الأحوال الصحية بمصر والسودان في أعوام 1908 و1909 و1914م

 


 

 



Egypt and the Sudan in 1908, 1909 and 1914
ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
 مقدمة: هذه ترجمة لمقتطفات مما نشرته المجلة الطبية البريطانية  BMJ  (والتي تعد من أعرق المجلات الطبية  في بريطانيا  والعالم، إذ ظلت تصدر أسبوعيا وبلا انقطاع منذ عام 1840م) في أعوام 1909 و1910 و1914م،  دون ذكر اسم الكاتب. وتتناول هذه المقالات الحالة الصحية لمصر والسودان معا في تلك السنوات، غير أن ما ذكر عن السودان فيها كان مختصرا جدا مقارنة بما ورد عن مصر. ولا عجب، إذ أن المشاكل الصحية والطبية (والانجازات الطبية أيضا) في مصر كانت تفوق مثيلاتها في السودان.
المترجم
*********   *******      **********
1908م
شهد عام 1908م، أي بعد مرور عقد من الزمان على إعادة احتلال السودان، اضطرابات أمنية في أوساط  رجال القبائل. وفي هذا دليل على أن العقيدة "المهدوية"  في نفوس أولئك الرجال لم تهمد تماما.  ولكن على الرغم من تلك الاضطرابات، والنقص في الأموال، إلا أن مظاهر الرفاهية في البلاد قد بدأت في الظهور. ورغم أنه لم يتم بعد عمل إحصاء دقيق لعدد سكان البلاد، إلا أنه يلاحظ ازدياد أعداد الأطفال الذين تبلغ أعمارهم عشر أعوام أو أقل، مقارنة بالأعداد القليلة لمن هم بين سن العاشرة والعشرين من الذكور والإناث.  وفي هذا تأكيد بأن الخصوبة في السودان عالية، وأنه عندما يسود السلم فإن بمقدور السكان تعويض كل ما أتلفته حروب السنوات القليلة الماضية.
ولم يشهد السودان حدوث أي وباء خطير وشامل في عام 1908م، خلا ما ورد في تقرير دكتور كريستوفرينسون من حدوث أوبئة محدودة، وفي أماكن بعينها لأمراض التهاب السحايا (السحائي) والتهاب الرئة و الجُدَرِيّ و الجُدَرِيّ الكاذب (البرجم) والدفتريا وحمى الضنك. وكانت هنالك حالات قليلة منعزلة من الكلازار والحمى المالطية وحمى بلاك ووتر (من عقابيل الملاريا). وعولجت بمستشفيات الخرطوم خمس حالات للكلازار. (وعبر سير إيلدون قرست عن عميق أسفه لموت النقيب كريك بهذا المرض).  وبعث أحد الأطباء لمديرية كسلا لبحث هذا المرض حيث ظهر في كسلا.
وبلغ عدد جميع من تلقوا العلاج بمستشفيات السودان في هذا العام  سبعة آلاف نسمة تقريبا. وهذا هو نفس العدد الذي تلقى العلاج في العام المنصرم. أما من تلقوا العلاج في العيادات الخارجية (دون تنويم في أسرة المستشفى)  فبلغ عددهم 121214 فردا.  (بزيادة 27000 مريضا عن العام السابق).  وكاد العمل في بناء مستشفى في أتبرا وبورتسودان يشارف على الانتهاء، وسيفتتح مستشفى الخرطوم في غضون هذا العام. وذكر دكتور كريستوفرينسون في تقريره أن كل المحاولات لتعيين ممرضات من النساء المحليات قد باءت بالفشل الذريع. غير أن السودانيين والعرب من الذكور أبدوا مهارة كعمال في المستشفى / مضمدين (hospital attendants).  
وأثبت نظام بيع دواء كوينين (لعلاج الملايا. المترجم) في مكاتب البريد فائدة عظيمة، ولقي تقديرا كبيرا من السكان، إذ أن نحو 6000 صندوقا من هذا الدواء قد بيع في خلال عام 1909م.     
1909م
افتتحت هذا العام ثلاثة مستشفيات جديدة في الخرطوم وأتبرا وبورتسودان. واكتملت مباني هذه المستشفيات إلا من بعض النواقص في بعض أقسام مستشفيي الخرطوم وأتبرا.
ووضع قسم (مصلحة) الطب تحت إدارة العقيد ماثيوس، كبير أطباء الجيش المصري. وعين دكتور كريستوفرينسون مديرا لمستشفى الخرطوم وأمدرمان المدني (الملكي).
وتواصلت الزيادة المضطردة في أعداد من تلقوا العلاج في العيادات الخارجية، فبلغ عددهم 140000 في عام 1909م (مقارنة بـ 121214 فردا في العام السابق)، بينما بقي عدد من أدخلوا المستشفيات على حاله (7000 مريضا بالتقريب).
وتم هذا العام تطعيم  41000 شخصا ضد مختلف الأمراض (في مقابل 19000 في العام المنصرم).  ولم تسجل هذا العام أي حالات وبائية  خطرة غير قليل من حالات الجدري.
وقدم النقيب أندرسون تقريرا عن مرض النوم بالجنوب بعد أن عاد من هناك عقب إجرائه لبحث  في منطقة الحدود بين بحر الغزال ولادو وتقديمه لمقترحات مفيدة حول السيطرة على انتشار المرض وضمان عدم دخوله لمناطق السودان الجنوبية  من تلك المنطقة الموبوءة.
وتم إجراء بحث عن الكلازار، ذلك المرض الغريب والمجهول السبب، والذي ظهر مؤخرا في منطقتي  كسلا والنيل الأبيض ( لهذا المرض تاريخ مثير، وبدأت البحوث فيه مع بداية الزحف الاستعماري على الهند ثم أفريقيا. وكان يظن في البدء بأنه نوع من أنواع الملاريا، إلى أن قام شارلس دونفاني بدراسة طفيل البروتوزوا (المسمية لايشمانيا). ومنها نوع يصيب الأحشاء وآخر يصيب الجلد. وعرف في السودان بمرض "الذبابة الرملية" والتي تنقله. يمكن معرفة المزيد من تاريخ هذا المرض في الموقع التالي:
http://www.who.int/global_health_his...ntation35a.pdf
أما في مجال العلم، فقد قدم دكتور بالفور مدير معامل ويلكم للبحوث  تقارير تفيد بأن عام 1909م كان عامرا بالنشاط البحثي رغم ضيق الامكانات وزيادة العلمي التشخيصي الروتيني في مجال علم الجراثيم.  ولعل هذا العام كان من أكثر السنوات نشاطا في كثير من النواحي البحثية.  وبالإضافة لذلك غادرت الخرطوم في نهاية العام  الماضي بعثة سيلقيمان الانثربولوجية  لدراسة النوبة في كردفان. وعلى الرغم من الصعوبات الاقتصادية والمالية التي تعاني منها البلاد، فقد تم التصديق لتك البعثة بزيادة عدد منتسبيها في عام 1910م.
1914م
في هذه السنة لم تسجل أي وبائيات خطيرة بالبلاد. وقل معدل انتشار الملاريا  ويعزى ذلك جزئيا إلى قلة الأمطار هذا العام، وجزئيا بسبب الإجراءات الاحترازية والوقائية التي قامت بها الحكومة لمنع انتشار المرض.
وما زال مرض النوم منتشرا في منطقة  نهر ياي، وامتد إلى منقلا  وغرب بحر الغزال.  ويوجد المرض أيضا في الكنغو  غربا وجنوب غرب منطقة طمبرة.
وعلى وجه الإجمال يمكن القول بأن صحة السكان جيدة، ما عدا في قليل من المناطق. إلا أن معدل وفيات الرضع ما زال مرتفعا.   
     

alibadreldin@hotmail.com

 

آراء