إنها الحَرب أيُّها الأغبياء !! .. بقلم بلّة البكري

 


 

 

23 أبريل 2023

"العاقِلُ من اتعظ بِغَيرِه"!
قولٌ مأثور

في البدء هُناك سؤال مفتاحي لكل خُبَراء الغفلة الاستراتيجيين: من منكم الذي هدى هؤلاء لاستخدام الطيران الحربي في وسط الأحياء السكنية لمدينة مليونية مكتظة بالسكان، كالعاصمة القومية بأحيائها الممتدة في عدة محليات. الطياريون الذين يديرون هذه الطائرات الحربية المعقدة لم يخرجوا في غارة جوية ضد أهداف حربية حقيقية طِوال حياتهم المهنية كلها، بخلاف طلعات تدريبية، ربما، شتّانَ ما بينها وإلقاء القنابل الحيّة في الأحياء السكنية حيث الأطفال والنساء. المواطن المسكين الذي أفقرته سرقات الحكومة ومليشياتها لموارده يجاهد في طلب الرزق في النهار الغائظ، عطشاناً وجائعاً، ً وهو لا يدري أيعود الى صغاره في المساء أم تقصف به دانة جوية أخطأ طيارُها قليل الدُربة. هذا الفعل الفطير لا يمت للحكمة بشئ أو أبسط قواعد المسئولية!

ماذا حدث ومن أطلق الشرارة الأُولى، ومن وراء هذا الدمار الشامل، ومن المسؤول عن كل هذا الفقد في الأرواح وتقويض الأمن القومي للبلاد وتعريضها لمخاطر داخلية ومطامع خارجية لا يعلم كنهها أحد؟ أسئلة حارقة تبحث عن إجابات شافية لا نعرفها يقيناً حتى الآن؛ بينما تشير كل قرائن الأحوال أنّ (أعداء الثورة) إياهم من ورائها. على كل حال، ومهما كان السبب فلن يُصدّق عاقل أن يُصبح رد "القائد-العام" للجيش هو إشعال البلد كلها وتعريض أمنها القومي للخطر؟ أي قائد-عام لجيش بلاده يخاطر بمثل هذا المسلك؟ بل ويعطي الأمر لراجمات جوية لتفتح نيرانها على الأحياء السكنية؟! أي رسالة يرسلها مثل هذا الفعل للعالم من حولنا والطامعين في أرضنا؟!!

لقد أصبح نقض العهود هو ديدن ثلاثتكم (أعضاء اللجنة الأمنية للمخلوع قادة الجيش والدعم السريع). كلما اقتربت القوى السياسية من حلٍّ يؤسس لإدارة مدنية للشأن العام، بغض النظر عن الوفاق أو الخلاف حول هذا الحل، خرجتم علينا بعنفٍ غير مسبوق لتجهضوا كل ما تمّ. ومن أمثلة ذلك: مايو 2019 والمحاولة الأولى لفض الاعتصام؛ يونيو 2019 ومذبحة القيادة والتي أغلق جيشكم فيها باب القيادة العامة في وجه الثوار وهم يواجهون خطر الموت؛ ترفيع الدعم السريع في 2019 بقانون جديد ليس له أي سند تشريعي؛ عرقلة حكومة الفترة الانتقالية ووضع الكوابح أمامها؛ اتفاق جوبا المعطوب في أكتوبر 2020 وفرضه على (الوثيقة الدستورية) وكأن الأخيرة لائحة تنظيمية لجمعية خيرية في قرية؛ إرجاع الفلول وتسليمهم الأموال المسروقة وكل مفاصل الدولة ضاربين بثورة الشعب عرض الحائط؛ انقلاب 21 أكتوبر 2021 وتمزيق ما بقي من (الوثيقة الدستورية) والتي هي عهدٌ واتفاق كنتم جزءاً منه؛ القمع المفرط للمظاهرت السلمية وقتل الأبرياء بالمئات؛ وأخيراً الحرب في أبريل 2023. أي قادة أنتم ومن أين جئتم؟! السودانيون في أصقاع الدنيا في مهاجرهم البعيدة التي تفصلها عن الخرطوم قارات لا يستطيعون النوم في بيوتهم من هول ما تفعلون بالوطن وشعبه الأبي، فما بالكم بمن ينامون تحت دوي الراجمات في أم درمان والخرطوم والخرطوم-بَحْري والضواحي بينما تختبؤون أنتم في قصوركم !!

إنّها الحرب أيها الأغبياء؛ فهي ليست نزهة؛ وقد انتهى وإلى الأبد زمان الإفلات من الحساب. لقد ذرف هذا الوطن الجريح دمعاً عزيزاً غالياً؛ بل نزف وينزف دماً أحمر الآن، وأنتم عنه في اطماعكم سادرون. أوقفوا البنادق الآن. أمنعوا راجمات الصواريخ من التحليق فوق رؤوس الناس؛ الآن قبل فوات الأوان. أنظروا حولكم لدول الجوار والتي يعض قادتُها أصابع الندم على ما قادت إليه الحرب عندهم من فظائع. لقد انتهى الدرس ؛ فليس فيكم من هو أهلٌ لقيادة هذه الأمة العظيمة! كما ولَيْس هناك نَصرٌ يُرتَجى في حربٍ بين أبناء الوطن الواحد بالغ ما بلغت خلافاتهم. أنكم تقدمون البلد كلها غنيمة للطامعين (وما أكثرهم) دون أن يجهدوا أنفسهم في طلبها. أوقفوا الحرب الآن قبل أن تفقدوا القدرة حتى على وقْفِها! وقديما قالوا: "رُبَّ يومٍ بكيتُ منه فلما صرتُ في غَيره بكيتُ عليه"!!


ballah.el.bakry@gmail.com

 

آراء