اشتراطات التنمية الزراعية المرجوة نحو التحول الاقتصادي الشامل في السودان

 


 

 


بسم الله الرحمن الرحيم

elhoweris@gmail.com

 

moneim.elhoweris@igad.int
عبدالمنعم سليمان الحويرص
المدير الإقليمي لمشروعات الأمن الغذائي والتغذوي لمنظمة الإيقاد (IGAD)
عضو لجنة خبراء الإتحاد الأفريقي وعضو فريق العمل لإعداد التقرير القاري عن الأداء والتنفيذ للبرنامج الشامل للتنمية الزراعية في أفريقيا

الأرض
الجهود الدولية والقارية لمجابهة تحديات الأرض:
قامت مفوضية الاتحاد الأفريقي (ِAUC) ولجنة ألامم المتحدة الإقتصادية لأفريقيا (UNECA)وبنك التنمية الأفريقي (AfDB) بجهد مشترك للتعاون في تعزيز التنمية الإقتصادية والإجتماعية في أفريقيا من خلال عدة أمور من بينها التحديث والتحول الزراعي. حيث شرعوا معآ بكتابة مسودة مبادرة سياسة الأرض (Land Policy Initiative) في العام 2006 لدراسة قضايا وتحديات سياسة الأرض في أفريقيا، بهدف وضع 'إطار' لتعزيز حقوق الأرض وتحسين الإنتاجية وسبل كسب العيش. حيث يوفر هذا 'الإطار' المباديء التوجيهية ولمحة عامة وواضحة عن الخلفية التاريخية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية لمسألة الأرض في أفريقيا ويشرح دورالأرض كمصدر عزيز وغالي للموارد الطبيعية وفي تحقيق التنمية الإقتصادية والحد من الفقر. وبالإستفادة من التجارب الناجحة والدروس المُستفادة لبعض الدول في وضع وتنفيذ سياسات الأرض بها. وقد تم لآحقآ تطوير الإطار والمبادئ التوجيهية وأقرارهم في المؤتمر المشترك لوزراء الزراعة والأراضي والثروة الحيوانية الذي إنعقد في أديس أبابا، إثيوبيا، أبريل 2009. وتم تبنى "الإعلان حول قضايا وتحديات الأرض في أفريقيا" في الدورة العادية الثالثة عشرة لمؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي التي عقدت في يوليو 2009، سرت، ليبيا.

أهمية الإطار والمبادئ:
هذا الإطار والمبادئ التوجيهية هو أكثر بكثير من مجرد وثيقة أخرى عن الأرض، بل يعكس إجماعآ حقيقيآ حول قضاياها ويعمل كأساس لالتزام الحكومات الأفريقية في صياغة وتنفيذ سياسة الأرض، والأساس للمشاركة الشعبية في تحسين إدارة هذا المورد الهام. فدور الأرض في عملية التنمية القومية لا يمكن إغفاله حيث تحتاج الحكومات الوطنية ألى إتخاذ التدابير المناسبة لضمان أن تلعب الأرض دورها الأساسي في عملية التنمية، وبشكل خاص في إعادة البناء الإجتماعي وتعزيز الفرص المتساوية، وفي الحد من الفقر، وتعزيز الحكم، وإدارة البيئة، وتعزيز حل النزاعات، والدفع بالتحديث الزراعي. ويتمثل التحدي المستمر الذي يجب أن تواجهه السياسات الحديثة للأرض في أفريقيا وفي السودان بالضرورة في الحاجة إلى المزج بين التقاليد والحداثة لأنظمة حقوق الأرض.
وهنا يكون من المهم أن تسعى سياسات الأرض إلى إزالة الجمود القديم في الهياكل والنظم التقليدية من خلال الإعتراف بشرعية حقوق الأرض الخاصة بالسكان المحليين، لذلك يجب أن تعنى عمليات سياسات الأرض الحديثة بدور وهياكل إدارة الأرض المجتمعية والمحلية، وأن تسعى الى توفير الترابط الضروري بين أنظمة الدولة وأنظمة السكان المحليين، خاصة فيما يتعلق بإصدار الشهادات لحقوق الأرض.
إن تعزيز فرص الوصول إلى الأرض من خلال مختلف الأشكال والطرق سوف يسهل الفرص الإقتصادية ويؤمن سبل كسب العيش لجميع مستخدمي الأرض، حيث تؤدي إصلاحات الحيازة المصحوبة عند الضرورة ببرامج إعادة توزيع الأراض إلى التحسن في الوصول إلى حيازة الأراض وتوفير الأمن إلى الفئات الضعيفة في المجتمع خاصة النساء، واللاتي يشكلن معظم فقراء الريف، ويتطلب ذلك بالضرورة تعميم قضايا ملكية وإستخدام الأراض في إستراتيجيات الحد من الفقر وأن تتم المواءمة ثم الترشيد بين هذه الأهداف والتدابير المناسبة والعادلة التي تبدو وكأنها متناقضة.
إن معالجة أمن الحيازة للأرض (possession) أمر مهم بشكل خاص إذا كان من الضروري كسر حلقة التبعية والفقر المؤسسي بين هذه الفئات، والعمل على إزالة التناقض بين السعي وراء إستراتيجيات جيدة لتنمية الأراض من جهة والخيارات التي يحركها السوق من جهة أخرى، وأن لا تؤدي السياسات المتزايدة حاليآ والقائمة على إعلاء "أهداف السوق" والخاصة بتنمية الأرض عن طريق نزع ملكية الأرض من المجتمعات والأفراد وإلى تعريض الفئات الضعيفة إلى مزيد من التهميش.

السودان وتطبيق الاتفاقية:
وبالرغم من أن السودان قد أصبح ملزمآ بتطبيق هذه الإتفاقية، إلا أنه لُوحظ وفي خلال السنوات ما بعد إستقلال السودان (1956)، وحتى قبل التوقيع على هذه الإتفاقية فقد تم الإستيلاء على مساحات شاسعة من اراضي المجتمعات السكانية (Dispossession of Communal Lands) لقيام المشاريع القومية للزراعة المروية والمطرية وللتوسع المفرط في الزراعة الآلية على حساب الغابات والمراعي وللقطع الجائر للغابات والتدهور المريع في البيئة، مما أدى إلى تكثيف النزاعات بين المزارعين والرعاة.
تفاقم الوضع بشدة لقيام سلطة "الآنقاذ" (1989) بتوزيع مساحات مهولة من الأرض الزراعية (Arable lands) إلى ممن أُطلق عليهم "المستثمرون والأشقاء العرب"، وفقآ لإتفاقات غاب عن معرفة تفاصيلها غالب الشعب السوداني خاصة المجتمعات التي تمت مصادرة أراضيها(Land Grab) لصالح هؤلاء المستثمرون (الراجحي [السعودية]، أمطار[الإمارات]، مصر، البحرين, جيبوتي، وحتى مشاريع الري المحوري لأسامة داؤود بشرق النيل)، حيث تبلغ أجالها في الغالب تسع وتسعون عاما. المحزن في الأمر أنه لم تجرى دراسات فنية، إجتماعية وحتى إقتصادية لجدوى هذه المشاريع، خاصة وأن جُل هذه المشاريع والتي تبلغ مساحاتها ألاف الأفدنة تروى من مخزون المياه الجوفية (Aquifer) في الحوض النوبي وما جاوره، بينما نصيب السودان من مياه النيل بموجب إتفاقية (1959) لم يتم إستخدامه بالكامل، وبالتالي نصبح نحن الذين نعيش في السودان حاليآ قد تغولنا على مخزون المياه الجوفية الخاص بالأجيال القادمة في عالم مقبل بالضرورة على نزاعات بين الدول في إستخدامات مياه الأنهار العابرة والبحيرات على الحدود المشتركة [المشكلة العالقة الآن بين إثيوبيا ومصر حول فترة التخزين المقبولة للمياه خلف سد النهضة، والإتفاق على حقوق دول مجرى النيل الأزرق في المياه]. كذلك لم تراعي هذه المشاريع والشركات الوفاء بحقوق السكان الذين يقطنون مناطق الإستثمار من خلال منحهم ميزة تفضيلية في الإستخدام بالمشروع، أو تحسين ظروف المعيشة لهم بتوفير المياه الصالحة للشرب (Potable Water) والمساعدة في تقديم خدمات التعليم والصحة والطرق المعبدة والعديد من الخدمات الإجتماعية التي يحتاجها هؤلاء السكان، وأيضآ من غير المعروف كم هو العائد المادي للسودان من هذه الشركات والمشاريع، من جمارك، ضرائب وزكاة وغيرها من الإلتزامات.

أهمية إجراء دراسات الأثر البيئي وإصطحاب مفاهيم التنمية الريفية المتكاملة في توزيع الأراضي:
تعضيدآ لما تقدم يمكنني أن أقول وبكثير من الثقة بأن دراسات الأثر البيئي (ُEnvironment Impact Assessment [EIA])، والتي يمكن تعريفها بأنها العملية الضرورية لتقييم العواقب والآثار البيئية المحتملة للخطة أو السياسة أو البرنامج أو المشروع المقترح قبل اتخاذ قرار المضي قدمًا في تنفيذه، والتي تأخذ في الإعتبار الآثار البيئية، الاجتماعية والاقتصادية المتشابكة، وتلك ذات الأثر على صحة الإنسان (سلبآ أو إيجابآ) ، ويمكنني أن أقول أيضآ بأنها لم تتم لجُل وربما كل هذه المشاريع، وأن دراسات الجدوى الإقتصادية والإجتماعية أيضآ لم تتم. وكذلك لم تُجرى دراسة الأثار السالبة لإصطحاب مفاهيم وبرامج التنمية الريفية المتكاملة (Integrated Rural Development Programmes )، والتي يمكن تعريفها بأنها الآلية الرئيسية للتخفيف من وطأة الفقر في الريف كمفهوم للتخطيط يحاول إعادة التأكيد على الحاجة إلى نهج شامل للتنمية الريفية، حيث أن الهدف الرئيسي من برامج التنمية الريفية المتاكملة هو دعم أفراد وأسر المجموعات المستهدفة من السكان والواقعة تحت خط الفقر من خلال خلق فرص مستدامة للعمل الحر في القطاع الزراعي الريفي.

مقترحات معالجة قضايا الأرض بالسودان:
لكل ذلك وفي عُجالة نقترح الحلول أدناه لمعالجة قضية الأرض على المديين المتوسط والطويل، وحتى تتحقق أهداف التنمية الريفية المتكاملة وإلتزامات إعلان مالبو وأهداف التنمية المستدامة، علما بأن الحلول المُقترحة تتطلب نقاش علمي ومجتمعي وأن يتم الإتفاق حولها، نرجو أن يتحقق قريبآ:
1. حصر الأراضي الزراعية حسب توزيعها الجغرافي ومساحاتها والمُستغل وغير المُستغل منها حاليآ، وأوجه الاستغلال، ومراجعة العقود التي تم بموجبها تم منح تلك الأراضي الزراعية للشركات والمشاريع المحلية والأجنبية وتعديلها وفقآ للمصلحة الوطنية.
2. مراجعة قانون استخدام الأراضي الزراعية وإجراء التعديلات الضرورية فيه، ودعم وتقوية إدارة إستثمار الأراضي وإعادتها إلى وزارة الزراعة بدلآ من مصلحة الأراضي، وأن تتمتع بالكفاءة والفعالية للإستجابة لإحتياجات ومطالب جميع فئات المجتمع.
3. مراجعة وتعديل سياسات الحيازة والأراضي والتي بالضرورة تكون منحازة لفقراء الريف، ويجب أن يكون الحصول على الأرض والموارد مُنصفآ، حيث أنه لا ينبغي إستبعاد أي مجموعة داخل المجتمع سياسيآ أو قانونيآ من القدرة إلى الوصول إلى الأرض والموارد الطبيعية ذات الصلة، ويجب إتخاذ التدابير الضرورية لضمان تأمين حقوق الملكية للنساء والشباب، بل ومنحهم ميزة تفضيلية.
4. وضع الخطط والبرامج المستقبلية لإدارة مورد الأرض والموارد المصاحبة للتعامل مع إزدياد السكان وإستخدامات الأراضي الهامشية، والشروع في إستخدام مخزون المياه الجوفية وفقآ لمعطيات حقيقية ومراعاة لحقوق الأجيال القادمة في هذه الموارد الحيوية، مع الوضع في الاعتبار الميز النسبية للمناطق عند وضع الخطط والبرامج المستقبلية.
5. العمل على ضمان أمن الحيازات لجميع أفراد المجتمع، والإعتراف القانوني بطائفة من حقوق ملكية الأرض وحمايتها، بما في ذلك الحقوق التقليدية والعرفية والأشكال الأخرى للحيازة.
6. يجب أن تكون تكاليف الحصول على خدمات الأرض في متناول الجميع وأن تكون الإجراءات بسيطة وواضحة.
7. يجب ان تكون عملية صنع القرار المتعلقة بالأرض شفافة ونزيهه وأن تكون إجراءات المشاركة مفتوحة للجميع لضمان أن يكون أصحاب المصلحة والمعنيين من المشاركين فعليآ فيها.
8. العمل على تجنب القيام بعمليات الإخلاء القسري حيثما كان ذلك ممكنأ وعند الضرورة القصوى، ووفقآ للقانون الوطني والمعايير الدولية والقارية والمتعلقة بالإجراءات القانونية الواجبة والتعويض العادل.

 

آراء