الإخوان الجمهوريون: حركة إصلاحية في السودان (2 – 2).. ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي

 


 

 

 

The Republication Brothers: A Reformist Movement in the Sudan (2 -2)
Paul J. Magnarella بول جي. ماقناريلا
ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
تقدمة: هذا هو الجزء الثاني والأخير من ترجمة لغالب ما ورد في مقال الدكتور بول ماقناريلا عن حركة الإخوان الجمهوريين في السودان، كان قد نشر عام 1982م في العدد الثاني والسبعين من مجلة العالم الإسلامي (The Muslim World)، وهي من أقدم المجلات الأكاديمية المحكمة الصادرة من الغرب عن "العالم الإسلامي"، إذ أنها بدأت في الصدور عام 1911م.
وحصل الكاتب على درجة الدكتوراه في القانون من جامعة هارفارد، ثم عمل أستاذا للقانون بجامعة فلوريدا، ويعمل الآن – بحسب سيرته المبذولة في الشابكة العالمية - مديرا لدراسات السلام والعدالة في كلية وارن ويلسون بولاية نورث كارولاينا الأميركية. وسبق له العمل خبيرا في منظمة الأمم المتحدة في بعض مناطق النزاعات كيوغسلافيا.
ويدور المقال عن حركة الجمهوريين ومؤسسها. وللمزيد عن ذلك يمكن النظر في موقع "الفكرة الجمهورية" في الشابكة (الشبكة) العنكبوتية.
المترجم
************* ***********
النظام الجديد
سبقت لنا الإشارة إلى أن الإخوان الجمهوريين يرون اليهودية والمسيحية، والماركسية والرأسمالية في إطار ثنائي. ولديهم نفس النظرة للعلوم والثقافة. وبالنسبة إليهم فإن الرسالة الثانية من الإسلام تمثل موقفا وسطيا ممكنا بين فلسفتين متعارضتين بزعمها القدرة على نيل تأييد العقول العلمية المعاصرة من جانب، وإنقاذ البشرية من قبضة العلم العلماني من جانب آخر. ونوجز فيما يلي حججهم في ذلك.
لقد توقع الكثير من المسلمين بأن تشهد نهاية القرن الرابع عشر الهجري صحوة إسلامية عظيمة. غير أن هذا لم يكن ليحدث بالنظر إلى حالة التخلف الاجتماعي – الاقتصادي والعلمي التي يعيشها المسلمون. لذا ينبغي عليهم أولا أن يكونوا أكثر علمية وعقلانية. فهنالك اليوم الكثير من المفارقات الضخمة في مراحل تقدم عظيمة أحرزتها البشرية في مجالات العلوم والتكنلوجيا، وفي ذات الوقت بها تخلف شنيع في الاخلاقيات والسلوك البشري. ويزعم الإخوان الجمهوريون بأن البشرية في أشد الحاجة للرسالة الثانية من الإسلام، خاصة في هذا الزمان، إذ أن تلك الرسالة تمثل مرحلة الإسلام العلمية.
" لن يقبل الآن عالم اليوم بعقليته العصرية الناقدة الصورة التقليدية التي كان يقدم بها الإسلام قديما، كديانة متزمتة تعد نفسها فوق أي انتقاد. فالطريق إلى قلوب الأفراد هو الآن عبر عقولها. لذا فإن الفهم الشعبي للإسلام الذي ظل متداولا عبر قرون من ادعاءات "علماء الدين" وخطبهم الرنانة لم يعد مقنعا للعقل الحديث، وبذا لا علاقة لذلك الفهم البالي بهذا العصر".
ويؤمن الإخوان الجمهوريون كذلك بأن الدين يجب أن يتقدم، لا ليكون على وئام مع العلم، ولكن ليحرر البشر من عبودية العلم. ويجب أن يدفع الدين العلم ويعيده إلى حدوده، وبالتالي "يحرر الانسان من القيود التي كبلته إلى العلم والتقنية، ويغدو حُراً مرة أخرى، ويصير هو السيد، وليس مجرد ترس في العجلة. وإن كان للإسلام أن يغدو ايديلوجية حديثة قادرة على تحرير البشرية، فلا بد من استنباط قواعد جديدة مما ورد في القرآن والسنة.
ويزعم الإخوان الجمهوريون بأن الرسالة الثانية من الإسلام " تضبط وتقنن النظام الاقتصادي والاجتماعي بحسب أكثر الأفكار الديمقراطية والاشتراكية تقدما... وينبغي أن تُستقى تلك القوانين من القيم والتعاليم الأساسية المشتركة بين كل الثقافات الإنسانية والدينية".
"وبهذا الفهم، فالإسلام ليس "دينا" البتة كما يفهمه غالب الناس، بل هو طريقة حياة، ومقاربة شخصية للتعامل مع المشاكل النفسية بحسب ما جاء في الهدي النبوي ...".
ومن رأي الإخوان الجمهوريين أن أفضل نظام يصلح للسودان هو "دولة رئاسية فيدرالية" تمارس فيها "إدارة غير مركزية، ويطور فيها ويحافظ على اقتصاد اشتراكي تعاوني. وعلى الرغم من أن فكرتنا ليست فكرة بشرية علمانية (إذ أنها ترتبط بصورة مباشرة ومتعمدة بالأهداف الدينية)، إلا أنها أيضا ليست بفكرة دينية تقليدية، إذ أنها تميل لتجاهل التصنيفات والفروقات الدينية في الحياة السياسية والاجتماعية للمجتمع. إننا نعتبر الدين هو المبدأ التوجيهي الأساس والشرعي (للبشر)، ولكنا نترك كل فرد وما يختار لنفسه...".
ويبدو أن القواعد المفتاحية لذلك النظام الجديد هي العدالة الديمقراطية والاشتراكية الاقتصادية في المجتمع، والحق في الفردية individuality . وهذا الفردية، بحسب فهم الإخوان الجمهوريين هي في الواقع "المحور المركزي الذي يدور حوله الفهم الجديد للإسلام الذي تقدمة "الدعوة الإسلامية الجديدة". وفي هذه الناحية ورد أن الأستاذ محمود محمد طه كتب بما يفيد أن حضارتنا الحالية القائمة على الجماعية collectivism والكبر غير الشخصي impersonal bigness تفسح الطريق الآن أمام عصر الأشياء الأصغر – الفرد (أي رجل الشارع). فكل فرد هو حقيقةً غاية في ذاته، وليس وسيلة لأي غرض آخر. وهذا الفرد هو "إله في طور التكوين"، حتى وإن كان معتوها أو أبلها، وينبغي أن يمنح الفرصة الكاملة للتطور وبلوغ تلك المرحلة. (في هذه النقطة تفصيل يمكن الرجوع فيه إلى المصادر الأصلية. المترجم)
ويهدف النظام الجديد في نهاية المطاف ليؤسس لـ "الحرية الفردية المطلقة" التي تعني بأنه "يمكن للفرد أن يفكر كيفما شاء، وأن يقول ما يعتقده، وأن يعمل بما يقول، شريطة أن تكون نتائج قوله وفعله مفيدة لكل المخلوقات من بشر وغيرهم. وينبغي أن يجابه أي انتهاك لحرية الآخرين بالقوانين الدستورية التي يجب أن تواءم بنجاح بين "حاجة الفرد للحرية الشخصية المطلقة، وبين مطالب المجتمع بعدالة اجتماعية كاملة". ومن أجل الحصول على "حرية شخصية مطلقة"، ينبغي أن يتعلم المرء في البدء "الطريقة الفردية individual method" بتقليد طريق النبي محمد في الصلاة والعبادة. فقد كان النبي، وحده دون الآخرين، يمارس في حياته الخاصة الرسالة الثانية من الإسلام. وفي هذا جاء في صفحة 55 من كتاب "The Religion of Man":
"إن الفرق بين النبي المعصوم وأفراد أمته سببه الخصائص العقلية والروحية الأرفع التي تميز بها النبي، لأن الله قد اصطفاه على بني آدم وفضله على غيره من الأنبياء، ولأنه ألزم نفسه إلزاما تاما بعبادة الله وطاعته. ورغم ذلك فالنبي (صلى الله عليه وسلم) هو مثالنا وقدوتنا، وينبغي علينا أن نسعى قدر جهدنا لنرتفع للمستوى الذي بلغه".
ويقول الإخوان الجمهوريون بأن النبي في ممارساته التعبدية قد كرس كل ملكاته حتى صار داخله مع مرور الوقت متحدا مع ظاهره، وحاضره مع غيبه. وشرح لنا النبي كيف أن بإمكان شخص ذكي أن يستخدم الصلاة بحسبانها "جلسة علاج وتحليل نفسي" حتى تغرس فيه شخصية متزنة وناضجة ومنتجة".
وبعد أن يقلد المرء النبي بنجاح، ينبغي أن يجتهد المرء كي يبلغ حد أصالته الشخصية في تعبده لله، تلك التي تميزه عن كل بني البشر، إذ أن تقليد النبي هو مرحلة تحضيرية.
ويعد الإخوان الجمهوريون الصلاة الفردية، والدين بصورة عامة، نوعا من العلاج النفسي على المستويين الفردي والجماعي، كما ورد في صفحة 61 من كتاب "The Religion of Man":
"ينبغي أن يكون الدين هو "علم الذات"، أو فلنقل "علم النفس" الذي يحلل المشاكل ويشخصها ويعالج أمراضها ويسهل عملية التطوير الكامل للشخصية في أبعادها الخارجية والداخلية معا".
الخلاصة
يمكن للمرء أن يلاحظ العديد من أوجه الشبه بين أيديلوجية الإخوان الجمهوريين وأيدلوجية غيرهم من المصلحين الإسلاميين الآخرين. ومن أهم ملامح ذلك الشبه هو رفض تفسيرات العلماء التقليدية للقرآن، وهو ما أتى به أيضا من قبل عالم الشيعة "سيد أمير علي" في كتابه "روح الإسلام" (وربما عبد الكريم الجيلي صاحب "الإنسان الكامل". المترجم).
ومن نقاط التشابه أيضا الرأي في استدامة العذاب في النار، مثلما أتى به السير محمد إقبال (يرى الجمهوريون بأنه "حين يصبح العقاب سرمدياً يصبح انتقام نفس حاقدة". ويمكن في هذا الجانب أيضا مراجعة مقال عادل التل عن "النزعة المادية عند الشاعر محمد إقبال"، وأيضا رسالة ماجستير لأشرف عثمان محمد الحسن من جامعة الخرطوم بعنوان "الخطاب الجمهوري: دراسة في المعرفي والسياسي عند محمود محمد طه" في الشابكة العنكبوتية. المترجم).
غير أن الغرض من هذا المقال لم يكن لعرض أوجه التشابه (بين دعوة الجمهوريين ومن سبقهم. المترجم) أو لأي تحليل لتلك الدعوة، بل كان الغرض منه هو وصف الأفكار المركزية لمجموعة صغيرة على إحدى حافَات العالم الإسلامي الجغرافية. وبحسب ما ذكره دكتور النعيم فإن عدد أفراد "القاعدة الصلبة" من الإخوان والأخوات الجمهوريين لا يتعدى بضع مئات، غالبيتهم من الذين تلقوا تعليما عاليا. ولحركة الإخوان الجمهوريين نحو ألف من المتعاطفين. وليس لأفراد الحركة نشاط سياسي، ولكنهم يحظون بالاحترام عند كثير من الناس.
وعلى الرغم من أن أفكار الجمهوريين تعد غير تقليدية ومخالفة للمألوف، إلا أن معارضة خصومهم لهم ليست بسبب أفكارهم الدينية بقدر ما هي ضد آثارها السياسية والاقتصادية. وتعد الدعوة الإسلامية الجديدة السلطات الإسلامية المتخندِقة والمتحصنة بأفكارها المتوارثة سلطات عفا عليها الزمن ولا علاقة لها بزماننا الحالي. وتُعد "الرسالة الثانية من الإسلام" هجوما مباشرا على المؤسسة (الحاكمة).
خاتمة
منذ اختتام كتابة هذا المقال أتيحت لي فرصة قراءة عملين مهمين عن السودان، وأود أن أرشحهما للقراء:
Stevens, R.P. (1981). Sudan Republican Brothers and Islamic Reform. Journal of Arab Affairs, 1, 135 – 146.
Hall, A. and Ismail, B. A. (1981). Sisters under the Sun. London: Longman.
ويتناول كتاب هول وإسماعيل شؤون المرأة السودانية بصورة عامة، ولكنه يشير أيضا إلى الأخوات الجمهوريات بصورة مختصرة، ويذكر أنه من غير المألوف أن ترى النساء السودانيات يشاركن في العمل العام في المناطق الحضرية العامة.
جاء في ذلك الكتاب بصفحتي 24 و25 ما يلي:
" وأكثر مما يثير الدهشة هو منظر شابات سودانيات بسيطات المظهر، يرتدين ثيابا بيضاء ويمشين مترافقات مع بعضهن يجبن طرق العاصمة ويوزعن المنشورات ويدعين الناس لتأييد حركة الجمهوريين (الإصلاحية الإسلامية)، ويناقشون المارة ويحدثونهم عن أهداف الحركة أملا في كسبهم إلى صفوفها .... والأخوات الجمهوريات (كما يطلق عليهن) هن مسلمات ملتزمات بدينهن وبأفكار جماعتهن الداعية للمساواة السياسية والاقتصادية بحسب ما ورد في أدبيات الحركة وتعاليمها.... وكثير من هؤلاء الأخوات يعشن مع بعضهن حياة جماعية في بيت لمؤسس الجماعة، ويتبعن نظاما (روتينيا) صارما في العمل والنقاش والصلوات. وعلى الرغم من التركيز على تغيير المواقف تجاه النساء، فلا تزال عضوية النساء في الحركة قليلة، إذ لا تزيد عن مئتين أو نحو ذلك.

alibadreldin@hotmail.com
//////////////
/////////////

 

آراء