البرهان (النسخة الرديئة من الطغيان)!!

 


 

 

abdullahaliabdullah1424@gmail.com

بسم الله الرحمن الرحيم
لا اعتقد ان هنالك شخص، اتيحت له فرصة ان يتحول الي شخصية تاريخية يشار لها بالبنان، فاختار طائعا ان يتحول الي طاغية ملعون، مثل الشقي البرهان! وهذا للاسف جانب من متلازمة حظ عاثر لازم ما يسمي دولة السودان.
فالبرهان الذي لم يسمع به احد، في الحياة العامة والوسط السياسي علي وجه الخصوص، وجد تاييد يشابه ما حدث لحمدوك، كبديل للجنرال المكروه ابن عوف. وهو بهذا السند، كان في امكانه رد الاعتبار للقوات المسلحة، بالناي بها عن الحياة السياسية. وتقديم خدمة للثورة بحمايتها من الانقلاب. والمساعدة في التخلص من نهج الاسلامويين اللصوصي وارثهم التخريبي، واسترداد ما نهبوه من ثروات البلاد. وبصفة عامة، العمل علي تهيئة البلاد للتحول الديمقراطي والدولة المدنية، كقطيعة ابدية مع لعنة الانقلابات وثقافة الاستبداد، وما احدثته من تعطيل لمسيرة البلاد في دروب النهضة والتقدم.
وكذلك كان في امكانه توظيف علاقاته مع قائد قوات الدعم السريع، للتفاهم حول كيفية الخلاص من هذا السرطان سلميا؟ او ايجاد الوسيلة المناسبة للخلاص من هذه المليشيات باقل الخسائر. بحكم معرفته الدقيقة بخبايا هذه المليشيات، وبوصفه احد مهندسي او صناع هذا المسخ الاخطبوطي! وفي ذات السياق توظيف علاقاته مع الامارات لرد كيدها، واجبار المصريين علي تبني علاقات ندية تراعي مصالح البلدين.
هل قلنا شيئا عن ما اتاحته الثورة من ظروف مثالية، كان في امكانه توظيفها والبناء عليها وفق تصور شامل، للوصول لمعادلة سلام عادلة، تلبي مطالب الحركات المسلحة المتوائمة مع شعارات الثورة، في الحرية والسلام والعدالة، والتاسيس للدولة المدنية، وانصاف ضحايا الحروب واعادة اعمار وتنمية مناطقهم. اي صناعة السلام الذي يساعد علي بناء اللحمة الوطنية في دولة المواطنة. اقلاه هكذا جهد ونية صادقة، كان سيشكل مدخل للتعافي من غبن الحروب، وتقديم فرصة ذهبية للبرهان للتخفيف من وزر جرائمه علي المستوي الخاص، وجرائم الجيش السوداني، بعد ان تحول الي مليشيا تخدم ايديولوجيا الاسلامويين.
وبدلا عن ذلك وغيره الكثير، رضي البرهان بكل خسة، ان يلعب الدور القذر، من خلال العمل علي اجهاض الثورة بكل الوسائل. وارجاع الفلول للسيطرة علي جهاز الدولة. والتآمر مع الدعم السريع والحركات المسلحة، لاقصاء شركاء الفترة الانتقالية. والاسوأ من ذلك، رهن مصالح البلاد ومقدراتها وقرارها السياسي، لدي دول محور الشر ورعاة الاستبداد في الخارج. اي اصر بكل صلف وعنجهية وموات ضمير علي المحافظة، علي علاقات الامتيازات، وتجيير البلاد لصالح اقلية، لا يصدف انها مركب للجريمة المنظمة. وهو ما لا يمكن تمريره إلا عبر ازاحة السياسة (كادوات وبرامج) او افراغها من مضمونها، كوسيط لتنظيم العلاقات الاجتماعية علي اسس عقلانية، تحافظ علي حقوق المواطن وكيان الدولة ووظيفتها. والاستعاضة عنها بكيانات ضد سياسية اذا جاز التعبير، من جيش نظامي وحركات مسلحة ومليشيات واجهزة امن متعددة المسميات والوظائف، لتكوين وحماية وتمدد السلطة الاعتباطية (منظومة قهر واهدار حقوق). وهي في الحقيقة الوصفة المجربة التي تناسب تطلعات (غرائز) الطغاة.
والحال كذلك، اذا كان حضور السياسة كممارسة واعية، دليل رقي وتحضر. فعلي قدر تغييبها وتهميشها واحتقارها، تستبين طبيعة الطغيان ومستوي بدائيته. من هذه الزاوية، البرهان كطاغية مستجد، تجسد حالته، انحطاط في قيمة وممارسة الطغيان نفسه! اي البرهان ككتلة تشوه علي كافة المستويات، يسئ للطغيان كواقعة هي اصلا بالغة السوء، وهو ما يبيح وصف طغيانه، بما بعد الطغيان. وهذا يفسر لماذا ينفر البرهان من الثورة وما يمت لها بصلة، وكذلك الحياة المدنية وما يتعلق بها. وينحاز بكل اريحية لارث البشير في امتهانه الكذب والنفاق، وتجربة السيسي في فرض سيطرته عبر ممارسة البطش واشاعة الارهاب.
ولكن مشكلة البرهان (النسخة الرديئة من الطغيان) انه يتميز بضيق الافق وضحالة القدرات، وانعدام الحساسية تجاه كل المطلوبات السياسية. وهذا ما يتمظهر بجلاء في طريقة التعاطي مع السلطة كسرية في الجيش. وخلطه للخاص بالعام، من خلال تحويل الاختلاف في وجهات النظر الي خلافات شخصية، لا يتورع عن استخدام جهاز الدولة في تصفيتها! اما الاخطر، فهو تماهيه مع اجهزة الدولة ومؤسساتها، ليحيل الخلافات مع السياسيين والثوار، الي خلافات مع الجيش وكل الاجهز الامنية النظامية وغير النظامية! وهذا الاسلوب الخطير في ادارة الاختلافات، لا يعكس قصر النظر وسوء التربية والجبن فقط، ولكنه يفسد العلاقة بين القوات المسحلة والشعب وعلي الاخص النخب الناشطة سياسيا، لتتحول علاقة الحماية (عقد المواطنة) الي علاقة احتلال (عداء وكره). ومؤكد هكذا علاقة مأزومة يستحيل عليها خلق استقرار في الدولة، قبل ان تستدعي دخول القوات الاممية لحماية المواطنين العزل من القوات المسلحة المعتدية!!
اما علامات قصر النظر الكبري، فتعكسها علاقة البرهان بحميدتي، الذي يحاكي برغوث غوته في قصر السلطان، والذي تحول تحت رعايته، الي بعبع يقض مضجع الجميع! فتنسيقه مع حميدتي وفتح المجال امامه، قد يخدم البرهان علي المدي القصير، ولكن المؤكد ان شخص بطموحات ودينامية ومكر حميدتي، هو من يستخدم البرهان ككاسحة الغام للتخلص من اعداءه، واعداد المسرح لاعتلاءه منفردا.
وكذلك استعانته بالاسلامويين كحاضنة بديلة، رغم كل جرائمهم وسمعتهم السيئة ونبذهم اجتماعيا، وهذا غير ان الاسلامويين لا يتميزون بشئ قدر استغلالهم واستغفالهم لكل من يستعين بهم، وتجربة نميري معهم خير دليل! وهو ما ينطبق علي الحركات المسلحة، التي تحركها اطماع سلطوية ومالية وغبن عرقي، وهو ما يجعل التحالف مع البرهان ليس اكثر من وسيلة لنيل مبتغاهم بالحيلة، وللتغطية علي تنفيذ مخططاتهم بهدوء.
اما الطامة الكبري، فهي كبار الجنرالات الذين يستعين بهم البرهان، سواء في الخدمة او خارجها. فهؤلاء لا يقلون كفاف اخلاقي وفقر معرفي وضحالة سياسية وعداء للثورة والمدنيين عن البرهان. لذلك فهم يثيرون السخرية والرثاء، اكثر من كونهم قوة دعم ومساندة، تعمل علي تقديم المشورة للبرهان، وتبريرات مقنعة لاخطاءه وجرائمه في حق الثورة والثوار ومستقبل البلاد. فهم يصدق عليهم قول اللهم اكفنِ شر جهالة الجنرالات بجانبي، اما اعدائي الثوار فانا كفيل بهم! (هذا بالطبع اذا كان للبرهان عقل نشط).
اما العامل المشترك بين المحيطين بالبرهان او من يستند عليهم في الغدر بالثورة، فهو الحرص علي المصالح الخاصة، سواء كانت سياسية او مادية او اجتماعية، ويضاف لها الناحية النفسية للمهوسين من امثال العاهات المسمي خبراء عسكريين (عبدالباسط وسوركتي ومحي الدين). وهذا الاستثمار السهل في البرهان، لم ينتج من فراغ، ولكنه يستند علي طموحاته السلطوية، من غير استيفاء شروط اهليتها، بما فيها شرعية الوصول اليها.
والحال كذلك، شخص بكل هذا المواصفات من الغباء السياسي وضعف القدرات القيادية والشهوة الصبيانية للسلطة والرغبة الطفولية في احتكارها! ليس في وارد ترك السلطة باي كيفية وثمن؟! اما الاخطر فهو استعداده لتدمير الدولة وابادة الشعب، اذا توهم في ذلك خلاص السلطة او خلاصه الشخصي لا فرق، طالما هما في حالة دمج سيامية. وهو ما يجعل تحرير السلطة من قبضته لا يمر إلا عبر نزعها منه انتزاعا.
واخيرا
موكب 6 ابريل يستحسن التعامل معه ليس كنهاية المطاف او الضربة القاضية، ولكن كنقطة تحول في العمل المعارض، بتوحيد الجهود وتحديد الاهداف وطريقة انجازها. فهذا اقل وفاء يصلح تقديمه للشهداء والمصابين والغائبين. والاهم الاستفادة من تجربة 6 ابريل كرمزية تاريخية، اهم ما فيها عدم الحاجة لاستعادتها في كل مرة بذات الآمال والتطلعات. وباذن الله في رحاب الحرية والسلام والعدالة يجتمع الجميع.

/////////////////////////////

 

آراء