الأمل في شباب السودان رغم مؤامرات حميدتي والبرهان 

 


 

 

لا أدري هل هناك خلل في التفكير الفردي والجماعي أم سوء تربية وتعليم لدى هؤلاء اللاوطنيين من السياسيين والعسكر وتجار الدين! نعم أجد في نفسي حيرة كبيرة في ان يقبل أي فرد في ان يتسبب بصورة مباشرة او غير مباشرة في قتل مواطنه الاخر او تعذيبه لأنه خالفه الرأي!!! خاصة وان هذه المخالفة سلمية!! ولكن هؤلاء "التعلمجية" في الديكتاتورية والتسلط ما هم الا افراد يحملون في دواخلهم بذور "الهتلرية" وقد وجدوا الفرصة لأسباب متعددة لنفث سمومهم وأمراضهم وإزاحة كل من يقف في طريقهم نحو السلطة والمال ولو بالقتل.


نعم، ينام هؤلاء "الهتلريون" الجدد ملء جفونهم بعد أن يعطوا الأوامر بالقتل والتعذيب والسجن لكل المتظاهرين وهم يعلمون أن المتظاهرين هم شباب الوطن وامل المستقبل. ينأمون وهم يعلمون بأن القتل لأولئك الشباب مستمر ومستعر منذ ثورة ديسمبر 2018 وأن عدد القتلى قارب المائة شهيد وأن عدد الجرحى والمعتقلين في السجون الرسمية والمختطفين في سجون غير رسمية فاق الالاف وأن تلك الاعداد في زيادة يوميا.


علم البرهان و حميدتي انهم يمكنهم شراء قدماء رموز الأحزاب والارزقية بالمناصب والمال ليضمنوا لهم حاضنة سياسية او على الأقل لإسكاتهم عن معارضتهم عملا بالقاعدة " أطعم الفم تستحي العين"، وعلموا أيضا انهم يمكنهم شراء رجالات الإدارة الاهلية وزعماء القبائل بل ومثقفيها بالمال والمناصب.  ولذلك ركزوا جهودهم على جانبين شراء السياسيين من أبناء تلك القبائل بالمدن الكبرى وشراء زعماء القبائل في شرق السودان وغربه فكان ان برزت أسماء مثل ترك في الشرق وجبريل ومناوي وحجر في الغرب وبرطم في الشمال والتوم هجو في الوسط.


من المؤكد ان الاحزاب الطائفية والعقائدية برجالاتها القدماء الذين اكل الدهر عليهم وشرب وكذلك اكل اغلبهم على كل موائد الحكم العسكري الشمولي ولم ينجحوا في الارتفاع عن التشاكس خلال فترات الحكومات المدنية القليلة، نعم من المؤكد ان تلك الاحزاب لن تتوحد في ما يمكن تسميته الاصطفاف الوطني السوداني لأنهم لم تنضج تجاربهم في ممارسة السلطة السياسية والتبادل السلمي للسلطة انها لن ترتفع الى مستوى التحدي الوطني والوضع الكارثي الذي قد يتاخر فيه مستقبل السودان ويضيع ان لم يتلاشى تماما، ويبقى الامل داخل هذه الأحزاب في اين ينتصر الشباب الثائر في فرض الديمقراطية داخل هذه الأحزاب وابعادها عن الولاء الطائفي والعقائدي القديم لزعيم او رئيس الحزب.

 ان تباعد المسافة بين الفترات التي كان زعماء الأحزاب الطائفية ورؤساء الأحزاب العقائدية يتمتعون بالولاء المطلق من تابعيهم ومؤيديهم وبين هذا الزمن الذي تسلح فيه الشباب بالعلم والمعرفة والوعي السياسي يقود لحتمية ايجاد شيء من الحرية والتشاورية داخل تلك الأحزاب مما يقود لتحديث تلك الأحزاب وتطويرها لتعود للمساهمة في تجديد الساحة السياسية ورفدها ببرامج سياسية تتناسب مع الوضع السياسي الداخلي وتتماشى مع الوضع العالمي.


ان هؤلاء الشباب أصبحت غالبيتهم ترفض الجهوية الضيقة والقبلية النتنة والحزبية العقيمة وارتفع الحس الوطني لديهم تمسكا بالوحدة الوطنية وكدليل بسيط هو ان من الشعارات الأساسية في مظاهرات الشباب هي " يا عسكري ومغرور كل الوطن دارفور".


هؤلاء الشباب هم في حالة تدافع وتسابق محموم فيما بينهم لإحداث الثورة ضد الحكم العسكري منذ شهر سبتمبر 2013م حيث استشهد ما لا يقل عن عدد 24 شاب بالرصاص الحي لحكومة المخلوع البشير، ومن ثم تواصل النضال والمقاومة الشبابية لنظام حكم الإنقاذ حتى وصل زخم الثورة ونجاحها في شهر ديسمبر 2018م واستطاع اعتصام الشباب امام القيادة العامة اجبار السلطات العسكرية على تنحية المخلوع البشير في 11 ابريل 2019م واستبداله بالفريق ابن عوف.


ان صمود الشباب ومقاومة المجلس العسكري سلميا قاد الى فرض رؤيتهم بضرورة ايجاد حكم مدني رغم انه قد تم فض اعتصام الشباب امام القيادة العامة في 3 يونيو 2019م وقتل العشرات وإختفاء المئات من المعتصمين واكتشاف جثث مئات أخرين بالمشارح . فجاءت الحكومة المدنية الأولى برئاسة دكتور عبد الله أدم حمدوك في شهر أغسطس 2019م، ثم حدثت كثير من التشاكسات بل المؤامرات من ارزقية بعض الأحزاب  والحركات المسلحة والسلطة العسكرية حتى تم حل الحكومة الأولى وتكوين حكومة مدنية ثانية برئاسة د. حمدوك في 8 فبراير 2021م؛ ثم بعدها قام البرهان بانقلاب عسكري وحل الحكومة المدنية في 25 أكتوبر 2021م.


مع ذلك؛ يزداد اصرار  الشباب في سلمية كاملة على ضرورة عودة الحكم المدني ورجوع العسكر للثكنات ولم ينقطعوا عن الإعلان عن رأيهم صراحة بكل الوسائل السلمية؛  ولكن العسكر بقيادة البرهان وحميدتي يرفضون تسليم الحكم؛  ويتعللون بأنهم لن يسلموا السلطة لحكومة مدنية دون قيام الانتخابات؛ في حين يعطلون كل ما من شأنه ان يقود لانتخابات واول ذلك الندوات السياسية؛ بل يقومون بالأسوأ اي  اعتقال وسجن وتعذيب وقتل الشباب المتظاهرين.


نجح  الشباب المقاوم بتنظيم أنفسهم في لجان مقاومة في مختلف القرى والمدن بل في كل أنحاء السودان واقاموا المتاريس والمظاهرات المليونية ونجحوا في ضم معظم الشعب السوداني

لصف المقاومة ضد العسكر والارزقية من سواقط الأحزاب السياسية والحركات المسلحة. فخرجت مظاهرات تضامنية مع الشباب من الأباء والامهات وخرجت مظاهرات المعلمين والقانونيون وحراس العدالة والكوادر الطبية وغيرها.


ان هؤلاء الشباب الموجودين في حالة تظاهرة ثورية مستمرة في الشوارع اليوم يتمتعون بانفتاح على العالم الخارجي ولا سيما عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويتمتعون بوعي سياسي وطموح كبير ولا يريدون فقط التأقلم مع الأوضاع الاقتصادية وتحسين أحوالهم على المستوى الفردي بل يريدون اصلاح شامل وتنمية اقتصادية واجتماعية ومن المؤكد ان لهم قدرات وطاقات ستمكنهم من النجاح في تحقيق احلامهم وإعادة بناء الوطن.


أنشد الشاعر المرحوم حميد

"يمة يا نفس الوصية .. الكل ما شرقت نعيدا

يانا يا شخب القضية .. الصافي في قدح القصيدة

مانا قنعانين تملي ..

من دواية الصبر نكتب فينا والإصرار يملي

تنعدم موية وضونا .. بيها نتيمم نصلي

الزمن ينقض وضونا .. تاني نتوضأ ونصلي

ونمشي فوق دربك نباصر ..

في الرمال والشوك نحاصر

بي شعاع بكرة المسافة .. سطوة الليل والعساكر

تنهزم ريح العوارض .. والمواريث التعوقك

ومن شقايا الحال تبقي .. وتقدح التاريخ بروقك".


wadrawda@hotmail.fr

 

آراء