الثورة كابلي.. والكابلي ثورة!

 


 

 

العِبارة التي وضعتها عنواناً لهذا المقال، كتبتها كثيراً مُنْذ اندلاع ثورة 19 ديسمبر 2018 التي انتصرت في 11 إبريل 2019 وتجدِّد نفسها اعْتِباراً من 25 أكتوبر 2021 لإسقاط انقلاب البُرْهان ومَن معه مِن فلول النظام البائد وكيزان وخوَنة دماء شهداء كل السودان وبالأخص في دارفور.
الثورة الجديدة ثورة لتأسيس "سودان جديد"، لا لتغيير نظام فحسب، وهي في سبيلها لتنتج "مؤتمر خريجين جديد أو حديث"، أشبه بذلك الذي ساهم في استقلال السودان.. أي جبهة عريضة لشباب الثورة ولجان المقاومة وقوى الوسط والديمقراطيين الوطنيين، لإدارة السودان بحكومة مدنيّة خالِصة في ظل ديمقراطيّة وتعدُّديّة وشفافيّة يحرسها أشمل وأعرض وفاق وطني لفترة انتقاليّة تُنْجَز فيها كافة قضايا التغيير والتأسيس الجديد، وبعدها ليتنافس الجميع، أحزاب وشخصيات مُسْتقلّة، في محرابِ الديمقراطيّة التعدُّديّة في انتخابات حُرّة ونزيهة.
سجّل عبد الفتاح البرهان زيارة للاستاذ عبد الكريم كابلي عند عودة الاخير للسودان في يناير 2020. اسْتَمِع، أو أقرأ، ثُمّ تمعّن يا رعاك الله ويا مُحِبّ لكابلي ومُعجب به، للدرس الذي قدَّمه كابلي للبُرْهان في تسجيلٍ صورة وصوت مدته لا تتجاوز دقيقتين، التقطته عدسة سعد الكابلي.
أضاع البُرْهان فُرصة الاستماع، وبالأخص الفَهم لكي يدخل التاريخ من أفضل أبوابه، وذلك لأنّه كان لحظتها جسداً مع الكابلي بينما عقله في مكانٍ آخر يخطِّط ويتآمر لهزيمة الثورة وقتل الشباب الثائر فسجّل نفسه في كتاب التاريخ صنواً للسفّاحين والمجرمين بحسب الاتهامات التي يطلقها عليه الشارع الثائر ضده، وبحسب حقائق ما يجري على الارض، بينما ذهبت روح كابلي إلى ربّها راضية مرضية بعد أنْ أدّى آخر مهامه ورسالته بنُصْحِ الحاكِم.
ذهب الكابلي راضياً عمّا قدَّم وأنتج من إبداع وفنّ، وعمّا قال في محاضرات ولقاءات طويلة أو قصيرة، وعمّا كتب... لله دَرّك الذي سيبقى وسيستمِرّ بما تركت لنا من ثروة يا حبيبنا كابلي.
ندعو الله أن يتقبّل عبد الكريم عبد العزيز الكابلي قبولاً حسناً، ويحرِس وينْصُر شباب الثورة.
ستنتصر الثورة بإذن الله وبإرادة الشباب وصمودهم الذي أذهل ويذهل وسيذهل العالم بأسْره.
شكراً سعد الكابلي على هذا التوثيق التاريخي. وأسمح ليَ أنْ أكتب ما قاله كابلي في ذلك اللقاء الذي سجّلته، ليصبح نُصْحاً، صورة وصوت، مَسْمُوعاً ومَرْئيّاً، ومّكْتوباً أيضاً ليُقرأ.
؛؛؛...؛؛؛
في عودته لوطنه الأول السودان، من وطنه الثاني الولايات المُتّحِدة الأمريكيّة، في يناير 2020، استقبل الفنان عبد الكريم الكابلي بمقرِّ إقامته العديد من الزوّار لتهنئته بالعودة، وكان من ضمنهم عبد الفتاح البُرْهان.
أدناه ما قاله كابلي للبرهان وقد حاولت أنْ أتركه بقدر الإمكان مَقْروءً وكأنّه مَسْموعٌ:
إرادة الخالق العظيم في كل زمان وفي كل وقت، أنْ يُعطي بعض الناس وليس جميع الناس، فرصة ليدخلوا التاريخ. وهذه المسـألة الآن تنسحب عليكم أنتم، وعلى الإعلام وعلى أهل الفنّ، فكيف الاستفادة من هذه الفرصة؟ إنّها إرادة الخالق العظيم، حتى بالنسبة للمستقبل والرؤية المستقبلية.
وعشان السودان ما بلد ساهل، فمن القصائد التي كتبتها في السودان "بلد السماحات"، قلت فيها:
كل ما جابو سيرة طيبة أو إحسان.. او نخوة وشهامة وفوت على الأوطان.. قلت أكيد كلامهم كان عن السودان.. يا بلد السماحات البقت عنوان.. إلى آخره.
قولي حول السودان ليس من باب التملُّق، فأنا في حياتي أجامل نعم، أجامل لأبعد الحدود، لكن رياء ما في. يكفي انّه أعْجِب الآخرون بالسودان. الإدارة البريطانية التي حكمت السودان أعْجِبت بالإنسان السوداني. لو نرجع لما كتبه عن السودان ناس سير دوغلوس نيوبولد الذي كان حاكِماً لكردفان، وغيره وغيره، نجد أنّها كلها أمنيات خيِّرات لأهل السودان.. ولم يأت هذا من فراغ.
أهلنا زمان قالوا لنا "كان الناس خبر، كان الزول خبر، يغشى البعيد والدان.. أحسن يبقى خير تطرب له الآذان.. عزّك يا وطن سابق على الأزمان.. من تهراقا من اسبيلتا واللامان".. فالسودان ما ساهل.
ويواصل كابلي في تسجيل آخر ويقول:
السودان الجديد ينظر فيه الشباب إلى العالم، يأخذوا الدرس من كثير من دول العالم، الدول المتقدمة ويهتموا بهذا الأمر. ويهتموا بالعمل وبالتنمية. ويهتموا بالعمل من أجل الوطن، وليس من أجل الحزب الواحد أو المنطقة الواحدة، أو الجِهويّة أو الفِئويّة. يتعاملوا من أجل الوطن بإدراك عميق جداً منهم ووعي بأنّ الاهتمام بالوطن سوف يعود بالخير لكل الناس. وهذا يختلف كل الاختلاف عن الاهتمام بالحزب الضيق، الفئوي أو الجهوي الذي فيه انتماء آحادي.. والأحادية هي ديكتاتوريّة.
وواصل كابلي حديثه ببعض أبيات من إحدى قصائده الوطنية، وأنشد:
ليست الثورة تهليلاً وتطبيلاً لفردِ.. ليست الثورة تكريساً وتدعيماً لقيدِ.. أو هتافاً أزرقياً مُسْلَط السيف لكيدِ.. إنّما الثورة أيد فوق أيد فوق أيدِ.. إنّما الثورة جهد بعد جهد بعد جُهْدِ.. إنّما الثورة حبّ وعطاء وتحدِ.. لقلاع الجهل والفقر والداء الألدِ.. لشرور النفسِ للحقدِ وجور المستبِدِ..".
ويختم كابلي بإنْشَادٍ آخر: "نحو تحقيق الأمل.. لم يعُدْ غير العمل.. للعمل للعمل للعمل.. إلى العمل.. للعمل للعمل لم يعُد غير العمل....."
؛؛؛...؛؛؛
أدناه رابط فيديو يظهر فيه الانقلابي البُرْهان صامِتاً، وعزاءنا أنّ كابلي، وبهدوئه المعهود، لقّنه دَرْساً جرى تسجيله، في تقديري، للراهن قبل أنْ يكون للتأريخ.
‏https://fb.watch/a9g4bdtqoZ/
بوخارست - رومانيا
عصام محجوب الماحي
28 ديسمبر 2021

isammahgoub@gmail.com
////////////////////////

 

آراء