ابرز تحديات السياسة الصينية حيال السودان بعد انفصال الجنوب
رئيس التحرير: طارق الجزولي
20 July, 2011
20 July, 2011
(شينخوا)
اعلن رسميا عن انفصال جنوب السودان فى التاسع من يوليو الجارى، وذلك نزولا على رغبة سكان الجنوب بالانفصال والتى عبروا عنها فى استفتاء اجرى فى التاسع من يناير الماضى كتتويج لاتفاق السلام الشامل الذى انهى نحو عقدين من الحرب بين الشمال والجنوب. وبالنسبة للسودان فإنه سيشهد ميلاد دولة جديدة مستقلة بجواره وسيفقد ربع مساحته الكلية، حيث ذكر عبد الله الصادق، مدير مصلحة المساحة السودانية، "المساحة الكلية للسودان ستتقلص من مليونين و500 الف كيلومتر الى مليون و881 الف كيلومتر، اي بنسبة 25 بالمائة، هى مساحة جنوب السودان".
وتنظر الصين الى السودان باعتباره صديقا قديما، بحسب ما ذكر الرئيس الصينى هو جين تاو فى آخر لقاء جمعه بنظيره السوداني عمر البشير، مشددا على ان "بكين ستتبع دائما سياسة ودية تجاه السودان. وايا كان التغيير فى الوضع الدولى أو الداخلى بالسودان، فإن هذه السياسة لن تتغير".
وازاء التحديات التى تواجه علاقات الصين مع السودان بعد انفصال الجنوب عنه، تباينت آراء الخبراء الصينيين بشأن السياسة الصينية حيال السودان شمالا وجنوبا بعد التاسع من يوليو الجاري.
وقال ليو سي مين، احد الباحثين فى دائرة الدراسات الاستراتيجية الاقتصادية فى معهد العلاقات الدولية ببكين، ان المصالح الصينية قد تتأثر بعد استقلال جنوب السودان خاصة فى مجال النفط.
واضاف ان حق السيطرة على ثروات النفط لا يزال محور الخلاف بين الشمال والجنوب، ومع ان 80 فى المائة من انتاج النفط السودانى يأتى من جنوب السودان الا ان جميع منشآت ومرافق تصدير النفط تقع بالشمال. ورغم ان الشمال ينوى اقامة انابيب لنقل النفط عن طريق آخر لا يمر بالشمال لكنه من الصعب تحقيق هذا الهدف خلال فترة وجيزة، ومن ثم فان التعاون فى انتاج وتصدير النفط سيبقى لفترة ما قائما بين شمال السودان وجنوبه.
وتابع قائلا ان شركات البترول الصينية ستواجه تحديات كبيرة بعد استقلال الجنوب، مشيرا الى ان الشركات الصينية فى السودان تملك حوالى 40 فى المائة من منشآت النفط فى السودان وذلك بعد اكثر من 15 عاما من التعاون مع السودان.
وذكر الباحث ان 60 فى المائة من الناتج اليومي من النفط السوداني يصدر الى الصين، التى تعد سادس اكبر دولة فى العالم مستوردة للنفط ، ويبلغ اجمالى انتاج السودان من النفط 490 الف برميل يوميا.
ولفت الى ان شركات النفط الصينية ستضطر لإعادة توقيع اتفاقيات نفطية مع حكومتى الشمال والجنوب بعد استقلال الاخيرة، ومن ثم فإن المصالح التجارية ستقسم الى اجزاء بعد ان كانت كعكة واحدة.
لكن التحدى الاكبر قد يأتى من المجتمع الغربي، حسب وجهة نظر الباحث الصيني الذى قال ان العقوبات المفروضة من الولايات المتحدة على السودان تمنع دخول العملاق الامريكي الى السودان، لكن الظروف ستختلف تماما بعد 9 يوليو ومن المؤكد ان تنافسا قويا بين الشركات الصينية والغربية سيبرز فى جنوب السودان.
وأكد الباحث ليو ان السياسة الصينية حيال السودان على الصعيد الاقتصادى ستكون اكثر توازنا ومرونة نظرا للثروات الوافرة بالبلاد ، وسيشكل التعاون مع الشمال والجنوب فى انتاج النفط وتصديره خطوة جوهرية للمصالح الصينية بالسودان.
من جهة اخرى، ذكرت الخبيرة الصينية خه ون بين، مديرة دائرة دراسات شؤون غرب آسيا وشمال افريقيا بأكاديمية العلوم الاجتماعية الصينية، ان الاستراتيجية الصينية مع السودان ستتغير بعد استقلال الجنوب وستتطور الى علاقات نشطة مع الجنوب بأسرع وتيرة ممكنة مع الحفاظ على العلاقات التقليدية التاريخية العميقة مع الشمال.
وقالت خه ان الصين ترغب فى تطوير العلاقات الودية مع الشمال والجنوب خاصة بعد الزيارة الهامة التى قام بها الرئيس السوداني عمر البشير للصين قبل عشرة ايام فقط من استقلال الجنوب.
واشارت المديرة الصينية الى ان الجانب الصينى بعث برسالتين خلال هذه الزيارة، اولا ان الصين مهتمة وتعمل على تطبيق اتفاق السلام بين الشمال والجنوب، ثانيا ان الصين، حكومة وشركات، واثقة باستقرار السودان عموما وتتعهد بتعزيز التمويل فى الشمال والجنوب على حد سواء.
وأكدت ان الرسالتين تدلان على ان الصين ستدعم السودان كله، مشيرة الى ان بعض الشركات والمؤسسات قد بدأت تطوير مشاريع فى جنوب السودان، ولا يوجد اي قلق للانسحاب من جنوب السودان بعد استقلاله بل على العكس تشكل البني التحتية فى الجنوب اضافة الى قطاعات التربية والتعليم والصحة مجالا رحبا للتعاون، ولذلك هناك فرص كبيرة للارتقاء بالتعاون بين الحكومتين الصينية والسودانية الجنوبية الى آفاق جديدة.
وقالت المديرة ان زعيمى الشمال والجنوب اعربا عن نيتهما مواصلة تعزيز العلاقات مع الصين واستبعدا معارضتهما لتعاون الصين مع الطرف الآخر، لافتة الى ان الرئيس البشير اعرب عن ترحيبه بتطوير العلاقات بين الصين وجنوب السودان ورأى أن ذلك لن يؤثر على العلاقات القوية مع الشمال.
وتابعت قائلة ان الرئيس الصيني طرح اقتراحا من اربع نقاط لمواصلة توسيع التعاون الودى بين الصين والسودان، يشمل تعميق الروابط السياسية وزيادة التعاون التجارى والاقتصادى وتعزيز التبادلات الشعبية والتعاون فى القضايا الدولية والاقليمية، مشيرة الى ان الرئيس الصيني أكد التمسك بموقف إيجابى يهدف إلى تعزيز التعاون الثنائى فى الزراعة والتعدين، وان بكين ستواصل تقديم الدعم الفنى للسودان وتنفيذ مشروعات مثل انشاء مراكز زراعية فى السودان.
واعربت الخبيرة الصينية عن اعتقادها انه رغم الاحتكاك بين الشمال والجنوب، لا سيما بشأن السيطرة على النفط، لكنه لن يؤثر على علاقات الصين مع شمال السودان وجنوبه.
وإلى جانب الآراء المتفائلة تجاه العلاقات بين الصين وجنوب السودان، اعرب بعض الخبراء الصينيين عن قلقهم وحذرهم من تلك السياسة الخارجية.
وقال لي كاي شنغ، الأستاذ المساعد بجامعة شيانغ تان فى وسط الصين والخبير فى القضايا الدولية، ان الصين فشلت فشلا ذريعا حيال القضية السودانية، مشيرا الى الصين تؤيد الحكومة السودانية فى كل المجالات وتعارض فى الواقع استقلال الجنوب.
واضاف ان الجنوب يدرك ان الصين ايدت الشمال سياسيا وعسكريا خلال النزاعات بين الجنوب والشمال، ومن ثم فإنه ربما لا ينظر الى الصين كشريك لدفع التنمية الاقتصادية، رغم انه اعرب عن ترحيبه بالتمويل الصيني، وقد يفضل الجنوب الشراكة مع المجتمع الغربي والولايات المتحدة.
واعرب الخبير عن اعتقاده بخطأ السياسة التى تعتمدها الحكومة الصينية حيال السودان، مشيرا الى ان الحكومة الصينية لم تقم بأى اتصال مع المعارضة فى الجنوب قبل الاستفتاء، الامر الذى حدا بالجنوب الى اللجوء للحصول على مساعدات وتمويل من المجتمع الغربي او الولايات المتحدة على نحو كبير.
وقال الخبير لي كاي شنغ، انه ينبغى للحكومة الصينية ان تعدل سياستها الخاصة بالتعامل مع الدول النامية، اذ لا يجب ان تتعامل مع الحكومات فحسب بل المعارضة ايضا من اجل تحقيق التوازن فى تلك الدول.
وتابع قائلا انه على الحكومة الصينية الا تضع كل البيض فى سلة واحدة بأن تقصر التعامل فى بلد ما على طرف واحد، والقضية السودانية خير مثال على ذلك، مقترحا انه على الصين ان تعدل سياستها مع جنوب السودان فى اسرع وقت ممكن مع الحفاظ، فى الوقت ذاته، على العلاقات الثنائية القائمة مع الشمال.
(شينخوا)