إنَّ ياجوج وماجوج والجنجويد مفسدون في الأرض

 


 

 

morizig@hotmail.com

ياجوج وماجوج أو Gog and Magog قبيلتنان بدويتان همجيتان كانتا تسكنان السهول الشمالية الشرقية من سلسة جبال القوقاز على الحدود الروسية الحالية في المساحة الواقعة بين السلسلة الجبلية التي تربط بين بحر قزوين والبحر الأسود. وهذه السلسلة الجبلية الوعرة العالية تسمى بسلسلة جبال القوقاز وليس فيها إلا فتحة واحدة كانت هي المنفذ الوحيد لغارات القبيلتين نحو الجنوب وتسمى هذه الفتحة ب "مضيق داربال". وبسبب هذه الفتحة كانت معظم شعوب آسيا الغربية عرضة لهجمات ياجوج وماجوج المتوحشة والمتكررة. وبسبب هذه الغارات الوحشية على شعوب الحضارات التي من حولهم قام ذو القرنين ببناء السّد وقام امبراطور الصين "شين هوانغ طى" بتشييد سور الصين العظيم لمنع غاراتهم المتكررة على بلاده وكان ذلك في القرن الثالث قبل ميلاد سيدنا المسيح عليه الصلاة والسلام.
ولم تتوقف غارات ياجوج وماجوج الآتية من الشمال نحو الجنوب إلا في عهد الملك الفارسي كورش/قورش/خورس ذو القرنين الذي أقام السد الحديدي في مكان الفجوة الوحيدة في سلسلة جبال القوقاز لصد غاراتهم الهمجية على الشعوب التي كانت تقطن الناحية الجنوبية لسلسلة جبال القوقاز. وبعد أن ردم ذو القرنين الفجوة صعب على القوم تسلق تلك الجبال الشاهقة الوعرة كما صعب عليهم عبور البحرين الأسود وقزوين وفوق ذلك كله بعدت عليهم الشقة بالطريق البري المحفوف بالمخاطر المليء بالأعداء.
وذو القرنين هو الملك الفارسي كورش/قورش الذي دخل بابل العراقية وحرر اليهود من الأسر البابلي، وأحسن إليهم، وأعاد بناء الهيكل وكان ذلك بعد وفاة سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام بحوالي أكثر من 500 عام تقريباً، ولهذا السبب سأل عنه اليهود نبينا الكريم صلوات الله وسلامه عليه وقد وجدت يهود ذكره في أسفار التوراة في نبوءات أشيعيا ويرمياه فأرادت أن تختبر رسولنا الكريم في علمه. وقد سميّ بذي القرنين لأنَّ لتاجه الملكي قرنان أشبه بالطاقية أم قرينات التي كان يلبسها سلاطين الفونج في المملكة السنارية، أو أشبه بالطاقية التي يلبسها أهلنا في جبال النوبة في رقصة الكمبلا. وكل هذه القرون بمختلف أشكالها ترمز الى القوة والفراسة والشراسة في القتال كشراسة الجاموس أو الثور الهائج.
وقصة ياجوج وماجوج قصة حدثت في التاريخ وانتهت في الفترة بين موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام، وهي لن تتكرر في المستقبل كما يعتقد العامة. والعامة قد أقعدتهم اللغة عن الفهم الصحيح فظنوا أن استخدام الفعل المضارع في سرد القصص القرآنية دوماً يعني المستقبل فظنوا ان الحادث قادمٌ لا محالة وقد زاد يقينهم بذلك عندما وردت إلى مسامعهم بعض روايات الآحاد الخيالية فعمقت لديهم هذا الفهم الفطير.
والحقيقة هي أنّ القرآن الكريم قد امتاز بأسلوب وخصائص ليست لِغيره، وهي خصائص معجزة وممتعة في التعبير عن الماضي والمستقبل. فحيناً يستخدم الفعل الماضي للتعبير عن حدث يأتي في المستقبل {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ}{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} وجاء التعبير بالفعل الماضي لأنّ الأمر والقرار الإلهي قد صدر فعلاً وإن تأخر الحدوث! وهنا يصبح المستقبلُ ماضٍ من جهة القرار وليس من جهة الحدوث والكينونة. وأحياناً يستخدم القرآن الكريم المضارع في قصة مضت وانتهت فيقصها عليك بأسلوب يجعلك تعيش في وسط الحدث فيربطك بماضيه وحاضره ومستقبله كقصة ذو القرنين مع ياجوج وماجوج. ولعل الله تعالى قد قص علينا قصة ياجوج وماجوج ليقول لنا إنَّ لمثل هذا الصنف من البشر إخوانٌ في رحم المستقبل يخرجون في كل زمان ومكان ليفسدوا في الأرض كسلفهم تماماً فاحذروهم واتعظوا يا أولي الألباب. ومن المعلوم أن القصص القرآنية ليست للتسلية التاريخية وإنما هي تنبيه لإمكانية تكرارها مرة تلو الأخرى متى توفرت الظروف الموضوعية لتكرارها.
ومن الملاحظ أن الشعوب التي عاصرت ياجوج وماجوج وصاروا ضحايا لهم في وقت من الأوقات وصفوهم بأنَّهم همج مفسدون في الأرض. وقد صدقوا في ذلك لأنَّه لم يكن لهؤلاء الهمج هدف سياسي ولا حضاري من وراء غاراتهم على غيرهم سوى القتل والنهب والتلذذ بالتخريب والإنتقام إشباعاً لهوى الفروسية المتمكن في نفوسهم البدوية. فقد كان القوم جهلاء وكسالى كسلا ً وجهلاً لا تقوم به حضارة ولا ترتقي به صناعة، ولهذا كانوا يعيشون على ما ينهبون من الشعوب، ومتى نفد مخزونهم المنهوب سرجوا جويدهم لغارات جديدة من أجل التشوين والتموين، فعُمر مشروعهم الإفسادي مرتبطٌ بعُمر بقائهم كقبائل بدوية همجية منعزلة يمسك بينها حبل العصبية.
وقوم ياجوج وماجوج الذين سكنوا بادية آسيا كانوا همجاً شرسين جداً لا يخافون الموت ولا يعرفون الله ولا يعرفون حدوده. وهذه النوعية من سكان البادية يسميهم القرآن الكريم بالأعراب وفيهم قال تعالى: {إن الأعراب أشد كفراً ونفاقاً وأجدر ألا يعلموا حدود الله} فإذن من خصائصهم المجافية للحضارة والمدنية هي النفاق والمكر والشراسة والغدر والعصبية والجهل بالله وبحدوده وأحكامه أين ما وجدوا وبغض النظر عن جنسهم أو لونهم. فهم آعراب وهمج وقتلة وكفى.
هذه الأوصاف تنطبق تماماً على جنجويد السودان في أيامنا السوداء هذه، ولعل التسمية نفسها تدل على مطابقة أوصاف قوم ياجوج وماجوج المفسدون في الأرض، فهم في منظرهم أشبه بالجن الذي يمتطى الجواد أو الجويد أو الجياد، كما تصفهم قبائل دارفور التي عرفتهم قبل أن يعرفهم أهل السودان والعالم قاطبة. فهل هناك منظر أكثر رعباً من منظر جن يمتطي جواداً ويحمل سيفاً منطلقاً بسرعة الريح نحوك؟
والله العظيم ما كنا نصدق أن في السودان، أو في المنطقة كلها، أو في وسط العرب والمسلمين عموماً، قوماً مثل هؤلاء القوم القساة حتى رأيناهم رأي العين فأصبح علمنا بحقيقتهم علم عين اليقين وحق اليقين، فتذكرنا قصة القرآن عن قوم ياجوج وماجوج. وصدق المثل القائل ليس من رأى كمن سمع، فالسامع قد لا يصدق محدِّثه ويظنه يفتل له من وحي الخيال، أو أنَّ المكائد قد قادته للفجور في الخصومة فجاء بهذه القصص الخيالية، ولكن العين حين ترى لا تكذب. فاليوم كشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد.
إنَّ المشكلة الكبرى أن ما رأيناه في الخرطوم ودارفور جزء من مخطط جن جويدي كبير يستهدف كل غرب أفريقيا ويستعد بتصميم وإرادة قوية على الهجوم على عدة دول منها السودان وتشاد والنيجر ومالي وقد يشمل ليبيا وموريتانيا. وهزيمة هذا المشروع الجن جويدي الضخم لا يكون إلا بالوعي ودعم القوات المسلحة في كل هذه البلدان وتعبئة الشعوب لقتالهم بفقه "جهاد فرض العين" والتعاون الأمني لنقل أخبارهم وتحركاتهم. فالمنطقة لن تهدأ حتى بعد دحرهم في الخرطوم ودارفور فقريباً سترون الفتنة في تشاد والنيجر ومالي ونسأل الله اللطف والسلامة.

 

آراء