إصلاح الذات السودانية وتغيير السلوك و الإحتفاظ بما تبقى من قيم ما بعد الحرب

 


 

 

قال الله تعالى في محكم تنزيله : ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ صدق الله العظيم (الرعد-11)

إن هذه الآية الكريمة التي إبتدرت بها هذا المقال هي آية عظيمة تدل على أن الله تبارك وتعالى بكمال عدله وكمال حكمته لا يُغير ما بقوم من خير إلى شر، ومن شر إلى خير، ومن رخاء إلى شدة، ومن شدة إلى رخاء، حتى يغيروا ما بأنفسهم، فإذا كانوا في صلاح واستقامة وغيروا غير الله عليهم بالعقوبات والنكبات والشدائد والجدب والقحط والتفرق وغير هذا من أنواع العقوبات جزاء وفاقا، قال سبحانه: ((وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ)) [فصلت: 46].
وقد يمهلهم سبحانه ويملي لهم ويستدرجهم لعلهم يرجعون ثم يؤخذون على غرة كما قال سبحانه: ((فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ)) [الأنعام: 44] يعني آيسون من كل خير، نعوذ بالله من عذاب الله ونقمته، وقد يؤجلون إلى يوم تشخص فيه الأبصار.

لقد جاءت هذه الآية الكريمة في سياق إصلاح الذات أو إصلاح النفس و الذي لا يتأتى إلا بإتباع ما أنزله الله عز وجل في القرآن الكريم لعباده حتى يستطيعون العيش في مأمن في الحياة الدنيا بعيداً عن كل ما يمكن له أن يكون سبباً في شقائهم وتعاستهم وإدخالهم نار جهنم والعذاب بما كسبت أيديهم، فما جاء في القرآن الكريم من آيات من شأنه أن يكون نواة لإصلاح الذات أو النفس فقد خاطب المولي عز وجل البشرية بهذه الآية الكريمة ليُلفت الإنتباه إلى أن الإنسان هو المتحكم في مصيره وهو الذي يستطيع إبعاد الشرور عن نفسه وتجنيبها المهالك.

عربي واضح..

سأتحدث بكل وضوح وشفافية وأرجو من القارئ أن يتفهم ما أعنيه بهدوء وروية.

في حقيقة الأمر نحن كشعب سوداني ينقصنا الكثير لكي نصل إلى مراتب الشعوب التي تمتاز بالأخلاق الطيبة والسلوكيات الجيدة والقيم السمحة والصفات الجميلة و الرائعة التي جعلت منها شعوب لفتت أنظار شعوب العالم من حولها، شعوب يُشار إليها بالبنان لما يحمله مواطنوها من صفات كانت سبباً رئيسياً في جعلهم من أعظم شعوب العالم.

نحن كشعب سوداني نعاني من 'النرجسية' الصارخة فأصبحنا بذلك كيان نرجسي يُعاني من إضطرابات نفسية حادة أسهمت وبشكل واضح في تمزيق النسيج الإجتماعي السوداني بسبب فئة حاكمة كان لها دور ملموس في وصول المجتمع لهذه المرحلة المعقدة، كما يمكن لنا ربط النرجسية الجماعية بالنعرة العرقية، إلا أنه يمكن للنرجسية الجماعية أن تكون تجاه جماعة خارج المستوى العرقي أو الثقافي، كما يمكن لفئة معينة في المجتمع أن تثير هذه النعرات و تتخذها وسيلة وأداة للسيطرة على المجتمع وهذا بالضبط ما حدث من تنظيم الإخوان المسلمين تجاه المجتمع السوداني في فترة توليهم حكم السودان.

لقد أخرجت هذه الحرب كل السوء الذي بداخلنا فظهر جلياً في بعض المواقف التي إتخذها البعض من أبناء جلدتنا السودانيين من أصحاب النفوس السيئة، الشيئ الذي إنعكس سلباً على كل المجتمع السوداني، الذي كان يُعرف بالعفة والكرم والنزاهة والأخلاق وحينما أقول *الذي كان* فإنني اعنيها تماما فقد كنا في السابق من أفضل شعوب العالم ولو إختلف معي الكثيرين ولكن شاءت الأقدار لتأتي هذه الحرب لكي تتكشف عوراتنا ولكي نعرف ماهيتنا وما نحن؟

هذه الحرب اللعينة أظهرت العديد من الإفرازات السالبة و المئآسي الإنسانية التي أربكت الحياة اليومية للمواطنين، إضافة الى عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي. والقتلى والجرحى والمعوقين، والدمار الاقتصادي والمالي والبيئي، كما أن هناك إفرازات غير منظورة لا تظهر آثارها إلا بعد توقف الاعمال الحربية، عواقبها وخيمة على الدولة والمجتمع، وتحتاج الى وقت طويل لمعالجتها.

ترس..

رسالة إلى كل سوداني و سودانية وُلِدوا في أرض السودان..

تذكروا بأن هذه الحرب اللعينة التي أقحمنا فيها المتأسلمين من دون ذنب إقترفناه سوى أننا نحاول بناء دولة مدنية دولة مواطنة وقانون نستطيع في فيها التداول السلمي للسلطة ونستطيع فيها تنفيذ شعارات الثورة حرية سلام وعدالة، ستنتهي إن عاجلاً أم عاجلاً وسنستطيع بناء هذه البلاد من جديد وسنحاول بكل ما اؤتينا من قوة أن ننهض بهذا الوطن متجاوزين كل الجراحات متناسين كل الألم وما حل بنا من سوء إن شاء الله.

ولكن!!

لن يجد تجار الحروب والأزمات و الإنتهازيين مكاناً لهم في الوطن الجديد.

zlzal1721979@gmail.com

 

آراء