التغيير المناخي وتمويل الطاقات المتجددة علي قمة أجندة رئيس البنك الدولي الجديد

 


 

 

في مقال تحليلي طويل علي صحيفة الفاينانشيال تايمز البريطانية عدد 22 فبراير 2023 بقلم ايمي ويليامز و كاميليا هودجسون كان تركيز المقال علي كل ما يتوقع من برنامج الرئيس القادم للبنك الدولي بعد اعلان الرئيس الحالي ديفيد مالباس عن عزمه التنحي من المنصب في شهر يونيو 2023 قبل عام من أكتمال دورته إستجابة لضغوطات علي مستويات عليا من داخل الولايات المتحدة ومن الجماعات المناصرة للبيئة وعلي رأسهم ال قور نائب الرئيس الامريكي السابق كما أشار الي ذلك المقال
يتحدث المقال عن زيارة وزيرة الخزانة الاميركية جانيت يلين لبعض الدول الأفريقية ولقائها ببعض المزارعين في لوساكا العاصمة الزامبية حيث قالت لهم انها تتفهم حالة الدمار التي يمكن ان يحدثها التغيير المناخي والأضرار الناجمة من ذلك كما استطردت قائلة
"نحن نعلم تماما انه في العقد الأخير إزدادت حدة وتعدد حالات العواصف والأمطار والجفاف وأضافت قائلة ان التغيير المناخي ليست مشكلة قادمة انه يحدث ألان"
ويقارن المقال موقف واراء وزيرة الخزانة الاميركية تجاه ازمة المناخ التي تواجه وتهدد كل دول العالم والموقف السلبي للسيد ديفيد مالباس رئيس البنك الدولي المغادر حيث قال عندما تم سؤاله عن هل تعتقد ان التغيير المناخي يحدث بفعل فاعل اي ناجم عن الاستخدام المفرط للوقود الاحفوري فكان رده انه غير متخصص في العلوم
"I’m not a scientist”
مما فتح عليه الكثير من أبواب الجحيم ودفع لمطالبة الكثيرين باستقالته وتبديله برئيس يؤمن بقضية التغيرات المناخية وأسبابها الجوهرية وطرق وإستراتيجية معالجتها علي المستوي الدولي
ومن المعروف إن ديفيد مالباس كان قد تم تعينه بواسطة الرئيس الامريكي دونالد ترامب صاحب المواقف المتطرفة ضد الجهود الدولية لوقف ظاهرة التغيير المناخي خاصة المتعلقة بخفض إستخدام الوقود الاحفوري والطاقة غير النظيفة علي العموم الكل يذكر موقفه السلبي والمتعنت وقراره بانسحاب الولايات المتحده من إتفاقية باريس في العام 2017 ويقول المقال ان ملخص الانتقادات للسيد مالباس ان البنك الدولي تحت قيادته لم يعطي قضية التغيير المناخي الاهتمام المناسب مع حجم التهديد المتوقع من كوارث المناخ
ويستطرد المقال ان الضغوط علي رئيس البنك الدولي بدأت منذ منتصف اكتوبر من العام الماضي حيث قامت عشر دول صناعية مجموعة السبعة اضافة الي أستراليا هولندا وسويسرا بتقديم ورقة الي البنك الدولي يطالبون بتغير نظرة البنك
“refresh its vision”
في مجمل القضايا المتعلقة بمسائل البيئة والمناخ علي ان تتسق مع توصيات ومقررات مؤتمر باريس
في اهمية خفض الانبعاثات الكربونية علي المستوي العالمي وفق جداول زمنية معلومة
ويوضح المقال ان البنك الدولي قد استجاب لتلك الضغوط وقام بوضع خطة في بداية يناير توضح كيف يمكن ان تتضمن مشاكل مثل التغير المناخي والاعداد الجيد لمواجهة الوبائيات العالمية ضمن خطط البنك الإستراتيجية ولكن تم رفض الورقة بواسطة الدول المشاركة بسبب انها غير طموحة
ويمضي المقال في القول ان البعض يعتقدون ان البيروقراطية المملة وثقافة البنك الدولي لاتتناسب والحماس الدولي المتعاظم نحو ازمة المناخ علي كافة المستويات علي سبيل المثال
ادارة الرئيس الامريكي جو بايدن وتمريرها قانون خفض التضخم
Inflation Reduction Act
والذي وضع الولايات المتحدة في الطريق الصحيح نحو مستقبل الطاقة النظيفة والمتجددة
ويستعرض المقال أقوال وتعليقات بعض المسؤولين والمهتمين بشأن موضوع المناخ منهم جانيت بالين وزيرة الخزانة الأميركية حيث قالت
مجهودات خفض معدلات الفقر والتعامل مع التغيرات المناخية يجب ان يكونوا طموحات مشتركة بدلا من متنافرة أو متناقضة
بعض الدول الاعضاء في البنك الدولي تري ان موضوع المناخ يجب ان يكون في قلب اهتمامات البنك وليس علي هامش الاهتمامات
يؤكد الكاتب ان بعض الدول الفقيرة تطالب بشروط تمويل أحسن وآخرين يطالبون بمساعدات البنك في تمويل مشاريع التأقلم مع إرتفاع درجات الحرارة وارتفاع مستوي البحر واحداث تغيرات المناخ القاسية
وتمويل مشاريع الانتقال للطاقات المتجددة والنظيفة
اما السيد علي محمد مستشار شئون المناخ للرئيس الكيني فقد قال
"بالنسبة لنا المناخ هو التنمية والمناخ هو الفقر وليس من السهل التمييز بينهما واستطرد قائلا التغير المناخي يؤثر علي كآفة مناحي تنمية الآنسان وحياته"
يقول كاتب المقال ان الدول الغنية المسؤولة عن معظم التلوث المناخي يتوقعون من البنك الدولي ان يقوم بدوره في تمويل مشاريع المناخ بمستوي عالي لايستطيعون الالتزام به ويبحثون عن الإجابة علي سؤال من يقوم بدفع تعويضات الآثار المدمرة للعواصف والأعاصير والفيضانات وحرائق الغابات
حجم المهمة ضخم للغايه والتمويل المناسب حوالي 125 ترليون دولار بحلول عام 2050 اذا كان الهدف تحقيق أهداف إتفاقية باريس علي ان تظل درجات الحراره اقل من درجتين مئويتين حسب تقييم هيئة الأمم المتحدة البحثية المهتمة بالمناخ
السيد هومي خاراس باحث رئيسي في مركز دراسات التنمية المستدامة في معهد بروكنز في واشنطون يقول "اذا أردنا تحريك موضوع التغير المناخي بشكل جاد لابد من توسيع كافة جهود وامكانيات بنوك التنمية الدولية واضاف مستطردا كل ذلك يبدأ بالبنك الدولي"
كل المتشائمين من فترة ديفيد مالباس من انصار
قضايا المناخ في البنك ومن خارجه متفائلين من ان فترة الرئيس القادم ستكون بداية لحقبة جديدة
هناك مخاوف من البعض من إن مهمة البنك الجديدة والمتوقعة في التركيز علي قضايا المناخ ربما تلهي او تقلل من تركيز البنك علي القضايا التقليدية في التنمية و مكافحة الفقر
وتقول افتتاحية صحيفة الفايننشال تايمز اللندنية عدد 24 فبراير 2023 في هذا الصدد ان البنك الدولي منذ انشائه نتيجة إتفاقية بريتون وودذ في عام 1944 قد مر بعدة تغيرات في خطته الإستراتيجية حسب الظروف الدولية من تركيز الجهود نحو إعادة الإعمار لاوروبا المنهارة من الحرب مرورا بالتركيز علي التنمية وخفض معدلات الفقر ثم الاتجاه علي دعم جهود الأمم المتحده في تحقيق اهداف التنمية الالفيه
Millennium Development Goals
وتؤكد الصحيفة علي إن هذه النظرة الإستراتيجية تحتاج الي التغيير مرة اخري لتستوعب المستجدات والمتغيرات الدولية الراهنة من إشكالات في المناخ ومشاكل الصحة العامة كانتشار ظاهرة الوبائيات في ألعالم وتمضي افتتاحية الصحيفة في التعليق علي اسلوب البنك الحالي المبني علي التركيز علي مستوي القطر الواحد
"coumtry level approach"
ساهم ذلك المدخل في تقليل الاستثمار في القضايا الدولية والعابرة للقارات العالقة مثل مشاكل المناخ والصحة العامة وهذا لايعني بالضرورة ان المهمة الحالية للبنك في التركيز علي خفض معدلات الفقر وتوسيع قاعدة المشاركة في الرفاهية يجب ان تتأثر ولكن تري الصحيفة تأكيد الفهم ان التحديات الدولية الراهنة تتداخل مع أهداف البنك التقليدية وتوصي افتتاحية الفايننشال تايمز علي ضرورة قيام البنك الدولي بدور ريادي في طرح ومعالجة قضايا المناخ بمستوي كبير وسرعة عالية وتؤكد الصحيفة اهمية دور التمويل الكافي والعاجل لتحقيق الأهداف وفي هذا الإطار تقترح القيام بزيادة رأس مال البنك عن طريق زيادة مساهمة الدول الاعضاء مما يؤدي الي ارتفاع طاقة منح القروض والمساعدات بشكل كبير وايضا استخدام البنك
The bank balance sheet
بشكل اكثر فعاليه ليتمكن البنك من زيادة إمكانية منح القروض وهذا لايعني بالضرورة زيادة المخاطرة وتهديد تقييم البنك الائتماني الممتاز
triple-A credit rating
وايضا حث الدول الغنية للمساهمة اكثر في تمويل رأس مال البنك والنقطة الأهم تعبئة مساهمات القطاع الخاص في التمويل ويشمل ذلك الاستفادة من خبرات بنوك الاستثمار في فتح قنوات وأدوات استثمارية جديدة والتمويل المبتكر وكذلك الاستفادة من خبراتهم في التعامل مع وتقليل الاخطار
de-risking projects
وتعلق افتتاحية الفاينانشيال تايمز علي بعض الإشكالات العملية واتهامات البعض للبنك بالتحرك البطيء في تمويل وتنفيذ المشروعات والبيروقراطية المتشددة وتقول بعض الدراسات ان متوسط الزمن لتحويل مبالغ التمويل 465 يوما وفي بعض الأحيان ربما يحدث تاخير خارج عن السيطرة وتقترح الافتتاحية استيعاب القطاع الخاص والاستفادة من الخبرات والتكنولوجيا لتحقيق الأهداف بشكل أسرع واكثر فعالية

اجندة بريجدتاون
بعض الاصوات العالية تعتقد ان البنك الدولي بعد مسيرة ثمانين عاما يجب ان يتجه اتجاها جديدا يتضمن تحالفا عالميا جديدا للتعامل واحتواء التحديات الدولية الجديدة ومن اهما التغيير المناخي
يقود هذا الاتجاه نحو
“a new internationalism”
السيدة ميا موتلي رئيس وزراء جمهورية باربادوس وهي احدي جزر الكاريبي ومن اكثر الدول المهددة من كوارث تغيير المناخ
وصرحت السيدة موتلي بآن منظمات بريتون وودز التي تأسست في القرن العشرين لأيمكن ان تخدم إشكاليات وتحديات القرن الواحد والعشرين
ويشير المقال علي ان مبادرة السيدة موتلي والتي اطلق عليها اسم
"the Bridgetown agenda”
علي اسم عاصمة جمهورية باربادوس
تطالب وبشدة بتوفير التمويل الميسر الذي يحتوي علي أسعار فائده منخفضة وكذلك إستخدام ادوات الدين طويلة المدي لتمويل مشاريع الطاقات المتجددة والنظيفة كذلك تمويل البنيات الأساسية لمقاومة أثار الكوارث المناخية كما أكدت علي ان الدول الجزرية الصغيرة يجب أن تتمكن من مواحهة تحديات المناخ من غير معاناة من تراكم الديون نتيجة الصرف علي كوارث المناخ
مبادرة السيدة موتلي وجدت اهتمامًا عالميًا وخاصة من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والذي طالب بضرورة تطبيق هذه الإصلاحات في مؤتمر المناخ الاخير في شرم الشيخ

اصلاحات مطلوبة
يؤكد المقال علي ان بعض الدول قد طالبت بنوك التمويل الدولية ومن ضمنها البنك الدولي بتوفير التمويل المطلوب لكل الدول واكثر تحديدا الدول النامية متوسطة الدخل لتحويل إقتصادياتها من إستخدم الوقود الاحفوري وكل انواع مصادر الطاقة الملوثة للبيئة
استجابة لكل هذه المطالب اصدر البنك الدولي تقريرا او مايسمي ب
"evolution road map”
يهدف التقرير الي استكشاف كل الطرق والوسائل الناجعة لمعالجة كوارث المناخ والكوارث الدولية الاخري
في التقرير ايضا حديث عن أهمية توفير تمويل عن طريق زيادة مساهمات الدول الاعضاء ليتمكن البنك من تمويل مشاريع التغييرات المناخية في كل انحاء ألعالم
وهناك اعتراضات من بعض الدول المساهمة وخاصة الولايات المتحدة وهي من أكبر المساهمين علي زيادة المساهمات تحت دعاوي انها تواجه ضغوطا داخلية نتيجة أزمات اقتصادية داخلية سواء من جانب الميزانية او التضخم او ازمة الطاقة
وأشار مقال الفاينانشيال تايمز الي مستوي التمويل المخصص من البنك الدولي لمشاكل المناخ قد ارتفع من 10.9 مليار دولار الي 32.7 مليار دولار في فترة السبعة سنوات الاخيرة
علي الرغم من ان نسبة تمويل مشاريع المناخ قد إزدادت بالنسبة الي تمويل المشاريع الاخري الا أن البنك يعتبر متأخرا مقارنة مع بنوك التنمية الاخري مثل بنك التنمية الاوربي وبنك التنمية الأفريقي بناء علي تقرير مستقل من جماعة المناخ NRDC
ويقول المقال ان دول مجموعة السبعة G7 تدفع في أتجاه كيف يستطيع البنك من تحرير بعض الموارد من ال
balance sheet
ليتمكن من تمويل مشاريع المناخ بدلا من زيادة الاموال بشكل مطلق
وفي تقرير صدر من لجنة مستقلة عينت بواسطة مجموعة العشرين لتقييم تجربة البنك التمويلية
وأشار هذا التقرير الي ان تمويل التنمية يمكن أن يتم عن طريق بعض التعديلات الطفيفة والموازنة بين إدارة المخاطر والتوسع في منح القروض مع المحافظة علي التصنيف الائتماني ومن المعروف ان البنك الدولي يهتم بالمحافظة علي التصنيف الائتماني والذي ظل علي مستوي Triple-A
لعدة عقود ويساعد التصنيف الجيد البنك في الحصول علي التمويل من سوق السندات وهو المصدر الأساسي للحصول علي الأموال وبأسعار فائدة منخفضة ويصب ذلك في مصلحة المستثمرين والمساهمين في البنك
ويشير التقرير ان البنك ربما كان اكثر محافظة في منح القروض وتفادي الأخطار المالية في محاولة للحفاظ علي التصنيف الائتماني ويقترح التقرير علي المساهمين تحديد مستوي المخاطر التي يجب علي البنك اتخاذها عند تمويل المشاريع وان يسمحوا للبنك من اجراء بعض الاصلاحات في هذا الصدد مثل تعديل كمية رأس المال المستخدم تجاه منح القروض وكذلك كيفيه زيادة رأس المال القابل للاستدعاء في حالة الازمات كإستراتيجية لدرء الأخطار المالية
افيناش بيرسورد مستشار رئيسة وزراء جمهورية باربادوس السيدة ميا موتلي لشئون المناخ معلقا علي أداء مؤسسات التمويل التنموي قائلا ان التقرير يؤكد علي اذا كانت هذه المؤسسات حريصة علي زيادة وفعالية وحجم التمويل لمشاريع المناخ عليها ترك الاساليب التقليدية القديمة مثل الإعتماد علي رأس المال المدفوع فقط
اما لورد نيكولاس سترن كبير الاقتصاديين السابق لدي البنك الدولي ورئيس معهد قرانتهام التابع لمدرسة لندن للاقتصاد يقول ان زيادة طفيفة في رأس المال يمكن ان تحدث تغييرات كبيرة في امكانيات البنك من إصدار ومنح القروض
علي الرغم من الترحيب الكبير من إدارة البنك باقتراحات وثقة مجموعة العشرين الا أن بعض المساهمين يعتقدون ان البنك لايزال بطيئا جدا في تنفيد معظم المقترحات الإصلاحية المطلوبة
وتمضي الصحيفة في القول ليس كل الدول وخاصة الدول المستدينة من البنك الدولي متحمسة للتوصيات التي تؤيد اتجاه البنك نحو سياسات خضراء وكذلك دول الخليج المصدرة للنفط وعلي رأسهم السعودية وروسيا وبعض الدول المعتمدة علي الوقود الاحفوري مثل الهند وبعض الدول الافريقية ودول من امريكا اللاتينية يعارضون اتجاه البنك في ان يكون بنكا اخضرا “green bank”
وهناك مخاوف من البعض في ان تركيز البنك نحو تمويل مشاريع المناخ ربما يكون علي حساب تمويل التنمية ويؤدي ذلك الي ان هناك مبالغ أكبر سوف تتوجه نحو الدول متوسطة الدخل علي حساب الدول الفقيرة
عمار بهراشاريا من مركز دراسات التنمية المستدامة يقول ان هناك بعض الدول النامية تعتقد ان موضوع المناخ قد فرض عليهم وان في الموضوع شيئا من الرفاهية مقارنة مع مايعانون من مشاكل عاجلة وانهم لايريدون ان يوقف البنك جهوده نحو التعليم والصحة
سيكون هناك بعض النقاش الحاد المتوقع حول كل المقترحات في أجتماع البنك القادم في ابريل في واشنطون وتقترح الولايات المتحدة خطة مايسمي ب الانتصار السهل
“easy win”
فيها يتم تطبيق بعض اقترحات وثيقة مجموعة العشرين علي سبيل المثال خفض نسبة الملكية الي الديون واستخدام ادوات رأس مال مختلطة
“Hybrid Debt Instruments”
وتقترح وزيرة الخزانة الاميركية وبشدة تفعيل مشاركة القطاع الخاص في مشاريع المناخ
وهناك عضو من مجموعة السبعة يتسائل عن كيفية تقييم المخاطر بواسطة البنك الدولي عند تحديد المشروعات
اما صحيفة الغارديان فقد وجهت انتقادات حادة للبنك الدولي بخصوص استمرارية تمويله مشاريع الطاقات غير النظيفة واستخدام الوقود الاحفوري رغم الادعاء بوقف هذا النوع من التمويل المباشر
وتمضي الصحيفة في القول من خلال مقال نشر في عدد الخامس من اكتوبر 2022 بقلم الكاتبة فيونا مارفي مراسلة شئون البيئة للصحيفة حيث قالت
"توصل بحث جديد إلى أن البنك الدولي قدم ما يقرب من 15 مليار دولار من التمويل المباشر لمشاريع الوقود الأحفوري منذ توقيع اتفاقية باريس في عام 2015 ، ومن المرجح أن يكون قد حفز استثمارات أكبر بكثير بشكل غير مباشر" وتواصل الصحيفة في القول
كان من المفترض أن يتوقف تمويل مشاريع النفط والغاز "الأولية" من البنك الدولي اعتبارًا من عام 2019 لكن هناك تقرير من
Big Shift Global
وهو تحالف يضم أكثر من 50 منظمة غير حكومية ، وجد ان البنك والشركات التابعة له يمول مصفاة النفط ومعالجة الغاز منذ ذلك الحين.
يغطي تقرير
Big Shift Global
المعنون "الاستثمار في الكوارث المناخية" تمويل مجموعة البنك الدولي للوقود الأحفوري أنشطة مجموعة البنك الدولي بالتفصيل من 2018 إلى 2021. ووجد أن البنك كان يستخدم وسطاء ماليين في شكل بنوك أو مؤسسات مالية وأحيانًا صناديق الأسهم الخاصة أو البنوك التجارية. وقال التقرير إن تدفقات التمويل غير المباشرة هذه كانت "ثغرة رئيسية"
في سياسة المناخ للبنك الدولي
وقالت السيدة كات كرامر مؤلفة التقرير لصحيفة الغارديان: "إنه أمر مروع للغاية. يلعب البنك الدولي دورًا قياديًا ، وفي بعض الحالات يمكنه تقديم قدر ضئيل فقط من الدعم الذي يسهل استثمارات أكبر بكثير من أماكن أخرى. لديهم قدر هائل من النفوذ ، ووجدنا العديد من الحالات التي تم فيها استخدام ذلك بشكل غير مفيد ، من حيث المناخ ".
العديد من حالات تمويل الوقود الأحفوري التي كشف عنها التقرير تتعلق بمشاريع الغاز والتي جادلت بعض الدول بأنها يمكن أن تكون "وقودًا انتقاليًا" ، بين الفحم والطاقة المتجددة. رفضت السيدة كرامر ذلك الادعاء مستندة إلى النصيحة التي تقول إنه لا ينبغي السماح بأي تطوير جديد للغاز إذا كان العالم سيتمسك بحد درجة الحرارة 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة والتي تم استهدافها في قمة المناخ COP26 للأمم المتحدة في مؤتمر غلاسكو.
ووجد التقرير أيضًا أن البنك شارك في المساعدة في التمويل غير المباشر لمشاريع الفحم على الرغم من إنهاء التمويل المباشر للفحم في عام 2010.
وقال متحدث باسم مجموعة البنك الدولي لصحيفة الغارديان: "نحن نشكك في نتائج التقرير: فهو يقدم افتراضات غير دقيقة حول إقراض مجموعة البنك الدولي. في السنة المالية 2022 ، قدمت مجموعة البنك مبلغًا قياسيًا قدره 31.7 مليار دولار للاستثمارات المتعلقة بالمناخ لمساعدة المجتمعات في جميع أنحاء العالم على الاستجابة لأزمة المناخ ، وبناء مستقبل أكثر أمانًا وأنظف”
أثار تقرير منفصل عن البنك الدولي ، نُشر في وقت سابق من هذا الأسبوع ، مخاوف بشأن شفافية المجموعة في الإبلاغ عن تمويل المناخ. وجدت منظمة أوكسفام أنه ، باستخدام أرقام البنك الخاصة والمنهجيات المنشورة ، لم تتمكن من التحقق من حوالي 7 مليارات دولار من 17.2 مليار دولار قال البنك إنه انفقها على تمويل المناخ في عام 2020 من أذرعه الإقراض الرئيسيين ، المؤسسة الدولية للتنمية والبنك الدولي لإعادة الإعمار والتنمية
وقالت منظمة أوكسفام إن الرقم الحقيقي للإنفاق كان يمكن أن يكون 40٪ أكثر أو أقل من المبلغ المذكور ، وإن تقديرات البنك لكيفية فوائد تمويله للمناخ يجب أن تكون أكثر وضوحًا.
كما عارض البنك الدولي النتائج التي توصلت إليها منظمة أوكسفام وقال متحدث باسم البنك: "نحن صارمون بشأن كيفية تطبيقنا للمنهجية ونخصص فقط المنافع المشتركة لحصة التمويل في مشروع معين يرتبط ارتباطًا مباشرًا بالعمل المناخي"

من كل ذلك نخلص الي النقاط الهامة التالية
اولا/ البنك الدولي بوضعه الحالي ومهمته واهدافه اصبح غير مواكب لمعالجة الازمات المتعددة والمعاصرة في عالم مابعد جائحة كورونا وتفاقم ازمة وكوارث التغيرات المناخية
ثانيا/ المودل الاقتصادي للبنك والذي يرتكز علي المحافظة علي التنصيف الائتماني بشكل يحد من التوسع من منح القروض التنموية وقروض المناخ وكذلك الافراط في التعامل مع تقليل المخاطر اصبح ايضا باليا ولا يواكب المتغيرات الدولية والاقليمية المعاصرة والتي تتطلب المرونة والتأقلم السريع
ثالثا/ مهمة البنك الدولي التقليدية في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وخفض معدلات الفقر لا يجب ان تتعارض مع الاهتمام والتركيز علي تمويل المشاريع المتعلقة بدرء اثار الكوارث الطبيعية من جراء التغير المناخي وكذلك تمويل مشاريع الطاقات المتجددة والنظيفة
رابعا/ زيادة رأس مال البنك عن طريق زيادة مساهمات الدول الاعضاء وخاصة من الدول الصناعية يعتبرا ذلك محوريا في تمكين البنك الدولي من زيادة القروض والمساعدات المالية التنموية وكذلك تمويل مشاريع الطاقات المتجددة كما علي البنك التأكيد علي هويته الاقتصادية كبنك للتنمية الدولي وليست بنكا للاستثمارات بهدف تحقيق الأرباح
خامسا/ علي البنك تخصيص ادارة متخصصة وعلي مستوي تفني وفني عالي وخبرة في التعامل مع ازمة المناخ علي جميع الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وكذلك تخصيص وحدة فنية للتنبؤات المناخية والانذار المبكر وربط ذلك بخطط البنك لمواجهة تلك الازمات مبكرا وقبل حدوثها
سادسا/ اهمية ان يكون رئيس البنك الدولي القادم له او لها خلفيات في قضايا المناخ من ناحية علمية وعملية إضافة لخبرة معتبرة في مجال التنمية الاقتصادية والطاقات المتجددة مع الاهتمام والايمان بقضايا المناخ ومسبباتها
سابعا/ الحذر من تمويل مشاريع المناخ وفق الشروط التقليدية والقاسية المرتبطة بالروشتة المشروطة المعهودة للبنك الدولي لما يسبب ذلك من أثار اقتصادية واجتماعية مدمرة ويفاقم من حدة الازمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية
ثامنا/ ربط قضايا الديون المتراكمة للدول الفقيرة واعباء تسديد خدمات هذه الديون بالتمويل الجديد للدول المتضررة من اعباء كوارث المناخ بحيث لا يؤدي تسديد خدمات الديون الي استنزاف مزمن لطاقات هذه الدول ويعوق استفادتها من المساعدات الموجهه لمشاريع مكافحة كوارث المناخ
تاسعا/ ابتكار وسائل وطرق جديدة لتمويل المشاريع المتعلقة بالمناخ وتمويل مشاريع الطاقات المتجددة
مثل التمويل الأخضر والسندات الخضراء كذلك علي البنك ان يلتزم الشفافية وتفادي بعض ممارسات ال
Greenwashing
وهو عدم الامانة والشفافية في الادلاء بمعلومات خادعة او غير صحيحة في مايتعلق بمشاريع وخطط البنك في مجال التغيير المناخي او تمويل الطاقات المتجددة
كما اشار لذلك مقال صحيفة الغارديان
عاشرا/ تنسيق علي مستوي عالي عالمي مع بنوك التنمية الدولية والاقليمية في الإتفاق علي شروط ومعايير جديدة للتمويل الميسر من سعر فائدة منخفض وفترات سماح طويلة وكذلك إدماج إشكاليات البيئة والمناخ في المفهوم الجديد الشامل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية

 

د.محمد محمود الطيب
فبراير 2023
wesamm56@gmail.com

المراجع
https://www.ft.com/content/5945ac4d-a0a9-434f-8b79-68875849b7df
https://www.ft.com/content/4e974d8f-80c8-4ab6-a6d8-597e979787ba
l https://amp.theguardian.com/business/2022/oct/06/world-bank-has-given-nearly-15bn-to-fossil-fuel-projects-since-paris-deal

 

آراء