احتفالاً بالذكرى الثامنة والثلاثين: حول تقديم الحزب د. النعيم كمحتفل (15)

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
"قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ"
صدق الله العظيم

الدولة والدولة الدينية

د. النعيم يعترض بشدة على الدولة الدينية، ويزعم أنه أساساً لا توجد دولة دينية، والأمر كله خطأ في المفهوم، وأن القول بوجود دولة دينية لا يستقيم عقلاً ولا ديناً.. ويزعم أنه في كل التاريخ، لم تقم أيّ دولة دينية، كما لم تقم دولة دينية في تاريخ الإسلام.

اسمعه يقول: "فقولي ببطلان مفهوم الدولة الدينية يعني أن هذه الفكرة لا تستقيم عقلاً ولا ديناً، لأنها تنسب التدين للدولة، وهي مؤسسة سياسية بالأساس، ولا تملك أن تعتقد في أي دين أو تمارس شعائره".1..
ويقول عن الإسلام: "دولة المدينة هي دولة سياسية، وليست دينية.. هي معادلة سياسية بين قطاعات وقوى سياسية واجتماعية في واقع معين.. دولة أبوبكر الصديق ليست دينية".2..

ويقول: "نعم أنا أقول أن دولة المدينة كانت دولة سياسية وليست دينية، وأن ذلك كان كما ينبغي أن يكون الأمر. فوصف الدولة بأنها سياسية ليس نقدا لها، وإنما هو إقرار لحقيقة الحال.
فالدولة قد تكون صالحة أم طالحة، عادلة أم ظالمة، لكنها دائما سياسية، ولا يمكن أن تكون دينية. وقد أوضحت من قبل أني لا أشمل في هذا عهد النبي عليه الصلاة والسلام لأن علاقته بالمسلمين كانت علاقة النبي بأمته وليس الحاكم برعيته".3.

وفي رد على الأستاذة أسماء، حين قالت: "نحن بندعو إلى دولة قايمة على الإسلام"، رد عليها د. النعيم بانفعال شديد وقال: "أنا برضو، لأنها الأستاذة برضو اتكلمت عن النقطة دي: برضو بحب أقول أنه مسألة الدولة الدينية وهم!! عبث!! قبيل أنا حاولت أقول الكلام دا: كونو الزول بفتكرها إنها حقيقة، ما بجعلها حقيقة!! هي ما حقيقة!! هي باطل!! هي وهم!! شفتَ زي الطفل البتخيّل إنه في سحّار تحت السرير!! كونو بفتكر إنه في سحار تحت السرير، مابعني إنه في سحّار تحت السرير!! هو مقتنع جدا، ويمكن يكورك لأمو يناديها: تعالي ولّعي النور، وأقعدي معاي، لأنه في سحار تحت!! دا المسألة زي كدا!! المسألة دي إنه هي ضد الصورة تماما!! وهم!! عبث!! ونحن أي واحد فينا يسكت عن أن يقول دا، مساهم في خلق العبث دا!!".4

قلنا أن هذا الحديث كان رداً مباشراً على قول الأستاذة أسماء محمود حين قالت: (نحن بندعو إلى دولة قايمة على الإسلام) وبالطبع هي تتحدث عن دعوة الأستاذ محمود وتلاميذه.. حديث النعيم هو عن الأستاذ بالذات، وعن تلاميذه من بعده.. وكلمات: وهم، باطل، عبث، هي في حق الأستاذ وحق الجمهوريين.. ومثل (السحَّار) الذي ضربه هو في حق الأستاذ محمود وتلاميذه.. فهم جميعا عنده مثل الطفل في المثل!!

ويقول د. عبدالله: "والزعم بالدولة الدينية ادعاء بإحاطة البشر بعلم وحكمة الله سبحانه وتعالى، فهو زعم باطل ديناً وعقلاً".5..
ويقول: "(أنطلق من العلم بأن الدولة الدينية لم تقم أصلاً، وأن الدولة المدنية هي قائمة فعلاً).6..

حجة د. النعيم عن الدولة الدينية، قائمة على أن الفكرة لا تستقيم عقلاً ولا ديناً، لانها تنسب التدين للدولة، وهي مؤسسة سياسية بالأساس، ولا تملك أن تعتقد في دين أو تمارس شعائره)!! النعيم يكرر هذه الحجة، ويستخدمها في مجالات أخرى غير مجال الدولة، وكأنها حجة ذكية وقاطعة!! وهي في الحقيقة لا نصيب لها من الذكاء ولا حتى الشيطنة!! وهي حجة لا تستقيم عقلاً ولا ديناً كما يقول هو!! ففي قولنا (دولة دينية)، دينية نسب وليست صفة للدولة.. يعني دولة تقوم على الدين، وليست دولة متدينة.. فد. النعيم يخطيء في الأمور البديهية في اللغة، فيبني على خطئه هذا أموراً خطيرةً جداً، ويشتم من يخالفه.

لا أحد يفهم من القول بدولة دينية أو دولة إسلامية، أنها دولة متدينة، وتقيم الشعائر.. فالناس ليسوا أغبياء إلى هذا الحد كما يصوِّرهم د.النعيم..نحن نسمع كل يوم الأخبار وترد فيها نفس العبارات مثل القول بدولة دينية..مثلا عندما نسمع: هاجمت روسيا اوكرانيا، لا أحد يفهم أن الهجوم ينسب للدولة بالصورة التي يصورها النعيم.. وإذا قلنا أصدرت وزارة التربية والتعليم منشوراً يحدد العام الدراسي، أو قالت وزارة الصحة أنه لا يوجد
تايفود بالمنطقة الفلانية.. أو قلنا أن الفصل الدراسي (الفارابي) أحرز أفضل نتيجة...إلخ.. فلا أحد غير د. النعيم يفهم أننا نتحدث عن الوزارة أو الدولة أو الفصل ككيانات مادية، بل الجميع يفهمون تلقائياً أننا نتحدث عن البشر الذين يكوِّنون هذه المؤسسات.. ود. النعيم نفسه يستخدم المفاهيم مثل (دولة إسلامية)، بنفس الصورة التي يستخدمها بقية البشر فمثلاً، في كتابه (نحو تطوير التشريع الإسلامي) يقول: "فإن الشريعة لا تعطي لحاكم دولة إسلامية سلطة معاقبة مواطن دولة غير إسلامية".7. اكثر من ذلك هو ينسب الإسلام للدولة، فيقول: "أما الأمر الأشد مدعاة للقلق فهو أن يقوم زعيم دولة مسلمة، هو الإمام الخميني في إيران بدعوة المسلمين إلى مطاردة واغتيال مواطن دولة أخرى).8.. فهو هنا يتحدث عن دولة مسلمة، ولم يقل أن حديثه هذا لا يستقيم عقلاً ولا ديناً!!

الأمر لا يعدو أن يكون حيلة ضعيفة ومتهافتة، وأقرب إلى مغالطات الأطفال. أما الزعم بأن الدولة الدينية لم تحدث في التاريخ، فهو كذب، وزعم شديد البطلان، ولا يمكن أن يقول به شخص عاقل وعلى إلمام بأبسط حقائق التاريخ.

أبسط الناس ثقافة يعلم أنه كان هنالك ملوك آلهة، وملوك أبناء آلهة.. وهنالك من كانوا يحكمون بمقتضى الحق الإلهي، وأن هناك أنبياء ومرسلين ملوك كسيدنا سليمان مثلاً.. وللدولة الدينية مصطلح خاص هو (ثيوقراطية)

الزعم أن القول بالدولة الدينية، ادعاء الإحاطة بعلم الله وحكمته، زعم شديد البطلان، فعلم الله وحكمته ليسا قاصرين على مجال الدولة.. ثم أن علم الله وحكمته يعلمهما لعبيده الصالحين، حسب الاستعداد عندهم (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ*عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)، و (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).

حِيَّل النعيم ضد الدولة الدينية عديدة، وكلها ضعيفة ومتهافتة تقوم على المغالطة.. اسمعه يقول: "وبما أن الاعتقاد الديني وإمكانية التدين والورع غير ممكن إلا للفرد البشري، فإن الالتزام بأحكام الشريعة، بأي فهم لها، لا يمكن أن يقوم إلا في حق الفرد المسلم.. فالفردية هي مدار التكليف الديني. وغير ممكن للجماعة أو أي شخصية اعتبارية ـ مثل مؤسسات الدولة ـ أن تعتقد أنها مكلفة دينياً".9..

علينا أن نتذكر أن د.النعيم يرفض وجود المجتمع، وحتى في هذه هو مجرد ناقل.. إذا كان من الممكن للفرد أن يعتقد ويتدين، يصبح من المحتم أنه يمكن للجماعة أن تعتقد وتتدين، فالجماعة هي مجموعة أفراد وليست شيء غير ذلك.

يقول د. النعيم: "ما تفرضه الدولة باسم الشريعة، هو بالضرورة مدني، ونتاج للإرادة السياسية للحكام لا للمرجعية الإسلامية، حتى وإن كان ممكناً الاتفاق على تلك المرجعية بين المسلمين".10!!.. هذا قول لا يقوم على أيِّ منطق موضوعي، فإذا كانت الإرادة السياسية للحكام تقوم على المرجعية الإسلامية، وتطبق ما ورد في هذه المرجعية فهذا بالضرورة إسلامي.. بمعنى أنه يقوم على ما جاء من أحكام وتوجيهات إسلامية.. ويقول في نفس الإتجاه: "أيّاً كان شكل الدولة الذي يأخذ به المسلمون من أجل خدمة تلك الأغراض الحيوية فسيكون مفهوماً بشرياً بالضرورة، والذي بدوره سيكون علمانياً (أي مادياً بشرياً)، وليس إسلامياً مقدساً".11..

المفارقة واضحة وكبيرة.. فالمفهوم البشري عنده، هو علماني بالضرورة، ولو قام على الدين، وهذا فهم عقيم.. فالمفهوم الذي يقوم على الدين هو ديني بالضرورة.. لا يمكن أن يقوم المفهوم على الإسلام ثم لا يكون إسلامياً، بل علمانياً!! المفهوم البشري قد يكون دينياً، أو لا ديني، فإذا قام على الدين فهو ديني، وإذا لم يقم على الدين هو غير ديني، وبالطبع هذه من الأمور البديهية.. وإذا كانت الدولة الدينية غير ممكنة بهذه الصورة، فيصبح الحديث عن عدم إمكانية الدولة الدينية، أو فصل الدين عن الدولة، مجرد لغو، لأنه بصورة مبدئية الدولة الدينية غير ممكنة.

يقول د. النعيم: "جدليتي تحديداً هي أنه ليس هنالك شيء غير إسلامي، فيما يتعلق بالدولة المدنية، كإطار ضروري لمفاوضة الدور، الطبيعي والشرعي، للإسلام في الحياة العامة".12!! من جانب، الدولة الإسلامية غير ممكنة حتى ولو قامت على المرجعية الإسلامية.. ومن الجانب الآخر، الدولة المدنية، ليس فيها شيء غير إسلامي، كلها إسلامية!! فالدولة الوحيدة التي ليست إسلامية عنده، ولا تقوم على الدين، هي الدولة ذات المرجعية الإسلامية، أما الدولة المدنية ففيها كل شيء إسلامي، ولا يوجد فيها شيء يخالف الإسلام!! هذا أمر يخالف البداهة، ليست له علاقة بالتفكير المستقيم.

يقول د. النعيم: "إن الطبيعة الدينية الأساسية للشريعة، وتركيزها على تنظيم العلاقات بين المسلم وربه، تعني أن تلك المسؤولية لا يمكن التنازل عنها، أو تفويضها، ولا يمكن لمؤسسة بشرية، إدارية أو قضائية، أن تكون دينية، حتى حين تزعم تطبيقها، أو فرضها، لأحكام الشريعة"!!.. ويقول: "وبعبارة أخرى، فإن الدولة بجميع مؤسساتها ذات طبيعة مدنية لا دينية، مهما كانت المزاعم بالدولة الدينية".13!!.. فهو يزعم أن الدولة إذا قامت على الدين، هي دولة مدنية وليس دينية.. لماذا؟ هو لا يبيِّن..واضح أنه عنده ما يكون، ومرتبط بالحياة الدنيا، لا يمكن أن يكون دينياً.. وأن ما يطبقه البشر، حتى ولو قام على الدين هو علماني وليس ديني!! علينا أن نتذكر زعمه أن القرآن عندما يدخل العقل والتجربة البشرية لا يصبح مقدساً.. وأن الله نفسه عندما يدخل العقل البشري لا يعود هو الله!! هنالك فاصل حاد عنده بين ما هو مدني، ودنيوي وبينما هو ديني!! أفكاره هذه الشديدة الربكة، والخالية من المعقولية، لا يحتفظ بها لنفسه، وإنما يطبقها على الفكرة الجمهورية، فيزعم في مغالطة فجّة أن الفكرة الجمهورية لا تدعو لإقامة دولة تزعم أنها إسلامية!! حسب مزاعمه عن الدولة الدينية، الفكرة تدعو إلى دولة علمانية!!

اسمعه يقول: "الفكرة الجمهورية تهدف إلى التزام الإسلام لدى كل مسلم وليس لإقامة دولة تزعم أنها إسلامية، في مغالطة وخداع للشعب".14.. هو يعلم أن الفكرة الجمهورية تدعو إلى دولة إسلامية – دولة القرآن – ويعلم التفاصيل في هذا الصدد، ولكنه كعادته في الكذب، يتنكر لما يعلمه، ويفرض على الفكرة عكس ما تقول به.. يالطبع عبارة (في مغالطة وخداع للشعب)، هي عبارته هو.. وهو يزعم بأن القول بدولة إسلامية، هو مغالطة وخداع للشعب.. وهذا هو حكمه على الدولة الإسلامية التي تدعو لها الفكرة.

ما هي الدولة:

لقد جاء من كتاب (الإسلام ديمقراطي إشتراكي) تحت عنوان (تعريف الدولة)، ما نصه:
"قد تختلف الزوايا التي يُنظر منها إلى الدولة، وعلى ذلك تختلف تعريفاتها.. ولكن مهما اختلفت تعريفاتها إلا أن هناك ثوابت تلتقي عندها هذه التعريفات، ولا يمكن أن تتجاوزها.. وهذه الثوابت هي ما يعرف بأركان الدولة، أو العناصر التي تتكون منها.. وهذه الأركان لا خلاف حولها، وهي تتمثل في: جماعة بشرية (شعب)، وإقليم يقيم عليه هذا الشعب، ونظام سياسي يحكم هذا الشعب، في حدود الإقليم الذي يعيش فيه. ولما كان مفهوم الدولة مفهوماً اجتماعيا، سياسياً، قانونياً، فهنالك من يغلِّب جانبا من هذه الجوانب، وينظر إلى الدولة من خلاله.. وفي الواقع لا يمكن الفصل بين الاجتماع والسياسة والقانون، ولذلك ينبغي النظر إلى الدولة من خلالها جميعاً.. ومن التعريفات التي أوردها الكاتب السيد مصطفى أحمد أبو خير من كتابه (الدولة في القانون الدولي العام) قوله: (إنها وحدة سياسية قانونية، تتألف من مجموعة من الناس يقيمون على إقليم محدد، ويخضعون لسلطة سياسية، في إطار تنظيم حكومي قانوني).. وفي تعريف آخر يقول: (جماعة من الناس تقيم بصفة دائمة وعلى سبيل الاستقرار على إقليم معين محدود ويدين بالولاء لسلطة حاكمة لها السيادة على الإقليم وعلى أفراد هذا الإقليم).

فعناصر الدولة هي: الشعب، وإقليم (سواء بري، أو بحري، أو جوي)، والسلطة الحاكمة.. ويضيف بعض الفقهاء عنصر الاعتراف من قبل دول المجتمع الدولي".. ص 180..

فالأساس في الدولة هو الشعب.. والأساس في أيِّ مؤسسة بشرية هو الجماعة التي تكوِّن هذه المؤسسة أو تديرها.. وإذا غاب المجتمع، غابت الدولة، وغابت جميع المؤسسات، وغاب القانون.
وجاء أيضاً: "القضية الجوهرية في الدولة هي السلطة.. علاقة حاكم ومحكوم.. يقول القانوني الفرنسي العميد (دكي): ((هناك دولة، كل مرة يوجد في مجتمع معين تمييز سياسي، مهما كان بسيطاً، أو مهما كان معقداً ومتطوراً.. فحيث نقر في مجموعة معينة وجود قوة إرغام نستطيع أن نقول، ويجب أن نقول، بوجود دولة.. ففي كل مجتمع بشري، كبيراً كان أو صغيراً، حيث نرى أفراداً أو مجموعة أفراد يقبضون على قوة إرغام يفرضونها على الآخرين يجب أن نقول بوجود سلطة (أي) دولة)).. ص183
نحن سنواصل الحديث عن الدولة في الحلقة القادمة التي سنتحدث فيها عن موضوع فصل الدين عن الدولة.

يتبع...

رفاعة
في 23/2/2023م

المراجع:
1. كتاب الإسلام وعلمانية الدولة ص 19..
2. المرجع: ندوة أجراس الحرية 28 ديسمبر 2008م..
3. الصالون نوفمبر2011م
4. من ندوة لد. النعيم بواشنطون..
5. علمانية الدولة ص 394
6. علمانية الدولة ص 424
7. نحو تطوير التشريع الإسلامي ص230
8. نحو تطوير التشريع الإسلامي ص 230
9. علمانية الدولة ص 39..
10. علمانية الدولة ص 34
11. علمانية الدولة ص 436
12. الإسلام وعلمانية الدولة ص435 ..
13. علمانية الدولة ص 20..
14. الصحافة_مايو 2008م..
////////////////////////

 

آراء