التغيير الثــوري .. الإصــلاح الجــذري

 


 

 

بهدوووء_
لن نخترع العجلة، لأنها موجودة وتتحرك منذ قرون مضت، فما زالت الأحداث والشواهد في أنظمة الحكم العربي توكد حتمية إعادة النظر في طرق انتزاع الحقوق الدستورية والإنسانية للشعوب في حياة حرة كريمة، وكذلك الحفاظ على ما تبقى من ثروات الأوطان بل وسيادتها التي يتعامل معها غالبية الأنظمة وكأنها إقطاعيات خاصة يتصرفون فيها وفقا لمصالحهم الشخصية لدرجة التفريط في التراب الوطني والثروات الاستراتيجية.
إشكالية الفكر الإصلاحي أنه يناضل ويشارك وفقا لقواعد اللعبة التي حددها النظام السلطوي المستبد والذى يلغي في أغلب الأحيان اللعبة بكاملها ويخطف اللاعبين قسريا أمام أعين الجمهور والعالم وقد حدث وتكرر، النظام السلطوي يملك مؤسسات القوة الخشنة ويملك شرعية استخدامها بقوة القانون.
التغيير الثوري يهدم النظام بمؤسساته التنفيذية والتشريعية والقانونية والقضائية والإعلامية حتى ميلشياته وأذرعه الأمنية، ويحاكم الفاسدين ويطهر المؤسسات، نعم هناك ثمن وثمن باهظ لكنها العلاقة بين العائد والتكلفة، أو مبدأ اللذة والألم المعمول بهما في السياسة والاقتصاد بل والحياة عموما.
لكن، هناك فارقا كبيرا بين الثورة الشعبية التي تمثل عموم الشعب وما تملكه من شرعية شعبية تسقط بها الأنظمة وتحاكمها، وبين الاشتباك الدائر بين فصيل مسلح بأى مرجعية كانت وبين مؤسسات النظام الحاكم الفاسد.
هناك أيضا شعار رفع في السنوات الأخيرة بعد الانقلاب العسكري وهو “لابد للحق من قوة تحميه “، وبعيدا عن التفاصيل، نعم لابد للثورة الشعبية من قوة لا تحميها فقط بل وتنفذ بها التغيير الثوري في التطهير والتغيير ..
لكن أن يرى فصيل ما أنه الحق وعليه لابد له من قوة تحميه، فهذا كلام يحتاج إلى مراجعة لأننا وقتها سنخوض حروباً أهلية بين عدة فصائل كل منها يرى أنه الحق ولابد له من قوة تحميه، نعم الشعب هو صاحب امتلاك القوة خلال الثورة، وليس لفصيل حتى لو جاء بالانتخابات إلا إذا تحكم في المؤسسات السيادية والمسلحة للدولة لتكون تابعة للشعب لا تابعة لفصيل ، والنماذج يحكمها ويحكم عليها الواقع المجرب ولا يحكمها ويحكم عليها تصورات وخيالات البعض.
لو كان الجيش مؤسسة، قومية، محترفة، مهنية، غير منحازة سياسياً.. كما يقال؛ لما وقعت قيادته و اوقعته، و اوقعت السودان في الأزمة الوطنية الراهنة.. إذا كان البشير قد رهن مصير السودان بمصيره الشخصي بعد احداث دارفور و اوامر المحكمة الجنائية الدولية.. فالبرهان و حميدتي كذلك رهنا مصير البلد و مصير الجيش بمصيرهما بعد الاتهامات لهم بارتكاب جرائم "فض الاعتصام".
لو كان الجيش مؤسسة: فالمؤسسة لا يقترن مصيرها بمصير فرد "أو مجموعة افراد" مهما كانت مآثره و انجازاته و فضائله، طابع المؤسسة هو الذي يغلب علي الفردية لذا تأخذ المؤسسة سمة مستقلة و لها مرونة عالية و قدرة علي تجاوز التحديات بعكس الفرد الذي قد يصل الي حدود تحمل معينة .
المؤسسة لا تصل إلى نهاية مغلقة بعكس الفرد الذي قد يجد نفسه مضطر للتصلب و الاستبداد بالرأي و بالتالي ربط مصير الآخرين بصيره هو، و لو كان جيش قومي، لما خاض واحدة من اطول الحروب القومية "الاهلية في التاريخ" -الجنوب، واكثر الحروب الاهلية بشاعة و دموية - دارفور. و لو كان محترف، لما سمح لغير المحترفين بالمشاركة في عمله بل و التدخل في قراراته، الدفاع الشعبي و القوات الصديقة و الجنجويد و الدعم السريع .
و لو كان مهني، لما ترك مهنته و تفرغت قيادته للحكم و التجارة و "ما خفي افدح"، و لو كان غير مسيس، لما سمح "للتنظيم" - بأن يقرر في مصيره و يحدد من يقبل في كلية اعداد الضباط "الكلية الحربية" و من يعمل بالاستخبارات، و لما سمح لحزب سياسي أن يحكم بغطاء عسكري. جيش بكل تلك المخازي و لا يقر بها ضرره اكثر من نفعه، الصومال بلا جيش و بلا دولة استطاع أن يمنع القوي العظمي من احتلاله، فيما هنا الجيش يجري مناورات و يوقع اتفاقيات مع جيش دولة تحتل محافظة كاملة من محافظاته.
المسجوعات من نوع "الجيش السوداني مؤسسة قومية مستقلة وطنية و القضاء السوداني مشهود له بالنزاهة و الاستقلال، و الشرطة السودانية جهاز مهني احترافي.. الخ" كلها مسجوعات لا تصدر إلا عن شخص بليد نزيه او بليد و يتعمد نشر البلادة!!
لأنه إن كان هذا الكلام صحيحاً لما احتاجت البلاد إلى المرحلة التي تتطلب أن تحصل فيها ثورة، وما كان استدعى الأمر أن يحصل بالبلاد تمرد، و لا حدث فيها ماحدث. (الثورة تعني) فشل كل تلك المؤسسات و عطبها و بالتالي ضرورة اصلاحها جذرياً، و إن استعصت علي الاصلاح اعادة بناءها من جديد.
البعض يعتبر الاصلاح نقيض للثورة و "هبوط ناعم"؛ و البعض يعتبر أن التغيير الثوري مكلف و مرهق و غير مأمون العواقب، في حين أنها كلها ادوات لتحقيق غاية واحدة هي بناء مؤسسات قوية، مرسسات دولة القانون لا دولة الاهواء و الولاءات، فالمؤسسات التي يمكن اصلاحها بادخال تعديلات علي هيكلها و علي رسالتها و اهدافها و رؤيتها و قواعد سلوكها . فيتم ذلك بالبناء علي ما هو موجود و متاح. اما المؤسسات المتداعية بصورة لا تقبل الاصلاح و لا التغيير، فيتم تسوية انقاضها و اعادة بناءها وفق رؤية جديدة معلنة و متوافق عليها.
مشروعات الإصلاح المتدرج أو التغيير الثوري نتاج تجارب الواقع، تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال ولا حرج في ذلك بل عدم المرونة في التعاطي هو قمة الحرج والإهدار. نحن لا نختلف على قيم ولا مبادئ لها صفة الثبات، لكننا نتناول برامج لها صفة الحركة والتعديل والإحلال والتبديل. نحن بحاجة إلى برامج إصلاحية، لكن بفكر ثوري، حتى لا تكون عقبة في طريق الثورة المنشودة، بل تكون داعمة متضامنة. النمط الإصلاحي هام للتمهيد والإعداد، والتغيير الثوري حتمي للتطهير والإبعاد.
إن المسار الإصلاحى يحتفى بالتعليم والبحث العلمى وتأمين الرعاية الصحية والنهوض بالمناطق الفقيرة والإصرار على العدالة الاجتماعية وضرب الفساد من منابعه وتأكيد سيادة القانون، فلقد ذكر شراح محدثون أن أفضل تعريف للدولة الديمقراطية أنها (دولة القانون) فالإصلاح تحول فكرى والثورة انقطاع جذرى والفارق بين الأمرين واضح، فالعقل يعلو على الانفعال والرؤية الشاملة تسبق الاحتجاجات العنيفة.
قد يقول قائل إذا كان ذلك هو أمر الإصلاح فكيف نحاسب حكامنا إذا انحرفوا أو طال عليهم الأمد وانتهت صلاحية عمرهم الافتراضى؟ وهنا تأتى الحاجة إلى الدولة الديمقراطية العصرية التى تؤمن بأن الأمة هى مصدر السلطات، وأن صوت الشعب العاقل هو القادر على إزالة ضجيج الباطل.. يومها سوف ننظر إلى الوطن وهو يحلق فى العلا ويبنى قواعد المجد من جديد!.
أخـر الهدوووء:-
إذا كانت (المسافةُ) هِي بريدُ الشوقِ الذي لا يَسْكُنُ باللقاء، فإنّ (سافِر )هِي الإستجابة العجولة لضراعاتِ الحيارى والمُعَذبين، الواقفينَ على بابِ سلامِها آمنين، وقوف متسول أنهكهُ القنوط على بابِ كريمٍ لا يُتبِعُ الصدقةَ بالمنِّ والأذى، فإنها أكرمُ وأعدَلُ مِن أنْ تأتيها حاضراً فتُرجِأكَ نسيئة. ذلك اللحن الأخاذ، أشبَهُ ما يكونُ بواحةٍ في قلبِ بيداءٍ تئنُّ حجارتها من حَرّ شمسِها، جُرعةُ ماءٍ في جسدٍ هامد أهلكهُ الظمأ، لم يُكُن اللحن الذي اجترحه مصطفى للمسافة مجرد لحنٍ ساحرٍ وبديع، بل كان مرافعة مظلومٍ أمامٙ عالمٍ متوحش، بلا قيم، وبلا أخلاق، أمام قضاةٍ يشيعون كل يوم عشرات الأبرياء بقلوب باردة إلى جحيم الحسرة والأسف الطويل، فقط لأنّ القوانين التي تواضعوا عليها لا تحمي سليمي النوايا، لا تُراعي الجوهر الإنساني الذي لم تمسه خطاطيف الخوف، ولا تعترف إلا بالبينات القطعية، لا مساحة فيها لصدقِ الروحِ التي لا تتكلف ولا تتفلسف، الروح التي لا تسكُنُ إلا مٙن تنطوي أفئدتهم على حسنِ النية والظن الجميل، فلا يلاقون من الناس إلا سوءهما العريض. أولئك الأبرار لا يجوز أن نرميهم بالمغفلين، فهم خلاصة رحمةِ اللّٰه التي ادخرها لأيامِ مسغبةِ الضمائر.


mido34067@gmail.com
/////////////////////

 

آراء