الازمة السياسية فى السودان تصل الى ذروتها

 


 

 

ظهرت الازمة للعلن بين العسكر و المدنيين فى مجلس السيادة بعد ان كتب مناشدا الاستاذ محمد الفكى سليمان عضو مجلس السيادة يوم الثلاثاء 21 سبتمبر ، فى صفحته فى الفيسبوك حيث حث السودانيين للدفاع عن البلاد وحماية الانتقال.
اعقب ذلك هجوم عنيف من رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق عبد الفتاح البرهان و قائد الدعم السريع حميدتى، على القوى السياسية، حيث قال البرهان "إنها كانت سببا في المحاولة الانقلابية التي شهدتها البلاد". وكان الهدف من الهجوم و افتعال الازمة إنتاج عملية سياسية يتم التحكم فيها من قبل المكون العسكري بإدخال أشخاص لتولي مناصب بحيث يتم ترجيح كفة الموالين للعسكر داخل المجلس السيادى و الجهاز التنفيذى.
تلى ذلك خروج حركة العدل و المساوة (جبريل ابراهيم ) ، وحركة تحرير السودان (منى اركى مناوى) ، عن قحت وعقدهم لمؤتمر بقاعة الصداقة ومعهم حزب البعث السودانى و كثير من الاحزاب الصغيرة التى كانت متوالية مع النظام السابق بالاضافة لممثلين عن النظام السابق ( حزب المؤتمر الوطنى ) وحزب الترابى (المؤتمر الشعبى) ، حيث تم تشكيل قحت2 ( الوفاق الوطنى)، لتشكيل حاضنة سياسية مدنية لحلف عساكر المجلس السيادى. ولقد خرج ذلك المؤتمر بوثيقة سميت بوثيقة الوفاق الوطنى .
تلى ذلك ان دعى قادة قحت الوفاق الوطنى الى اعتصام امام القصر يوم السبت 16 اكتوبر ، و الذى لايزال مستمرا حتى اليوم وتلخصت مطالبهم فى حل الحكومة و توسيع قاعدة المشاركة في إدارة وقيادة الفترة الإنتقالية ، وتكوين حكومة تكنوقراط مستقلة من غير الحزبيين. ولقد صرح كل من منى اركو مناوى وجبريل ابراهيم بان توسيع المشاركة يشمل اشراك حزب الترابى المؤتمر الشعبى.
هجوم قادة المكون العسكري، تحديداً البرهان وحميدتي، على المدنيين فى السلطة الانتقالية مدعين انهم فشلوا ، إدعاء ، جريء وغريب لان المكوِّن العسكري هو الاكثر فشلا وهو الجهة التى سعت لافشال الفترة الانتقالية بكل الطرق ، ابتدا من استخدام العصابات ( مايسمى بعصابات النيقرس والتى تسمى شعبيا بتسعة طويلة) ، لزرع الفوضى الامنية و الخوف وعدم الامان ، مرورا بمسرحية الانقلاب الفاشل وصولا للاتفاق مع بعض اطراف سلام جوبا على تشكيل حلف يضمن للمكون العسكرى الاغلبية فى السيادى وفى السلطة التنفيذية من ما يجعل موضوع تسليمهم قيادة المجلس السيادى للمدنيين غير ذى جدوى ومعنى. المكون العسكرى هو الذي يصر على تعطيل إكمال مؤسسات العدالة ومن ضمنها لجنة الاستئنافات لأحكام لجنة إزالة التمكين، وهو الذي وهو الذى يعطل دمج القوات و المليشيات المختلفة في الجيش الوطني، وهو حرض الناظر ترك على التمرد وقفل الطرق الى ميناء السودان الامر شكل تهديداً للدولة نفسها ، وهو الذي احجم متعمدا عن تحسين مخصصات الجنود والضباط بينما يتحكم هو في 82% من موار البلاد الاقتصادية وذلك تحريضا للقوات المسلحة من اجل ان تتمرد عل ى السلطة الانتقالية المدنية ولكى يخلق مناخا مناسبا للانقلاب عليها.
إن ميزانية الدعم السريع تبلغ 37 مليار جنيه سنوياً، أي مائة مليون دولار سنوياً، تفوق ميزانية الوزارات الاقتصادية مجتمعة والتي تبلغ 34 مليار جنيه في السنة. حيث تبلغ ميزانية وزارة الزراعة فقط 8 مليارات فى السنة، ووزارة الثروة الحيوانية فقط 3,244 مليار، وزارة الطاقة 17,216 مليار، وزارة النقل والبنى التحتية 3,045 مليار، وزارة الاتصالات 0.1 مليار، وزارة الثقافة والاعلام والسياحة 0.5 . بينما تبلغ ميزانية جهاز الامن والمخابرات 20.909، وتفوق ميزانية خمس وزارات مجتمعة، هي “الثروة الحيوانية والزراعة والطاقة والنقل والبنيى التحتية، والثقافة والاعلام“.وتفوق ميزانية الدفاع البالغة 52,060,000، ميزانية التعليم البالغة 18,941,100، والصحة البالغة 20,961,940
على الرغم من امتلاك الجيش لما يقارب 82% من المؤسسات الاقتصادية الايرادية، الا انه يتم الصرف عليه من الميزانية العامة للدولة“.ان هذه الأرقام تكشف بوضوح سبب تردي الخدمات الصحية والتعليمية.
الملاحظ ان صحيفة القوات المسلحة قد تم توظيفها فى الازمة حيث صارت تهاجم بانتظام المكون المدنى وتحرض على الانقلاب عليه ، وبدلا عن الاهتمام بالجانب المهنى للقوات المسلحة صارت غارقه فى السياسة المعادية للتحول المدنى الديمقراطى تماما .
الحقيقة هى ان الازمة التى وصلت الذروة الآن ممتدة طوال العامين الماضيين، ويشترك فى احداثها بجانب المكون العسكرى المكون المدنى ورئيس الوزراء، وهى تشمل تعمد تاخير اكمال هياكل السلطة الانتقالية ، احتفاظ المكون العكسرى بما قيمته 82% من الموارد الاقتصادية خارج دورة الاقتصاد الوطنى. وايضا تعود بعض اسباب الأزمة الراهنة بين المكون المدني والمكون العسكري، الى أن السيد رئيس الوزراء لم يشكيل حتى الآن مفوضية العدالة الانتقالية ومفوضية إصلاح الأجهزة العدلية ومفوضية مكافحة الفساد. كما لم يستخدم صلاحياته المتمثلة في رئاسة مجلس الأمن والدفاع وتعيين مدير المخابرات. ونعتبر ان احزاب قحت ايضا جزء من الازمة اذ انها خلافا من ما نصت عليه الوثيقة الدستورية فى تشكيل حكومة كفاءات ، اتجهت احزاب قحت الى تجاهل مطالب الشارع وشرعت فى المحاصصات واقتسام الوزارت وتمكين عضوية احزابها من المواقع الحكومية الهامة.
ماحدث مع المعلمين من استغلال حميدتي لحوجتهم، لفقرهم و لمثقبتهم امر يعتبر جرس انذار للسلطة التنفيذية ، إن نتيجة الفقر الشديد و الغلاء الطاحن ستكون اكثر فضائحية وكارثية من تهليل المعلمين وتمجيدهم لقائد الجنجويد.
يمكن للمعلمين وغيرهم الصبر والمكابدة لسنين ، لكنهم وغيرهم لايستطيعون إطعام اطفالهم وعود التحولات المشرقة في المستقبل الاتي في رحم الغيب. ذلك ان الاطفال يحتاجون للقمة خبز الان وليس غدا.
من الناحية النفسية فأن معظم الناس عندما يصيبهم الهلع الشديد نتيجة الفقر والعوز لا يفكرون بصورة استراتجية او عقلانية بل ينصب تفكيرهم على كيفية حل ضائقة اليوم ، إطعام اطفالهم اليوم، دون التفكير فى ان من يمنحهم هبة اليوم لن يمنحهم شيئا غدا.
المواطن السوداني ببساطة لا يعرف عن الديمقراطية سوي انها صندوق انتخابات ، لان الديمقراطيات التي عايشها طوال تاريخ السودان منذ الاستقلال كانت (ديمقراطيات شكلية) لا تهتم بمعاش المواطن. ، لم يكن للفترات الديمقراطية السابقة البعد الاقتصادي الذي يؤثر ايجابا في حياة الملايين من المزارعين و الرعاة. اذا التحول الديمقراطي بالنسبة لغمار ابناء هذا السودان العظيم ليست ( ايدولوجيا ) كي يدافع عنها . ولكي يصبح التحول الديمقراطي حاجة اساسية يجب ان يرتبط بحياة الناس ، بلقمة العيش.
لذلك يجب على السلطة التنفيذية تفويت الفرصة على الذين يهدفون لافشال الفترة الانتقالية عن طريق حل مشكلة معاش الناس لان الحوجة الشديدة ستؤدى الى نتيجته كارثية علي التحول الديمقراطي ، لانها ستؤدي الي ارتماء الناس نتيجة العوز و الفقر و الحاجة الشديدة في احضان من يمنحهم المال. هذه الظروف الصعبة جدا التي يعيش فيها المواطنيين السودانيين لن تكون عاملًا من عوامل نجاح الانتقال ، بل علي العكس ستكون من اسباب نجاح الانقلاب علي الانتقال الديمقراطي.
إن المطالب بتوسيع الحاضنة السياسية وتشكيل حكومة كفاءات مطالب معقولة لقد كتبت منذ ان تم اسقاط النظام بتوسيع قوى الحرية و التغيير وفق تحالف واسع (الكتلة التريخية ) ، فبجانب تحالف قوى الحرية والتغيير واحد واثنين ، و تجمع المهنيين الحالى و السايق ، القوى التى شاركت فى الثورة من خارج قوى الحرية والتغيير، لجان المقاومة، التنظيمات الشعبية التى شاركت فى النضال ضد النظام السابق. و تشكيل حكومة من الكفاءات المستقلة بعيدا عن المحاصصات السياسية والحزبية والجهوية.
الصراع بين الاطراف المتنازعة هو صراع مصالح و مطامع لذلك فإن بيان مجلس الوزراء الذى طالب الاطراف بالحوار لن يحقق نتيجة ايجابية لان الأطراف المختلفة كانت مدنية او عسكرية تهدف لنيل مكاسب ،اما الحقيقة البائنة هى ان المكون العسكرى الحالى صار خطرا ليس على الفترة الانتقالية وحدها بل على مصير الدولة ، ذلك انه دفع الامور فى إتجاه حافة الهاوية الحالية. و سيستمر فى خلق الازمات. استمرار المكون العسكرى الحالى فى المجلس السيادى سيؤدى لتعطيل كل مهام الانتقال وبالتالى افشال الفترة الانتقالية .

efary@hotmail.com

 

آراء