البرهان وحميدتي بيدقان فوق رقعة الشطرنج في (لعبة الأمم)!

 


 

 

* خرج اللواء شكرت الله من بيته، ولم يعد؛ وبعد أيام وُجدت سيارته على جانب أحد الشوارع بأم درمان..
* يقال أن ميليشيا الجنجويد اختطفت اللواء واحتفظت به في أحد معتقلاتها المجهولة، ويُروى أنه كان المسئول الأول عن تدريب ميليشيا الجنجويد، قبل إحالته للمعاش.. وعقب المعاش تحوَّل لتدريب ميليشيا جديدة منافسة لميليشيا الجنجويد ومناوئة لها، كما وأنها ميليشيا مرتبطة بجماعة (السيليكا) المتمردة على نظام الحكم في أفريقيا الوسطى، وهو نظام يسانده حميدتي ..
* والمعلوم أن نظام الحكم في أفريقيا الوسطى أتى بمرتزقة فاغنر الروسية لدعم النظام في مواجهة متمردي (السيليكا)؛ وأنه سمح للمرتزقة بممارسة التنقيب عن الذهب واليورانيوم كيفما شاءت، و ترى الدول الغربية أن هذا التنقيب يعظِّم اقتصاد روسيا ويدعم تمويل حرب روسيا ضد أوكرانيا..
* وبين مرتزقة فاغنر وبين ميليشيا الجنجويد علاقة مصالح متينة في مجال تسليح الميليشيا والتنقيب عن الذهب واليورانيوم، ولقائد الميليشيا (حميدتي) طموحات سياسية واقتصادية لا حدود لها في السودان، كما له طموحات في ذهب ويورانيوم أفريقيا الوسطى.. فكان لا بد من أن يقف إلى جانب فاغنر هنا في السودان وهناك، حيث يحاول متمردو السيليكا الإطاحة بالنظام الحاكم، بشتى الوسائل المتاحة..
* وفي ديسمبر٢٠٢٢، أعلن حميدتي عن إحباط مخطط لقلب نظام الحكم في أفريقيا الوسطى، وأن جهات داخل السودان تقف وراء المخطط، وأن قواته، أي ميليشيا الجنجويد، أوقفت عسكريين سودانيين متقاعدين كانوا ينوون الإقدام على قلب نظام الحكم في أفريفيا الوسطى.. وأنه أصدر أوامره بإغلاق الحدود بين السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى!
* لم يمر طويل وقت على إعلان حميدتي حتى انبرى البرهان نافياً وجود أي صلة للقوات المسلحة السوداتية بأي تحركات ضد أفريقيا الوسطى.. وأن الجيش السوداني لم يجنِّد، في أي وقت من الأوقات، مرتزقة للقتال في بلد آخر، لأن الجيش السوداني جيش يلتزم بالنظم والقوانين الدولية..
*قال ذلك وكأنه أراد أن يشير إلى ارتزاق ميليشيا الجنجويد في اليمن وليبيا، وعدم إلتزام الميليشيا بالنظم والقوانين الدولية..!
* وتحمل التصريحات المتضاربة بين البرهان وحميدتي الكثير من الدلالات بشأن الأوضاع الأمنية والسياسية في أفريقيا الوسطى على المستويين الإقليمي والدولي، ومحاولات الدول الغربية خنق روسيا خنقاً اقتصادياً لإضعاف مجهودها الحربي في أوكرانيا..
* إن الأمريكان والفرنسيين والبريطانييين يتوجسون خيفة من تحركات حميدتي التكتيكية لصالح روسيا.. ويتشككون فيما يظهره من نوايا طيبة، فلا غرو في ألا يكشفوا له عن ما يخططون له، إستراتيجياً، ولا عجب في أن يتجاوزه وزير الخارجية الإسرائيلي الذي زار الخرطوم بالخميس، وغادر دون أن يلتقيه..
* وقصارى القول أن أمريكا ترى في البرهان الشخص الذي يحقق لها مصالحها في السودان، وتعمل بشدة على بقائه في السلطة، على نحوٍ ما.. بينما ترى روسيا في حميدتي رجل روسيا القوي في السودان وفي الجوار الأفريقي، ويتوجب دعم تمدده السياسي والاقتصادي..
* والدولتان تنظران للرجلين نظرتهما لبيدقين على رقعة شطرنج في (لعبة الأمم)!
* وصلت تقارير استخباراتية للبرهان عن قلق أميركا وفرنسا بشأن نوايا قوات الدعم السريع ومرتزقة فاغنر الروسية، في المجال العسكري، وفي مشروعات استثمارية مشتركة في تعدين الذهب واليورانيوم في بأفريقياالوسطى..
* غادر البرهان إلى إنجمينا، يوم الأحد، ٢٩ يناير ٢٠٢٣، والتقى بالرئيس محمد إدريس ديبي، وعقد معه اتفاقاً يتعلق بوجوب تواجد القوات المسلحةالسوداتية والتشادية على الحدود بين البلدين لتحجيم انتشار ميليشيا الجنجويد في تلك المناطق الحدودية.. وفي ذلك تطمين للقيادة التشادية ولفرنسا وأمريكا..
* وبعد ساعات من عودة البرهان إلى الخرطوم، هرع حميدتي إلى إنجمينا، يوم الإثنين، ٣٠ يناير ٢٠٢٣، والتقى محمد إدريس ديبي، وتداول معه حول العديد من الملفات ذات الصلة بالأمن وعدم الاستقرار في الحدود البينية والتركيز على الإرهاب..
* وفي يوم الأربعاء ٢ يناير، هبط محمد إدريس ديبي في مطار بن غوريون بإسرائيل، واجتمع بنتنياهو الذي أشاد بزيارة الرئيس ديبي، بعد افتتاح ديبي سفارة تشاد في إسرائيل..
* وفي يوم الخميس ٣ يناير، وصل وزير خارجية إسرائيل إلى الخرطوم والتقى البرهان وتداولا حول عدد من المواضيع، وعلى رأسها موضوع التطبيع مع إسرائيل.. وغادر دون أن يسأل عن حميدتي..
* يشي زخم هذه الزيارات أن أمريكا وإسرائيل يتوجسان خيفة من حميدتي وينظران شذراً إليه باعتباره رجل روسيا، ليس في السودان، فحسب، بل في كل أفريقيا.. ولذلك لم تتم إحاطته علماً بزيارة وزير الخارجية الإسرائيلي، بل وغادر الوزير دون أن يلتقيه.. مع أن حميدتي لم يألُ جهداً لتمتين علاقاته باسرائيل في السابق..
* إن طموحات حميدتي، المالية والسياسية، على محك الدول الغربية وإسرائيل؛ لكن روسيا تقاوم مخططات أمريكا والدول الغربية ضد هؤلاء.. وسوف يزور سيرغي لافروف، وزير خارجية روسيا، الخرطوم بعد أيام، في جولة أفريقية، تعزيزاً لعلاقات روسيا مع عدد من الدول الأفريقية.. وسوف يكون حميدتي في الصورة، بالتأكيد!
حاشية... حاشية... حاشية... حاشية... حاشية...

- جاء في بي بي سي عربي الرقمية، مطلع عام 2023، أن هناك شبكة معلوماتية تروِّج لروسيا وتهاجم فرنسا والغرب في أفريقيا..!
* وأتساءل:- هل هناك من يروِّج لروسيا ضد أمريكا' والغرب عموما، ترويجاًً أشد من ترويج أمريكا نفسها عندما تكيل بمكيالين في أقوالها وأفعالها، على المستوى الدولي؟!
- لا تتعجبوا إذا تعاطفت شعوب الدول العربية والإسلامية، والسودانيون بالذات، مع روسيا في الحرب الروسية الأوكرانية التي تؤججها أمريكا والدول الغربية، رغم ما ترتكبه مرتزقة فاغنر من جرائم ضد الإنسانية في أوكرانيا، وهي جرائم لا ترقى لما ترتكبه إسرائيل في فلسطين منذ عقود..
- وما قد يبدو غريباً هو أن غالبية السودانيين لا يستسيغون مجرد سماع سيرة فاغنر في السودان بسبب نشاطاتها المريبة وارتباطاتها بميليشيا الجنجويد!

osmanabuasad@gmail.com

 

آراء