الجمهور الى حجج مستخلصة من المعقول فيما يلي: إن الحدود تدرأ بالشبهات فلا تثبت بحجة فيها شبهة وشهادة النساء شبهة لتطرق الضلال والنسيان إليها تطبيقاً لقوله تعالى (أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) فالضلالة شبهة والحد يسقط بالشبهات. كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصفهن بنقصان العقل والدين)(د. حسن الجندي : أحكام المرأة في التشريع الجنائي الإسلامي ص 104-105).
لقد شعر السيد الصادق المهدي، كغيره من المثقفين، بأن أحكام الشريعة في قضايا المرأة، لا تناسب المرأة العصرية .. وهو كزعيم لطائفة الأنصار الدينية التقليدية، لا يستطيع أن يرفض أحكام الشريعة بوضوح، كما أنه كرئيس لحزب يدعي الحرص على الديمقراطية، لابد أن يظهر بمظهر المفكر العصري، الذي يحترم حقوق المرأة، ولقد حاول جاهداً، أن يجمع بين هذه وتلك، فلم يبلغ من ذلك طائلاً، وكانت ثمرة جهده، هذه الخطبة المليئة بالمفارقات.
د. عمر القراي