التخصصات العلمية
2 June, 2009
د. حسن بشير محمد نور - الخرطوم
يفهم معظم السودانيين في السياسة و في الطب و الهندسة. ربما يعتقد البعض ان السياسة ليست علما و هم في ذلك محقين اذا اعتمدنا علي التجربة العملية في السودان و علي المشاهدات اليومية من حولنا و اذا اعتمدنا علي اجهزة الاعلام المحلية و علي الحملات الانتخابية و غيرها من الشواهد التي لا تعد و لا تحصي. لكن الفهم في الطب و الهندسة تأتي من نتائج عملية في الكسب المادي المباشر و السريع و جدوي الاستثمار في تلك التخصصات و ليس لاهمية العلمين او المهنتين او لمخرجاتهما و فوائدهما العلمية. لكن الوضع الان اصبح مختلفا فليس كل من درس الطب بالضرورة طبيبا و ليس كل من تخرج من كلية هندسية بالضرورة مهندسا. النجاح في المهنتين لم يعد يسيرا كما كان عليه الوضع سابقا عندما يقوم الدارس من النوم ليجد الكوم. الاسباب في ذلك كثيرة لكن المهم عندنا هو اهمال العديد من العلوم ذات الاوزان العلمية و الاجتماعية و الفكرية العظمي التي تبني عقل الامة بالاضافة الي جسمها و هياكلها المعمارية و المدنية . هناك اهمال لعلوم انسانية التي لا يمكن ان تأتي الا باكتشاف المواهب و تنميتها تلك العلوم الخاصة بالابداع و التطور و الثراء الروحي و النفسي و الفكري.
من جانب اخر هنالك امتهان لمهن مهمة جدا تدخل فيها جميع التخصصات الفتية اللازمة لبناء قدرات المجتمع و ضمان كفاءته. يدخل في ذلك التعليم الفني بمختلف ضروبه. يقع علي الدولة دور القيادة و التوعية و التوجيه السليم للمجتمع مما يتطلب حملة تروجية للكثير من التخصصات العلمية و المهنية خاصة مع اقتراب اعلان نتائج الشهادة السودانية. هناك ضرورة لازالة الوهم و الاورام المعشعشة في عقول كثير من اولياء الامور حول ضرورة دخول ابنائهم و بناتهم للجامعات في تخصصات معينة دون سواها مما يثير الاحباط و الشعور بالدونية دون وجه حق. لا بد ان يعلم الجميع ان ليس هنالك عمل افضل من عمل و لا تخصص افضل من تخصص و لا انسان افضل من انسان الا بما يبزل من جهد و بما يقدم من عطاء و ان جميع التخصصات مهمة و مكملة لبعضها البعض و ان الفيصل هو النجاح في الدراسة و التفوق فيها و اجادة التخصص. علي الدولة بعد ذلك ان تضمن حدا معقولا من العدالة و المساواة و الابتعاد عن المحاباة و الإفساد.
الملفت للانتباه هو القرار الرئاسي الذي صدر حول استيعاب حملة الدبلومات الفنية التطبيقية و حملة الشهادة السودانية الفنية بالخدمة المدنية. بالرغم من ايجابية القرار في تصديه لحل مشكلة مستعصية قائمة منذ زمن طويل. لكن من جانب اخر فان القرار يشير الي مشكلة اساسية في صلب مؤسسية الدولة السودانية لانه يطرح سؤالا مهما هو : هل هناك قوانين للخدمة المدنية العامة في السودان؟ و اذا كان هناك قانون فلماذا القرار الرئاسي حول مشكلة من المفترض حلها بقوانين الخدمة العامة؟ لماذ تصدر قرارات رئاسية حول كل القضايا الهامة في السودان، في الاستثمار و الجبايات و الكهرباء؟ لماذا لا تكون لدينا دولة مؤسسات و قوانين؟ طيب هل هذا القرار دائم ام مؤقت ؟ و لماذا كانت التوصية بذلك الشكل؟ و لماذا ذهبت الي الرئاسة بدلا عن الهيئة التشريعية لتصبح قانونا يوقعه الرئيس فيصبح ملزما و مستديما و واضحا و ساريا علي الجميع؟ ان مشكلة التعليم الفني و نظام العمل و و قواعده و تصنيفاته و ترقياته و ما يترتب عليها من حقوق و واجبات لا يمكن ان تحل بالتجزئة و اذا حدث ذلك فانه مجرد مسكنات للألم و ليست علاجا للمرض. ان مشكلة التعليم بشكل عام و مشكلة التعليم الفني بشكل خاص و مشاكل البطالة و الاستيعاب في الخدمة المدنية و تنظيم العمل بحقوقه واجباته و ترقياته تحتاج الي مراجعة شاملة في هذه البلاد و تحتاج الي قوانين ناضجة و حلول مستدامة. كما ان الترقي في العمل ليس بالضرورة ان يرتبط بعدد السنين فقط و انما ايضا بعوامل مثل الكفاءة و الانجاز و نوع المهن و دقتها و خطورتها و مكانها الجغرافي و عشرات عشرات العوامل غير القابلة للتجزئة. نتمني ان يجد القرار الرئاسي المتابعة و المضي به قدما لتعديل قانون الخدمة المدنية ليستوعب جميع مستحقات العمل بمختلف جوانبها و بدقة لا تهمل صغيرة او كبيرة.