إن من البيــان لســحرا !! بقلم: صـلاح محمد علــي
هذه مقالة من جزئين أشير في جزء منها لشئ من الإعجاز القـرآني و في الثاني لبعض القصائد التي اختارها العلامة عبد الله الطيّب – رحمه الله و طيّب ثراه – في كتابه ( الحماسة الصغرى ) على النحو الذي سيرد لاحقاً .
@) من صور الإعجاز القـرآني :
يقول تعالى في سورة هـود :{ حتى إذا جـاء أمرنا وفار التنور قلنا أحمل فيها من كلِ زوجين إثنين و أهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن و ما آمن معه إلا قليل (.) اركبوا فيها بسم الله مجراها و مرساها إن ربي لغفور رحيم (. ) وهي تجري بهم في موج كالجبال و نادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين (.) قال سأوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين(.) وقيل يا أرض ابلعي ماءك و يا سماء أقلعي و غيض الماء و قضي الأمر و استوت على الجودي و قيل بعداً للقوم الظالمين (.)
ويذهب الشيخ الصابوني في مؤلفه الذائع الصيت " صفوة التفاسير " إلى القول: هذه الآية بلغت من اسرار الإعجاز غايتها وحوت من بدائع الفوائد نهايتها وجمعت من المحاسن اللفظية و المعنوية ما يضيق عنه نطاق البيان وقد اهتم باظهار لطائفها و أسرارها العلامة أبو حيان رحمه الله .
روي أن إعرابيا سمع هذه الآية (. ) وقيل يا أرض أبلعي ماءك و يا سماء أقلعي .. (.) فقال هذا كلام القادرين لا يشبه كلام المخلوقين !!
ويروى أن إبن المقفع ، وكان أفصح أهل زمانه ، رام أن يعارض القرآن فنظم كلاماً وجعله مفصلاً وسماه سوراً .. فمر يوم بصبي فسمعه يقرأ الآية فرجع إلى بيته و محا ما كان قد بدأ به وقال : أشهد أن هذا لا يُعارض أبداً و هو ليس من كلام البشر ..!
يقول تعالى : { ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم و أياهم } الأنعام 151 ذلك أن حالة الإملاق واقعة عليكم و لذلك من المناسب أن تكونوا أنتم أولى بالرزق .
و يقول تعالى : { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم و أياكم إن قتلهم كان خطئاً كبيراً } الإسراء 31 ذلك أنكم تخشون عليهم من الإملاق ولذلك كان من المناسب أن يكونوا هم الأولى بالرزق . ( يرجى مراجعة الفرق بين هذه الآية و آية الأنعام في كتب التفاسـير ) !
و يقول تعالى : { قلنا يا نار كوني برداً و سـلاماً على إبراهـيم } الأنبياء 69 يذهب بعض المفسرين إلى إنه تعـــالى إن لم يقل سلاماً لهلك سيدنا إبراهيم من البرد .
@ مختارات من الحماسة الصغرى :
فيما يلي مقتطفات من كتاب " الحماسة الصغرى " ( طبعة جامعة أكسفورد 1964م ) الذي جاء في أوله كلمات الوفاء التالية لزوجه الفضلى جريزلدا :
لولاك أنت لكان العيش أجمعه ** سحابة من حميــم آسن آنــــــي
آويتني حيث لا قربى ولا نسب** إلا الوداد وحب ليس بالوانـــي
وحطّني منك بالعطف الجميل ** ورفت بزهرالرضا والبر أغصاني
لك التحيات أهديـها و تكرمــــة ** من الفؤاد و موموقات أوزاني
• ثم أعقب العلامة ذلك بكلمة شكر و تقدير للذين أعانوه في إعداد هذا الكتاب خص بالذكر منهم " أخي الأستاذ الماجد و الشاعر الفحل والأديب النحرير، محمد المهدي مجذوب ، إذ تولى ضبط الأصول و مراجعتها و ما زال يرفدني بالنظرة والمسألة والإشارة و الرأي الثاقب وأشهد لقد كان له في إبراز هذا الكتاب على الصورة الي برز بها نصيب عظيم فجزاه الله خير الجزاء .
• ومن زهيــر:
و مــا الحرب إلا ما علمتم و ذقـتموا ** و ما هو عنها بالحديث المرجـم
متى تبعثــوهـــا تبعثوهـــا ذمـيـمــة ** و تضـر إذ ضريتموهــا فتضرم
فتنتج لكـم غلمـــان أشـــأم كلهــــم ** كأحمـر عاد ثم ترضـع فتفطــم
• من الحطئية :
لما أكثر الحطيئة من هجاء الزبرقان شكاه لسيدنا عمر فحبسه و توعده بقطع لسانه فقال هذه الأبيات يسترحمه فرق له و أطلقه على ألّا يهجو أحداً :
ما ذا تقول لأفراخ بذي مـرخ ** حمر الحواصل لا ماء و لا شـجـــر
ألقيت كاسيهم في قعـر مظلمة ** فاغفر عليك سلام الله يا عمــــر
أنت الذي من بعد صاحبه ** ألقت إليـك مقاليــد النهى البشــــر
ما آثروك بها إذ قدمـوك لها ** لكن لأنفســــهم كانت بك الأثــــر
• ومن مسلم بت الوليد:
رأتني غني الطرف عنها فأعرضت ** وهل خفت إلا أن تشير الأصابع
وما زينتها النفس لي عن لجاجة ** ولكن جرى فيها الهوى و هو طائــع
فأقسمت أنسى الداعيات إلى الصـبا ** وقد فاجأتها العين و السجف رافع
فغطت يأيديها ثمــار نحــــــورها ** كأيدي الأســارى أثقلتهـا الجوامع
• و قال عبد الرحمن الداخل و هو أول الأمويين بالأندلس :
أيها الراكب الميمم أرضي ** إقر من بعضي الســلام لبعضي
إن جسمي كما علمت بأرض ** و فـــؤادي و مالكيــــــه بأرض
قد قضـى الله بالفراق عليــــنا ** فعســى باجتماعنا سوف يقضي
• ومن قصيدة مشهورة لمحمد بن زريق :
استودع الله في بغـداد لي قمراً ** بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه
و دعته و بودي لو يودعـــني ** صفـــو الحياة و أنـــي لا أودعه
وكم تشفــع في أن لا أفارقـــه ** و للضرورات حــال لا تشفعـــه
وكم تشبث بي يوم الرحيل ضحا ** وأدمعـي مستهلات و أدمـعــه
و بعد فإن الحماسة الصغرى ، على صغر حجمه ( 330 صفحة ) ، يطوف بك بعهود الشعر العربي المختلفة و شعرائها الفحول منذ عهد النبوة و الفتوح إلى ما أسماهم البروف بالشعراء المحدثين و شعراء العصر الحديث متضمناً لأشهر قصائد هؤلاء و أولئك فلهذا فالكتاب جدير بالاحتفاء و الاطلاع من قبل محبي الشعر و الأدب .
الخرطـــوم
يونيــو 2020 م
abasalah45@gmail.com
//////////////////