الأصل الأفريقي للحضارة : خرافـة أم حقيقـة ؟ (11) .. ترجمة / محمد السـيد علي

 


 

 



الفصل الثامن
الحجج التي تعارض زنجية منشأ الحضارة
-------------

إذا صنع السود الحضارة المصرية فكيف يمكننا تفسير تخلفهم اليوم ؟ إن ذلك السؤال قد لا يكون له معنى إذا لم  نسأل كذلك عن سبب بقاء الفلاحين والأقباط -  الذين يفترض أن يكونوا الأسلاف المباشرين للمصريين اليوم - في ذات المرحلة المتأخرة مثل السود ، إن لم يكونوا أكثر  . بالرغم من ذلك فإن هذا لا يعفينا من تفسير كيفية إنتقال حضارة مصر الفنية والعلمية والدينية إلى باقي أفريقيا متكيفة مع ظروف جديدة . لقد تطورت الدول في وقت مبكر جدا حول الوادي الأم ، مع أننا لا نستطيع تحديد التاريخ الصحيح لظهور تلك الدول . من خلال الهجرات المتتالية بمرور الزمن ، إخترق السود قلب القارة بشكل بطيء وطردوا الأقزام القاطنين هناك ، ثم قاموا بتأسيس دول إحتفظت بعلاقات مع الوادي الأم حتى جرى إخضاعه بواسطة الأجنبي . من الجنوب إلى الشمال كانت هناك بلاد النوبة ومصر ، من الشمال إلى الجنوب كانت بلاد النوبة وزيمبابوي ، من الشرق إلى الغرب كانت هناك بلاد النوبة ، غانا ، من الشرق إلى الجنوب الغربي كانت بلاد النوبة وتشاد ، الكونغو ، من الغرب إلى الشرق بلاد النوبة وإثيوبيا .


في إثيوبيا وبلاد النوبة وهو إقليم زنجي بالكامل لا نزال نجد غزارة في الآثار الحجرية مثل المسلات ، المعابد ، الأهرامات . لقد عثر على المعابد والأهرامات بشكل حصري في السودان المروي . لقد أكدنا سابقا على الدور الغالب  لذلك البلد في نشر الحضارة إلى أفريقيا السوداء ولا نريد أن نعود إلى هذا الموضوع . بالنسبة للعقلية المعاصرة فإن تعبير (إثيوبيا) يستدعي (أديس أبابا). هنا مرة أخرى علينا أن نشدد على الحقيقة التي مفادها أنه لم يعثر في هذه المنطقة على شيء سوى  مسلة واحدة وقاعدتي تمثال . إنّ حضارة (أكسوم) العاصمة القديمة لإثيوبيا هي في الواقع  كلمة أكثر من واقع تدعمه الآثار التاريخية . إنه في السودان المروي وسنار يتواجد (84) معبدا وهرما . لذا فقد جرى التلاعب بأسماء الأماكن لتقديم دليل على آسيوية المنشأ للحضارة الزنجية المصرية بشكل أكثر أو أقل وذلك عن طريق باب المندب .


في الواقع فإن علينا أن نعترض على مصطلحات كاملة مثل حاميين ، شرقي ، إثيوبي وحتى أفريقي في الكتابة التاريخية المعاصرة ، كون أن حسن التعبير يمكّن المرء من  أن يتحدث عن الحضارة الزنجية السودانية المصرية من دون إستخدام المصطلح (زنجي) أو (أسود) . في زيمبابوي التي يمكن إعتبارها إمتداد لأرض الإثيوبيين (الماكروبيين) مثلما ذكر هيرودتس ،  عثر على أطلال لآثار ومدن بنيت من الحجارة مع صقر يمثلها ومثلما كتب دي. بي. بيدرال (ص 116) فإن هذه الآثار (إمتدت على مساحة  نصف قطرها  يتراوح ما بين 100 – 200 ميل حول فيكتوريا) . يمعنى أخر فإن هذه المساحة تعادل في قطرها فرنسا تقريبا . في إقليم (غانا) تحدث بيدرال كذلك (ص 61) عن ( مدينة كوكيا التي يقول عنها بعض المؤرخون إنها كانت موجودة في عصر الفراعنة ) وقد أورد (لويس ديسبلاني) والذي قام بحفريات في تلك المنطقة آثارا عنها . نفس المؤلف ذكر أيضا موقع (كومبي) والذي قام بحفرياته الفرنسي (بونيه دي ميزيير) وأكتشف مدافن ذات أبعاد واسعة : توابيت صخرية ، أماكن تعدين ، أطلال أبراج ومبان مختلفة .


(( نستطيع أن نميز بوضوح حدود الشارع الذي كانت تحده المنازل بجدران يبلغ إرتفاعها أكثر من متر أو متر ونصف ، فيما تهاوت الأسقف . بعيد عنه هناك شريط من أرض منبسطة تفضي إلى ميدان عام مع جدران يبدو أنها كانت داعمة لأدوارا علوية . أحيانا تبدو المباني مصانة بشكل جيد بحيث تحتاج إلى قليل من الجهد لكي تصبح قابلة للسكن . إن حدود المباني لا تزال مرئية بسبب وجود الحجر المنحوت ، أما ما حولها فهي بقايا بسور منخفض وخارج المدافن هناك شظايا من الفخار في كل مكان ، حطام من النحاس الأحمر وعلى مسافة من هناك آثار لأماكن تعدين في سهل صخري أحمر . أما المباني الأخرى فهي معقدة . يتألف أحد هذه المباني من خمسة غرف بعمق أربعة متر مع صالات للتواصل مع مثالية البناء . بالنسبة للجدران فهي بسمك ثلاثون سنتمينر)) ييدرال ص 62 .


في منطقة بحيرة ديبو (في مالي ) عثر كذلك على إهرامات وهذه إعتبرت إستحكامات كما كان يتوقع . إنّ هذه هي الطريقة المعتادة في محاولات الإنتقاص من القيم الأفريقية . بالمقارنة فإن هناك نهج متناقض يتمثل في وصف الركام الطيني – الذي هو إستحكام حقيقي – في بلاد ما بين النهرين بأنه أكثر المعابد التي يتصورها العقل البشري كمالا . إن ذلك يمضي من دون القول بإن إعادة بنائها لا يعدو سوى أن يكون تفكيرا رغائبيا . على الجانب الأخر هنا مقاله (بيدرال) عن إهرامات السـودان :
(( هناك كتل هائلة من الطين والحجر في شكل إهرامات مبتورة مع قمة من الآجر والطوب الأحمر وكل هذه الإهرامات تعود إلى ذات السلسة الزمنية وقد بنيت لنفس الغرض . ترتفع الإهرامات إلى علو يتراوح بين 15 – 18 متر على قاعدة مربعة بمساحة 200 متر مربع . لقد نقّب (ديسبلاني) إحدى هذه الإستحكامات في موقع الوليجي عند ملتقى (عيسى بير) و (بارا عيسى) . في الوسط إكتشف غرفة جنائزية تتجه من الشرق إلى الغرب بطول (6) متر وعرض 2.5 متر . في الغرفة وعلى سرير رملي حول جرة كبيرة ، وجد (ديسبلاني) قطع فخارية عديدة ، هيكلين عظميين ، جواهر ، أسلحة ، سكاكين ، نصال سهام ، رؤوس رماح ، خرز ، لآلي ، أواني خزفية ، تماثيل صغيرة تمثل الحيوانات وأخيرا مثاقب وإبر عظمية . صنّعت اللآلي من عجينة زرقاء زجاجية مغطاة إما بطوق لولبي مبيّض اللون أو بطبقة خارجية مطلية ، تشبه في ذلك الزجاج المصري في عصر الإمبراطورية الوسطى (تل العمارنة) . تشير الأنية الفخارية إلى أنّ صناعة السيراميك كانت متقدمة كثيرا على تلك التي للسكان المعاصرين في تلك المنطقة . كذلك فإن العمل المعدني كان ممتازا ، كما يتضح ذلك من جواهر المعادن النفيسة وأحيانا المزينة )) - نفس المصدر ص 59 – 60  


لقد تولدت الحضارة في وادي النيل من تكيف الإنسان مع تلك البيئة المميزة . مثلما أكد القدماء والمصريون أنفسهم فإن الحضارة نشأت في بلاد النوبة . لقد تأكد ذلك بفضل معرفتنا من أن العناصر الأساسية للحضارة المصرية لم تكن موجودة في مصر السفلى ، آسيا ، أو أوروبا ولكن في بلاد النوبة وقلب أفريقيا وهي كذلك حيث جرى تصوير الحيوانات والنباتات في الكتابة الهيروغلوفية . لقد إعتاد المصريون على قياس إرتفاع مياه الفيضان يـ (مقياس النيل) ومنه إستنتجوا الناتج السنوي للمحاصيل من خلال العمليات الحسابية . أما بالنسبة للتقويم والفلك فقد تولدا من الحياة الزراعية المستقرة . إن التكيف مع المحيط الطبيعي أفضى إلى ظهور إجراءات صحية محددة مثل التحنيط (لتفادي وبائيات الطاعون الآتي من الدلتا) ، الصيام ، الحمية الغذائية ، الخ .. والذي أدى تدريجيا إلى ظهور الطب إلى حيز الوجود . إنّ تطور الحياة الإجتماعية والتبادلات إقتضت إبتكار وإستخدام الكتابة . لقد أدت الحياة المستقرة إلى تأسيس الملكية الخاصة وكامل القوانين الإخلاقية (الذي تلخصه الأسئلة المطروحة على الميت في محكمة أوزيريس ). لقد كان هذا القانون هو المقابل لعادات البدو اليورو – آسيويين الهمجيين والمولعون بالحرب .


نتيجة لتزايد عدد سكان الوادي بشكل مفرط وبسبب التقلبات الإجتماعية ، فإن زنوج النيل توغلوا إلى الأجزاء الداخلية من القارة ، حيث واجهوا ظروف طبيعية وجغرافية جديدة ، بحيث لم تعد الممارسات  المعروفة ، الآلآت ، التقنيات ، العلوم  التي كانت في السابق لا غنى عنها على ضفاف النيل ، مرغوبة بشكل حيوي على ساحل الأطلسي وعلى ضفاف نهري الكونغو والزامبيزي . لذا يصبح مفهوما  أن تختفي عوامل معينة من الثقافة الزنجية في وادي النيل في الأجزاء الداخلية من القارة ، بينما بقيت عوامل أخرى  - ليس أقلها العوامل الأساسية - حتى يومنا هذا . إن غياب ورق البردي في بعض المناطق  ساهم  في ندرة الكتابة في قلب القارة ، لكن وبالرغم من الإفادات الجادة التي تصب في عكس هذا الإتجاه ، إلا أن الكتابة لم تغب أبدا بشكل كلي عن القارة الأفريقية . في (ديوربيل) البلدة الرئيسية لـ (باول) في السـنغال وفي حي (ندونكا) بالقرب من السكة حديد ، غير بعيد من طريق دارو – موستي ، هناك شجرة أستوائية مغطاة بالكتابة الهيروغلوفية من جذعها حتى فروعها.  أتذكر أن تلك الكتابة كانت مؤلفة من علامات لأيدي وحوافر حيوانات – لم تعد كتلك التي للجمال في مصر – علامات لأقدام وأشياء أخرى . لقد كان أمرا مفيدا نقل تلك البصمات ودراستها ، غير أنني في ذلك الوقت لم أكن كبيرا بما يكفي أو متدربا بما فيه الكفاية للإهتمام بذلك . ربما كان يمكن للمرء أن يأخذ فكرة عن تلك الفترة -  قديما أو حديثا – والتي خلالها نقشت تلك الرموزعلى لحاء الشجرة وذلك بتحليل سماكة لحاء الشجرة ، طبيعة  تلك الرموز ، الأشياء التي جرى تمثيلها وتنحية تلك الرموز على إمتداد جذع الشجرة والأفرع بينما هي تنمو . يجب إعتبار هذه الأشجار مقدسة بحيث نادرا ما ينزع المرء لحاؤها لصنع الحبال وأضيف بأنها لم تكن نادرة في تلك البلاد .


بإختصار فإنه ومنذ أن أصبح باطن الأرض في أفريقيا السوداء سليما بشكل عملي ، فإننا كنّا نتوقع أن تخرج لنا الحفريات وثائق مكتوبة لا ترتقي إليها الشبهات ، على الرغم من المناخ والأمطار الغزيرة والتي هي أجواء غير مواتية لحفظ مثل هذه الوثائق المكتوبة . يحب الإشارة إلى أن هناك كتابة هيروغلوفية موثوق منها موجودة في الكاميرون . سوف يكون من المثير للإهتمام معرفة إن كانت قديمة كما يحتج بها . إنها تماما مثل ذات النوع الذي ينتمي للكتابة الهيروغلوفية المصرية . أخيرا وفي سيراليون هناك نوع من الكتابة مختلف عن كتابة البامون (الكاميرون) وهي كتابة الـ (فاي) وهي ذات مقاطع لفظية . وفقا للدكتور (جيفرس) فأن كتابة الـ (باسا) ذات أحرف متصلة ، أما كتابة الـ (نيسبيدي) فهي ذات أبجدية . بالتالي يمكننا القول بأن القارة السوداء لم تفقد حضارتها حتى القرن الخامس عشر . من جهته يورد (فوربينوس) التالي :


(( لم يقصرالبحارة الأوربيين الأوائل في نهاية العصور الوسطى في تدوين بعض الملاحظات اللافتة ، فحينما وصلوا خليج غينيا ورسوا في (فايدا) ، إندهش القباطنة بأن يجدوا شوارع جيدة التنظيم يحفها صفين من الأشجار لعدة فراسخ . إجتازوا لأيام الريف الذي كانت تغطيه حقول مهيبة ويسكنه رجال يرتدون ملابس مزخرفة وملونة نسجوها بأنفسهم . بعيدا إلى الجنوب حيث مملكة الكونغو وجدوا جموعا كبيرة تكتسي بالحرير والمخمل ، بجانب دولا كبيرة ذات تنظيم دقيق ، حكام أقوياء ، صناعات مزدهرة . كانوا متحضرين حتى النخاع . لقد كان لتلك الأحوال ما يماثلها تماما في بلاد الساحل الشرقي كموزمبيق مثلا . إن شهادات البحارة من القرن الخامس عشر إلى القرن الثامن عشر تقدم دليلا جازما على أن أفريقيا السوداء التي تمتد حتى جنوب المنطقة الصحراوية  ، كانت لا تزال في تمام نضارتها  وكامل روعتها من التجانس وذات حضارة جيدة التنظيم . لقد دمرالغزاة الأوربيين ذلك الإزدهار أثناء زحفهم . للأرض الجديدة إحتاجت أمريكا إلى العبيد الذي وفرتهم لها أفريقيا : بالمئات ، بالألأف وحمولات السفن المعبأة بالكامل بالعبيد !  بالرغم من ذلك فإن تجارة العبيد السود لم تكن أبدا تجارة مأمونة فقد إقتضت التبرير ، لذا فقد جعلوا من الزنجي نصف الحيوان سلعة تباع وتشترى . لذا فقد إبتدعت فكرة الفيتيشية أي الوثنية كرمز للديانة الأفريقية التي أبتدعت في أوروبا  . بالنسبة لي لم أشاهد أبدا في أي مكان في أفريقيا أناس يعبدون الأصنام . إن فكرة (الزنجي الهمجي) هو إبتداع أوروبي إزدهر وهيمن على أوروبا حتى بداية هذا القرن )) .


تتفق نصوص الرحالة البرتغاليين والتي أوردها (فوربينوس) مع نصوص المؤلفين العرب في القرن الرابع عشر والخامس عشر . إنّ تنظبم الدول الزنجية في القرنين الرابع عشر والخامس عشر التي أشار إليها (فوربينوس) والأبهة الملكية التي بدت هناك ، جرى وصفها من قبل مؤلف عربي زار إمبراطورية مالي في ذلك الوقت . هذه فقرة يورد فيها (إبن بطوطه) جلسات عامة عقدها (سليمان منسا) ملك (ماندينقو) . لقد زار المؤلف السودان في الفترة مابين 1352 – 1353 أثناء فة حرب المائة عام في أوروبا :


(( في أيام معينة يعقد السلطان جلسات عامة في ساحة القصر حيث توجد منصة تحت شجرة بثلاثة عتبات ويسمونها (بيمبي) وهي مفروشة بالحرير وعليها وسائد . فوق المنصة تنتصب مظلة وهي نوع من السرداق المصنوع من الحرير والذي يحيط به طائر ذهبي بحجم الصقر . يخرج السلطان من باب في ركن القصر ، حاملا معه قوسا في يده وجرابا للسهام في ظهره ، على رأسه يرتدي قلنسوة ذهبية مشدودة برباط ذهبي بحيث تبدو أطراف القلنسوة في شكل سكاكين . أما ملابسه المعتادة فهي رداء مخملي أحمر مصنوع من نسيج أوروبي يسمى (مطنفس) . يسبق قدوم السلطان موسيقيين الذين يحملون جيتارات ذهبية وفضية ذات وترين وخلفة (300) من العبيد المسلحين . يسير السلطان بشكل مترو ، متكلفا حركة بطيئة جدا وأحيانا يتوقف من وقت لأخر . عند وصول (البيمبي) يتوقف وينظر حول الجمع ثم يصعد بطريقة وقورة مثل صعود الخطيب منبر المسجد  . بينما يتخذ مقعده تبدأ الطبول ، الأبواق ، آلات النفخ في العزف . عندها يهرع  ثلاثة من العبيد إلى الخارج  لإستدعاء نائب السلطان والقادة العسكريين الذين يدخلون ويجلسون ، ثم يجلب جوادين بسرجين مع معزتين يجري إمساكهما درء للعين الشريرة . يقف دوغا على الباب فيما يظل الناس في الشوارع تحت الإشجار . إن الزنوج هم أكثرالناس خضوعا لملكهم والأكثر تذللا في سلوكهم أمامه . إنهم يقسمون بإسمه )) .


يخبرنا (إبن بطوطه) بأن (كانكان موسى) سلف السلطان (موسى)  أعطى أبا إسحاق الساحلي الذي بنى له جامعا في قاو حوالي (180) كلجم من الذهب. إن ذلك يعطينا فكرة عن ثراء تلك البلاد في الحقبة التي سبقت الإستعمار. هناك فقرة أخرى لإبن بطوطه تضع حدا للأسطورة التي مفادها أن الفوضى قد هيمنت على القارة السوداء قبل الإستعمار الأوروبي الذي جلب معه السلام ، الحرية ، الأمن ، الخ .. إن من بين ما أستحسنه إبن بطوطه من أفعال هؤلاء القوم ما أورده في التالي :
(( 1- يجد المرء هنا أقل أفعال للظلم حيث أنّ السود شعوبا  تمقت جميعها الظلم . إنّ السلطان لا يعفو أحدا مذنب بذلك الجرم . (2) يتمتع المرء بالأمان في جميع أنحاء البلاد. لم يكن هناك سبب يجعل التجار يخافون من قطاع الطرق واللصوص . (3) لا يصادر السود بضائع البيض (أي مواطني الشمال الأفريقي) الذين يموتون في بلاد السود حتى وإن كانت كنوزا ، بل يودعون بضاعته عند رجل من البيض ذو ثقة جتى يحضر أؤلئك الذين لهم حق في البضاعة بأنفسهم ويأخذونها )) .


في تلك الحقبة كيف كان السود  يتصرفون  في وجود البيض أو الأعراق التي تعتبر نفسها بيضاء ؟ لقد أجاب إبن بطوطه على هذا السؤال في النص الذي وصف فيه إستقبال قافلته في (والاتا) حيث إستقبله (فاربا حسين) ملك مالي :
(( لقد وقف تجارنا في حضوره وخاطبهم من خلال شخص ثالث ، مع أنهم كانوا يقفون قريبا منه . إن ذلك أظهر قليلا من التقدير إليهم . إن ذلك لم يسرني بل إمتعضت بمرارة كوني أجيء إلى بلد يظهر فيه سكانه سلوكا غير مهذبا  وإستخفافا بالبيض )) . من جهته رصد (ديلافوسي) الذي جرى إيراد تعليقه الهام عن إمبراطورية مالي سابقا ، أن (( قاو قد إستردت إستقلالها ما بين وفاة (كانكان موسى) وقدوم (سليمان منسا) وبعد حوالي قرن  بدأت إمبراطورية (ماندينقو) في الإنهيار تحت هجمات الـ (سونغاي) ، غير أنها إحتفظت بما يكفي من سلطة وهيبة فيما يخص سيادتها لدرجة التفاوض بالتساوي مع ملك البرتغال الذي كان يومها في قمة مجده )) .

بناء على ذلك فإن أباطرة أفريقيا السـوداء كانوا بعيدين عن أن يكونوا ملوكا ضعفاء ، يفاوضون رصفائهم الغربيين الأكثر قوة على أرضية متساوية . بناء على قوة الوثائق التي بحوزتنا فإننا نستطيع أن نمضي بعيدا ونشدد على أن الإمبراطوريات السودانية الجديدة قد سبقت الإمبراطوريات المقابلة لها  في أوروبا بقرون عديدة . من المرجح أن تكون إمبراطورية غانا قد تأسست في حوالي القرن الثالث بعد الميلاد وأستمرت حتى عام 1240م . كما نعلم فإن (شارلمان) هو مؤسس أول إمبراطورية غربية حيث جرى تتويجه في عام 800 م .  

msaidway@gmail.com
/////

 

آراء