الاخطاء القاتلة (عواقب التلاعب بالدولة وامنها)!!

 


 

 

abdullahaliabdullah1424@gmail.com

بسم الله الرحمن الرحيم
يستمر القتال بين الجيش والجنجويد دون افق للحل، ويزداد الوضع تدهورا وتازما وغموضا. وغالبا ذلك يعود الي ان القتال لا يقوم علي اسس وقضايا، بقدر ما يتمحور حول الاطماع والمخاوف. والحال كذلك، ما يمنح الحرب وقود الاستمرار ويزيدها اشتعالا، اعتمادها علي الرغبات دون وضع اعتبار للقدرات. وتاليا دون اكتراث لانعكاساتها الانسانية في المدي القصير، وكارثيتها علي البلاد في المدي الطويل. ويصح هذه السمة (احلال الرغبة محل الواقعية) علامة بارزة في المسيرة السياسية والعسكرية منذ الاستقلال، اضافة الي انها تتسبب في مقتل الثورات باستمرار. ولكن الفارق ان اطراف هذه الحرب يملكون السلاح ويعتبرونه اساس الحكم والسيطرة علي البلاد واستباحة مواردها ومصادرة حقوق شعبها، بما تهوي مكافلليتهم.
وهذا البون الشاسع بين الرغبات والقدرات، ومن ثمَّ المعاندة في الاستجابة للظروف الحاكمة، يجد تعبيراته في حالة العجز الراهنة التي تحكم المشهد وتجتاح الجميع، من المتقاتلين للسياسيين للمجتمع المدني وصولا للمجتمع الدولي. وهو ما يجعل الوضع برمته رهن المجهول والصدف والمفاجآت، كانكسار احد الاطراف المتقاتلة (بصفة خاصة الجيش) وتداعيات ذلك الكارثية (لانه ليس للمليشيات الاجرامية الارتزاقية الهمجية، تصور لادارة الدولة، لانها ببساطة معادية لتكوين الدولة). او احتمال الوصول لاتفاق هش برعاية دولية. اما حكاية حدوث توافق او اجماع سياسي داخلي، يعمل من اجل الضغط لايقاف الحرب والوصول لاتفاق سياسي، يسمح باستئناف الفترة الانتقالية. رغم انه المطلوب الا انه يندرج في خانة الرغبات الطفولية السالفة الذكر! ودلالة ذلك ان التوافق والتحالفات الاستراتيجية والالتفاف حول الاهداف الوطنية، هي اصلا ممتنعة. لان العلاقة التي تحكم الفرقاء داخل الوطن، محكومة بالتنافر والتنافس الصفري الاقصائي، والاكتفاء بالتصورات الخاصة كافق للخلاص. اي طبيعة اختلافتنا ليست جذرية، غير قابلة للتجاوز او الجسر او الخضوع للتنازلات فحسب، ولكن الاسوأ اتخاذها السمة الهوياتية، وكانها ذات خاصية فيزيائية، رغم صدورها عن كيانات اجتماعية، يفترض ان ما يحكمها التغير والتبدل والتكيف المستمر مع المستجدات (ولكن بالطبع وفق معايير موضوعية وليس تغيير مبتذل يتغيا السلطة بانتهازية مقيتة)! ومعلوم سلفا ان صراع الهويات هو صراع عدمي.
والحال ان ما يجعل الوضع اكثر قتامة ومأساوية، ان من تسبب في الوصول لهذه الاوضاع الكارثية، هم انفسهم من يؤثرون بشكل فاعل في المشهد الدموي الجنوني الراهن، والذي احال الحياة السودانية الي مأساة اغريقة! اي عندما ندفع ابهظ الاثمان ولكن من غير مكاسب موعودة وانما خسائر مستمرة.
فهذه الاوضاع الكارثية الماثلة الآن، نتاج طبيعي لواقعة تحلل الدولة، واستبدالها بمكونات خاصة تخضع لجهات او افراد. وهذا في الحساب الختامي حاصل ما يسمي المشروع الحضاري، واعادة صياغة الانسان السوداني. اي من ناحية نفسية الانسلاخ عن المجتمع وفقدان كل اواصر التواصل والتلاقي معه، سواء من جهة همومه او حاجاته او اولوياته وصولا لانكار وجوده كحقوق! او من ناحية استبدال مؤسسات وكيانات اعتبارية قائمة ومحددة المهام، بمجرد تصورات واهية وتمثلات وهمية، ذات منزع خطابي شعاراتي، قد تكون قادرة علي دغدغة المشاعر، ولكنها بالقطع لا تتناسب مع مطلوبات المؤسسات او تستوفي شروط الاهلية لدولة حديثة. اي المسالة تتعلق فقط برفض الموجود الذي يتعارض مع المشروعية التي تنتسب للاسلاموية! اي القصة كلها مجرد انتحال شرعية غير مشروعة! وكأن مجرد الحاق صفة اسلامية بالدولة، هو كافٍ لمنحها قدرات سحرية واعجازية، ومن ثمَّ يمنح انصارها مبرر للغرور والتشنيع بالآخرين.
والحال ان الاسلاموية/الترابوية ما كان لها ان تجد موضع قدم، إلا بطرح رؤية مغايرة لما هو متعارف عليه (دولة علمانية قائمة علي المؤسسات والفصل بين السلطات). والمفارقة البائسة، ان الاسلاموية الترابوية هي رد علي الدولة العلمانية، التي ما هي الا معالجة لاخطاء وعيوب الدولة الدينية. بل الاسوأ من ذلك، ان الترابي وكعهده في الخداع والفهلوة ومحاولته التلاعب بمشاعر البسطاء وتملق الاقوياء، انتج دولته الخاصة، وهي مسخ ما بين الدولة الدينية والعلمانية، ليصبح الناتج دولة كيزانية هي في حقيتها لادولة تتقنع بقناع الدولة. لنصبح حيال دولة استبدادية فاجرة ترعي الفساد وتحتمي بالارهاب. والحال كذلك، يصبح كل ما اضافه الترابي (المحتال) لمفهوم الدولة، هو استبدال دولة الرعاية برعاية الدولة للفساد والارهاب. ليصبح هو نفسه احد ضحاياها بعد ان فلت عقالها من يده (كما تدين تدان)!
وما يهم ان هذه الدولة التي في حقيقتها لا دولة، قامت بدورها علي التوسع في اجهزة الحماية من جهتي الكم والكيف. وبما ان السلطة وامتيازاتها هي مرجعية الاسلاموية وانصارها، غض النظر عن تلوناتها وتمرحلاتها، فقد اشتدت المنافسة بين القادة الاسلامويين علي الصراع حولها (تربص الكل بالكل)! وذلك عبر الاستثمار والاستغلال لاجهزة الحماية السالف ذكرها. ليتضخم جهاز الامن لدرجة منافسة الجيش في مهامه وتجهيزاته، وصولا لتكوين دولة موازية، شكلت خطورة علي دولة البشير! ومن حيث انتهي جهاز الامن كدولة سرية توسعية قذرة وباطشة. بدأت دولة حميدتي او مليشيا الدعم السريع الاجرامية، التي محضها البشير كامل ثقته، ليُفسح لها مجال التوسع في كافة المساحات، لدرجة طغيانها علي دولة البشير! وليجد فيها الخارج (الامارات كمخلب قط للصهيونية، بصفة خاصة) ضالته في السيطرة علي البلاد، بمعاونة كثر من قيادات ورجالات البشير المقربين! وذلك بالاستفادة من الصراعات والخصومات والطموحات والمنافسة بين هؤلاء القادة الجهلاء السفهاء. والعامل المشترك لهذه المنافسة والصراعات، انها لا تضع اعتبار لا لمصالح الوطن ولا لامنه. وكيف لا يوجد العذر لهؤلاء القادة العملاء، اذا كان كبيرهم البشير هو راعي هذه المهزلة، بمظنة انه الكاسب في النهاية؟!
والحال اذا كانت سذاجة تفكيك الدولة لصالح الحزب، هي الممهد لهذه الخاتمة الكارثية، فان تعدد المكونات المسلحة والتنافس بين قياداتها علي السلطة، هو البداية الفعلية لهذه الحرب. وما المعارك الدائرة الآن إلا فصولها الختامية بعد ازاحة السياسة كتمويه جانبا. وفي هذا السياق، تصبح الثورة مجردة محطة في هذا الصراع، تم استغلالها لازاحة البشير (اي امكانية نجاحها هي اصلا غير متوفرة حتي لا يتحسر او يتلاوم الثوار والسياسيون ؟). بمعني، واحد من آثار استيلاء الاسلامويين الغادر علي السلطة والبقاء علي سدتها قهرا، انحرافها بالصراع من وجهته السياسية حول السلطة، كما كان قبل يونيو 89م، الي صراع بين دول مسلحة داخل الدولة، للاستيلاء علي الدولة المغدورة (انتفاء السياسة وبما فيها لغة الثورة، إلا كهامش مخادع)، ومع استخدام كافة الاسلحة القذرة (التآمر/الارتزاق) والاساليب غير المشروعة (العمالة للخارج).
وعليه، تصبح الارضية المؤسسة لهذا الخراب المعمم، الذي يستهدف بقاء الدولة ووجود المجتمع، هي الاستهتار بالدولة كمفهوم ووظيفة، والسلطة كشرعية ومسؤولية، والمجتمع كصاحب حق اصيل، والفرد كغاية.
واذا كان ما سلف هو سبب اساس، فهنالك عوامل مساعدة اسهمت في هذه الخاتمة الكارثية، التي يصعب معالجتها والتخلص من آثارها قريبا، ان لم يكن ذلك في حكم المستحيل. لان الضربة القاتلة هذه المرة لم تكن في التفاصيل كما عودتنا الانقلابات التي تستهدف استبدال السياسات واساليب الحكم والطبقة الحاكمة، وانما طالت بنية الدولة وتماسكها ومقومات وجودها (امنها القومي)!
منها ما هو متعلق بالمؤسسة العسكرية التي لم تكتفِ بفرض وصايتها علي البلاد عبر السيطرة علي السلطة وعسكرتها، وانما بخضوعها التام لكبار جنرالاتها الانقلابيين، وسهولة التاثير عليها من قبل الاحزاب العقائدية، وكل ذلك علي حساب مهامها الاحترافية. وغالبا هذا يرجع لصعوبة الفصل بين السلطة والعسكرة، كارادة تسلط، في دول ومجتمعات لم تتعافَ من الثقافة الابوية، وما يستتبعها من متلازمة السيطرة والاستبداد. والحال كذلك، لم تتحول المؤسسة العسكرية الي جزء من لعبة السلطة كالاحزاب السياسية، ولكنها اصبحت اللاعب الاساس الذي ادمن احتكار السلطة. وكان من افراز ذلك عسكرة السياسة عبر تكوين المليشيات والحركات المسلحة كادوات صراع بديلة حول السلطة. وكذلك إعاقة المسار الديمقراطي عبر تعطيل آلية تداول السلطة سلميا. وخلاصة ذلك، حرمان الدولة من التحديث (المسؤولية الخدمية المجتمعية) بعد ان تم استنزافها في صراع السلطة والحروبات حولها، و حرمان المجتمع من التطور بعد ان شل الاستبداد حيويته وقدرته وفكك عراة تماسكه علي الخطوط الدينية والمناطقية والطبقية (سياسة فرق تسُد).
ومن العوامل، الاحزاب السياسية التي عجزت عن تحرير السياسة من القيادات ومن السلطة والطروحات الشعاراتية والممارسات الانتهازية. والانفتاح بها علي فعل تحرر للممارسة (المكتسبات) السياسية سواء من ناحية الجدية والمبدئية الديمقراطية او البرامج المماسة لحاجة المجتمع او التصور لدولة تستجيب لشروط التحديث (السياسة كحرفة ابتكار وادارة وعمران). وبتعبير آخر، كان رد الاحزاب السياسية علي الحكم العسكري والانظمة الشمولية (بعضها يحرض عليها ويشارك فيها) وبعد ازاحتها بكلفة عالية، هي تقديم نموذج للصراعات العبثية حول السلطة، التي لا تعجل بالانقلابات العسكرية مجددا فحسب، وانما تضعف ثقة المجتمع بها، ومن ثمَّ قلة تاثيرها عليه! مما يشكل اكبر ضربة لمشروع تمدين الدولة وتداول السلطة ديمقراطيا. وهذا لا ينفي ان جزء من هذا الضعف يرجع لذات الانظمة الاستبداية، التي حرمتها التعلم من استدامة الحكم الديمقراطي، وترك الشعب ليقوم بمحاسبتها او تقويمها، علي طريقة التعلم المشترك او التغذية الراجعة اذا صح ذلك.
ومن العوامل التي اسهمت في تاجيج الصراع واكسابه طابع النهب والاغتصاب والتهجير والاهانة والانتقام والتشفي دون رحمة من مليشيا الجنجويد، يرجع لسردية المركز والهامش والتي تطورت مع تطور المعارك لانحيازات وفشل دولة 56! فهذه السردية ذات المنحي الهوياتي والكسل الفكري والتي تنحط بالصراع الي محض تصفية حسابات من نخبة الهامش المازومة، تجاه ما يسمي انسان المركز. لا لشئ إلا لانه صدف وان وجد في هذا المركز، او لان نخبة من المركز مارست الاخطاء والانتهاكات ليس لانها من المركز، ولكن للمحافظة علي السلطة او موقع التاثير الذي تحصلت عليه بطريقة غير شرعية، وهو ما لم يخلُ يوما من مشاركة جميع المناطق. بمعني ان طريقة الاستيلاء علي السلطة وممارستها، هي ما تنتج الممارسات الشبيهة بها والحامية لمصالحها، غض النظر عن من يعتلي سدتها. بدلالة ان من يرفع شعارات مناهضة للعنصرية ويدعو لتنمية الهامش ودولة المواطنة..الخ، اذا ما وصل للسلطة بطريقة غير ديمقراطية ومارس نهج استبدادي، سيعيد انتاج ذات ما كان ينكره ويحارب ضده، وبالطبع لن يعدم المبررات الواهية (والمطبلاتية الارتزاقيين)! وهذا لا يمنع ان هنالك ترسبات عرقية ونظرات دونية واستعلائية بسبب اسقاطات ثقافية موروثة، والسودان ليس بدع في هذه الممارسات، وليس هنالك ما يمنع معالجتها باساليب اثبتت جدواها، دون تعميم يطال اهل المركز جملة بالخراب، كما يحدث في هذه الحرب اللعينة.
وهي بطبعها سردية تخشبية تجيشية بامتياز، ولها قدرة هائلة علي حشد المقاتلين لانها تمس وتر الكرامة الانسانية. ولكن ما تخفيه عن البسطاء، انها رد فعل علي تسلط نخبة السلطة (وليس المركز) باستبطان تسلطها! وليس مصادفة والحال كذلك، ان رفع السلاح (غض النظر عن كلفته) ضد نخبة السلطة، هو اسرع وسيلة للحلول محلها، اذا ما اكتمل الانتصار، او مشاركتها السلطة بحسب توازن القوي الذي يحكم الطرفين! اما تعريف الصراع كسلطات انقلابية تفرض انظمة شمولية، ومن ثمَّ تعمل المستحيل للحفاظ علي بقاءها، ضد مصالح وحقوق كافة المواطنين خارج مدار الاستفادة الشخصية منها. فهذا خارج افقها، لانه من ناحية لا يستجيب لمشاعر الكره للآخر ورغبة التشفي منه والتي تحتاج للتصريف! ومن ناحية استراتيجية، يتطلب ذلك عمل تنويري ونضال سلمي طويل المدي. اي يتطلب العمل علي جبهتين، التصدي للاستبداد سلميا وتنوير المجتمع معرفيا. وتاليا اشاعة ثقافة الحوار والاخوة بين المواطنين والالتفاف حول قيمة المواطنة، كرسالة يضطلع بها المهتمون بالشان العام، دون انتظار للمكاسب الآنية. والاهم ان كل ذلك يتعارض مع النزعة الابوية الوصائية والعزلة التصلبية الهوياتية السالف ذكرها، والمتلهفة للسلطة والتسلط، كاشباع لشغف السيادة الذي يجتاح القادة. لذلك يمكن ان تنتج سرديتهم المبتذلة ابطال مناضلين، لكنها يندر ان تنتج مصلحين اجتماعيين او رجال دولة. بل التجارب اثبت ان هذه السردية الفطيرة، ونسبة لغياب المعايير الموضوعية، لها قدرة عجيبة علي تصعيِّد قيادات غير مؤهلة، بل وذات نهم رهيب للنهب واحتكار الامتيازات للعشيرة والمقربين، وصولا للانفصال عن جذورها وانكار اهلها البسطاء، إلا عند الحوجة لهم كوسائل تخدم اغراضها.
ومن العوامل التي تصعد الي المقدمة، الشخصية المحورية التي لعبت دور اساس في هذه الحرب الكارثية، وهو البرهان وللمفارقة هو القائد العام للجيش! وهنا مربط الفرس، سواء من ناحية السلطات التي تمنح للقائد العام وكانه إله لا يُعصي له امر او تُعارض له رغبة، اي يتحكم في الجيش كما يشاء، وبما في ذلك التآمر علي الجيش تحت سمعه وبصره، وبما يعنيه ذلك من تهديد للامن القومي!! او من ناحية كفاءة واخلاص ووطنية هذا القائد! وللمفارقة كل هذه المواصفات نجدها تتنافي مع البشير سابقا ومع البرهان علي الاخص راهنا. بدلالة ان البرهان وفي هذه الفترة الوجيزة التي استولي فيها علي السلطة مصادفة، اتضح انه يمتهن الكذب والغدر وخيانة العهد والتآمر ليس علي المدنيين، ولكن قبل ذلك علي المؤسسة العسكرية نفسها، طلما توهم ذلك يصب في خانة مصلحته الشخصية! ليُسلم البلد (صُرة في خيط) لحميدتي ومليشياته وداعميه في الخارج، ويُدخلنا في هذه الورطة التي لا مخرج منها. مع العلم انه أُتيحت له فرصة تاريخية لتحجيم الدعم السريع وقطع دابر الفلول واعداء الثورة وتحييد الضغوط الخارجية، لخدمة الفترة الانتقالية، ومن ثمَّ فتح الطريق امام البلاد لمعالجة اخطاء الماضي والانطلاق صوب المستقبل المشرق! (ولكن بالطبع هنالك فارق بين القائد والقوَّاد)!
وباختصار السبب الاساس في الكارثة الماثلة، يتعدي تحطيم الدولة بسبب الجهل والغرور وسوء الادارة والفساد، الي تحطيم الارضية المؤسسة للحلول، سواء من جهة فقدان الثقة المتبادل بين الاطراف المتصارعة او نزعة رفض الآخر المتفشية في الوسط السياسي. او من جهة عدم توافر البيئة المنتجة والمشجعة للحلول، والمتمثلة في غياب مراكز الدراسات وحرية تبادل الآراء والخبرات، والتشبيك والتنظيم. اي طال الخراب الجهود الاكاديمية والانشطة المجتمعية والقدرات التنظيمية والكوادر القيادية. والاسوا من ذلك ان ما يتوافر منها لا يؤخذ به.
ومما سلف يتحمل الكيزان والجيش 90% من المأساة الماثلة، والبقية موزعة علي القوي السياسية والمدنية والحركات المسلحة. اما الدعم السريع فهو اصل المشكلة المتفجرة، بوصفه الشر المطلق والعدوان البربري الغاشم علي الدولة والمجتمع.
وبما انه ليس هنالك وصفة للحلول الجاهزة، مع زيادة المخاطر من إطالة امد الحرب، والدخول في نفق ابعد من الحالة اليمنة والليبية، من جهة حضور السلاح كفاعل اساس في انشطة اللادولة والمجتمع، وتاليا توديع الاستقرار وفرص الاستثمار والنهوض. فما يمكن صنعه اذا ما صح اعلاه، هو مراجعة لكافة اخطاء الماضي وعلي راسها تقويم وتصحيح العلاقة بين الرغبات وممكنات الواقع وفرصه. وبناء عليه، يمكن ان تتوافر فرصة للنجاة بالعمل علي عدم وصول الحرب للمناطق الآمنة، والسعي بجد لوقف النار في المناطق الملتهبة. وذلك لن يتم إلا باقتناع الجيش ان مسالة حسم المعركة وعودته للسيطرة علي البلاد بصورة مطلقة غير ممكنة، ولكن ما يتوافر خروجه من الساحة السياسية والسلطوية والاكتفاء بدوره الاحترافي (خفض سقف الطموحات بعد كل هذه النكبات). وان عودة الكيزان بعد كل ما اقترفوه من اخطاء وجرائم وفساد امر غير مطلوب ومستفز للجميع. وان تقطع قوي الحرية والتغيير العشم في عودتها لقيادة القوي السياسية او الانابة عنها. كما انه ليس هنالك امكانية لتغيير جذري او غير جذري آنيا، بل مقاربة توقف الحرب وتحافظ علي ما تبقي من بشر وعمار.
اما مليشيا الدعم السريع وبعد ما اقترفته من موبقات وارتزاق وعمالة، يصعب نسيانها او غفرانها. وبعد ان تاكد انها لا تشبه تراب هذه البلاد وشيم اهلها. فما يجب عمله، هو تضافر الجهود للضغط عليها بقبول وقف الحرب، مع السماح بتواجدها ومنحها دور سياسي، بعد التعهد بتغيير سلوكها وانشطتها وقطع صلاتها بالخارج، مع وضعها تحت الرقابة (كسلاح وموارد علاقات خارجية) لحكومة مدنية انتقالية تشارك في تكوينها. وإلا الاجماع الداخلي (عسكري ومدني) علي اعتبارها جماعة ارهابية (كجيش الرب وداعش وبوكو حرام) ومن ثمَّ استجلاب كل الدعم الخارجي لمحاصرتها والقضاء عليها.
واخيرا
الشكر موصول للملكة العربية السعودية ودولة قطر علي المساعدات السخية، التي يحتاجها المواطنون المشردون والمرضي الحائرون. والله يجازي الكان السبب في دمارنا وتشريدنا وموتنا سنبلة (دول وكيانات وافراد)، ونسأله أن تدخل عليهم مؤامراتهم واطماعهم واحقادهم بالساحق والماحق، مع العلم ان تبدل الاحوال اقرب اليهم من حبل الوريد ولكنهم مغرورن وغافلون.
اها.. يا البرهان، ما حلم ابوك بمنام يخرجك من البدروم، ام ان السيسي قدوتك لم يحلم بذلك او يحرص علي نجدتك؟ والم تشتاق للاعراس الجماعية والزيارات الداخلية للمقار العسكرية والرحلات الخارجية، وانت تمشي بينها بالتآمر والنميمة والفتن والتحريض علي الثوار والتنمر علي المدنيين؟ اذا كنت لا تعلم في محبسك باحوال البلاد والعباد الذين غدرت بهم. فهي تتعرض للعدوان والدمار الشامل والانتهاكات بكل صنوفها، من المليشيات التي سهرت علي رعايتها وحمايتها! والسؤال من اين اتي هذا البرهان؟ ومن اتي به؟ فهذا البرهان عار علي اهله وجيشه وبلاده!! عليك اللعنة. ودمتم في رعاية الله.

 

آراء