الإنقاذ تغسل نفسها في مغطس النميري … بقلم: صديق محيسى

 


 

صديق محيسي
14 June, 2009

 

s.meheasi@hotmail.com

  

  شيعت الخرطوم   يوم الأحد  الماضي الرئيس  الأسبق   للسودان جعفر محمد النميرى  الذي  وصل إلى السلطة عن طريق انقلاب عسكري في صبيحة الخامس  والعشرين  من مايو عام  1969 وكان بتلك الخطوة  يدشن الانقلاب العسكري الثاني بعد  انقلاب  السابع عشر من نوفمبر الذي قاده  كبار العسكريين  بقيادة الرئيس إبراهيم عبود  وأسقطته جماهير الشعب السوداني  في الثورة  الشعبية التى اندلعت  في الحادى والعشرين من اكتوبر1964 من القرن الماضي, جاء انقلاب النميرى  في أجواء عربية  تميزت  بفوران  قومي عربي  نتج  عن هزيمة  إسرائيل للجيوش العربية  مجتمعة  في حرب1967  التي أطلق عليها حرب الأيام  الستة,  ثم اشتداد  حركات التحرير في إنحاء القارة الإفريقية  سعيا  إلى الاستقلال الوطني .

 

 عربيا  ٌنظر إلي انقلاب النميري   بوصفة  رد  فعل عربي قوى علي  هزيمة  يونيو    ودعما ثوريا  لنظام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر,  وداخليا   اعتبر الانقلاب  ثورة على( الرجعية )  المتمثلة في الأحزاب  السياسية.  بينما   اعتبره  محللون  فاتورة  تدفعها  الأحزاب السياسية  الكبيرة  جزاء لحلها الحزب الشيوعي .

 

 في ذلك الأفق السياسي, ا فق الستينات من القرن الماضي  كان يطلق  على الحركات العسكرية  اسم ( الثورات)  إذا كانت يسارية  ترفع شعارات الاشتراكية واسم  الانقلابات إذا كانت يمينية  ذا ت صلة بالاستخبارات الأميركية , وضمن  أجواء الحرب الباردة  في ذلك الرمان  كان الاتحاد  السوفييتى  يتحرك لدعم  أية     أية حركة عسكرية  يشتم  فيها رائحة  اليسار ,  وبالمثل تفعل الولايات المتحدة  عندما يكون الانقلاب معاديا  للمعسكر المناوىء  لها .  

  

    وجد انقلاب  النميري  تأييدا واسعا من جبهة اليسار العريضة   المشكلة من  تيار من الشيوعيين ,  وحركات القوميين العرب, والناصريين  والبعثيين ,  بينما عارضته  أحزاب الأمة والاتحاد ى الديمقراطى  والإخوان المسلمون,  وتحت وطأة  وسيادة الافكارالاشتراكية  يومذاك , كنت احد  اقوي المؤيدين  للنظام الجديد  لكونه  يرفع شعارات  العدالة الاجتماعية, ويعد بنقل البلاد  من وهده  التخلف  إلي رحاب التنمية  التي ستعم  الريف  وتقضى على  تحالف الرأسمالية  والإقطاع  والإدارة الأهلية .  بهذا الفهم  سارع   اليساريون  والوسطيون   والأكاديميون, وأقسام  كبيرة  من جماهير الأحزاب  التقليدية  الى دعم  ( ثورة مايو الاشتراكية ) ووسط  هذا  التأييد  الواسع  غير المسبوق  كان الضابط  الشاب  جعفرالنميرى يخطف الأضواء  ببنيانه الرياضي المنسق ,  وزيه  العسكري    المرصع  بالنجوم  الصفراء  اللامعة , والأشرطة  والديباجات المحلاة بالخيوط  الذهبية,  يطوف  على الأرياف  فيخرج الآلاف  إلى استقباله  بالهتافات والزغاريد والأناشيد , تبنى النميري  شعارات  الحزب الشيوعي  فأطلق  ايادى ( الثورة ) لتؤمم   الشركات  والبنوك ,  و يصادرالأراضى  والمشاريع الزراعية  في شرق  وشمال السودان  ويلغى الإدارة الأهلية  إيذانا  بعصر اشتراكي   جديد قوامه  العمال والمزارعون  والجنود   والرأسمالية الوطنية    .

 

   في السادس والعشرين من مايو  كنت  مع رهط  من الصحافيين  المحليين  والعرب والأجانب  نحضر أول مؤتمر صحافي  لرئيس مجلس قيادة الثورة  في القصر الجمهوري ليعلن للعالم  هوية الثورة  وتوجهاتها,  ورأيت  الزعيم  الثوري الشاب يصد خدم  القصر عندما  دخلوا  علي الضيوف  يحملون  الأواني  الفضية  المليئة بحلاوة الماكنتوش  والجاتوه وعصير الليمونادة , ويطلب منهم  إن  يستبدلوا   كل هذا بالتمر والكركديه تعبيرا عن  شعبية وتواضع  وسودانية رجال الثورة  الجدد  الذين على رأسهم  هو,  وفى اليوم  الثاني  تناولت  الصحف هذه ( اللفتة  الثورية ) ذات( الدلالة  الاقتصادية العميقة ) وسارع  بعض الكتاب يعيدون إلى الأذهان  الصرف(  البذخي )  الذي كان يمارسه سيد القصر السابق !  غير  إن الأيام  في دورانها  فتحت  أبوا ب  القصر ذاته  لتدخل منه  باسطة  وجوتوهات  مدام خشاف  صانعة أشهر الحلويات  في الإسكندرية, وكانت طائرة الخطوط  الجوية السودانية  تحمل ما  لذ وطاب من  مصانع تلك السيدة  الارمنية  لتوضع في مائدة  الرئيس  وضيوفه  عدنان خاشقجى  وسليم عيسى  بباقة  زهراته  الحسان والذي منحه  النميري  الجواز السوداني .

  

 كانت تلك الحادثة   حادثة  الكركديه  والتمرهندى بداية طريق  طويل سار عليه النميري, طريق بدأ برفع الرايات الاشتراكية  ,   مرورا  بالوحدة العربية  ارتباطا  بالثورة المصرية  وزعيمها  التاريخي  جمال عبد الناصر, وانتهاء  بنكوص  عن كل  هذه  التوجهات  واختيار وجهة واحدة  هي الولايات المتحدة  الأميركية,  ومثلما طرد  خليفة  عبد الناصر أنور السادات الخبراء  السوفييت  من مصر  تأهبا  لتحالف  راسمالى  جديد   انقلب النميري علي كل ما هو  اشتراكي  مستبدلا  شعار  وحدة القوى  الثورية بالوحدة  الوطنية , وقاذفا  بالروبل  والويسكي  في أعماق  النيل  استعدادا  لتحويل جمهورية  السودان الديمقراطية  إلى إمارة السودان الإسلامية .

      هل يصنع الديكتاتور نفسه أم يصنعه  مستشاروه  والمقربون له  من الأزلام  وهل للديكتاتورية  جينيوم  تقود خريطته إلى جد  غير مرئي  في شجرة العائلة  أو القبيلة    هذا السؤالان  يلغى  احدهما   الأخر , حين نكتشف   إن  العلم  لم يثبت حتى ألان  إن الد بديكتاتور هو ميراث  بيولوجى  يتخلق  وفق معايير علمية  معينة , او  إن فيروسا   يصيب دورته الدموية   ليشيع فيها الاستبداد  , إذن  فأن الديكتاتورية هي  صفة مكتسبة  تنمو وتكبر في الوسط  الذي  يمارس  فيه الديكتاتور سلطته ,  بل إن الوسيلة التي استخدمها   للوصول إلى السلطة  نفسها  هي   بداية الحمى  , وقد  كان النميري  ابلغ تعبير لهذه الحالة  حين  أحاطه  سدنة  حكمه  بطوق  من  الأوهام ظن     نفسه  في خضمها  انه المبعوث الالهى لقيادة شعب  السودان في الطريق  الذي يريد    ثم   تطور الأمر  ليصبح  الرئيس الملهم , والمفكر الاسلامى , ورائد الكشافة الأول    لم يكن مستغربا  إن  يحدث هذا التماهى   العجيب بين  البشير  كصناعة انقلابية    علامتها السياسية المصحف, وبين سابقه  الراحل  الذي اختار  العلامة نفسها  في أيامه الأخيرة  ليضيف إلى المصحف  الجامع   الذي صار خطيبا فيه  كأمير للمؤمنين  بايعه معظم الذين  ساروا وراء جنازته اليوم,  هذا التماهى تجلى في انصع صوره  في الموكب المهيب  الذي أعده  رموز نظام  الإنقاذ  ومشى في مقدمته  رئيس النظام  وبالقرب منه  نائبه  الثاني علي عثمان  طه  الذي كان  رائدا لمجلس   شعب  الراحل المسجى بعلم السودان,  قد يقول قائلون وهم كثر هذه  الأيام  إن  تلك هي أخلاق الشعب السوداني يحتفي بموتاه  رؤساء كانوا  أو من عامة الشعب,  ولكن قائلون  آخرون يرون  إن ما جرى  هو محاولة  لتزييف  تاريخ هذا البلد  التعيس حين تبارى الخطباء  في تبجيل  زعيم   مستبد جعل شعبه  يبحث  عن  الطعام  في بيوت النمل,  تزييف  لسنوات كان السودان فيها  نهبا  للصوص المحليين والعالميين   إن الأكثر مدعاة  للدهشة  والتعجب  والعجب   هو تصريحات  المشير عبد الرحمن سوار الذهب التي نوردها هنا بنصها كما  نشرتها وكالات الإنباء   قال لأفض فوه

   "شيع الشعب السوداني هذا الصباح رئيسه المغوار البطل الرئيس الراحل المشير جعفر محمد نمير. هذه المواكب الهادرة التي خرجت لتشييع الرئيس البطل المشير جعفر محمد نمير تفعل ذلك وفاء لهذا الرئيس الذي قدم للسودان أعمال واسعة يشهد له بتا التاريخ."وأضاف إن البلاد فقدت أخلص رجالها.

 

واستطرد "هو الذي بني أو مهد لهذا الشعب ليسير في هذا المسار الطيب في هذه الأيام عندما يسير سيرا طيبا في مجال التنمية وذلك بدعوى الرئيس جعفر محمد نمير الذي وهب حياته لهذا الشعب فكان وفيا. ونحن اليوم كشعب سوداني واسع نوفي له بما قدم وندعو الله سبحانه وتعالى أن يتقبله بقبول حسن )

  

 يمثل المشير سوار الذهب  أسوأ وأعلي درجات النفاق  حين  يقول قوله هذا  ولا يرمش  له رمش  ولا تختلج له وجنة , وهو أول من غدر بالرئيس الراحل  حين  حنث   قسمه  له   من انه سيكون عينا ساهرة  لحماية الثورة  ضد  أعداء الشعب  المتربصين  بالوطن , وطفق المشير يسب  الجماهير الثائرة  حتى اخرحظة إلى إن أقنعه  صغار الضباط  بالجيش  بأن اللعبة قد انتهت , وان شمس مايو  بدأت في الأفول, ولا عاصم  اليوم  من إرادة الشعب  إلا  بالانصياع  لها,   وصار سوار الذهب رئيسا  للمجلس العسكري  الانتقالي  وسط ظروف  غاب  فيها وعى  جبهة الهيئات عن مؤامرات  الترابي   وجماعته الذين  خططوا   لان يكون سوار  الذهب  هو الحاكم الانتقالي لإبقاء  قوانين سبتمبر في مكانها , فأعلن سوار الذهب  بأن تلك ليست مهمة المجلس العسكري  وإنما  هي مهمة الحكومة الديمقراطية  المقبلة,  وكان  بذلك يفتح  الطريق  في المستقبل  لتمكين الجبهة الإسلامية  من البرلمان  حتى قامت بانقلابها  المعروف والذي كافأ  سوار الذهب بأن عينه رئيسا لمجلس أمناء منظمة الدعوة الإسلامية  تسيل الدولارات  إلى جيوبه  حتى  تفيض لتصل إلى دبي   حيث محطة  الشروق  المشرقة فى كتابه  ساعة الصفر  مذبحة الديمقراطية الثالثة فى السودان يصورالكاتب الصديق عبدالرحمن الامين  الرجل كالاتى (  كان فريق سوار الذهب  وحتى قبيل ساعات قليلة من ( انحياز ) الجيش  لصالح الشعبفى صبيحة 6 ابريل  يعانى  انفصاما  حادافى التخير مابين الاستمرار فى الولاء  للنميرى  من موقعه  كوزير دفاع  له , وما بين  شعب السودان  واصراره  علي التخلص  من جعفر النميرى ,  وليس ادل علىهذه الانفصامية  فى الولاء  من البرقية   الطويلة  التي بعث  بها  سوار الذهب لقائده  الاعلي فى واشنطن   يوم الجمعة  29  مارس   1985  فى نشرته  الرئيسية مساء اليوم  نفسه  ,  واذاع راديو ام درمان فقرات  منها,  المناسبة كانت يوم الشهداء, ابلغ وزير الدفاع  قائده  الاعلى مهنئا   بما  نصه  ( ان المؤامرات التى تدبر ضد  السودان  وشعبه  لن تنال من تصميمنا  وعزمنا  بمواصلة النضال  والتمسك  بالمبادىء   الى ان يتبوأ السودان  مكانه  الطبيعى  ويستمر وزير الدفاع  مبلغا رئيسة  الغائب  ببلاد العمة سام  فيما كانت شوارع  الخرطوم  تمر بالمظاهرات ضد  النميرى  وتطالب بسقوط  نظامه  (  ان المسيرة  سوف تستمر  وانتم فى طليعتها كقائد لها بمشيئة الله   اما المؤامرات الخفية  والعلنية ضد  السودان   فسوف تتصدى  لها  كافة الفصائل السودانية , وقوات الشعب المسلحة فى طليعتها  وحتىتستمر راية الحرية  عالي خفاقة  كدليل على  اصالة  الامة  السودانية وتاريخها  النضالى  الطويل,  ويختتم وزير الدفاع  برقيته  باعلان الولاء(  ان قوات الشعب المسلحة  سوف تبقى  فى مواقعها درعا  لثورة الشعب , وحامية  لمكاسبه , وسوف  تستمر فى التضحية بشهدائها  لكيما  ىيبقى السودان  متحدا , ومستقرا , وقويا   ولكيما تبقى  رايات السلام   ( لم  يقل الاسلام )  والامن والوحدة عالية خفاقة  ترفرف  فى سمائه  تحت قيادتكم المنتصرة بأذن  الله  )

  

 يستمد  سوارا لذهب  مشاعره الحزينة  تجاه رحيل النميري  من جو احتفالي  انتخابي  استغله  حزب المؤتمر الوطني  بتوظيف  حتى الموت  في  الدعاية الانتخابية , ولا يجد المرء غرابة  في إن طيور مايو  هي طيور يونيو  نفسها  تقع علي مائدة واحدة  حبها نضيد ,  وما يقبض  النفس  من الإنقاذيين  وتابعوهم  أمثال الدكتور إسماعيل حاج موسى  وزمرته المايوية   من مدمني الأنظمة الشمولية أنهم يحاولون  تزييف التاريخ   في وضح  النهار  ناسين  أو متناسين  إن هناك  دلائل  وبينات  عصية على التغيير,  مثل إن النميري  وهو يرحل  إلى رحاب  الديان الأعظم  كان قاتلا   سكيرا تضرجت الأرض  بدماء  كثيرين اسألها  بغير وجه  حق, فهو  حكم علي عبد الخالق  محجوب  سكرتير الحزب الشيوعي  بالإعدام  وزجاجة الويسكي  كانت تحت  الطاولة  التي يجلس عليها, واعدم  بلا شفقة  زملاؤه  في السلاح  وفي( الثورة)  فاروق حمد الله  هاشم العطا  بابكر النور,  وغيرهم  وهو الذي كان يتفوه  بكلمات يخجل اللسان من تردادها عندما مثل إمامه  الزعيم  الوطني  العمالي  الشفيع احمد  الشيخ   يستحم  في   دمائه  بحضور  معذبه  أبو القاسم  محمد إبراهيم  النائب المشارك  في نظام الإنقاذ  ألان,  كان  النميري يراجع  الإحكام عندما لا تكون إعداما , كأنه ينتشي  برؤية أعناق  ضحاياه  وهى  تحدث  جلبة  وشخشخة  في ظلام المشانق, تستمر سيرة ومسيرة النميري وهو بين يدي اعدل العادلين  وامكر الماكرين فنذّكر سماسرة  موته  بانه  دفن المئات  بعضهم موتي   وبعضهم  جرحى  في مقابر جماعية فى الحزام الاخض  وانه تحت ضغط  الاخوان المسلمين   وعلى راسهم زعيمهم حسن الترابى  اعدم    محمود  محمد طه وإخفى قبره  بعيدا  عن الاعين  , حملت جثمان الرجل  طائرة مروحية بليل دامس حيث جرى دفنه  فى مكان  ما  يعلمه   هو وجهاز مخابراته.

  

  يزداد  التماهى  العسكري السلطوي  الجبروتى بين  قائد مايو الراحل , وقائد يوليو الذي يرفض الرحيل  عند  الحديث  عن  صناعة الموت  التي يجيدها الاثنان,  ففي  ليلة  مباركة  أقدم الذي يرفض الرحيل  على إعدام  ثمانية وعشرون  ضابطا  في عمر الزهور  وترك أسرهم   يكيلون الرماد  على رؤوسهم  يوم العيد, لماذا  ارتكب هذه الجريمة, لان  ضحاياه  حاولوا  قلب نظام حكمه  الذي  أتى أصلا  بالانقلاب,  اى أنهم  حاولوا الأسلوب  نفسه  الذي أوصله  إلى السلطة , لقد   كان حريا بالقبول  والتبرير إذا  كان هؤلاء  الفتية  سعوا  سعيهم  هذا  ضد نظام أتى عن  طريق صناديق الاقتراع , إما  إن يعدموا رميا بالرصاص  لجريرة أنهم جربوا المجرب   فتلك والله  قمة المكابرة  لا يقوم  قومتها الأ من  به مس من روح  النميري.

  

 من وجه أخر للمسألة إن نظام الإنقاذ  بثنائيته ( الشتراء )  يجد راحة نفسية  في الاحتفاء عسكريا  بالراحل  قاصدا من  توظيف الجيش  وحمل النعش على طريقة حمل الإبطال التاريخيين  إسباغ  شرعية على انقلابه  على الشرعية الديمقراطية  عام  89,   اى انه يستخدم  عنصر الإيهام  في  إن الأنظمة العسكرية  حتى إذا طال أمدها  تصبح  جزءا  من  التاريخ الوطني  الناصع  للبلاد, وان ديكتاتورييها  يصبحون  إبطالا  وطنيين , وتلك رسالة  الهدف  منها غسل  نظام(  الإنقاذ )  وإدخاله  في الدورة الديمقراطية , واعتبار رئيسه  إذا  جاء اجله  أو  اجل اوكامبو  بطلا  وطنيا  يطوى الناس  صفحة  تاريخ انقلابه , ويدخلونه  من  زمر صانعي  الأمجاد  لشعب السودان .

    إن ماساتنا  في السودان  خصوصا  علي  صعيد  العامة  المصابة  بانفلونزا  الأمية السياسية,   هي  تقديسنا لمقولة اسمها  التسامح, فتعبير المسامح  كريم  ذلك الذي  حشيت به مناهج  التعليم  غير العلمية  أدمغة أجيال وأجيال , هو اكبر أسباب  تأخرنا  عن الأمم الأخرى ,  إذ كيف  نسامح  من تسبب في  خطف  السلطة بليل , واعدم وعذب وسجن مخا ليفه  في  الرأى ,  ومنح   حرية الاستبداد  لسدنته   وصادر الحقيقة  محتكرا إياها  على الإطلاق  بكونه  منبع الحكمة  الأزلية .  كيف  نسامح  اللص  المختلس  أموال الشعب  فتتحول المسامحة   هنا إلي تصريح  يشجع الآخرين علي تجريب حظهم, وكيف  نسامح  من يستورد  أدوية فاسدة  يقتل بها  الناس, كل هؤلاء في السودان  يخرجون  من السجن  ويقيمون  الاحتفالات  التي يصدح  فيها الفنانون  غناء حتى الصبح  وتطرقع الأصابع  ومن بينهم  الضحايا فوق رأس المجرم  كأنه بطل  مغوار,  أو مظلوما  لم يكن ليستحق  كل هذا,  تلك هي  علة العلل  التي  جعلت نظام الإنقاذ  ولصوصه  المنتشرون  في كل إنحاء  الأرض  يحتفلون بجثمان النميري مثلما يحتفلون بسد مروى .  

 

آراء