التعامل مع الخرطوم لم يبدأ مع أوباما 2/3 … بقلم: عاصم عطا صالح

 


 

عاصم صالح
26 July, 2009

 


 

  نواصل حديثنا عن إرهاصات تغيير السياسة الأمريكية نحو السودان، والتي بدأت في السنوات الأخيرة من حكم الإدارة السابقة في إطار حربها المعلنة ضد الإرهاب بعد أحداث سبتمبر، والتي دفعت بها لاتخاذ عدد من الإجراءات الداخلية والخارجية، منها بداية التعامل والتعاون مع حكومة الخرطوم في بعض المجالات الحيوية، بالإضافة لاهتمام أمريكا بكيفية ممارسة القيادة العسكرية الأمريكية الجديدة لافريقيا ((أفريكوم)) لمهامها بعد أن عجزت في أن تجد لها مقراً داخل افريقيا، فبدأت نشاطها من شتودغارت بألمانيا، مع أن هذه القيادة والتي تبدو مشابهة للقيادات أمريكية الأخرى، كالقيادة المركزية والقيادة الأوروبية والقيادة الباسيفيكية، إلا أن الأفريكوم تختلف في تشكيلها والمهام الموكلة إليها عن تلك القيادات. فهي تعمل على تغطية الجوانب العسكرية والسياسية والاقتصادية، وتمثل فيها كل الوكالات الفدرالية الأمريكية المهتمة بافريقيا، إلى جانب أن قيادتها تشمل عناصر مدنية ومنهم نائب القائد، وهو دبلوماسي خبير بالشؤون الافريقية. ويمكن إضافة إنشاء هذه القيادة والدور الموكل لها للعوامل التي دفعت بالإدارة الأمريكية السابقة والحالية للاتجاه نحو التعامل مع الحكومة السودانية، خاصة وأن من أهم أسباب إنشاء الأفريكوم بتشكيلها المشار إليه متابعة ومحاولة احتواء النفوذ الصيني في افريقيا. ولقد سبق أن أشرنا عند تعليقنا على زيارة د. غازي لواشنطن إلى تطرقه للعلاقات السودانية الصينية، بالإضافة إلى دور السودان في تطوير العلاقات الصينية الافريقية بصورة عامة وكأنه كان بذلك كان يخاطب رصفائه الأمريكيين الذين كان يفاوضهم في تلك الأيام، وتكرار المسؤولين بالخرطوم بعد ذلك تصريحاتهم عن أن تحسين العلاقات مع أمريكا لن يكون على حساب الصين.

 

  ولا بد من الإشارة أيضاً إلى نقطة هامة وجوهرية ساعدت على إعادة تقييم أمريكا لعلاقاتها مع السودان منذ عهد بوش، وهي أن أمريكا بدأت تساورها الشكوك حول معلومات المعارضين لعدد من الأنظمة في عدة دول خاصة المعلومات المضللة والتي أمدتها بها قيادات المعارضة العراقية بأوروبا وأمريكا، مما جعلها تعيد النظر والتدقيق في المعلومات التي تصلها من المعارضين في دول أخرى، ومنها السودان.

 

  وبالنسبة للسودان تحديداً، بدأت الحكومة الأمريكية تعيد تقييم المعلومات التي تتلقاها من مصادر عديدة أربكتها وزادت من حيرتها، من ما دفع بها لاتخاذ قرار باستدعاء عدد من الدبلوماسيين الأمريكيين المتقاعدين، خاصة الذين سبق أن تولوا منصب المستشار السياسي بالسفارة الأمريكية بالخرطوم في فترات متفاوتة، والمستشار السياسي للسفارة كان هو المكلف باللقاءات مع السياسيين بمختلف اتجاهاتهم إلى جانب العناصر المؤثرة من كل فئات المجتمع. ولقد تم التعاقد مع هذه المجموعة لفترة زمنية محددة أعتقد أنها كانت ستة أشهر يقوم كل منهم فيها بإجراء الاتصالات مع من يرى بأنه يمكن أن يقدم له المشورة والمعلومات والتقييم الواقعي من سياسيين وإعلاميين وعسكريين من واقع علاقاتهم السابقة في فترة عملهم بالخرطوم في محاولة لإجلاء الغموض والتضارب في المعلومات التي كانت تصلهم من مصادرهم المختلفة إلى جانب المعارضين الذين كانت تستمع إليهم على كل المستويات. ولقد طلب من هؤلاء الدبلوماسيين السابقين تقديم تقاريرهم في نهاية فترة التعاقد بتوصيات محددة حول كيفية التعامل مع الشأن السوداني بشرط عدم إجراء إتصالات أو تنسيق بينهم حيث يقوم كل منهم بتقديم تقريره بصورة منفصلة عن الآخرين. ولقد كان أحدهم مقيماً بفندق هيلتون الخرطوم في مطلع عام 2007 حيث كنت بالخرطوم في تلك الفترة وعلمت بذلك من صديق كانت له معرفة سابقة بالديبلوماسي الأمريكي عندما كان يعمل بالسودان.

 

  كل ذلك يوضح بعض مبررات إعادة أمريكا للنظر في طريقة تعاملها مع النظام في الخرطوم، وهو اتجاه بدأ كما قلنا منذ فترة حكم الرئيس السابق وقبل وصول أوباما للبيت الأبيض. ولكن ربما كانت أسباب تحرك أوباما أيضاً تتعلق بمبادرته وسعيه للالتقاء مع الجميع، بما فيهم الرئيس الإيراني، إلى جانب الأسباب الأخرى التي أدت إلى فتح هذا الملف بعد أحداث سبتمبر. ولذلك فإن قرائن الأحوال تشير إلى استمرار السير في هذا الاتجاه إذا لم تظهر متغيرات تسرع أو تبطئ أو توقف خطوات التطبيع، والتي لا زالت في بداياتها الأولى.

 

  نواصل في الجزء الثالث والأخير الإشارة إلى أسباب إحجام أمريكا عن التعاون الجاد مع المعارضة الشمالية، خاصة الحزبين الكبيرين واتجاهها نحو التعامل والتنسيق مع الحكومة.


Aasim Salih aasimsalih@yahoo.com





 

آراء