استعراض رواية “لعنة الغراب” للدكتور عمر مصطفى شركيان

 


 

 

(١ من ٢)

الدكتور قندول إبراهيم قندول*
jbldameek@gmail.com

"لعنة الغراب" من أعمال الدكتور عمر مصطفى شركيان باللغة الإنجليزيَّة، وقد سبق أن نشرنا هذا التلخيص بالإنجليزيَّة قبل أكثر من عام، وعزمنا في ذلك الحين على ترجمة مضمونها ومدلولها إلى اللغة العربيَّة، لكنا لم نجد متسعاً من الوقت. يعتبر هذا العمل مكملاً أو امتداداً لما جادت به قريحة وخيال الدكتور شركيان الواسع في تجسيد الأشياء ببساطة وبصورة مأثِّرة بمداد قلمه، الذي أفرد له كتاباً كاملاً بعنوان "مداد القلم"، وآخر بعنوان "بطولات وملامح من الأدب الإفريقي". فالرواية تصوٍّر لنا بشكل مروِّع الغارات الممنهجة التي كان يشنها الجيش التركي–المصري في السودان (1821-1885م) على قرى النُّوبة. ولا شك في أنَّها سبَّبت آلاماً كثيرة بالقبض الجماعي للسكان المحليين وبيعهم في سوق النخاسة. يُسلِّط هذا التلخيص الضوء على ثلاث مواضيع أساسيَّة ومهمة، أولها الانتهاكات الفظيعة ضد شعب النوبة، وثانيها كيف تحمَّل النُّوبة تداعيات تلك الهجمات على قراهم، وثالثها رفضهم بشكل فردي أو جماعي الخضوع والخنوع للقهر والدفاع بضراوة عن كرامتهم وكبريائهم.
في مستهل الرواية يقف الراوي على الأحداث في فصولها الثلاثة الأولى بمسح جغرافي دقيق فيصف أرض كردفان الشاسعة بصحراء جرداء وعرة، ومناخها قاسي متعب، ويطل على جبال النُّوبة، مخزن ومنبع العبيد، ويصوِّرها بالخضراء بفضل سهولها ووديانها، خاصة في موسم الأمطار. وعن المسافة بين جبال النُّوبة ومصر عبر صحراء كردفان فطويلة وبعيدة، ولكن استطاع الراوي بالتنظيم الجيد للأحداث الصاخبة والاضطرابات الكثيرة في الطريق، تقصير المسافة وتقليص المساحة في أحد عشرة فصلاً متماسكًا بشكل مثير مما يجعل التوقف للاستراحة من قراءة صفحات الرواية ال ٢٥٧ أمراً صعباً.
استخدم الراوي عدداً محدوداً من شخصيات الرواية الرئيسيين وبأسماء محليَّة مألوفة، وسودانيَّة عربيَّة معروفة، واسم أجنبي غريب واحد. هذا الترتيب، جعل تذكُّرهم سهلاً عند الانتقال من فصل إلى آخر أو حتى بعد قراءة العديد من الفصول. فمن الأسماء البارزة في الرواية، على سبيل المثال لا الحصر، "إغناتس بانكراتز"، الألماني وهو الراوي للأحداث، والأرستقراطي المصري "عباس حلمي"، الذي يمتلك العديد من العبيد السُّودانيين والأحباش؛ الضابط التركي "إبراهيم أغا" المشرف على سوق العبيد في الأبيض، و"كاسا تفيري" من الحبشة. أما من السُّودانيين، فيذكر "إغناتس" صديقي "كاسا": "ساتي" و"نقد الله"، وكلاهما بائعان متجولان في تقلي، ويرجع موطنهما الأصلي إلى مدينة سنار. ومن البؤساء المستعبَّدين المحليين من النُّوبة البنتين: "شاما" وشقيقتها " شيني"؛ ووالدتهما "كوجي" وأختها "كاما"، والأخيرتان من الحرائر. ومن العبدان الرجال يورد "إغناتس" اسم “الله جابو"، أو "شالو" وهو اسمه النُّوباوي، و"خير الله" أو "كوكو".
في الفصل الرابع يروي "إغناتس" عن لقاء "كاسا" الحبشي بالفتاة التقلاويَّة، "كوجي"، التي وقع في حبها فتزوَّجها " وأنجبت له بنتين: "شاما" و"شيني"، وكيف أصبحت عائلة "كوجي" بعد الزواج الأسرة الوحيدة ل "كاسا"، وصارت منطقة تقلي موطنه الجديد أيضاً، كما تجري العادة في جبال النُّوبة.
أما الفصل الخامس فبعنوان: "عودة المواطن" الذي يحكي عن "الله جابو" أو "شالو"، فكشف عن استرقاقه عندما كان طفلاً صغيراً في سن العاشرة من عمره، ورحلته وحياته في الأسر؛ هروبه من الخرطوم وعودته إلى تقلي وارتباطه بأسرة "كاسا". يأتي الفصل السادس كأطول الفصول ب 37 صفحة، يشرح "إغناتس" فيه تداعيات وعواقب وخيمة من التعامل بسذاجة. ففيه يجد القارئ تفاصيل دقيقة عن حياة مجتمع تقلي المتشابك، ومعتقدات النُّوبة وعاداتهم وتقاليدهم الفريدة. وفيه أيضاً يجد مجموعة من القصص التي تحكيها الأمهات والحبوبات للأطفال قبل النوم عن السحرة والجن والبوم، إلخ.. في الحقيقة لم تخل تلك القصص من الدروس والعبر من ورائها كرسائل ضمنية أو علنية تمنع الناس من التعامل بسذاجة، لأنَّ ذلك يجلب نتائج لا تُحمد عواقبها. لقد كان الاعتقاد وقتذاك أنَّ الخيانة من أكبر الأمور قبحاً وأنَّ مرتكبيها منبوذين مذمومين في المجتمع. فمثلاً يؤمن القرويون حينئذٍ أنَّه: "إذا خان شخصٌ أخاه الذي شاركه أو أكل معه الطعام، وشرب معه الشراب، فسوف يصاب الخائن بمرض قد يؤدي إلى موته، أو قد تأتي المصائب لأفراد أسرته أو عشيرته بالدم من حيث لا يحتسبون". يظن "إغناتس" بأنَّ، ربما بسبب هذا الاعتقاد، "تم اختطاف الأختين، "شاما" و"شيني"، وذلك عندما كان والدهما "كاسا" ووالدتهما "كوجي" في زيارة خالتهما "كاما" المريضة.
عند عودة الوالدين إلى المنزل في وقت متأخِّر من تلك الليلة ولم يجدا بنتيهما. إنَّ فقد الابن أو البنت أو أي فردٍ من ذوي القربى، وبهذه الطريقة، أمرٌ عظيمٌ ومصيبة كبيرة. ينطلق "كاسا" من تقلي كمن مسَّه الجن نحو مدينة الأبيض التي كانت ذائعة الصيت بتجارة الرقيق عندما علم بفقدان ابنتيه ليبحث عنهما هناك، البحث الذي انتهى إلى لا شيء. يبرز السؤال الدائر في القرية من الذي أخذ الطفلتين واختفى بهما؟ اتضح لاحقاً أنَّ "الله جابو" قد تآمر مع آخرين لاختطاف الفتاتين وتسليمهما لتاجر رقيق؛ ولكن تم القبض عليه وسُجِن في الأبيض بسبب عمله المروع هذا.
هنا نقف قليلاً عند تفسير "إغناتس" الخيانة المشار إليها أعلاه لنسأل هل هذا ما لحق ب"الله جابو" عندما تم القبض عليه وسُجن في الأبيض؟ التساؤل هذا مشروع حيث كان "الله جابو" أبعد من أن يكون في محل شبهة، فضلاً عن أنَّه كان مأموناً على الأسرة. كانت محصلة بحث "كاسا" عن بناته صفراً كما ذكر "إغناتس"، وكنتيجة حتمية، قرَّر، وقلبه منشطر ومفجوع بفقدانهما إلى الأبد، العودة إلى تقلي ليواسي وليقف بجانب زوجته "كوجي" التي تركها تتأوه بصوتٍ عميق من الألم والحزن الدفين، متصلة النهار بالليل. يقابل " كاسا" حينما همَّ بالرجوع إلى تقلي المسؤول عن سوق العبيد في الأبيض، "إبراهيم أغا"، الذي تربطه علاقة قوية مع عائلة تقلي المالكة على أمل أنَّ تؤهله تلك العلاقة في البحث وإيجاد ورعاية الفتاتين وإعادتهما إليهما. حسناً، لقد تعهَّد "إبراهيم أغا" بذلك ويجد البنتين، ويأمر بإعادتهما لذويهما. ولكن تبدَّد أمل "كاسا" في "إبراهيم أغا" عندما أخذ الضابط التركي الذي كلِّف بإرجاع الفتاتين إلى تقلي الاتجاه المعاكس في محاولة يائسة منه للتسلل بهما إلى مصر. مصدر اليأس أنَّ الضابط إياه لم يتمكَّن من إبراز لسلطات الجمارك في أسوان وثائق الملكية الصحيحة للفتاتين، فيُجبَر على العودة وإعادتهما إلى السُّودان. إلى هذا الحد لم تنقشع سحابة البؤس بعد، فلسوء حظ الفتاتين، يتم القبض عليهما مرة ثانية في الخرطوم بواسطة تاجر رقيق آخر ويرسلهما إلى القاهرة عبر البحر الأحمر، ليشتريهما "عباس حلمي كعبدتين ". كان حظ "شيني" أكثر سوءاً وتعذُّراً إذ باعها "عباس حلمي" لأسرة سوريَّة مما يعني أنَّها قد تخرج بعيداً عن القارة. أما "شاما" فقد احتفظ بها "عباس حلمي" في القاهرة. ..... نواصل.

* الكاتب مؤلف كتابين باللغة العربية: مدخل لدراسة قبيلة رفيق (دميك): الحياة الاجتماعية والثقافية والدينية في جبال النوبة - السودان، لندن، ٢٠١٥م، (الطبعة الأولى)، والطبعة الثانية، الخرطوم، ٢٠٢١م؛ وكتاب الفكي علي الميراوي: ملامح البطولة في جبال النوبة، الخرطوم، ٢٠٢١م.

 

استعراض رواية "لعنة الغراب" للدكتور عمر مصطفى شركيان (٢ من ٢)

وقفنا في الجزء الأول من التلخيص أنَّ "عباس حلمي" في القاهرة اشترى الأختين، "شاما" و"شيني". في هذه الجزء تأخذنا الرواية في فصولها الخمسة الأخيرة بإثارة أكثر من سابقاتها. فالفصل السابع من حيث الطول (33 صفحة) محصور على الرحلة إلى كردفان، وخاصة الأبيض، وأنَّ بطلها هو "خير الله" أو "كوكو"، خادم "إغناتس". هنا يصوِّر لنا "إغناتس" الخصائص الجوهريَّة للنُّوبة في شخصية "خير الله"، والمتمثِّلة في القوة والمثابرة والأمانة. لقد استطاع "خير الله"، بل أصرَّ إصراراً على الحفاظ على اسمه النُّوباوي "كوكو" عندما كان عبداً في القاهرة إلى أن نال حريته، على الرغم من أنَّه كان مملوكاً لأسيادٍ ثلاثة: مصري في كردفان، وشايقي في عطبرة، السُّودان، وأخيراً فاز به جعلي بعد احتراب وقع بين الشايقيَّة والجعليين في عطبرة نفسها.
في عودة سريعة إلى سيرة الأبيض، يصف "إغناتس" منازل العبيد فيها وصفاً دقيقاً ويُبيِّن الأنشطة المختلفة التي يقوم بها أولئك البؤساء من بيعٍ وشراءٍ للبضائع في أكشاكٍ أقاموها، وتقديمهم الشاي والقهوة تحت ظلال رواكيب ضعيفة آيلة للسقوط، وفي ظروف ذلك الجو الحار والهبوب العاصفة بحبيبات الرمل الدقيقة التي لا تخطيء العيون. يتطرَّق "إغناتس" أيضاً لأنواع المشروبات الروحيَّة المسكرة كالمريسة بأنواعها وأسمائها المختلفة وما كانت تفعل بعقول شاربيها. أما جمال نساء الأبيض فلم يسلم من تعليق "إغناتس". يعود "كاسا" إلى الأبيض مرة ثانية للبحث عن بنتيه. وتحت تلك الرواكيب، أيضاً، يقابل "إغناتس" الأب المفجوع "كاسا" عدة مرات وينقل إليه لقاءاته بابنته المفقودة "شاما" بمنزل "عباس حلمي" في القاهرة، وما دار بينهما من حوارات كثيرة وحكاياتها عن قصتها ومأساتها. إنَّها حكاية مؤثِّرة للغاية، فجانبها الأسود محزن، والآخر يبعث الحياة في نفس "كاسا" ويزداد من فضوله ليسمع وليعرف المزيد عن فلذات كبده. لم تكن القصة التي ينقلها "إغناتس" بلسماً ل"كاسا" فقط، ولكن لمن ينغمس بكل أحاسيسه في قراءة هذا الفصل من هذه الرواية الرائعة والحزينة في الآن ذاته.
في الفصل الثامن يغوص الروائي في عمق شرور القوات التركية–المصرية ولم يجد وصفاً دقيقاً ولا أكثر تعبيراً ومعنىً من جملة: "دخول الشر إلى جبل الداير"، كما أسماه. ها هنا في جبل الداير، تشن القوات الحكوميَّة هجماتها البربريَّة على القرى بطريقة عشوائية، ويذوق من جرائها المواطنون الأبرياء صنوفاً من العذاب، والسوق إلى غياهب العبوديَّة والقتل الفوري لمن يتجرأ بالمقاومة. يروي “إغناتس" واحدة من المواقف المقزِّزة حقاً، أنَّه شاهد بنفسه امرأة عجوزاً تموت فور رؤيتها بأم عينيها ما حدث لابنها الوحيد، ولثورها المفضَّل لديها ولماشيتها التي تعتمد عليها. "قُتل الابن، وذُبِح الثور، وسِيقت الماشية بواسطة مُلاك جُدد، أي "حدث ما حدث" لممتلكاتها المعنوية والمادية. هذا المشهد كان صعباً جداً أن تتحمَّله المرأة العجوز و"إغناتس" على حدٍ سواء.
مثل الفصول السابقة، الفصل التاسع أكثر إثارة لأنَّه يغطي رحلة الصيد في جبال النُّوبة التي قام بها "إغناتس" مع خادمه "كوكو" وما حدث فيها. فبينما هو مشغول، ربما بالصيد، تنشب مشاجرة بين "كوكو" وصبيٌ من القرية القريبة. كان سبب التشاجر بينهما أنَّ "كوكو" استولى على كومة الحطب التي جمعها الصبي دون رضاه مما اعتبره الصبي انتهاكاً صارخاً لحقوقه وكرامته وفخره. يجمع الصبي أهل القرية على الفور في تشكيلة شبه عسكريَّة استعداداً للدفاع عن ابنهم وكبريائهم. لم يكن أمام "إغناتس" و"كوكو" وقتئذٍ إلا اللجوء إلى "النجاة بالحيلة '' للتغلُّب على غضبهم بامتصاصه؛ خاصة ذلك الشاب الذي احمرت عيناه وارتجفت أوصاله من شدة الغضب لينتقم منهما للصبي. بلا شك في إنَّ هذا المشهد يمثِّل فيلماً سينمائيَّاً أو وثائقيَّاً محفِّزاً ليس فقط لقراءة الرواية، بل لمشاهدته على الشاشة.
عنوان الفصل العاشر هو "لعنة الغراب"، ويحكي عن انطباعات "إغناتس" حول قرى النُّوبة التي كانت مأهولة ومكتظة بالسكان في السابق، وعن الهجمات الجديدة التي تشنها القوات الحكوميَّة وميليشيات القبائل العربيَّة. يوثِّق "إغناتس" كل ذلك بعد حصوله على الإذن المطلوب لمرافقة القوات، ويشهد أنَّ تلك القرى أصبحت خالية من السكان أو في أحسن الأحوال بقي منهم عددٌ صغيرٌ من العجزة الذين لا قيمة اقتصاديَّة لهم، وأنَّ مصيرهم الموت المحقَّق بسبب فقدانهم للرعاية.
وفي واحدة من المداهمات العديدة، يشاهد "إغناتس" الشباب وهم "مقيدين بالأغلال ووُضِعت خشبة ذو شيبة بشوكتين حول أعناقهم طوال الرحلة مشياً على الأقدام إلى الأبيض ليتم بيعهم، بينما يتم أخذ قطعانهم من الأبقار وهم بلا حول ولا قوة." يروي "إغناتس" أنَّه كان حاضراً في حادثة تعتبر الأنكأ والأشنع، وتدل على فجور بعض الرجال وفسقهم، وتظهر خطاياهم، بقوله: "يقوم جندي حكومي بضرب امرأة عجوز منهكة لم تقو على المشي بمؤخرة بندقيته فتموت. كانت المرأة العجوز والدة واحد من المقبوض عليهم اسمه "باكوبا". لم يتحمَّل "باكوبا" المغلول بالشيبة ذي الشوكتين رؤية ما حدث لوالدته". يستطرد "إغناتس": "في تلك الحالات تنفجر الطاقة الكامنة في الإنسان، و"باكوبا" ليس بحالة استثنائية، بل هو إنسان له أحاسيسه ومشاعره. لذا حرَّر نفسه من الشيبة والقيد لينتقم لوالدته، مستخدماً الشيبة كسلاح، ويضرب بها الجندي ضربة واحدة قاضية أردته قتيلاً إلى مثواه المشئوم. لقد أصبحت هذه الضربة مضرب مثل في كردفان، خاصة بين الجنود، إذ كانوا ينعتونها "ضربة باكوبا" كناية عن أية ضربة غير عادية أو عمل من أعمال القوة".
سئم "إغناتس" من صلف أفراد من الجنود الأتراك وأفعالهم الشنيعة تجاه الأبرياء العُزَّل من النُّوبة. فبينما هو وسط الجنود، فإذ يرى جنديَّاً تركيَّاً يسيء معاملة امرأة عجوز أخرى، يجبره الموقف ليسحب مسدسه ويوجهه إلى رأس الجاني المغرور مهدِّداً إياه بتفجيره إذا لم يتوقف عن أفعاله المستفِّزة والخاطئة. كعادة النُّوبة ومروءتهم عند المقدرة، يقف "كوكو" على عجلٍ بين الرجل وفوهة مسدس "إغناتس"، ولم يبرح مكانه إلا بعد أن هدأت أنفاس الأخير وانحسر غضبه، وأعاد مسدسه إلى حيث كان، وهكذا، نجا المجرم من الموت.
الفصل الأخير، بعنوان: "وداعاً كردفان" يروي "إغناتس" مغادرته لكردفان إلى الخرطوم في طريقه إلى القاهرة بدون "كوكو"، الذي عاد سراً وحراً إلى وطنه، جبل الداير. وكرجل حر، لم يتمكَّن "إغناتس" من إبلاغ السلطات في الخرطوم بهروب "كوكو" الشاب الحر الطليق. وفي رحلته إلى القاهرة، لم يستطع "إغناتس" نسيان "شعب النُّوبة" ومعاناتهم وقد امتلأت نفسه بالأحلام الجامحة حول كفاح النُّوبة ضد الطبيعة والإنسانيَّة كلٍ على حدة أو معاً، ولكنه عزم على أن ينهي هذه القصة القوية، متعهِّداً بأن يرويها لنا وللأجيال القادمة.
ونحن من جانبنا نعتقد أنَّ رواية "لعنة الغراب" عملٌ قد تم نسج خيوطه ببراعة ومهارة عالية، ودقة متناهية، بواسطة الدكتور عمر مصطفى شركيان، لذا تستحق القراءة والاستمتاع بفن الخيال العُمَري في السَّبك والنسج. ولِمَ لا، فهو متخصِّص في مجال الغزل والنسيج، لا علوم التاريخ أو الانثروبولوجيا، أو فنون الأدب إلخ.. غير أنَّ للرجل اهتمامات بهذه العلوم، فأجادها كما تميَّز في تخصُّصه.

* الكاتب مؤلف كتابين باللغة العربية: لمدخل لدراسة قبيلة رفيق (دميك): الحياة الاجتماعية والثقافية والدينية في جبال النوبة - السودان، لندن، ٢٠١٥م، (الطبعة الأولى)، والطبعة الثانية، الخرطوم، ٢٠٢١م؛ وكتاب الفكي علي الميراوي: ملامح البطولة في جبال النوبة، الخرطوم، ٢٠٢١م.

 

 

آراء