اعتقال المعلمين ومسامحة السارقين

 


 

 



Omergarrai@gmail.com

(وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَار)
صدق الله العظيم

من نكبات نظام الإخوان المسلمين المتخبط، أن يقوم بإعتقال المعلمين .. فقد جاء ( تم إعتقال مجموعة من المعلمين من أمام مباني وزارة التربية والتعليم ولاية الخرطوم قبل تنفيذهم وقفة إحتجاجية أعلنت لها لجنة المعلمين بسبب تأخر راتب شهر أبريل) ( بيان لجنة المعلمين مايو 2018م). ولقد أورد البيان،أسماء المعلمين والمعلمات، الذين تم إعتقالهم، وجاء في ختام البيان (السجن ليس لنا نحن الأباة السجن للمجرمين الطغاة) !!

وهؤلاء معلمو مرحلة الأساس، في عدة محليات بالعاصمة، وهم من أقل موظفي الدولة رواتب، مع أنهم يقومون بأعظم عمل، وهو تعليم الأجيال. ورواتبهم على ضآلتها، لم توف إليهم في نهاية الشهر، ليسددوا ديونهم، حتى يستطيعوا شراء ما يسد الرمق من العيش، بالدين مرة أخرى، في هذا الغلاء الطاحن، والأزمات الخانقة .. فإذا قال المعلمون لا، واحتجوا على هذا الظلم البيّن، بأسلوب حضاري، تكفله كافة الدساتير، ومواثيق حقوق الإنسان، وهو الوقفة الإحتجاجية، قابلتهم حكومة الإخوان المسلمين بالبطش والإعتقال، ولم تراع دورهم، أو مكانتهم، أو الخدمة العظيمة، التي يؤدونها لهذا الوطن السليب.

وفي خبر مقابل لهذا، نقرأ قرار السيد ياسر أحمد صالح، رئيس لجنة التحقيق، في قضية لصوص مكتب الوالي، الذين نهبوا سبعة عشر مليوناًوثمانمائة وخمسون جنيهاً، من أموال الشعب .. فقد قال إن اللجنة أطلقت سراح هذين اللصين، لأنهما قبلا مبدأ التحلل من المال الحرام، حسب المادة "13" من قانون مكافحة الثراء الحرام والمشبوه. وذكر رئيس اللجنة أن اللصين، استغلا توقيع الوالي السابق عبد الرحمن الخضر، لتخفيض قيمة 5 قطع اراضي استثمارية، بمناطق مميزة بالخرطوم، وقاما ببيعها بملايينالجنيهات، وتخصيصها لمستثمرين، دون وجه حق، ثم قاموا باستخدام ارباحها، في شراء عملة، الأمر الذي إعتبرته اللجنة نوعا من الربا، لاتفاقهم مع تجار العملة على سعر ثابت. أما التحلل الذي اطلق بموجبه سراحهما،فهو أنهم حسب تصريحات رئيس اللجنة، قد أعادوا 9 قطع أراضي، و 5 عربات، ومبلغ 2 مليون وتسعمائة ألف جنيه !! ولقد أخبرنا السيد رئيس اللجنة، أنه قد استدعى الوالي السابق عبد الرحمن الخضر كشاهد، وأقر بأن المستندات التي استخدمت في الاحتيال عليها توقيعه !! (راجع التفاصيل في وسائل التواصل الاجتماعي) . من أين أتي الاخوان المسلمون بمادة التحلل هذه ؟؟ ما هي آيتها من الكتاب أو حكمها من السنة ؟! وهل هي من ضمن الشريعة " المدغمسة"، التي قال السيد الرئيس أنهم يطبقونها ؟! ثم أن لصوص مكتب الوالي، وجهت إليهم تهم أخرى مثل: تهمة إستغلال النفوذ،وتهمة خيانة الأمانة، وتهمة الاحتيال، وتهمة مخالفة قانون الأراضي ومنح غير المستحقين، وتهمة الاتجار في العملة خارج الإطار القانوني، وتهمة الربا،وكلها تهماً يعاقب عليها القانون الجنائي، فلماذا أطلق سراحهما، وأعفيا من كل هذه التهم، التي لا علقة لها أصلاً بالتحلل ؟! ثم لماذا لم توجه أي تهمة للوالي نفسه ؟! فهل صدقت اللجنة أن موظفين يعملان تحته، يقومون باستخدام مستندات ممهورة بتوقيعه، وهو لا يعلم عنها شيئاً ؟! أليس هناك شبهة مشاركة تستدعي التحقيق معه ؟!

إن الأمر الذي يمكن أن يستنتجه أقل الناس إدراكاً، هو أن اللصين ضحية لعملية كبيرة، ولهذا سعت اللجنة الضعيفة، الموجهة، لقبول موضوع التحلل،لأنها لو ضغطت عليهما أكثر، أو لوحت لهما بالسجن، لقالا بأن الوالي شريك لهما، ولو تم إتهام الوالي، لقال أنه مأمور من جهات عليا !! وهذه الجهات بالذات، هي التي تقف كل قضايا الفساد عند عتبة دارها، ثم تموت، ولا يسمع لها أي صوت بعد ذلك !! فهل رأى الناس حكومة مثل هذه، تعتقل المعلمين المطالبين بحقهم، وتطلق سراح (الحرامية) الذي نهبوا الملايين من أموال الشعب !!

وبدلاً من أن يعترض علماء السوء، ووعاظ السلاطين، على مثل هذه المفارقات، أخذوا يحاولون تبريرها، وتخدير الشعب، ليتحملها، ويقبل بها .. فقد إعتبر الشيخ الكاروري، في خطبة الجمعة، إن أزمة الوقود إبتلاء من الله، وشبهها بغزوة الخندق !! ووصف كيف أن الله قد هزم الأحزاب، وأن نفس الأمر قد تكرر الآن، لأن الأعداء وقوى الشر، متربصة بدولة المشروع الإسلامي!! هذا الشيخ المنافق، يقول هذا الكلام، وهو يعلم أن حكومته تسعى بكل سبيل لإرضاء أمريكا، وسعت لإرضاء روسيا، واستعانت بها خوفاً من تهديد أمريكا..وحكومة المشروع الإسلامي بنى لها الحزب الشيوعي الصيني دار المؤتمر الوطني هدية !! والشيخ يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إننا لا نستعين على أمرنا بكافر) فمن هم أعداء حكومة الإخوان المسلمين ؟! أنتم أيها المنافقون أعداء الشعب السوداني، والآن تعادون بعضكم بعضاً، طمعاً في ما نهبتموه من هذا الشعب الكريم الصابر.

ومن استمرارهم في تضليل الناس، الخبر الذي يقول بأن أحد قادة الإخوان المسلمين، وهو الطيب سيخة، قام مع بعض أعضاء جماعتهم، بإكتشاف موعد ليلة القدر، عن طريق معادلات رياضية !! هل رأى الناس مثل هذه الجهالة ؟! ما الفائدة من معرفة يوم ليلة القدر ؟! هل يظن الطيب سيخة أنه إذا عرف أن ليلة القدر يوم سبعة وعشرين رمضان، وظل صاحياً، فإنه سينال فضلها،وتستجاب دعوته، لمجرد أنه صاحي، أم أن خيرها لا يناله إلا الإنسان الصالح ؟! فالطيب سيخة وجماعته، آياديهم ملطخة بدماء الأبرياء، من أبناء دارفور، كما أعترف الرئيس البشير، فكيف يكون لهم حظ في ليلة القدر ؟! إنها ليلة الصالحين الطيبين وليست ليلة الحرامية والمجرمين !!

لقد فشلت حكومة الإخوان المسلمين، في كل شئ، حتى ذاع فشلها وزير الخارجية، فأبعد عن منصبه .. ثم ذاع الفشل، بنفس صورة العجز المالي،نائب رئيس الجمهورية .. وظهر ذلك في أزمة البنزين، التي بلغت حداً جعل الباحثين عن الذهب، يموتوا عطشاً في الصحراء، لعدم توفر الجاز للعربات التي كانت تأتي لهم بالماء !!

في هذه الظروف، والشعب يبيت في طرمبات البنزين، والبلد في شلل تام،قام الرئيس بلقاء قادة القوات المسلحة .. وقبل أن يلقي كلمته، وقف أحد الضباط، وألقى كلمة مليئة بالآيات القرآنية، خلصت لمبايعة القوات المسلحة للرئيس البشير، ليكون الفائز في انتخابات عام 2020م !! فهل يجوز لمؤسسات الدولة الرسمية، ترشيح زيد أو مبايعة عبيد ليصبح رئيساً ؟! وهل هذا الضابط والمجموعة التي أيدته، يمثلون كل القوات المسلحة ؟! وهل قوانين القوات المسلحة، ولوائحها، تسمح لها كمؤسسة، بتأييد مرشح دون الآخر، في أي إنتخابات ؟! وإذا قام بعض الإخوان المسلمين في الشرطة، بنفس البيعة،ثم تلتها قوات الدعم السريع، وحرس الحدود، وغيرها من القوات النظامية،فهل يمكن أن تعتبر الإنتخابات التي ستجرى في 2020م إنتخابات حرة ؟! وما الداعي للإنتخابات إذا كنا نقبل للرئيس بالبيعة ؟! وهل يمكن ان تعتبر الإنتخابات إنتخابات، إذا كان الرئيس يدخلها، وهو في منصبه، والمؤسسات تتقرب إليه بالبيعة، طمعاً في عطائه، أو خوفاً من بطشه بقياداتها ؟! وإن تعجب فعجيبة هي دعوة بعض المثقفين، لإختيار مرشح لينازل الرئيس في الإنتخابات، التي سبق للمؤتمر الوطني أن زورها مراراً، كما زور إنتخابات نقابة المحامين، وسائر النقابات الأخرى، وهاهو الآن يسعى الى تحويلها الى بيعة، يتم بها الإعتراف للرئيس، بدورة جديدة من الحكم .. مع أنه كان قد ذكر عدة مرات، من باب الخداع، أنه لن يترشح لدورة جديدة، لأن الدستور لا يعطيه هذا الحق.. ثم إذا هم الآن يعدلون له الدستور، ليعطيه ما لا يستحقه،ويوجهون له الإعلام، وويهيئون له البيعة، فهل يصح إعتبار عملهم هذا من الديمقراطية، حتى يشاركهم فيه أي رجل شريف، يحترم نفسه، ويحترم الديمقراطية ؟!

د. عمر القراي

 

آراء