التُّخُم بين الرزيقات ودينكا ملوال في سنوات الحكم الثنائي (2) .. ترجمة وتلخيص: بدر الدين حامد الهاشمي
The Rizeigat –Malual borderland during the Condominium - 2
دكتور كريستوفر فونDr. Christopher Vaughan
ترجمة وتلخيص: بدر الدين حامد الهاشمي
مقدمة: هذه ترجمة وتلخيص لجزء آخر من بعض ما جاء في مقال نشر في الفصل السابع من كتاب بعنوان "تخوم جنوب السودان The Borderlands of South Sudan" والذي حرره كريستوفر فون وماريك شومرس ولوتج دي فارس، وصدر في نهاية عام 2013م عن دار نشر بالقريف ماكميلان ببريطانيا. ويعمل دكتور كريستوفر فون حاليا محاضرا لعلم التاريخ في جامعة درام ببريطانيا متخصصا في تاريخ أفريقيا في القرن العشرين. وكان الكاتب قد أنجز رسالته للدكتوراه عام 2011م بجامعة درام بعنوان:" ثورات دارفور في سنوات الاستعمار الباكرة"، وسيصدر له قريبا كتاب بنفس العنوان مستل من تلك الأطروحة.
وقد يجد القارئ في ثنايا هذه السطور بعض جوانب الأبعاد والجذور التاريخية لمشكلة نزاع قبلي حول الموارد (وغيرها) قد يكون هو من أكبر المشاكل التي تواجه البلاد في هذا العصر، ولا يمكن تصور إيجاد حلول له دون النظر الفاحص لجذوره وتاريخه. وسيجد القارئ أيضا مقولة "فرق تسد divide and rule" ماثلة في سياسة الحكم الاستعماري في المنطقة التي يتناولها هذا المقال.
المترجم
****** *********** ***************
تحيُّز المسئولين
لم يخل سلوك المسئولين في دارفور من تحيزات وأفكار مسبقة. وحضر لامبن الإداري البريطاني بدارفور أول اجتماع مشترك بين دينكا ملوال والرزيقات في "سفاهة" في 1927م، وسجل لاحقا انطباعاته عن دينكا ملوال ووصفهم بأنهم " متسولين ُبغَضاء". وكانت مثل تلك المقولات تعكس آراء المستعمرين البريطانيين بخصوص التسلسل الهرمي العنصري (في أذهانهم بالطبع. المترجم). وسجل لامبن أن آرائه عن الملوال ترتبط أشد الارتباط بآراء الرزيقات حولهم، وأضاف ما نصه: "لمست من صلاتي بالعرب بعض آراء البقارة المسبقة وتحيزاتهم ضد هؤلاء الناس واعتبارهم مجرد برابرة يواجهون هامش العالم المتحضر". وكان لامبن هذا، وبدرجة ما، يساهم في إشاعة المشاعر العنصرية عند السكان المحليين وعند المستعمرين أيضا. وخلافا لما طالب به لامبن من ضرورة أن يعيش الرزيقات ودينكا ملوال مختلطين في سلام حول حدود منطقتيهما، كان الإداري البريطاني في بحر الغزال ستبس يتهم لامبن بأنه إنما يتحدث باسم الرزيقات. وسجل ستبس في مذكرة له ما نصه: "لا شك أن العرب يفضلون الاختلاط بدينكا ملول ... وكيف لا وهم يجدون فيهم الأيدي العاملة الرخيصة، والزوجات اللواتي يلدن لهم أطفالا". إن أسلوب " ترك الحبل على الغارب، أو ترك الأمور تجرى في أعنتهاlaissez –faire attitude " في أوساط مسئولي الحكومة بدارفور في أمر إدارة التداخل والتفاعل بين الرزيقات ودينكا ملوال قد يعزى للحكم الذاتي الواسع الصلاحيات الذي منحه هؤلاء للناظر القوي إبراهيم موسى مادبو زعيم الرزيقات. وكانت آراء هؤلاء الإداريين البريطانيين بدارفور لا تختلف في تحيزها عن تلك التي يحملها المسئول البريطاني استبس على الجهة الأخرى من الحدود، والذي كان يصر على ضرورة الفصل العنصري بين الشعبين.
غير أن مسئولي دارفور البريطانيين كانوا قد ألقوا بصريح العبارة بتهمة "التحيز" على المسئول البريطاني استبس ببحر الغزال. بل إن كرافورد خليفة لامبن في إدارة دارفور زعم صراحة بأن استبس كان مخطئا جدا في معاملته لدينكا ملوال على أنهم "عرق متحضر ومنضبط" ولامه على عدم حكمته لوضعه كامل ثقته فيهم و "هو يرى سلوكهم على النهر". ومضى كرافورد في اتهامه لستبس مشيرا إلى أن المشاعر الوطنية لم تظهر عند الدينكا إلا بعد أن حل بأرضهم هذا الرجل المدعو استبس، وأنهم شعروا معه بأن ورائهم حكومة تحمي مصالحهم، وأن "بإمكانهم – في وقاحة لا نظير لها- تجاهل أي حدود مرسومة سلفا". غير أن الواقع يقول بأن استبس لم يلعب ذلك الدور المهم والخطير الذي قيل إنه كان قد لعبه كمتحدث باسم الطرف الأضعف (وهم زعماء و"سلاطين" دينكا ملوال) ضد الطرف الآخر بزعامة الناظر القوي إبراهيم موسى مادبو. وليس معروفا إن كان ذلك نتيجةً أم سببا لزيادة تشبث وإصرار دينكا ملوال على مواقفهم. وأورد كرافورد في مذكرة له يوم 10 أبريل 1933م أن الرزيقات أبلغوه أن دينكا ملوال كانوا يغنون كلاما يفيد بأنهم "يسقون أبقارهم الآن من النهر، وستكون "أبو جابرة" هي محطتهم الثانية". ومعلوم أن "أبو جابرة" هي رئاسة قبيلة الرزيقات. ولام كرافورد في تقريره مجددا ستبس لتشجيعه دينكا ملوال على تقويض وحدة الدولة، وتقليل هيبتها في أعين الأهالي، ولتعضيده لدينكا ملوال في استفزازهم لجيرانهم. ولا ريب أن كرافورد نفسه كان متأثرا بما يسمعه من الرزيقات ويؤيد مطالبهم.
ولم تكن عدم الثقة والمنافسة بين المسئولين البريطانيين قصرا على مفتشي المراكز، بل إن حكامي المديريتين أنفسهما كانا على خلاف عميق في أمر الصراع بين الرزيقات ودينكا ملوال، وكان كل واحد منهما يقف – بالحق والباطل- خلف ما يقوله ويفعله من تحته من الإداريين. وأرسل دوبس حاكم دارفور في 18 يونيو 1932م خطابا لبرووك حاكم بحر الغزال يتهم فيه استبس بالتحيز لمن يحكمهم، وبالعمل على زيادة التوتر والشقاق بين الرزيقات ودينكا ملوال. ورد برووك بالدفاع عن استبس، مؤكدا أنه "مسئول محايد وفعال، لأنه خبير بدقائق شئون الدينكا ويجيد لغتهم ويفهم عقليتهم وعاداتهم ويدرك ما يحتاج إليه المرء لإدارتهم". والسؤال هنا هو: هل كانت تلك "المعرفة بدقائق شئون الدينكا" تهدد بالفعل الوحدة "الظاهرية" للدولة الاستعمارية بخلقها “تعاطفا شخصيا" قد لا يخلو من مخاطر. وسجل كرافورد أن سمع إشاعة في كردفان المجاورة تقول بأن الحمر العرب يقولون بأن "الحكومة لا تحب إلا الدينكا، ولم تعد تحب العرب" وكان ذلك هو رأي الرزيقات أيضا. وأزعجت مثل تلك الأقوال الإداريين بدارفور، وأشعرتهم بأن شرعيتهم مهددة إن فشلوا في الدفاع عن مصالح المجتمعات التي يحكمونها ضد مصالح المنافسين الآخرين.
حالات التزاوج (التصاهر) بين العرقين
كانت إحدى أسباب النزاع بين الرزيقات ودينكا ملوال في بداية الثلاثينيات يتعلق بأدق الشئون الشخصية في الحياة الاجتماعية، ألا وهي حالات الزواج والطلاق. ولعبت المصاهرة دورا غير منكور في خلق علاقات حميمة بين الرزيقات ودينكا ملوال، غير أن تلك العلاقات خلقت أيضا أسبابا جديدة لصراعات ونزاعات بين بعض أفراد القبيلتين، خاصة وأن عمليات التزاوج تلك كانت تسير في اتجاه واحد، حيث اقترن رجال الرزيقات بفتيات من دينكا ملوال، ولم يحدث العكس أبدا. وربما كان لذلك التوجه أسبابا تاريخية تتعلق بالفترات السابقة التي سادت فيها تجارة الرقيق. وربما كان تعرض دينكا ملوال لمحاولات الاسترقاق من جيرانهم في الماضي كان هو السبب في دفاع ستبس عنهم ضد الرزيقات.
وشملت أجندة اجتماعات "سفاهة" في 1932م بين الرزيقات ودينكا ملوال بحث أمر المشاكل الزوجية بين رجال الرزيقات ونساء دينكا ملوال. فقد اِشتَكَى بعض رجال الرزيقات من نشوز زوجاتهم الدينكاويات، وِاشتَكَى البعض الآخر من أن بعض الزوجات الدينكاوات يقمن بأخذ أطفالهن من أزواجهن الرزيقات ويهربن بهم إلى أهلهن في بحر الغزال. بينما أشتكى في المقابل زعماء دينكا ملوال من عدم دفع بعض رجال الرزيقات لمهور زوجاتهم الدينكاويات، أو الاقتران بهن دون موافقة أهلهن. وكان بعض شباب دينكا ملوال يذهبون لدار الرزيقات بحثا عن العمل، ويأخذون معهم بعض قريباتهم من فتيات الدينكا، ويسعون هنالك لتزويجهن من رجال الدينكا أو الرزيقات، ثم يأخذون مهورهن ويحتفظون بها لأنفسهم ولا يعطون أهلهن من كبار السن شيئا. وتم الاتفاق على إنشاء محكمة خاصة مكونة من قضاة من القبيلتين للبت في مثل تلك القضايا. غير أنه يجب القول هنا أن الإداري البريطاني ستبس كان يقف دوما ضد التصاهر بين دينكا ملوال والرزيقات لأن ذلك التزاوج يثمر عن " أطفال دينكا مستعربين مقتاء"، ويشجع في رأيه على استمرار تجارة الاسترقاق، والزواج "القليل التكاليف المادية". وأتهم ستبس زعيم الرزيقات نفسه بالسعي للزواج من كريمة أحد زعماء دينكا ملوال بغرض توثيق صلاته بالدينكا، وأملا في بسط نفوذه بينهم. ونفى مادين الإداري البريطاني بدارفور ما زعمه ستبس من اِتِّجار الرزيقات بنساء دينكا ملوال، وأكد نفي زعيم الرزيقات لتهمة تجارة الرقيق، بل وأتهم ستبس بالتخليط وعدم التفريق بين "الزواج بالتراضي" وبين "الاسترقاق".
ومما ذكر في تلك المحكمة الخاصة بالمشاكل الزوجية مطالبة الأزواج من الرزيقات برد أطفالهم إليهم من زوجاتهم الدينكاويات الناشزات. وردا على ذلك طالب أولياء الزوجات بدفع عدد معين من الأبقار، جريا على التقليد القبلي عندهم. بينما كان ستبس يرفض قطعيا إعادة أولئك الأبناء لآبائهم خوفا، كما قال، من أن "يجعلوا رقيقا عند أولئك العرب".
وتم في نهاية المطاف عقد اتفاقية هزيلة تفيد بموافقة زعماء القبيلتين على إثناء الشباب من الطرفين عن الزواج المختلط الأعراق، وعدم عقد أي زيجة مشتركة إلا أمام مفتش المركز لشمال بحر الغزال، حيث يتم تسجيلها رسميا. وأبرمت تلك الاتفاقية في عام 1928م. ولم تسجل أي زيجة مختلطة منذ ذلك التاريخ. وشهدت جلسة الاجتماع بين زعماء القبيلتين تلاسنا وتهما متبادلا وجوا مترعا بالتوتر والحدة والاحساس بعدم المساواة. وحدث أثناء ذلك الإجتماع أن أختطف رجال دينكا ملوال أحد صبية الدينكا الذي كان في رفقة حاشية ناظر الرزيقات رغم إرادته مما أغضب الناظر مادبو غضبا شديدا. واضطر الإداري البريطاني ستبس لإعادة الصبي لحاشية الناظر رغم احتجاج الزعيم الدينكاوي دينق وول والذي سمعه أحدهم وهو يقول: "لولا الحكومة لأخذنا هؤلاء الناس بالقوة".
إدارة حقوق الرعي
لاحظ إداريو دارفور تحسنا كبيرا في العلاقات بين الرزيقات ودينكا ملوال في الشهور الأولى من عام 1933م بسبب التحسن الكبير في حالة المراعي في المنطقة عقب سنوات من الجفاف، والذي ساهم في زيادة الاحتكاك والنزاع بين القبيلتين. وكان تقاسم المراعي بين الرزيقات ودينكا ملوال في المنطقة الواقعة جنوب بحر الغزال، ومنذ قديم، من أهم نقاط النزاع والتصادم بين القبيلتين. وكان الاقتراح المقدم من إداري بحر الغزال لترسيم حدود واضحة بين القبيلتين تجري من جهة الشرق للغرب قد رفض في البدء. غير أن عوامل كثيرة دفعت الحكومة فيما بعد لتشديد الرقابة على التداخل والتفاعل بين أفراد القبيلتين في منطقة الرعي تلك.
وكان كرافورد (مفتش مركز جنوب دارفور منذ عام 1933م) يعتقد جازما باستحالة التعايش السلمي بين أفراد القبيلتين، مما يلزم الحكومة – في رأيه- للتدخل والفصل بينهما. وكتب كرافورد خطابا إلى حاكم دارفور في يوم 10/4/ 1933م جاء فيه: "لا يزال العرب يعتبرون الدينكا عرقا أقل منهم شأنا". ولاحظ الرجل أيضا أن الضرائب المفروضة على دينكا ملوال في منطقة الرعي (المشتركة) ترتفع سنويا بمقدار 4% ، مما يعني حدوث زيادة متسارعة في عدد أفراد تلك القبيلة وماشيتهم في المنطقة، وهذا من شأنه بالطبع أن يضع ضغوطا إضافية على المرعى. وأرجع بعض الإداريين في عام 1933م زيادة عدد أبقار الدينكا في المنطقة في السنوات الثماني الأخيرة إلى عدم حدوث أوبئة فيها (مثل الطاعون البقري). وكانت إدارة بحر الغزال تقوم أيضا بتشديد الرقابة على مناطق الرعي المشتركة، وترسم حدودا واضحة في بحر الغزال نفسها للدينكا، مع ملاحظة أن حاكم بحر الغزال برووك أمر بتخصيص أراض بعينها في مديرية بحر الغزال كي يستخدمها دينكا ملوال مرعا لأبقارهم، وكان يردد دوما أن "عدم توفير مراعى معلومة الحدود للرجل الدينكاوي ستجعل منه متمردا خارجا عن القانون".
غير أن حادثة محددة وقعت في أبريل من عام 1933م أشعلت فتيل النزاع والحرب مجددا بين العرب ودينكا ملوال، إذ قام في أبريل من عام 1933م رجال من دينكا ملوال باغتصاب عدد من نساء عرب الحمر في منطقة الحدود بين كردفان وبحر الغزال. وقام على إثر ذلك رجال الحمر بحملة انتقامية على الدينكا. وساهمت تلك الحملة في رفع حدة التوتر في المنطقة الحدودية بين دينكا ملوال والرزيقات أيضا. وزاد شباب الدينكا من وتيرة دخلوهم لمراعي تتبع للزريقات، ولم يرد رجال الرزيقات على تلك الاعتداءات وذلك بسبب القيود والانضباط الذي فرضهم عليهم زعيمهم الناظر إبراهيم موسى مادبو. وهنا يبدو للمحلل أن شباب الدينكا كانوا قد بدأوا في التمرد على زعاماتهم التقليدية القديمة، ويخالفون أوامرها.
وتواصلت المحادثات بين القبيلتين تحت إشراف الإداريين البريطانيين من المديريتين، وتم الاتفاق بينهما في "سفاهة" في عام 1935م. وقام بإنجاز ذلك الاتفاق النهائي الإداريان البريطانيان كرافورد واستبس دون حضور زعماء القبلتين المتصارعتين. وشمل الاتفاق بنودا تفصيلية عديدة تتعلق بتحديد أيام معينة لرعي بهائم كل من أفراد القبيلتين بحسب الموسم (جفافا وخريفا). وجاء في الاتفاق ضرورة التزام الدينكا بعدم الاقتراب من فرقان العرب، أو أماكن صيدهم، وعدم منعهم من صيد الأسماك من النهر، وعدم الرعي في دار رزيقات في موسم الخريف.
ولم يكن من غير المتوقع أن يرفض زعماء دينكا ملوال اتفاقية 1935م عندما عرضت عليهم لأول مرة، وطالبوا باتفاقية جديدة تتيح لأفراد القبيلتين حرية الرعي أينما شأوا واعتبار كامل المنطقة مراعي مفتوحة للقبيلتين. وعند ذلك تنازل الناظر إبراهيم موسى مادبو للدينكا بمنحهم عشرين يوما للرعي في منطقته في موسم الخريف، شريطة أن يسمح للرزيقات بالرعي في مناطق الدينكا في موسم الجفاف.
غير أن تلك الاتفاقية لم تثبت على أرض الواقع لأن حاكم الاستوائية (والتي كانت بحر الغزال جزءً منها) كتب إلى السكرتير الإداري بالخرطوم طالبا منه تعديل الحدود المرسومة في عام 1924م بين مديريته وبحر الغزال لأنها، وبحسب قوله: "مثل اتفاقية فرساي... تبذر بذور الحرب في المستقبل".
وبحسب نظرية بعض الإداريين البريطانيين التي مفادها أن العلاقات الجيدة بين زعماء القبائل هي مفتاح الحل للمشاكل القبلية، أقام البريطانيون حفل شاي لزعماء القبيلتين في عام 1939م قام فيه مادبو ناظر الرزيقات بإلقاء خطبة أبرز فيها موهبته المعتادة في التباعد عن السيطرة الاستعمارية على منطقته، والتركيز على سلطته المطلقة عليها حيث قال: "كنت كرجل ذي ولدين: الدينكا والرزيقات. ولا أستطيع كأب أن أتجاهل أي منهما".
وفي عام 1946م حدثت معركة صغيرة بين بعض أفراد القبيلتين حول الرعي قتل فيها أربعة رجال من الطرفين. وسببت تلك الحادثة أزمة محدودة الأثر في العلاقات بين القبيلتين. إلا أن الحكم بدفع ديات (بحسب المعايير الموضوعة من قبل دينكا ملوال) أفلح في حل المشكلة تماما. غير أن مشكلة حوق الرعي ظلت تراوح مكانها، وكانت تظهر بين حين وآخر حتى فجر يوم الاستقلال.
وبالنظر إلى تاريخ ذلك الصراع نجد أن الصراع و"حرب الكلمات" بين الإداريين البريطانيين على جانبي الحدود في المنطقة كان له أثر مهم في إِذكاء نار الخلاف والصراع بين أفراد القبيلتين، وكشف عن صراع خفي ومعلن بين أجنحة مختلفة في داخل الدولة الاستعمارية نفسها تسبب في تخبط وتغييرات مفاجئة في سياسات الحكومة تجاه القبيلتين.
alibadreldin@hotmail.com