البرهان في متاهته!

 


 

أحمد الملك
9 April, 2023

 

الجنرال يعلن: فشلنا جميعا ويجب أن نتنحى، يُعدّد الجهات التي يجب ان تتنحى، وينسى دولة الكيزان التي تدير المشهد كله من خلف ظهر عسكر مرتعبين من اقتراب لحظة المحاسبة.
ينسى ايضا نفسه: أنه من يمسك (نظريا على الأقل) بخيوط السلطة وقد حان الوقت ليصبح قدوة، أملا في أن يلحق ببقية مجد تسليم السلطة طواعية لأهل الثورة وليس لأهل الثروة من الكيزان عبر انتخابات مضروبة سلفا.
يجمعه مع الكيزان الخوف من المحاسبة، ترتعد فرائص التنظيم الكيزاني لذكر لجنة تفكيك التمكين، فالخوف ليس فقط من نبش السجل الفضائحي للتنظيم الفاسد الذي يحاول اغراق تاريخه المظلم طوال ثلاثة عقود في النسيان، يعوّل على إخفاقات الفترة الانتقالية كأفضل مُحفّز لينسى الناس جرائم ثلاثة عقود من نهب المال العام والقتل والحروب والفتن. يخاف التنظيم الاجرامي ليس فقط من نبش الفضائح وانما أيضا من تجريده من الأموال المهولة التي نهبها طوال عقود الشؤم التمكينية الثلاثة، والتي يعوّل عليها لإحراز قصب السبق في انتخابات الخج التي سيعود بها مجللا بالنصر الى كرسي التسلط والنهب، واستعادة الدولة في ملكية التنظيم كما اعلن عمر البشير.
جوبا كانت المقلب الذي تدفع بلادنا ثمنه الفادح، جلبت جوبا الجميع عدا أصحاب المصلحة من الحركات الحقيقية والضحايا، وفي النهاية أفرغت جوبا في الخرطوم مجموعة من لوردات الحروب وسماسرة النضال ممن تربوا جميعا في كنف العهد البائد، وتعلموا منه فنون النضال والاحتيال وان النضال مثله مثل الرزق يحب (الخفية) كما يقول الاخوة في شمال الوادي. الذين نقلوا اليهم مجموعة جوبا، لمزيد من اكتساب الخبرات الاحتيالية، ولتعويضهم قليلا عن فنادق الدوحة وابوجا وغيرها من سوح التفاوض والنضال الذي يحب (الخفية) في الفنادق.
وقد حكى لي أحد المناضلين السابقين انهم كانوا في الدوحة حين تم استقدام وفد من الميدان، لرفد التفاوض ببعض شهادات أهل الميدان، بدلا من الاكتفاء بمناضلي الفندق، المهم بعد أيام انتهت مهمة اهل الميدان وصدر الأمر لهم بالعودة من حيث أتوا، ولكن هيهات، أن يعود الى الخلاء من خبر الفندق وبدلات النضال المختلفة وبوفيهات الطعام المبذولة.
ظهرت في جوبا بدعة المسارات، لم يحدث في التاريخ ان فاوضت حكومة ما اقليما ما، قبل ان يتمرّد الإقليم، الإنقاذ نفسها التي تكاثرت في عهدها ساحات التفاوض، ووقّعت مع كل من هب ودبّ، ليس بحثا عن السلام بل عن مزيد من الفتن والحروب وإفساد الناس، كما قال الجاز لمبارك حين سأل الأخير: قروش البترول دي بتودوها وين؟
فقال الجاز: بنرشي بيها (الزيك دة!)
والحقيقة ان الجاز قال اقلّ من واحد في المائة من الحقيقة، فالتسعة والتسعين في المائة من أموال البترول لم تذهب لرشوة (الزيك) بل لحسابات واستثمارات في ماليزيا وعقارات في تركيا وغيرها
جهاز أمن الإنقاذ نفسه كان يصنع الحركات ويفاوضها ويبذل لها المال، قبل ان تنشق نفس تلك الحركات، بإيعاز من صانعها وتتواصل دورة انقسامها الاميبي والجميع في سعادة و(استفادة) فالسلام مثله مثل الحرب (يجب دفع تكلفته الباهظة) الإنقاذ التي سعت لصناعة التمرد والحروب لتبرر بقائها، كانت دائما تعلن انها لن تفاوض من لا يحمل السلاح، في دعوة (شاملة) لكل الأقاليم لحمل السلاح!
وحكى لي مناضل سابق آخر قصة الاستهبال التفاوضي الكيزاني الذي لم يكن يهدف سوى الى تمييع القضايا وقتلها وافساد كل من تسول له نفسه (انشاء حركة أو تبني مطالب عادلة) والنتيجة هو ما نشاهده اليوم من حركات تناست الضحايا الذين هبت من اجلهم وتفرغت لمساككة المناصب والبدلات والتصريحات في الفضائيات.
قال لي المناضل ان مفاوضات حركته مع النظام الكيزاني تمت في جهاز الأمن والمفاوضات تُقرأ (المخابرات)وكان على الزعيم الإجابة على سؤال واحد فقط، قبل قبض المعلوم واستلام قطعة الأرض التي سيتقاعد عليها المناضل لكتابة مذكراته، أين سلاحكم؟
كان الرد: تركناه أمانة مع دبّي! (يقصد الرئيس التشادي الراحل ادريس دبّي)
لكثرة ما قام المناضل بتوقيع معاهدات السلام، لم يعد يثق في أية شيء، لذلك فإن افضل احتياط هو ترك السلاح مع شخص مضمون، فإن توقفت الحكومة عن الدفع، رجع الزعيم فورا لاستعادة الأمانة! وفي الغالب سيبقى جزء من الحركة في الحكومة وينشق الزعيم ليستأنف النضال وهكذا (دواليك)
ستجد دولة علي كرتي وبرهان في الحركات الوليد الشرعي الذي تربّى في (كنف) الإنقاذ، الحركات التي حملتها دماء الشهداء الى الخرطوم، حرّضت العسكر على الانقلاب على الثورة وكانت جزءا من المنظومة التي واصلت في قتل المتظاهرين السلميين في الشوارع، رغم مزاعمها بانها جزء أصيل من الثورة!
جاء وقت حصان طروادة الحركات، ليعمل من داخل الحكومة الانتقالية لضمان عدم المحاسبة للبرهان ومجموعته وللكيزان، ولاستمرار دورة الفساد التي تعتاش عليها شركات الجيش والكيزان، ولضمان مصالح الجيران الذين استضافوا الكتلة وأكرموا وفادتها. وصولا لانتخابات (حرة ونزيهة) كما يقول البرهان، يعود فيها الكيزان، فلا يُسأل برهان عمن قتل المعتصمين والمتظاهرين السلميين في الميدان، ومن الذي ضرب البمبان!
سيذكر الناس عبد الفتاح البرهان بأنه مجرد عميل صغير شرع في إضاعة ثورة عظيمة، لكن الثورة ادركته (مثلما يدرك شهرزاد الصباح) ومسحته من ذاكرة التاريخ.
أحمد الملك

ortoot@gmail.com

 

آراء