الجنرال حمدي والكوميديان ياسر العطا !

 


 

د. زهير السراج
16 September, 2024

 

مناظير الاثنين 16 سبتمبر، 2024
زهير السراج
manazzeer@yahoo.com

* ظللت أستمع لتهريج ياسر العطا مساعد القائد العام للجيش، وأقرأ ردود الفعل عليه، بدون أن احاول الكتابة منتقدا ما يقول لأنني كنت وما زلت اعتقد أنه شخص مخبول مختل العقل، أو ساعيا للحصول على الترندات مثل بنات واولاد (التك توك)، أو انه مثل كثيرين من العسكر يظن ان (المسدس) هو اساس الحكم وليس العقل والتعليم والتخطيط السليم والسياسات الصحيحة ..إلخ، لذلك لم اعلق على تهريجه وتخاريفه وأحاديثه الفجة التي تفضح ما تنضح به دواخله الفارغة، خاصة انه ظل منذ الايام الاولى للحرب يؤدي بجدارة يُحسد عليها دور الكوميديان الغبي، فيخرج على الناس من حين لآخر متوعدا المليشيا المتمردة بالهزيمة الساحقة وواعدا الشعب الذي يعاني الويلات بسبب الحرب وتداعياتها بحسم الحرب، تارة في ست ساعات، ثم (إزبوع ازبوعين) بدون ان تتحقق نبوءته، الى ان وصلت المدة اخيرا الى (1000 عام) حسوما، ولا يدري احد كم من السنوات أو القرون سيبشرنا بها في الفصل الكوميدي القادم!

* وان نسيت فلن أنسى ابدا الفقرة الكوميدية المثيرة التي اماتنا بها من الضحك في احدى المرات ناصحا المواطنين بالإبتعاد عن منازلهم (بيت بيتين) أو (حيطة حيطتين) حتى يتمكن الجيش من تدمير المنازل فوق رؤوس قوات الدعم السريع بدون ان يصيب المواطنين اى اذى، ولا ادري اى اذى اكثر من الخراب والتدمير، ولقد خرج علينا أخيرا متحدثا عن نظرية خلود القائد العام للجيش في الحكم وجلوسه على رأس الدولة (اربعة خمسة دوراط إنتخابية- دوراط بالطاء)، ولا أدري لماذا (خمسة دوراط) وليس مدى الحياة، أم أنه يأمل في أن يحل محله بعد ان تنتهي الدوراط الخمسة، فهل مثل هذا المخبول يستحق الرد عليه؟!

* على خلفية نظرية الخلود في الحكم وتفوق الجنس العسكري على الجنس البشري لصاحبها العلامة العارف بأمر الله (ياسر بن عبد الرحمن بن العطا)، يقول زميلنا الكاتب القدير (رمزي المصري)، متحدثا عن سبب فساد السودان وضياعه:

* في كتابه القيم جداً (سنوات في دروب العسكرية والسياسة)، وضع الجنرال ( المتقاعد ) حمدي جعفر وهو من أبناء عبري البررة، وأحد الذين قضوا سنوات طويلة في دهاليز العسكرية والسياسة، يده بكل إحترافيه على مكمن داء الحكم في السودان منذ الإستقلال وحتى تاريخ اليوم.

* يصف (حمدي) في سرد مشوِّق بعض تفاصيل حياته قبل الإلتحاق بالكلية الحربية عندما كان طالباً في المرحلة الثانوية في إحدى مدارس الخرطوم، وحرصه على قضاء إجازاته السنوية في مسقط رأسه (عبري)، حيث كان يسافر من الخرطوم مستقلاً إكسبريس حلفا ممتطيا سطح القطار، وفي أفضل الأحوال راكبا في الدرجة الثالثة، أو محشورا في إحدى ممرات القطار المزدحمة بالركاب، ثم ممتطيا ظهر اللوري من وادي حلفا إلى عبري وهو في غاية السعادة لانه سيقضي إجازته وسط أقرانه وأصدقائه، يلهون في البحر أو في يلعبون كرة القدم خلال ساعات النهار، ثم يقضون سهراتهم في النادي.

* ولكن تعالوا لنرى ماذا حدث له عندما قرر زيارة مسقط رأسه بعد تخرجه من الكلية الحربية برتبه ضابط ملازم وعلى كتفه نجمة واحدة، قبل الإنخراط في العمل العسكري.

* رفض الضابط الشاب ركوب قطار إكسبريس حلفا إلا في درجة النوم أو الدرجة الأولى الممتازة في أسوأ الاحوال، وبعد وصوله لوادي حلفا رفض الركوب في ظهر اللوري وأصر أن يجلس بجوار السائق (مقعد أمامي) رغم وجود عدد من الرجال والنسوة الكبار على ظهر اللوري، وعند وصوله لعبري لم يستطع الإنخراط مع أصدقائه وأقرانه كما كان يفعل!

* تساءل حمدي بينه وبين نفسه .. ماذا حدث له، وما هذا التغيير الكبير في حياته، وما هو هذا الزهو الذي بدأ يشعر به بعد أن أصبح ضابطاً في الجيش السوداني؟!

* ويجيب، إنه لم يكن سعيداً بهذا التغيير المفاجيء في حياته والذي حدث بدون رغبته، وانما بسبب ما تم تغذية عقولهم به أثناء الدراسة في الكلية الحربية، بأنهم ــ أى ضباط الجيش ــ مواطنون من الدرجة الاولى، أما بقية الناس فدون ذلك (إنتهى حديث الجنرال حمدي)!

"لا شك ان حديث الجنرال (حمدي) يجسد لنا بالضبط المشكلة الحقيقية التي ظل السودان يعاني منها بسبب منهج الدراسة في الكلية الحربية الذي يُخرِّج للمجتمع ضباطاً يعتقدون إنهم فوق الجميع خُلقوا ليحكموا، ويطيعهم الآخرون، ويلبون أوامراهم ورغباتهم!

* يتخرج ضابط الكلية الحربية وهو يعتقد اعتقادا جازما إنه فوق الكل، ناظرا الى الباقين على أنهم مجرد أشياء لا تفقه شيئاً، وإنه وحده الذي يملك العقل ويمتلك ناصية حب الوطن، والتضحية من أجله، لذلك فإنه الوحيد الذين يحق له الحكم والقول الفصل في شؤون الدولة ومصيرها!!

* بعد أن قرأتُ كتاب ( سنوات في دروب العسكرية والسياسة ) تأكد لي تماماً إن من أوجب واجبات إصلاح السودان (بعد الحرب) مراجعة وتنقيح ما يتم تدريسه في الكلية الحربية ومراجعه منهجها جيداً وتعديله بما يتوافق مع مصلحة الوطن والشعب!

* ما أقوله ليس انتقاصاً من مؤسسه الجيش ولكنها محاولة لكشف مكامن الداء في هذا الجيش. نريد بناء جيش وطني يحترم أبناء شعبه ولا يحتقر الذين يتحملون بالضرورة عبء بناء الوطن جنباً إلى جنب مع الجيش القومي!

• شكرا للجنرال حمدي على الاعتراف الصريح بفساد المناهج في الكلية الحربية السودانية، ولكن مشكلة ياسر اكبر من المنهج. منهج وغباء وعوارة!

 

 

آراء