البحث عن التغيير في رمضان

 


 

 



تتميز علاقة المسلم بخالقه خلال شهر رمضان المبارك بقوة الصلة بين العبد وربه، وهذه ما يجب أن تكون عليه هذه العلاقة في رمضان، حيث يسعى جاهداً إلى أن تظل تلكم العلاقة مستمرة، وذات ديمومة في غير رمضان، فإن رب رمضان هو ربُّ سائر أشهر العام. فالطاعات لله تعالى ليست محصورة بشهر رمضان، بل هي متاحة في كل أشهر العام، لذلك طريق التغيير يكون من خلال الاستمرار على أدائه لهذه الطاعات، من خلال التدرج في المداومة عليها، حتى يصل المسلم إلى الغاية منها، وهو الاستمرار في الطاعة. فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله؟، قال: "أدومها وإن قلّ".
أحسبُ أن رمضان يُعطي المسلمَ فرصةً طيبةً لتفقد النفس، ومحاسبتها، وحثها على الخير، ويدفعه إلى البدء في التغيير عند محاسبة النفس، وتصحيح أخطائها، وهذا ما يجب أن يكون عليه المسلم خلال رحلة الترقي إلى أفضل درجات السمو والرفعة. يقول الحسن البصري – يرحمه الله - : "إِنَّ الْمُؤْمِنَ قَوَّامٌ عَلَى نَفْسِهِ، يُحَاسِبُ نَفْسَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّمَا خَفَّ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَوْمٍ حَاسَبُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا شَقَّ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَوْمٍ أَخَذُوا هَذَا الأمْرَ مِنْ غَيْرِ مُحَاسَبَةٍ".
أما علاقة المسلم بأهله وأقربائه، فانشغال الناس بملهيات الحياة، أبعد الكثير منهم عن صلة أرحامهم وزيارتهم وبرهم، فرمضان فرصةٌ عظيمةٌ، لإعادة جسور التواصل مع الأهل والأقرباء، لإزالة ما يقع في النفوس، ولبدء علاقة مستمرة معهم، وتكون هذه العلاقة بداية في مسار رحلته إلى التغيير.
ويكفي حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الرحم، حيث قال: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ فَأَخَذَتْ بِحَقِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: مَهْ، فَقَالَتْ: هَذَا مَكَانُ الْعَائِذِ مِنَ الْقَطِيعَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَذَاكَ لَكِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: "فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ * أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا".
وأكبر الظن عندي أن شهر رمضان المبارك يمثل مزاوجةً طيبةً ما بين العبادة والعادة، ففيه يُكثر العبد من فعل الطاعات عبر العبادات، وفي الوقت نفسه لا يغفل أمر التواصل ما بينه وبين أهله وأقربائه وأصدقائه وزملائه ومعارفه. لا شك أن هذا التواصل الذي يندرج في تحسين العادات، ويدخل أيضاً في رحلة بحثه عن التغيير، ليُكيف نفسه، وفقاً لمرئيات جديدة، تسهم في إكثاره من العادات في ترقية أفعاله من العبادات، وهو في هذا المسعى المستمر بحثاً عن التغيير، والتكيف مع مستجداته، ولنتذاكر معاً قول الله تعالى: " لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ".

 

آراء