خَلُصنَا في مقالنا الماضي ( الأتحادي الأصل .. و جعلناكم أحاديث وأخرجناكم من هذه الأرض ) الى أن الحزب بعد الثورة وفي وسط أجواء الشحن و حالة الأستقطاب التي تعج بها الساحة السياسية في السودان ، آثر درءاً للمضار و طلبا للمنافع أن يبتعد عن صدارة المشهد العام من أجل تهيئة الأجواء لعضويته لترتيبات تخص البيت الداخلي ، تُمَهِد الطريق لإعادة أنتاج رؤى و منطلقات و أفكار جديدة تُعًضد مسيرة الحزب مستقبلاً . هذه الترتيبات فرضتها الابتلاءات المتعاظمة التي ظل يواجها الحزب من خصومه السياسيين ، ولذلك وجدناه سريعا يبدأ مرحلة مراجعاته الذاتية بعد سقوط النظام ونجاح الثورة بإعلانه الأبتعاد و عدم المشاركة في السلطة على أي مستوى من مستويات الحكم في الدولة . بعدها حاول الحزب القيام ببعض التغييرات الفوقية التي طالت مؤسسة الرئاسة ، ثم قام معها بسحب كل الوجوه التي كانت تمثل تيار المشاركة مع النظام ، وبدأ بالدفع بالكثير من الوجوه التي كانت تمثل تيار الممانعة ، و كان آخر المطاف توقيعه لأتفاق الشراكة السياسية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال فصيل عبدالعزيز الحلو . هذه الأنكفاءة التي يمر بها الحزب اليوم قد يراها البعض خصماً عليه و على الوطن ككل خصوصا أن وجوده أمرا يَعِدُه كثير من المراقبين و المحللين السياسيين في غاية الأهمية بمكان في ساحة سياسية تضج بجماعات الهوس الديني و اليمين الإسلامي المتطرف من جهة ، و غلاة العلمانيين و أحزاب اليسار المتشدد من جهة أخرى ، وذلك بحكم المنهج الوسطي الذي عُرِفَ به الحزب و الذي دفع البعض لِيُصبِغَ عليه سابقاُ وصف الكيان الجامع الذي يمثل دوماً صمام الأمان لهذا الوطن . لكنني و في مقابل ذلك الطرح نعتقد الأمر في غير هذا ... حيث نرى أن الحزب وبسبب تبعات مشاركته السياسية السالبة لنظام الإنقاذ ربما يكون في حوجة ماسة اليوم لهذه الأنكفاءة الذاتية ، أو دعنا نُطلِق عليها حالة الكمون أو البيات الفصلي الموسمي الطويل ، لقناعتنا الراسخة بأن المناخ السياسي المتشدد الذي تولد بعد الثورة لن يساعده أبدا للعب أي أدوار سياسية أو تقديم أي رؤى توافقية بين مختلف المكونات المتصارعة ايدلوجيا في الوقت الحالي . لقد ورث الحزب منذ تاريخ تأسيسه و مروراً بمرحلة توحيده على يد الفريق محمد نجيب عام 1952م و حتى يومنا هذا ، ورغم وطنية رموزه التي لا يستطيع أن يُزايِد عليها أحد ، ورث أسوأ ما يمكنه أن يرثه أي سياسي ممارس للسياسة في أصلها التاريخي أو التقليدي و بُعدِهَا العصري، ونقصد هنا بذرة الأنا و روح الرياسة المتأصلة في معظم قياداته . فتجدهم تارة يتطاحنون فيما بينهم حبا للقيادة و للمطامع و المظاهر أو استئسادًا برأي الفرد على رأي الجماعة الى درجة قد تتطور الى أتخاذ القرار بالانشقاق عن المؤسسة ككل ، و تارة أخرى تجدهم وقد أنغمسوا في المعتركات السياسية التي تخص الشأن العام الوطني ، متناسين أبسط واجباتهم الحزبية التي تخص عملية البناء التنظيمي و ترتيب الشأن الداخلي و فاعلية الانفتاح على القواعد . هذا ما يمكن أن تتلمسه كعنصر مشترك بين مختلف الفصائل و التيارات الأتحادية . أما فيما يخص الحزب الأتحادي الديمقراطي الأصل بزعامة مولانا السيد محمد عثمان الميرغني ، فكان التبرير لعملية تعويق البناء المؤسسي للحزب وعدم قيام المؤتمر العام في فترة ما ، هو الأعباء الوطنية التي كان يضطلع بها رئيس الحزب في قيادة التجمع الوطني الديمقراطي ، والمعنى المقصود هنا أن هم الوطن مقدم على هم الحزب . ثم في فترة لاحقة وبعد أتفاق القاهرة و عودة القيادات للداخل من منفاها الخارجي ، كان التذرع بمشاكل التمويل ومحاربة النظام لكل رأسمالية الحزب التي كانت تدعمه في السابق هو العنوان الرئيسي لتعطيل الأمر ، حتى جاءت أخيرا مشاركة الحزب للأنقاذ فتبخر الأمل نهائياً . ولذلك فأننا نرى أن قابلية تغيير هذا المشهد المعكوس مع أمكانية عودة الحزب بقوة لدوره الطليعي الذي كان عليه ، يبقى مرهوناً في الأخير بقيام مؤتمرات قاعدية يتم فيها التواصل مع جماهير الحزب و تنشيطها و بث دماء جديدة منها في كل هياكل الحزب ( القيادية و القاعدية ) على حد سواء خصوصا من الشباب الثوري المثقف و المتعلم و المسلح بروح التضحية و العمل بتجرد لما فيه خير و عافية الكيان و الوطن . نقول الشباب الثوري تحديدا لأنهم هم الذين قدموا للعالم أجمع أعظم ثورة في العصر الحديث و أنبل نماذج التضحية و نكران الذات التي وصلت الى حد تقديم الروح رخيصة لصالح إنهاء عهد الاستبداد و الظلم و الطغيان تمهيدا للدخول في بداية جديدة في مشروع البناء و التغيير الوطني . وتبقى مهمة الحزب أمام هؤلاء الشباب كمؤسسة سياسية عريقة كان يُطلَق عليها في يوم ما ( حزب المثقفين السودانيين ) تقتصر فقط على دورين : (أ ) ضبط نظام الجماعة الداخلي وتجويده و توضيح شكل الهيكل الإداري التصاعدي ما بين القمة و القاعدة بشكل جلي و غير مشوش ، يوثق روح الأنتماء و المولاة للكيان ، و يبسط الشورى بين أعضاءه ، فيقيموا على هذا البنيان المرصوص سلطاناً يجمع قوتهم ، و يصوبها لصالح ديناميكية الحزب و تفاعله الأيجابي مع الآخر في الخارج . (ب) توفير البيئة الحزبية و السياسية الجاذبة لهم و التي تعتمد على تقوية قنوات الشراكة الثقافية و الفكرية بما يحقق تغذية رؤى العقل الجمعي الحزبي بتلاقح الأفكار و التداول و التشاور في الآراء على أوسع نطاق ممكن خدمة لعملية التجديد الفكري للبرنامج الحزبي بما يتوافق و يتلاءم مع متغيرات العصر . وحتى تترسخ و تتثبت هذه العلاقة الحديثة ما بين هؤلاء الشباب ( المنتسب حديثا للكيان ) و مؤسسة الحزب ممثلة في قيادتها ، يبقى على القائمين على أمره تجهيز إجابات وافية و كافية للعديد من المواقف و الشٌبُهَات التي حامت حول هذا الحزب و وزعها خصومه إعلاميا بكثافة طوال العقود الثلاثة الماضية من عمر نظام الإنقاذ الى فترة ما بعد الثورة ، فصارت مثل المسلمات و الثوابت تلوكها الألسن و تُردد و تُقال كسورة الفاتحة كلما جاء الحديث عن الحزب. فصانع القرار الحزبي سوف يحتاج في هذه المرحلة الى إزالة الغشاوة عن أي أمور ملتبسة تحوم حول فكر الحزب و أساليب نشاطه السياسي من أجل خلق علاقة صحيحة و متينة مستقبلية بين رأس الهرم وأسفل قاعدته تعينه في الأخير على خوض غمار التنافس السياسي الديمقراطي القادم بفاعلية و قوة دفع جديدة . نذكر على سبيل المثال وليس الحصر من هذه المواقف أو الشبهات : الأسباب و الدوافع التي دعت الحزب للمشاركة في سلطة نظام الإنقاذ ؟ علاقة الطريقة الختمية بالحزب ، وهل هو فعلا حزب الختمية فقط ؟ علاقة رئيس الحزب بقيادات و كوادر الكيان .. هل هي علاقة تنبني على أسس سياسية بحتة أم هي علاقة شيخ الطريقة بحواريه ؟ فيما يخص مشاركة الحزب مع نظام الإنقاذ فقد ذكرنا في المقال الماضي أن نائب رئيس الحزب خرج بشجاعة هو و بروفيسور البخاري الجعلي و د. علي السيد كأكبر رموز تمثل تيار الممانعة داخل الحزب و في جو مليء و مشحون بالكراهية السياسية للحزب ، خرجوا معتذرين للشعب السوداني عن هذه الخطوة السياسية التي جانبها الكثير من الصواب . هذا كان ما يخص الخارج ... أما بخصوص الداخل الحزبي فقضية المشاركة ظلت ومازالت تُعمل تفرقا و تشظيا بين عضوية الحزب ، و تخلق الكثير من الجدل الحاد و التشققات و التيارات المتناحرة والتي لم تستطع قيادة الحزب حتى اليوم لملمة أطرافها و جراحها و إعادة ترابط أفرادها تمهيدا لغلق هذا الملف نهائياً . هذا الأمر وإن كنا نعزيه لاعتداد الأتحاديين بتاريخ حزبهم النضالي والذي أهلهم ليكونوا عماد و أساس كل التكتلات المعارضة للأنظمة الديكتاتورية التي تعاقبت على حكم السودان ، إلا أننا نرى في الأخير أن السبب الرئيسي لتطور و أستفحال هذا المشكل يعود في الأساس لغياب أي حوار أو نقاش علمي تصحيحي داخل أروقة الحزب ، يُعيد تقييم هذه التجربة الحزبية ، يدرس أسبابها و تبعاتها ، و يقدم مراجعات نقدية عميقة لها دون أمر تحاشي مواجهتها أو القفز عليها أو محاولة دفنها كما تدفن النفايات النووية . لقد مر حزب الأمة القومي بأزمة مشابهة عندما ساعد في الأنقلاب على النظام الديمقراطي الأول ، ولكنه جاء وعاد رغم ذلك بقوة في الفترة الديمقراطية الثانية بعد سقوط نظام الفريق عبود كحزب حاكم وكأن شيئا لم يكن ! و أشترك الحزب الشيوعي في انقلابي نميري و هاشم العطا ، فقام بعمل مراجعات نقدية قاسية لهذه التجربة ، ثم عاد بعدها بعنفوان أكبر في فترة الديمقراطية الثالثة . وعليه فإن على قيادة وعضوية الحزب ( وكما ذكرت أعلاه ) أن تكسر هذا الحاجز النفسي الذي ضربه حولها خصوم الحزب فيما يختص بهذه التجربة عبر وضعها في إطارها الصحيح و إخضاعها للمناقشة العامة الداخلية . نقاشا يكون منهجيا و علميا يشمل أكبر قدر ممكن من الأعضاء ، يسمو فوق التشخيص ويعلو فوق التسطيح ، ويعيد تقييمها و يُخضعها للنقد و المراجعة ، ومن ثم يعتبرها نقطة انطلاقة جديدة للظهور بشكل مختلف في فترة الديمقراطية القادمة أن شاء الله . هذا فيما يخص التهمة أو الشبهة الأولى ، أما إذا جئنا لتناول الشبهة الثانية و التي تتحدث عن العلاقة الملتبسة لدى الكثيرين ما بين الطريقة الختمية والحزب ، فلربما لا يعلم الكثيرون أن مشايخنا و إخواننا في هذه الطريقة هم أكثر من تضرر من هذا اللبس وهذه الفرية التي ظلت تظلم معظم المنتسبين لها . فأتباع هذه الطريقة كغيرهم من أتباع أي طريقة صوفية أخرى تواثقوا و توافقوا فيما بينهم لمبايعة راعي و شيخ الطريقة الختمية على السمع و الطاعة في المنشط و المكره ، و النفقة في العسر و اليسر ، فصاروا أكثر وفاءًا و إلتصاقا بمولانا السيد محمد عثمان الميرغني ، وحفظوا بذلك للحزب بعده الجماهيري ، رغم الضربات المتتالية التي كالها نظام الأنقاذ للحزب و الطريقة من أجل تمزيقها و إبعادها وفصلها عن الحزب . فبينما كان ينظر ختمية الحزب الأتحادي الديمقراطي بثقافة المنهج الصوفي على خلاف غيرهم من ساسة الحزب ( غير المتصوفة ) بأن الخلاف السياسي لا يجب أن يقود للصراع و الأحتراب و الانشقاق ، و أنما هي سنة الله في خلقه يكون الأختلاف و التعدد في الرأي مصدر قوة و منعة و يجب أن يتم في سلام لا تُنتَهكُ بِه وحدة الكيان و رابطة الجماعة المسلمة الموحدة ، أعتقد البعض أن الطريقة استحوذت على كل مقاليد الحزب واختطفته و سيرته لصالحها . هذا الوفاء و الإخلاص لرئيس الحزب من قبل أتباع الطريقة الختمية أخرجه البعض من منبته ، وفُهِمه الكثيرون في غير سِياقَه ، و وُظِفَ من الخصوم في غير مَكَانِه للهجوم على الحزب و وصمه بأنه حزب الختمية فقط . بداية يجب أن نذكر بأن الحزب الأتحادي الديمقراطي ظل الحزب المحبب لأهل المنهج الصوفي سواء للطريقة الختمية أو غيرها من الطرق الصوفية مثل القادرية أو السمانية أو الأحمدية . وكان هذا الأمر مدعاة ليكون الحزب نفسه صمام الأمان الذي يحفظ لهذا الوطن هويته و قيمه المتعددة على أختلاف مكوناته الدينية و العرقية و الثقافية و التي أكتسبها من المنهج الصوفي الذي عُرف بين السودانيين بثقافة التسامح و قبول الآخر . لذلك وجدنا أن نظام الإنقاذ طوال مسيرته في الحكم حاول كثيرا أن يعبث في هذا المضمار حيث نشط أعلامه في شيطنة رئيس الحزب و ترويج دعاية أنه سعى لختمنة الحزب ، في محاولة بائسة منه لدق أسفين عميق بين الطريقة الختمية و بقية الطرق الصوفية الأخرى الداعمة للحزب . وقام أيضا بتقزيم الأدوار الوطنية التي يمكن أن تلعبها هذه الطرق الصوفية بنفس السياسة الذي قام بها تجاه الإدارات الأهلية أمام المجتمع ،و سعي لتحجيم دورها السياسي و جعل أرتباطها بالدولة محصوراً في أنشطتها في الخلاوي و بيروقراطية المجالس الحكومية ( المجمع الصوفي العام ) . ثم في فترة لاحقة بدأ في الضغط و إستمالة شيوخ هذه الطرق و مريديها للأنضمام لحزب المؤتمر الوطني ، و دعم رئيسه الطاغية و نظامه الأستبدادي المجرم و توفير قاعدة شعبية كاذبة له أمام الشعب من مريدي هذه الطرق الصوفية . أعتقد أن على الحزب مسؤولية وطنية تتمثل في بذل مجهود جبار من أجل إعادة التواصل و التلاحم ما بين الطريقة الختمية وبقية الطرق الصوفية الأخرى على اختلاف مسمياتها ، والذهاب لأكثر من ذلك عبر الأنفتاح على بقية المذاهب و الأديان خصوصا الأخوة الأقباط الذين كان الحزب الأتحادي الديمقراطي حزبهم الأول . هذا الأتجاه ليس القصد منه الكسب السياسي الرخيص ، وإنما ليكون الحزب هو البوتقة التي تتلاحم ويتوحد فيها أهل المنهج الصوفي المعتدل لمواجهة أحزاب اليمين المتطرف خصوصا حزب المؤتمر الوطني ، والذي ظل منذ نجاح الثورة يستخدم جماعات الهوس الديني ضد خصومه السياسيين من أحزاب اليسار في معادلة سياسية عبثية تفتقر للحس الوطني و قد تقود كل البلاد للفتنة و الفوضى و إشاعة التطرف . وأما فيما يخص الشبهة الأخيرة والتي تدور حول علاقة رئيس الحزب بقيادات و كوادر الكيان .. هل هي علاقة تنبني على أسس سياسية بحتة أم هي علاقة الشيخ بحواريه ؟ فربما الأنفتاح السياسي الذي بدأه السيد جعفر الميرغني نائب رئيس الحزب على مختلف الأحزاب و القطاعات المجتمعية يعالج هذه الفرية تدريجيا ، رغم أنني أراها تحديدا فرية و إن ألصقت بالحزب زورا و بهتاناً من أجل تشويه صورته و تنفير المثقفين عنه خصوصا من يتبنون خط الحداثة و يحاربون أي مظاهر تقليدية ، إلا أنها و إن افترضنا جدلاً أنها تهمة صحيحة فمعنى ذلك أننا سوف نكون نحن و جميع الأحزاب السياسية التاريخية فيها تحديدا في الهم شرق ! فظاهرة ( القائد السياسي الحزبي الأوحد ) و الذي يتمترس فوق سدة رئاسة الحزب لسنوات طويلة و تتجمع حوله القيادات محبة و وفاءًا و إخلاصا ، تماما كحالة الشيخ بين حواريه ، هي في الأساس ظاهرة سودانية عاطفية شائعة و مترسخة في كل الأحزاب السودانية التاريخية على أختلاف نمط و شكلية ممارستها بين حزب و آخر ، وليست محصورة فقط في الحزب الأتحادي الديمقراطي الأصل عبر علاقة مولانا السيد محمد عثمان الميرغني بقيادات حزبه . فرمزية السيد الصادق المهدي بين أتباعه في حزب الأمة القومي جلية و واضحة وضوح الشمس نهاراً في كبد السماء ، و رمزية الراحل شيخ حسن عبدالله الترابي أيضا بين أتباعه من قيادات الحركة الإسلامية ، و كذلك الحال نجد الأمر في حزب الإخوان الجمهوريين وعلاقة أتباعه بزعيمهم الشهيد محمود محمد طه ، والحزب الشيوعي السوداني و رمزية الراحلان أ.محمد أبراهيم نقد و أ. التجاني الطيب وسط منتسبي وقيادات الحزب ، وفي حالة هذا الحزب تحديدا كانت العلاقة فيها تجاوزت فكرة الزعائمية السياسية لتتحول في مرحلة متأخرة قبل رحيلهما عن الدنيا الى علاقة أبوية . إن الحزب الراشد يبقى المدى المباشر لهمومه دائرة الوطن ، لكن العالم اليوم الذي أصبح موصولاً بوسائل التراسل و التسامع و الترائي و التناقل الكثيفة و يموج بالأحداث ، فيجبره أن يكون معنيا أيضا بما يدور في الخارج ، فَيُقَوِم سياساته مع الدول و الأحزاب في الدول المجاورة بالشكل الذي يطور أساليبه و يخدم قضايا الوطن و رفاهية شعبه ، ويبقى لكوادره السهم الأكبر في تسيير هذا التواصل و التصاهر . كما أن الحزب الراشد هو المؤسسة التي تنجح في تجميع قاعدتها لخدمة قضاياها ، و تُوَحِد أفرادها و تستخدمهم بالشكل الأمثل ولا تطمس ذواتهم المستقلة المسؤولة ، موسعة فيما بينهم مساحة الشورى و تداول الآراء و المشاركة الفاعلة في صناعة القرار ، لتخلق من كل هذا سياسة راشدة محمية بقوة التأييد القاعدي لها . هذا ما نطمح له و نسعى إليه مع الكثيرين من المناضلين ليل نهار إصلاحاً و نصحاً في الحزب الأتحادي الديمقراطي الأصل ، ونسأل الله التوفيق في ذلك .